الخميس 28-03-2024 13:02:53 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

التنمية المجتمعية في القرآن (2-5) المجال العلمي

السبت 21 مارس - آذار 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص- عبد العزيز العسالي

  

خلاصة الحلقة الأولى: مركزية كرامة الإنسان ضرورة إنسانية ومنها تنبثق الحرية والمساواة وسائر الحقوق.

- كل الحقوق مقدسة ملازمة لقدسية كرامة الإنسان.
- الاستخلاف وعمارة الأرض هي الغاية من التكريم.
- الاستخلاف وعمارة الأرض مرتكزهما ومحورهما "القيام بالقسط".
- العلم طريق الاستخلاف هدفه القيام بالقسط.. ومجموع الثلاثة هو الورثة الصالحة.. الورثة بكسر الواو وسكون الراء.

- الطريق إلى الوراثة الصالحة هو تنمية المجتمع.
- الطريق إلى تنمية المجتمع هو العلم.. والعلم موضوع هذه الحلقة.. فنقول: ما هي دواعي تنمية المجتمع علميا؟ ما هي مدخلات العلم المطلوب لتنمية المجتمع؟ ما المنهجية العلمية التربوية والفكرية؟ ما هي المخرجات والمهارات الذهنية والعملية المطلوبة؟ ما الغاية التي يتمحور حولها التكوين العلمي؟

سنحاول قدر المستطاع الإجابة على الأسئلة الآنفة بإيجاز فنقول: ما كان فطريا لم يعد مجديا.. والمقصود هنا أن أغلب وسائل العيش التي استخدمها الإنسان قبل 100 عام لم تعد ذات جدوى جهدا وإنتاجا فضلا عن تحقيق أهداف النهوض والرفاه.

وعليه، فالوسائل المناسبة والملبية للواقع المعيش باتت ضرورة، والطريق إلى الوسائل الأكثر فاعلية هو:

أولا- العلم:

"فاعلم أنه لا إله إلا الله".. إنها مركزية التوحيد للخالق العليم الذي "علم آدم الأسماء كلها".. فالله حين علم آدم الأسماء علمه اسم الشيء وصلته بالسنن النافعة والضارة.

ثانيا- خصائص العلم الباني للحياة:

بما أن الوسائل الفطرية لم تعد ذات جدوى، فإننا نجد أنفسنا أمام حركة حياة متجددة تستدعي أن نعيد النظر في العلم الباني لحياتنا.. فما هي معالم وخصائص العلم الذي نريد منه تنمية المجتمع؟

1- القراءة:
"اقرأباسم ربك الذي خلق".. ما نوع هذه القراءة؟ المقصود هنا نوعان من القراءة: قراءة الكتاب المسطور.. وقرآءة الكون المنظور.. اقرأ باسم.. هنا يشير إلى الحروف.. خلق الإنسان من علق يشير إلى السنن والأسباب المتصلة بالكون والنفس والاجتماع.

2- العقلانية المؤمنة:
هذه هي الخصيصة الثانية من خصائص العلم المطلوب.. وهي من صميم الآية (اقرأ).. ذلك أن النظر في (العلق) هو عين العقلانية المؤمنة القارئة باسم الله.

الحقيقة أن أمة الإسلام ضيعت ريادتها القيادية فأضاعت غيرها وذلك يوم تخلت عن العقل واعتبرته عدو النص.. وصدق شيخنا محمد الغزالي عليه سحائب الرحمات.. حيث وصف محاربة العقل في تراثنا الإسلامي أنها سوأة فكرية.. يا شيخنا.. أهي سوأة؟ نعم.. وأسوأ منها من يعتبر ذلك الصراع التاريخي دينا مقدسا.. تراث حمل صراعا ظرفيا يقول: الرأي ليل والحديث نهار.

نعم.. لسنا بحاجة إلى الرأي في قضايا العقيدة والفرائض والقيم العليا.. نحن بأشد الحاجة إلى فلسفة الحياة.. فهل تراثنا الموروث من منتصف القرن السادس احترم العقيدة؟ لا.. لقد ترك فلسفة الحياة وخاض في العقيدة.. ما هذا الانقلاب؟ بسيط إنها القرشية والسلالية والعنصرية وربط السياسة بالرحم هو السبب وراء هذا الضياع الذي قذف بأمة الإسلام في هاوية التخلف فلم يقم لها عثرة.

3- مفهوم التسخير:
التسخير من المفاهيم المركزية في القرآن الكريم.. وهو مجال لا زالت أرضيته بكرا لم يصلها العقل المسلم.

لقد وجه أبو حامد الغزالي ضربته إلى فلسفة البرهان السببي فلم يقم لها عثرة.. والسبب هو الصراع مع الباطنية الشيعية الهرمسية الفارسية لصالح السلطة الزمنية التي عاش الغزالي في كنفها.. لم يكن الغزالي مغفلا حتى النهاية، بل كان أحد أذكياء العالم بشهادة خصمه ابن تيمية رحمهما الله.. ذلك أن الغزالي، رحمه الله، بعد تخلي السلطة عنه عام 448 هـ.. عاد ليبني أصول الفقه وفق المنهج البرهاني السببي المقاصدي الرائع.. وألف كتابه الفذ "القسطاس المستقيم".. مؤكدا وبكل قوة أن الطريق إلى العلم الشرعي هو البرهان العقلي السببي الرياضي.. ولكن هيهات.. فالعقل الفقهي كان قد انزوى في نفقين اثنين.. نفق التقليد المذهبي ونفق التصوف الفلسفي.. فضاعت كتب القسطاس.. والمنخول ومعيار العلم.. وحضر كتاب الصراع -تهافت الفلاسفة.. وإحياء علوم الدين.. علما بأن الإحياء فيه نظرات برهانية ثاقبة، ولكن أنى للعقل الذاوي في نفق التقليد ونفق التصوف المنكر للأسباب والبراهين أن يفيق؟

وإليك أيها القارئ نموذج فتوى باختصار شديد.. قال أحد الفقهاء في القرن السادس: لو أن شخصا من صنعاء ساكن في فاس بالمغرب عقد نكاح ابنته هناك في المغرب وهي ساكنة في صنعاء وأصبحت البنت حامل فالولد للزوج.. والسبب ربما يكون من أهل الخطوة.

4- ضبط المنهج: باختصار نريد منهجا عقلانيا سننيا يتعامل من المبدأ المركزي المتمثل في التسخير بعيدا عن الخطابة الإقناعية.. والطريق إلى هذا هو التالي:

5- إعادة ضبط الجهاز المفاهيمي للتفكير:
المقصود بضبط الجهاز المفاهمي للتفكير الفقهي يعني صناعة المفكر.. إصلاح العقل الفقهي أولا.. من أفق المدخلات العلمية الآنف ورسم سياسة إجرائية تربوية تصب في اتجاه محوري موحد هو "مبدأ القيام بالقسط".. ولن يتم الوصول إلى ما سبق إلا من خلال استحضار وترسيخ المفهوم التالي:

6- ميلاد الفيلسوف الفقيه:
أكرر القول الفيلسوف أولا.. ثم الفقيه ثانيا.. وهذا لن يتأتًى لنا إلا بالخصيصة التالية وهي:

7- صغار العلم:
نعم صغار العلم.. أتدرون ما هي؟ إنها علم الأهداف والمقاصد والغايات.. هذا هو القسطاس وهذا هو صغار العلم كما نص عليه كبار فقهاء المقاصد.. وفي مقدمتهم الجويني والغزالي والشاطبي وابن تيمية وابن القيم وابن عاشور و... إلخ.

إذا سألت: إذا كانت هذه صغار العلم فما هي كباره؟ الجواب: الكبار هي معاني الحروف ودقائق اللغة وجزئيات النصوص.

8- كليات الفقه:
هذه الصيغة الفقهية المقاصدية لصغار العلم والتي يقوم بها هم "الربانيون" كما نص عليها الشاطبي وغيره.

9- ثقافة مقاصدية:
المقصود هنا تحويل فقه الكليات والأهداف والسنن إلى ثقافة مجتمعية بدءا من الصفوف الدراسية الأولى.. وهنا سنكون قد اقتربنا من تكوين الثقافة الخُلقية السببية في طريق إقامة مجتمع التنمية، وسنتطرق له في الحلقة الثالثة.. نلتقي معها بعونه سبحانه.