الجمعة 19-04-2024 01:37:12 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ما دلالات وتداعيات نهب مليشيات "الانتقالي" لأموال البنك المركزي في عدن؟

الخميس 18 يونيو-حزيران 2020 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

أقدمت مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، في 13 يونيو الجاري، على نهب سبع حاويات أموال تحوي 80 مليار ريال تابعة للبنك المركزي اليمني، في العاصمة المؤقتة عدن، يأتي ذلك في الوقت الذي ازداد فيه تردي الوضع المعيشي للمواطنين، خاصة الموظفين المدنيين والعسكريين الذين انقطعت رواتبهم خلال المدة الماضية، وزاد من حجم المعاناة ارتفاع أسعار المواد الغذائية جراء انهيار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

وقد أثارت تلك الخطوة استياءً شعبيا واسعا، نظرا لما سيترتب عليها من تداعيات وأزمات إنسانية ستطال مختلف الفئات، علما بأن مليشيات الانتقالي سبق لها أن نهبت أموالا تابعة للبنك المركزي اليمني من قبل، إلا أنها أعادتها بعد ضغوط سعودية، لكنها تواصل مسيرة النهب الذي يطال القطاع الحكومي والخاص ويطال أيضا ممتلكات المواطنين، أي أن مليشيات الانتقالي تسير على خطى المليشيات الحوثية في نهب الممتلكات العامة والخاصة ونهب أموال الدولة. وبقدر ما يمثل نهب الأموال إدانة أخلاقية للمليشيات الانقلابية في صنعاء وعدن، فإنه في نفس الوقت يضع الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها أمام مسؤولية أخلاقية تجاه هذا العبث والنهب، ووضع حد له بالوسائل المناسبة.

- أزمة إنسانية

لا شك أن نهب مليشيات الانتقالي أموالا كبيرة تابعة للبنك المركزي اليمني سيكون له تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية، غير أن الجانب الإنساني يعد أكثر نتيجة كارثية لذلك النهب، كونه سيترتب عليه عجز الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها إزاء الموظفين المدنيين والعسكريين في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، خاصة أن رواتب بعض القطاعات متوقفة منذ مدد زمنية متفاوتة، فمنتسبو الجيش رواتبهم متوقفة منذ سبعة أشهر، والأطباء رواتبهم متوقفة منذ ستة أشهر، ورواتب الموظفين متوقفة منذ أكثر من ثلاث سنوات، خاصة في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية، كما توقفت رواتب الأكاديميين، كل ذلك يأتي في وقت ازداد فيه الوضع المعيشي ترديا، وانهار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

ويأتي نهب مليشيات الانتقالي 80 مليار ريال من أموال البنك المركزي في عدن بعد مرور أقل من شهر على نهب المليشيات الحوثية أكثر من 58 مليون دولار من فرع البنك المركزي في الحديدة، من رسوم استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة، وكانت مخصصة لصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية.

واعتبرت الخارجية اليمنية، في بيان لها، هذا التصرف بأنه يعد مخالفة صارخة من الحوثيين لتفاهمات الإجراءات المؤقتة لاستيراد المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة التي تم الاتفاق عليها مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن مارتن غريفيث، محملة الحوثيين مسؤولية إفشال تلك التفاهمات وما سيترتب عليها من تبعات.

وكانت الحكومة اليمنية قد وافقت، في أكتوبر الماضي، على إدخال سفن الوقود إلى المناطق الخاضعة للحوثيين عبر ميناء الحديدة، شريطة التزام المليشيات بدفع الرسوم الضريبية والجمركية إلى حساب خاص في البنك المركزي اليمني (فرع الحديدة) وتخصيصها لصرف رواتب المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية.

وبإقدام المليشيات الحوثية على نهب أموال فرع البنك المركزي في الحديدة، رغم الاتفاق مع الجانب الحكومي بشأنها، فإنها بذلك حرمت الموظفين الحكوميين في المناطق التي تسيطر عليها من رواتبهم، بعد أن أوقفتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتزداد المأساة بعد نهب مليشيات الانتقالي لحاويات الأموال المطبوعة التابعة للبنك المركزي في عدن.

- مليشيات النهب

يعد نهب البنوك أبرز صفة مشتركة بين مختلف المليشيات والجماعات المسلحة والإرهابية في اليمن، وهي المليشيات الحوثية وتنظيمي القاعدة و"داعش" ومليشيات الانتقالي الجنوبي، حيث تكررت وقائع نهب البنوك من قبل المليشيات خلال السنوات الأخيرة، مستغلة الفراغ الذي خلفه غياب الدولة في عدة محافظات جراء الانقلاب والحرب، وتتصدر مليشيات الحوثيين عمليات النهب، تليها مليشيات الانتقالي، كما أن النهب لا يقتصر على البنوك، وإنما يطال كل ممتلكات الدولة والقطاع الخاص وأيضا ممتلكات المواطنين.

وبخصوص البنك المركزي، فعندما كان مقره في العاصمة صنعاء، فإنه كان عرضة للنهب من قبل المليشيات الحوثية، التي نهبت كل الاحتياطي النقدي فيه من العملات الأجنبية والمقدر بأكثر من 5 مليارات دولار، مما تسبب بكارثة اقتصادية موازية للحرب. وبعد نقل البنك إلى عدن، فإنه صار عرضة لنهب مليشيات الانتقالي بعد سيطرتها على المدينة في أغسطس الماضي، الأمر الذي سيفاقم من الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالمواطنين.

وكان نهب المليشيات الحوثية للاحتياطي من النقد الأجنبي، بعد انقلابها على السلطة الشرعية والسيطرة على العاصمة صنعاء، في ظل توقف تصدير النفط الذي تمثل إيراداته الأساس ﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻷﺟﻨﺒﻲ، قد تسبب ﻓﻲ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺒﻨﻚ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ ﻋﻦ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺮﻭﺍﺗﺐ ﻭﺗﻮﻓﻴﺮ ﺧﻄﻮﻁ ﺍﺋﺘﻤﺎﻥ ﻭﺃﺳﻌﺎﺭ ﺻﺮﻑ ﻟﻤﺴﺘﻮﺭﺩﻱ ﺍﻷﻏﺬﻳﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺨﺎﺹ.

ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﺴﻨﻮﻱ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻨﻚ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﻟﻌﺎﻡ 2017 ﺇﻥ "ﺍﺳﺘﻨﺰﺍﻑ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺗﺴﺒﺐ ﺑﺎﺳﺘﻨﻔﺎﺩ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺒﻨﻚ، ﻭﻋﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺳﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺗﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﺮﻑ ﺍلرواتب ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016، ﻭﻋﺠﺰﻩ ﻣﻨﺬ ﻣﺎﻳﻮ 2016 ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﺎﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺪﺍﺩ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻳﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻟﻠﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻭﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄﺕ ﻟﻠﺒﻨﻮﻙ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻓﺘﺢ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﻳﺔ ﻟﻮﺍﺭﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ".

أما نهب مليشيات الانتقالي أموال البنك المركزي في عدن، فإن ذلك ستكون عواقبه وخيمة من الجانب الإنساني، ذلك أن المتضرر الأكبر من النهب هم الموظفون في القطاعين المدني والعسكري، حيث سيعجز البنك عن تسليم رواتب الموظفين المنقطعة منذ مدد زمنية متفاوتة، وسيترتب على ذلك مآسٍ إنسانية إضافية إلى ما هو حاصل، وإذا استمر النهب والعبث فإن تردي الوضع الإنساني، المتردي أصلا، سيمهد لثورة جياع تعصف بالجميع، ولن يستطيع أي طرف السيطرة عليها.

ويعول المواطنون على الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها لاستعادة الأموال المنهوبة من قبل مليشيات الانتقالي، كون ذلك واجب أخلاقي قبل أن يكون واجبا دستوريا وقانونيا، كونه ليس منطقيا ترك الجنود في الجبهات وترك الموظفين في مختلف القطاعات بلا رواتب وأسرهم تتضور جوعا، بينما تذهب أموال الدولة إلى أيدي لصوص يمولون بها مليشياتهم الانقلابية على الدولة ذاتها، بل فإن التغاضي وعدم استعادة الأموال المنهوبة سيجعل الشعب يفقد ثقته تماما بالحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، وسيجعله ذلك يلجأ لأدواته المتاحة لمواجهة كل ذلك العبث.

- التعاون بين المليشيات

المتأمل في تصعيد مليشيات الحوثيين والانتقالي ضد الحكومة الشرعية سيجده متشابها وكأنه يتم وفقا لتعليمات تأتي من غرفة عمليات واحدة، فنهب البنوك ورواتب الموظفين يتم من قبل كل المليشيات بشكل متزامن، والتصعيد العسكري في عدة جبهات يتم أيضا بشكل متزامن، ولعل إيران هي القوة الإقليمية الوحيدة المستفيدة من كل هذا العبث الحاصل في البوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية.

غير أن الأمر الأكثر خطورة هو أن تتفق مليشيات الحوثيين ومليشيات الانتقالي على انتزاع حقوق الموظفين ونهب طعام أطفالهم من أفواههم، في ظل أزمة معيشية خانقة تعصف بالبلاد منذ أكثر من خمسة أعوام، وبالتالي، فإن ذلك يتطلب تحركا من قبل الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها والمجتمع الدولي للضغط على مليشيات الحوثيين ومليشيات الانتقالي لإعادة الأموال المنهوبة، وصرف رواتب الموظفين في مختلف القطاعات بأسرع وقت، حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة ضد مليشيات مجردة من كل أخلاق وضمير إنساني، وتنهب رواتب الموظفين وأموال المواطنين لتقتلهم بها بعد أن تجرعهم الفقر والجوع.

كلمات دالّة

#اليمن