الخميس 25-04-2024 09:51:55 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح وثوابت الوطن

السبت 16 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 09 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص /  عبدالعزيز الاحمدي

 

بادئ ذي بدء أود الإشارة إلى محدد رئيس ومهم في التقييم لحزب التجمع اليمني للإصلاح أو لغيره من الأحزاب اليمنية، وذاك المحدد هو طبيعة الدولة نفسها، باعتباره في المحصلة النهائية جزء منها، وما يطرأ على الدولة من قوة أو ضعف يطرأ على ما داخلها من مكونات وتيارات وأشخاص وجماعات.


هذا أولا, وثانيا: لا تزال الدولة في بواكيرها الأولى من التأسيس الذي تراجع بناؤها ونخرت السوس أساسها مؤخرا، وبالتالي فإن ما بداخل هذه الدولة هو كذلك حتما.. بدائي.. أولي.. تأسيسي.. إلخ, وما ينطبق على الإصلاح هنا ينطبق على بقية الأحزاب الأخرى أيضا.


أما عن التجمع اليمني الإصلاح فأقول: ثمة ميزتان تميَّز بهما حزب الإصلاح عن غيره من الأحزاب الأخرى، وإن كان بعضها يشاركه أيضا فيهما، وهاتان الميزتان هما:
1ـ أنه حزب جمهوري. تنطلق أدبياته وبرامجه ولائحته الداخلية من النظام الجمهوري كمسلمة عامة، ترقى إلى كونها عقيدة وطنية لكل أبناء الشعب اليمني الذي ناضل قرونا من الزمن للوصول إلى هذه الاستحقاق، مثله مثل المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والوحدوي الناصري، وغيرهم؛ أما عن الأحزاب العائلية والسلالية الأخرى فهي أقل شأنا من أن نشير إليها هنا، وأهون من أن نُلوث بها مقالتنا التقييمية لأهم الأحزاب السياسية اليمنية.


2ـ أنه حزب وحدوي خالص، تنبثق رؤيته الوحدوية ضمن رؤيته الشاملة للوحدة الإسلامية التي تعتبر إحدى الأساسيات المهمة في فكر الحزب "الحركة سابقا" وهي ميزة تستطيع الدولة، ممثلة بقيادتها السياسية أن تجعل منها ضمانة للوحدة الوطنية التي تعاني من شروخات مؤلمة في جدار الوطن الواحد؛ لاسيما ولهذا الحزب حضوره الفاعل والممتد بامتداد الرقعة اليمنية، ولديه من العناصر التنظيمية ما نستطيع أن نقول عنها أنها جنود منظمة، لا مجرد أتباع وأنصار، وهي حالة فريدة لا شبيه لها في التنظيمات الأخرى إلا عند جماعة "الكيان الإمامي" التي برزت مؤخرا، وسحقت بها أركان الدولة، كما قوضت بها السلم الاجتماعي اليمني مع الفارق طبعاً بينهما.!


ولعمري فإن هاتين الميزتين جُمَّاع كل المحاسن الوطنية، أضف إلى ذلك خيار النضال السلمي الذي انتهجه الحزب كاستراتيجية سياسية في النضال لا رجعة عنها، بعيدا عن ثقافة العنف والعنف المضاد، وأتذكر أنه كان شعارا لأحد مؤتمراته العامة.


وهو خيار يتصل بحبل سري إلى خيارات رجالات الإصلاح في اليمن في القرن العشرين على الأقل، من الرواد الأوائل وأبرزهم أبو الأحرار محمد محمود الزبيري -رحمه الله.


كما أنهما (الجمهورية والوحدة) المطلب التاريخي لليمنيين جميعا، ومن أجلهما سُكبت الدماءُ وتكومت الجماجم، ولا يزال الحبل على الجرار، والإصلاح جزء وشريك أساسي في النضال من أجل الجمهورية والوحدة. مع الإشارة هنا إلى أن الإصلاح كان من أقل الأحزاب اليمنية تغنيا بالوطنية، لكنه على الصعيد العملي أكثرها تضحية من أجل الوطن في هذه الأثناء على وجه الخصوص، ودماء أبنائه التي سفكت في مختلف الجبهات قيادات وقواعد لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر.
وعليه نستطيع القول أننا مهما اختلفنا مع حزب الإصلاح إلا أننا لن نستطيع أن ننزع منه أهم ميزتين فيه، وهما: جمهوريته ووحدويته، في زمن تنكرت فيه بعض الأحزاب للجمهورية وللوحدة معاً..!


الأجمل مما في المشهد ــ وباستقراء تاريخ الأحزاب السياسية وما صاحبها من الأداء ــ أن الإصلاح لم يرتكب أي حماقة سياسية بحق الوطن يوما ما أبدا حتى اللحظة، كما فعلت قيادة الحزب الاشتراكي تجاه الوحدة في 94م بإعلان الانفصال، ممثلة بعلي سالم البيض وبعض رفاقه، وكما فعلت قيادة المؤتمر الشعبي العام في العام 2014م بحق الجمهورية والوحدة معا للأسف الشديد، ممثلة بعلي صالح وزمرته..! أقول هذا الكلام ـ وهو حقيقة ماثلة نعيش تفاصيلها إلى اليوم ـ وأنا عضو في المؤتمر الشعبي العام، لا في التجمع اليمني للإصلاح.


هذا تقييم للمشهد بصورة كلية عامة؛ أما إذا دخلنا في التفاصيل والتفريعات، فيمكننا الإشارة إلى الثلمات التي صاحبت أداء الحزب عن غير قصد على الأرجح إذا ما حملناه على حسن ظن، وأرجح أن الأمر كذلك، منها: كما تنعدم لديه المخيلة السياسة واستشراف المستقبل إلى حد كبير، والرؤى الناضجة في إدارة دفة السياسة، خاصة في سنواته الأولى، وإن كان بدأ خلال سنواته الأخيرة يتجاوز بعض هذه الثلمات.


أيضا ممارسة السياسة بحالة من الأخلاق مع خصوم بعضهم بعيدون عن الأخلاق السياسية كليا أو جزئيا، ويمارسون السياسة بلا مسؤولية أو التزام، وهو ما آل بكل التفاوضات والمحاورات التي تمت بينه وبين خصومه السياسيين إلى خسارة فادحة في كثير من مواقفه السياسية؛ بل والخروج من بعضها يجرجر ذيول الخيبة.


أقول هذا وأنا متابع بصورة جيدة تقريبا لكافة تفاصيل المشهد السياسي خلال العشر السنوات الأخيرة، إذ لم يربح هذا الحزب سوى وطنيته وثوابته المبدئية، وهو ربح في حده الأدنى، يؤهله لاحترام الشعب أو قل قطاع كبير من الشعب؛ لكن بالمقابل فإن ذلك يتسبب في دفع كلفة باهظة الثمن أمام الخصوم السياسيين، سواء داخليا أم خارجيا من أصحاب المشاريع الصغيرة، وممن تتقاطع مصالحهم مع مصالح الشعب اليمني، مع الإشارة إلى الموقف البناء والإيجابي للملكة العربية السعودية تجاه كل تيارات المجتمع اليمني كافة، ومنها التجمع اليمني للإصلاح.


مستقبليا.. أمام حزب الإصلاح مهام كبرى بقدر المرحلة وبقدر الأخطار التي تلفها، منها التمكين أكثر للشباب، والتحول الكلي والنهائي من ذهنية الحركة الإسلامية إلى ذهنية الحزب السياسي في التعاطي مع نفسه ومع الآخر، والانفتاح أكثر، على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتركيز أكثر على بناء الدولة الوطنية الجامعة، بعيدا عن مفاهيم دينية ذات صيغ تاريخية أخرى كان لها حضورها الكبير على حساب القيم الوطنية الخالصة، والتخلص من مفهوم الخلافة كفكرة وثقافة والتي أصبحت من الماضي، وهي ثقافة أساسها الوهم واليوتيوبيا، مثلها مثل الإمامة لدى الطرف الآخر، مهما حاولنا أن نبرر لذلك.