الجمعة 26-04-2024 01:59:07 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اليمني الجنوبي في ظل سلطة المليشيات.. قمع وحرمان ومتاجرة

الثلاثاء 23 يونيو-حزيران 2020 الساعة 12 صباحاً / الاصلاح نت-خاص- أسماء محمد

يزداد الوضع سوءا في العاصمة المؤقتة عدن، منذ أعلن ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" تفعيل الإدارة الذاتية للجنوب قبل أكثر من شهر، الأمر الذي توسعت معه رقعة الاحتجاجات وارتفعت فيه الأصوات الرافضة لذلك، برغم عمليات القمع التي يمارسها عبر مليشياته.

وعدن ليست وحدها في تلك المعاناة التي تتغذى على ما تبقى من قوة المواطنين التي تتآكل مع انتشار الأوبئة والأمراض هناك، فالوضع ذاته وإن كان أقل حدة في المحافظات الجنوبية الأخرى.

إهمال وتهميش

منذ أن تم تحرير عدن منتصف العام 2015، عانت العاصمة المؤقتة من اضطرابات كثيرة واغتيالات وفوضى أمنية، لم تتعافَ منها حتى اليوم، وانعكس كل ذلك على مجمل المشهد السياسي هناك.

كانت الفرصة أمام عدن، والجنوب عموما، سانحة لتعويض ما دمرته الحرب، لكن لم يتم استغلال الفرصة، وظلت عدن تعاني من الإهمال وتهميش المواطنين، وبرز لاحقا ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي أصبح له مليشيات عملت على تقويض الدولة هناك وحاربتها، ولم تقدم أي شيء للمواطن، برغم احتياجاته الكثيرة.

مشكلات لا تنتهي

في ظل سيطرة الانتقالي على عدن ازداد الوضع سوءا، وهو حال باقي المناطق الخاضعة لهم، وزادت شراهة المجلس الانتقالي للسلطة، وكان المواطن هو ضحية ما يجري هناك، خاصة مع اندلاع جولات عديدة من الحرب بين مليشيات الانتقالي والقوات الحكومية، وكانت الانتهاكات المختلفة هي أبرز عناوين تلك المرحلة.

قتل واختطافات وتعذيب

طوال سيطرة مليشيات الانتقالي تم تصفية عدد من الشخصيات البارزة وحتى عسكريين من المناوئين لهم وحتى المعتدلين، الأمر الذي تكشفت معه مخططات المجلس الذي أراد إفراغ الساحة تحديدا في عدن من أطراف أخرى لها تأثير هناك.

مسلسل القتل والخطف أيضا لم يتوقف حتى اليوم، فقد طالت الاختطافات حتى عضو المجلس المحلي بمديرية التواهي، ورئيس لجنة صرف الرواتب لقوات الحزام الأمني في عدن، محمد طاهر، الذي عينته المملكة العربية السعودية.

أما آخر أبرز تلك الممارسات فكانت بحق الجريح محمد الميسري أحد مسؤولي جمعية جرحى عدن الذي تم إخفاؤه من قِيل مليشيات المجلس مما اضطر الجمعية إلى تعليق عملها لأول مرة احتجاجا على ذلك.

وهذه الأيام يتحدث الناشطون عن وفاة حسين العرشي (20 عاما) بسبب التعذيب في سجون الانتقالي، في ظروف غامضة، ويشعر أهالي أربعة شبان آخرين محتجزين لدى المليشيات بالخوف على حياتهم وأن يكونوا قد لاقوا ذات المصير.

عدن تغرق

خلال سنوات سيطرة الانتقالي على الوضع في الجنوب، تعرضت عدن لأمطار وسيول كثيفة جراء منخفضات جوية تأثرت بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما لم تكن العاصمة المؤقتة معتادة عليه في السابق.

عدن لم تكن تدرك أنها معرضة لمثل هذه المشكلات، وبرغم ذلك لم يعمل الانتقالي -بصفته سلطة أمر واقع هناك- على تقديم أي حلول، حتى إن مناشدات المواطنين لشفط المياه من منازلهم ظلت لأيام دون حلول، واستمر الإهمال وتركت عدن تتعرض للسيول من وقت لآخر، وتحدث أضرار مادية كتضرر الشوارع وتدمير منازل فضلا عن وفيات.

الأوبئة تفترس الجنوب

كنتيجة طبيعية لبقاء مياه السيول لأيام في الشوارع والمنازل، انتشر البعوض بشكل لم يعهده المواطنون في عدن، وبسبب ذلك انتشرت الحميات كحمى الضنك والتيفوئيد والمكرفس، وحمل بذلك السكان هناك أعباء مادية أخرى ضاعفت معاناتهم.

إلى جانب ذلك، تفشى فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بمئات الوفيات وآلاف الإصابات هناك، ففي عدن وحدها تم تسجيل قرابة 1800 وفاة في شهر واحد بسبب الأوبئة المختلفة أبرزها كوفيد-19.

تعاني كذلك باقي المحافظات الجنوبية من فيروس كورونا المنتشر حول العالم، ومع انهيار المنظومة الصحية في الجنوب وعدم استغلال تحرير مدنها منذ وقت مبكر، لا يقل الضرر الذي تواجهه عن الضرر الذي تعيشه المناطق اليمنية الأخرى التي ما زالت تحت سيطرة مليشيات الحوثي.

نهب وتردي الخدمات

استباح الانتقالي خلال فترة سيطرته أموال المواطنين والدولة، وحدثت عمليات نهب وسطو على مساحات شاسعة، ولم يتحرك لذلك المجلس، وهي ذات ممارسات مليشيات الحوثي التي لا تؤمن بالدولة إلا وفق منظورها الخاص. كما يتعرض كذلك القطاع الخاص للنهب بحجة "نضالات القوات المسلحة الجنوبية".

وتفتقد حتى الآن بعض الشوارع للإضاءة، فضلا عن تضرر كثير منها مع السيول الأخيرة التي عانت منها عدن، كما أن انقطاع الكهرباء لساعات كثيرة يؤدي إلى زيادة معاناة المواطنين الذين يعيشون في محافظة ساحلية شديدة الحرارة، والأمر ذاته يتكرر في المحافظات الجنوبية الأخرى.

إضافة إلى ذلك، فإن الجنوب يفتقر حتى إلى كثير من الخدمات المهمة كالاتصالات، إذ ينعدم بعضها، وإن وجدت فإنها غاية في السوء خاصة ما يتعلق بالإنترنت.

ويستغل الانتقالي سيطرته على الجنوب، وقام مرارا بنهب أموال البنك المركزي وكان سابقا يتم استعادة تلك الأموال، لكن هذه المرة لم يحدث ذلك، وسطا على ما يقارب 80 مليار ريال، والتي يفترض أن يقوموا بحمايتها بموجب اتفاق سابق مع البنك.

متاجرة بالقضية الجنوبية

شاهدنا خلال السنوات الماضية كيف تم عرقلة عودة الحكومة وتحديدا عقب ظهور المجلس الانتقالي، فقد منعوا دخول عدن كثير من الوزراء الذين لهم مواقف مناوئة لهم، أو الذين ينتمون لمحافظات وقفت ضدهم كشبوة التي منعت توسع نفوذهم ونجاح انقلابهم.

وبرغم ذلك، وباعتبار الانتقالي هو سلطة الأمر الواقع في الجنوب، إلا أن ذلك المجلس استغل التدهور الحاصل بسبب عدم إتاحة الفرصة للحكومة للعمل على إعادة تطبيع الحياة في المحافظات المحررة، وعمل مرارا على التحريض ضدها، حتى قرر قبل أكثر من شهرين إعلان ما سماها إعادة تفعيل الإدارة الذاتية للجنوب.

لم يشكل ذلك الخبر أي أهمية بالنسبة للشارع الجنوبي الذي يواجه كل مشكلاته وحيدا، كما أن الإعلان لم يحظَ بالتأييد بسبب أن أغلب المحافظات الجنوبية الثمان لا تعتبر الانتقالي ممثلا للقضية الجنوبية.

فشل الانتقالي

أدت كل تحركات الانتقالي إلى تكشف أهدافه أمام الرأي العام وتحديدا الذين كانوا يعتقدون أن المليشيات بيدها عصا سحرية ستحل كل مشكلاتهم، خاصة حين رأوا المجلس يسعى نحو تحقيق أهداف بعيدة عن تطلعات واحتياجات المواطنين، تحديدا حين وجدوا أنفسهم ضحية لكثير من الأوبئة التي صارعوها بمفردهم.

مع تردي الأوضاع أكثر بدأت بعض الأصوات المناهضة للانتقالي بالخروج إلى الشوارع تنديدا بممارساته وإعاقته عمل الحكومة، لكن مليشيات الانتقالي لجأت إلى العنف واستخدمت الرصاص الحي في قمع تلك الاحتجاجات.

بيد أن ذلك لم يغير وجهة نظر المواطنين الذين يتزايد غضبهم جراء تلك الممارسات، وينذر بتحركات أوسع مستقبلا ضد الانتقالي، خاصة مع عدم توحد الموقف في الجنوب، ووجود صراعات بينية عديدة.

الجدير بالذكر أن كثيرا من إيرادات مؤسسات الدولة صارت بيد الانتقالي، يستخدمها لتمويل حروبه ضد الحكومة، كما تفعل مليشيات الحوثي، كما أن قيادات المجلس أثرت ثراء فاحشا، في الوقت الذي لم تعر المواطن الذي تدعي النضال باسمه أي اهتمام، ما يؤكد أن غايته هي السلطة فقط دون تحمل مسؤولياتها وواجباتها.

استغلال اتفاق الرياض

وبعيدا عن ممارسات مليشيات الانتقالي التي لا تختلف عما تقوم به مليشيات الحوثي، يستغل الانتقالي اتفاق الرياض الذي لم يتم تنفيذه حتى اليوم أو أي من ملحقاته، وهو السيناريو الذي تكرره جماعة الحوثي في صنعاء، وأخذت بذلك تتوسع أكثر وتستمر في تحقيق أهدافها.

وتعمل مليشيات الانتقالي حاليا على خوض حروب عدة ضد الحكومة، التي أكدت مؤخرا على لسان وزير خارجيتها محمد الحضرمي أنها لن تقبل بأن يكون اتفاق الرياض ذريعة لاستمرار التمرد المسلح الذي تنفذه مليشيات المجلس، مشيرا إلى أن الاتفاق جاء لإنهاء التمرد وتوحيد الجهود لمواجهة المشروع الحوثي وليس لشرعنة استمرار التمرد على الدولة.

وعوضا عن الذهاب لتطبيق اتفاق الرياض الموقع في نوفمبر من العام الماضي وإخراج المعسكرات من عدن وتسليم اسلحتها كما ينص الاتفاق، إذ بالانتقالي يسارع لفتح جبهة جديدة في سقطرة لتوسيع نفوذه وفرض مشروعه بالقوة لخدمة أجندات وأهداف خارجية، سعيا لتمزيق الوطن وتقاسم ثرواته.

ويبدو أن الانتقالي مصر على المضي في مشروعه الانفصالي، لكن وكما يظهر من خلال استقراء المزاج اليمني وتقييم الاستراتيجية الإقليمية والدولية إزاء اليمن فإن من الصعوبة بمكان حدوث ذلك وبخاصة بعد انكشاف أهدافه للشارع الجنوبي واليمني عموما، وغياب المشروع الوطني، ووجود مشاريع عديدة أخرى في الجنوب، فضلا عن عدم توحد مواقفهم، وتأييد محافظات جنوبية كبيرة لها ثقلها للشرعية، إلا أن مخاطر وجود مليشيات مسلحة في اليمن- شمالا وجنوبا- تتزايد بشكل كبير لما يحمل ذلك من تبعات عدم استقرار اليمن، الأمر الذي يؤثر سلبا على أمن دول الجوار ، ويتضح ذلك من خلال الحوثيين الذين يعملون على تهديد الرياض بشكل مستمر واستهدافهم المملكة ومحاولة جرها الى حرب طويلة الأمد تعمل على استنزافها لصالح المشروع الايراني.

كلمات دالّة

#اليمن