الجمعة 19-04-2024 04:53:27 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح كفاح لا يتوقف

الجمعة 08 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ أحمد أبو ماهر
  

ولد الإصلاح من رحم الوحدة اليمنية التي ذهب تالياً للدفاع عنها يوم خذلها بعض من كانوا يزايدون بها، وحين أشرق للوجود صبيحة يوم الثالث عشر من سبتمبر 1990م كان سطوعه تعبيراً عن قيم الوحدة العظيمة المتمثلة في الحرية والتعددية والديمقراطية والتي – للأسف- لم تصمد طويلاً إزاء الهلع والشره الشديدين للسلطة والعبث السياسي الذي مارسه –حينها- شريكا الوحدة حينما جعلا منها غنيمة وعملاً على الاستئثار بها وجعلها حقاً حصرياً ومكافأة لهما على الإنجاز الوحدوي.

أكد الإصلاح -منذ نشأته- على أنه حركة إصلاح وتغيير سياسي واجتماعي ودعوة إحياء وتجديد فكري وتنظيم سياسي شعبي مفتوح ينبذ التبعية والتمثيل لفئة أو طبقة أو منطقة جغرافية معينة. وطبقاً لنظامه الأساسي، فالإصلاح يمثل امتداداً طبيعياً لحركة الإصلاح اليمنية الحديثة، واستجابة طبيعية لنسيج المجتمع اليمني ومقوماته الفكرية والقيمية.

ويصعب الحديث عن الإصلاح بمعزل عن تجاذبات المشهد السياسي وطبيعة العلاقات السياسية غير المستقرة التي شهدتها فترة ما بعد الوحدة بين الأطراف الفاعلة.

اهتم الإصلاح بتجذير العملية الديموقراطية عبر صندوق الاقتراع واغتنام الفرصة التي أفسحتها الوحدة لتكريس التعددية والتداول السلمي للسلطة وإعادة بناء مؤسسات الدولة وإعمال أدوات السياسة كوسائل حضارية للنهوض المجتمعي ومعالجة الاختلالات، فيما سارع الحزبان الحاكمان –آنذاك- من فورهما، وبدافع من الفكر الشمولي والتشبث بالسلطة، إلى تقاسم الدولة والبلد وتغليف ذلك بالمصلحة الوطنية.

بخلاف ما اُشيع عنه، فقد كان الإصلاح أشدَ ترحيباً بالوحدة، بدليل أنه وضع خلافاته جانباً مُفسحاً الطريق للحلول السياسية، وقبل بتقديم التنازلات لتنمو شجرة الحرية والديموقراطية التي بذرتها الوحدة في ظل مناخ توافقي تشاركي يؤمن بحق الآخر ولا يقصيه، وجاءت المسيرة المليونية السلمية التي أخرجها الإصلاح صبيحة 11 مايو 1991 في العاصمة صنعاء احتجاجاً على بعض مواد الدستور لتعكس بجلاء التزامه الثابت بقواعد العمل الديموقراطي السلمي، مقدماً بذلك نموذجاً يُحتذى للفعل السياسي الذي يحترم حق الاختلاف ويلجأ في الوقت نفسه لأدوات السياسة المشروعة للتعبير عن مواقفه وحل خلافاته السياسية.

لقد برهن الإصلاح على مقدرته في التكيف واستيعاب التجربة الديموقراطية القائمة على التعددية الحزبية، ما عكس قناعته بالعمل الديموقراطي واعتباره طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة وتمتين عُرى الوحدة والشراكة الوطنية، وترسيخ دولة النظام والقانون ودعائم الأمن والاستقرار.

دخل الإصلاح معترك الانتخابات التنافسية ليرسخ حق اليمنيين في الاختيار، متكئاً على جهوده الذاتية مفعماً بأشواق التغيير السلمي التي شاطره بها الشعب، يحدوه الأمل بمستقبل أكثر اشراقاً، فيما كان المخلوع صالح - ومن قبل الحزبين الحاكمين- يوظف مقدرات الدولة وأدوات السلطة للتأثير على الناخبين لتعزيز بقائه، فلم تكن الديموقراطية بالنسبة له سوى قناع زائف يخفي وراءه حكماً عسكرياً عائلياً مستبداً يتوشح ثوب الجمهورية وهي منه براء.

كانت المرة الأولى في تاريخ اليمن التي يصل فيها حزب معارض إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، ولم يكن ذلك هو النجاح الوحيد للإصلاح بقدر ما كان نجاحه في الدفع بالعملية الديموقراطية المتعثرة وإكسابها المشروعية والعمل للحفاظ على الهامش الديموقراطي البسيط الذي سمحت به السلطة حينها كي تحافظ على ماء وجهها وبالأخص أمام المجتمع الدولي الذي كان يرقب باهتمام بدايات التجربة.

ويذهب المنصفون من الخبراء والسياسيين للتأكيد على أن الإصلاح أسهم بفاعلية في تجذير الممارسة الديموقراطية حتى غدا بحق أحد شروطها، ويأتي خروجه من المشاركة في السلطة عقب انتخابات 97 كدليل آخر على صدق توجهاته الديموقراطية، في الوقت الذي لم يتخلف عن أي حوار أملته المصلحة الوطنية سواءً مع السلطة أو المعارضة، ولم ينغلق حول نفسه ولم يرفض الآخر، وكانت نوافذه مفتوحة على الجميع بلا استثناء.

 منذ بزوغه على الساحة الوطنية حمل الإصلاح مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة، وقد اعترضته الكثير من التحديات والصعاب وواجه إخفاقاته بشجاعة كأي حزب معارض، لكنه بقي منحازاً للشعب وقضاياه وهمومه متحملاً بصبر تبعاتها عليه، فانحاز -مع الشعب- إلى صف الوحدة، والى صف القضية الجنوبية العادلة ببعديها السياسي والحقوقي، ورفض الانجرار خلف المخلوع صالح في حروبه العبثية الست في صعده، وشكل مع أحزاب المشترك أقوى حركة معارضة شهدتها اليمن في تاريخها المعاصر، وتبنى معها وثيقة إصلاحات سياسية شاملة، وخاض مع السلطة عشرات من جولات الحوار للخروج من المأزق السياسي أفشلها تعنت صالح ومراوغته، ودفع الإصلاح -مع المشترك- الشعب اليمني للخروج في هبة شعبية للتصدي لمشروع التوريث الذي أعلنه صالح بتصفير العداد ثم قلعه تالياً.

وحين خرج الشعب اليمني في ثورة 11 فبراير 2011 السلمية انحاز إليه الإصلاح وقدم كل التضحيات لأجل نجاح الثورة الشعبية سلمياً، ثم قبل المبادرة الخليجية ليؤكد انحيازه إلى الخيارات السلمية بما يجنب الوطن ويلات الحروب، وشارك في مؤتمر الحوار الوطني يحدوه الأمل بحل كل المعضلات التي تقف حائلاً أمام نهضة اليمن وجمع شمل اليمنيين، وبالفعل تم التوصل الى وثيقة الحوار الوطني الشامل التي تعد بحق أفضل وثيقة صاغها اليمنيون في تاريخهم السياسي، لكن تحالف صالح الحوثي انقلب عليها بعد أن كانوا شركاء فيها ما جعل الإصلاح ينحاز مجددا للدولة والشرعية السياسية التي جاءت بهما ثورة فبراير ليبقى الإصلاح في مسيرة كفاح لا تنقطع من أجل استعادة الدولة والجمهورية وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر التي تضافرت مع أهداف ثورة فبراير لبناء يمن جديد يرفض التوريث وحكم السلالة والطائفة ويعيد للشعب حقه في الاختيار.