الجمعة 29-03-2024 11:19:14 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

جمعة الكرامة.. وثبة انطلاق لثورة 11 فبراير وبداية الانتكاسة للثورة المضادة

الأربعاء 18 مارس - آذار 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد السلام الغضباني

 

تتلازم جمعة الكرامة (18 مارس 2011)، مع ثورة 11 فبراير 2011، فبقدر ما أضفت جمعة الكرامة على ثورة 11 فبراير كما كبيرا من المهابة والهالة الوطنية، فإنها في الوقت ذاته شكلت وصمة عار في جبين النظام الحاكم سابقا، ذلك أنها عرت ذلك النظام، وبينت أن الثورة كانت ضرورة وطنية للتخلص من نظام سلطوي مستعد لارتكاب كل الجرائم الوحشية ليبقى على كرسي الحكم ويورثه لعائلته من بعده.

وبقدر ما كانت جمعة الكرامة وثبة انطلاق لثورة 11 فبراير، فإنها في الوقت نفسه كانت بداية الانتكاسة للثورة المضادة، فمن لحظتها بدأ النظام الحاكم يتفكك من داخله، وأحدثت الاستقالات المتوالية منه لقيادات عسكرية ومدنية اهتزازا كبيرا في صفوفه أفقده التوازن، بعد أن توالت الإدانات المنددة بتلك المجزرة البشعة التي راح ضحيتها أكثر من خمسين شهيدا من خيرة شباب اليمن، بالإضافة إلى جرح المئات، وما زالت تلك المجزرة البشعة والمؤلمة بمثابة الوقود الذي يجدد روح الثورة ويمدها بأسباب الاستمرار حتى القضاء على الانقلاب والثورة المضادة، ثم استئناف المسار الثوري التحرري حتى تتحقق أهداف الثورة كاملة.

- ارتدادات عكسية

كان لمجزرة جمعة الكرامة ارتدادات عكسية على النظام السابق، حيث بدأ ذلك النظام في التفكك والانهيار التدريجي، بعد أن انشقت عدة كتائب وألوية عسكرية عنه وأعلنت الانضمام للثورة وحمايتها، وأيضا انشقاق عدد من قيادات حزب المؤتمر ومسؤولين حكوميين وأعضاء في البرلمان ومجلس الشورى وإعلانهم تأييد الثورة والتبرؤ من جرائم نظام علي صالح ومعاونيه ضد المعتصمين السلميين العزل.

وكان لافتا بعد المجزرة ازدياد أعداد المعتصمين في مختلف ساحات الحرية والتغيير في مختلف أنحاء البلاد، وازدياد حدة السخط الشعبي ضد علي صالح ونظامه، وبالتالي ازدياد المطالب الشعبية برحيله ومحاكمته على جرائمه، وانضمام عدد كبير من قيادات وقواعد حزب المؤتمر للثورة وتأييد مطالبها المشروعة.

وبسبب مجزرة جمعة الكرامة، خسر نظام صالح علاقاته مع حكومات عدد من البلدان الشقيقة والصديقة، كما خسر كثيرا من علاقاته الزبائنية وشبكة المصالح التي شكلها حوله داخل البلاد، وبات الجميع ينظرون له كحاكم دموي لا يتورع عن سفك دماء شعبه
وهم عزل من السلاح، وينادون بمطالب مشروعة كفلها لهم دستور بلادهم التي يحكمها، وأقسم اليمين الدستورية بتطبيق ذلك الدستور عدة مرات كلما جدد لنفسه استئناف حكم البلاد، سواء بإجراء تعديلات دستورية أو من خلال انتخابات مزورة.

وإزاء تلك النتائج العكسية لمجزرة جمعة الكرامة، شعر علي صالح ومعاونوه بالارتباك والانهيار النفسي والمعنوي، وكانت تلك المجزرة نقطة تحول مفصلية في مسار الثورة من جانب، وفي عمر نظام صالح وتماسكه من جانب آخر، وبدأ العدل التنازلي لنظام حكمه من تلك اللحظة التي ارتكب فيها المجزرة، ليتسارع مسار الأحداث بعد ذلك وتتعدد محطاته وتموجاته، ليشهد الجميع نهاية المسؤول الرئيسي عن تلك المجزرة، علي صالح، وبطريقة تشبه الطريقة التي قتل بها شباب الثورة، وعلى أيدي مجرمين قتلة يشبهون بلاطجته الذين استأجرهم لتنفيذ تلك الجريمة البشعة والمخزية في آن.

- المجزرة كشاهد على الفشل

كانت مجزرة جمعة الكرامة خير شاهد على فشل نظام علي صالح وبشاعته، بل لقد مثلت ذروة الفشل في الإدارة والتعامل مع مطالب الشعب، وهو فشل شمل مختلف الجوانب، وفي مقدمته الاقتصاد والطب والتعليم ومختلف الخدمات العامة، حتى بدا العهد الجمهوري وكأنه نسخة مشوهة من عهد الحكم الإمامي الكهنوتي الذي كان من أبرز سماته الفقر والمرض والجهل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وانعدام فرص العمل، وتدني الدخل السنوي للمواطن اليمني، وضآلة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص، مما تسبب بظهور وتنامي ظواهر اجتماعية خطيرة، مثل: الانتحار، والسرقة، والقتل، والجنون، والاضطرابات النفسية، والهجرة غير القانونية إلى دول الجوار بحثا عن العمل، وغير ذلك.

وتكشف مجزرة جمعة الكرامة أن ثورة 11 فبراير 2011 كانت ضرورة وطنية اقتضتها ضرورة التخلص من نظام حكم لا يؤتمن على وحدة البلاد وعلى أمنها واستقرارها، ولا يؤتمن على العمل لصالح المواطنين، والقيام بالدور الطبيعي للدولة تجاه مواطنيها، ويسخر كل إمكانيات البلاد ومقدراتها لصالح مجموعة من المنتفعين، بينما الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني يعانون الفقر والجوع والمرض.

ورغم اندلاع ثورة مضادة عنيفة ضد ثورة 11 فبراير 2011، إلا أن ذلك ليس نهاية المسار، ذلك أنه من الطبيعي أن أي ثورة شعبية سلمية لا بد أن تواجه بثورة مضادة، والثورات المضادة -كالعادة- دائما مصيرها الفشل والهزيمة، وكل ما تنجح فيه الثورات المضادة هو أنها تؤخر عملية التغيير فقط وليس إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، كما أن الثورات المضادة تجعل الجماهير يحصنون ثوراتهم وتنقيتها من الشوائب ومخلفات النظام السابق، وبالتالي الانطلاق إلى المستقبل المنشود.

ورغم ضخامة التحديات الجسيمة التي واجهتها ثورة 11 فبراير، لكنها تمكنت من الصمود وإرباك المخطط الانقلابي، وكان شباب الثورة وأنصارها من أوائل فئات المجتمع التي تصدت لانقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق على السلطة الشرعية، ولو أن هذا الانقلاب حدث في ظل ظروف طبيعية ولم يتزامن مع استمرار الثورة لما اندلعت انتفاضة مسلحة ضده منذ البداية، أي أن الثورة السلمية تحولت فجأة إلى ثورة مسلحة أربكت الانقلابيين منذ اللحظة الأولى، وتشكلت مقاومة شعبية مسلحة من رحم ثورة 11 فبراير، تحول جزء كبير منها إلى جيش وطني يكبد الحوثيين الخسائر الفادحة في مختلف الجبهات، بل وأربك المشروع الإيراني التخريبي الذي يستهدف الدول العربية جمعاء وليس اليمن فقط.

- تفكيك الثورة المضادة

لقد تمكنت ثورة 11 فبراير 2011 من تجريف وتفكيك الثورة المضادة لها، منذ جمعة الكرامة، من خلال العديد من الخطوات، والتي ربما لم تكن مدروسة، ولكنها عكست نضج ويقظة شباب الثورة وحراستهم لها وحفاظهم عليها.

في البدء، كان لترحيب شباب الثورة بالمنشقين عن نظام علي صالح والقبول بهم في ساحات الحرية والتغيير دورا كبيرا في تشجيع المزيد على الانشقاق عن النظام العائلي وانضمامهم للثورة، مما تسبب في تسارع تفكك نظام علي صالح، ولو أنهم لم يرحبوا بهم ورفضوا انضمامهم للثورة لبقي النظام العائلي قويا متماسكا.

كما أن تمسُّك شباب الثورة بالسلمية وعدم انجرارهم إلى مربع العنف، رغم الاعتداءات الوحشية عليهم من قبل بلاطجة النظام والتي وصلت حد القتل، وصمودهم أمام آلة الموت والقمع، أثار ذلك تعاطف قادة الجيش الشرفاء الذين أعلنوا انضمامهم للثورة وحمايتهم للشباب المعتصمين.

وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية، وتسليم علي صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، استمر شباب الثورة في اعتصاماتهم ومظاهراتهم السلمية للضغط على الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق الوطني والقوى السياسية المختلفة لتبني أهداف ثورة 11 فبراير، وخاصة أثناء مؤتمر الحوار الوطني، بالإضافة إلى الضغوط التي نجحت في إعادة هيكلة الجيش، حتى وإن كانت الهيكلة شكلية أو غير مكتملة، وأيضا إزاحة أفراد عائلة صالح من مناصبهم العسكرية الحساسة.

أضف إلى ذلك، أن الانفتاح السياسي والثقة المتبادلة بين شباب الثورة والقوى السياسية التي ساندتهم وبين بعض رموز نظام علي صالح الذين انضموا للثورة أو التزموا الصمت، جعلت هؤلاء يتخلون تماما عن صالح ويوثقون علاقتهم بقوى الثورة، أي أن ذلك خلق جو من الاطمئنان لديهم، خاصة بعد سنوات التهميش والإقصاء إبان الحكم السابق.

وكان لانسحاب شباب الثورة من المواجهة العسكرية مع الحوثيين أثناء محاولتهم اقتحام العاصمة صنعاء، بعد ثلاثة أيام من المواجهات وحرب الشوارع، دوره الكبير في جعل قوى الثورة المضادة تشكك في بعضها وتفاقم خلافاتها حتى وصلت إلى مرحلة المواجهة المكشوفة فيما بينها، ولولا ذلك لنجحت خطة القضاء على ثورة 11 فبراير بحذافيرها.

وبعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين وحليفهم علي صالح، أيد شباب الثورة التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، وانخرطوا في جبهات القتال ضد الانقلابيين.

وبعد أن تمكن الحوثيون من قتل حليفهم علي صالح، ركز شباب ثورة 11 فبراير والقوى السياسية المساندة لها على جعل مطالب الثورة وأهدافها السبيل الوحيد لتحصين البلاد من عودة الإمامة وخطرها على اليمن ودول الجوار، مما جعل كثيرين ممن لم يؤيدوا الثورة يتبنون هذه المطالب ولا يرون فيها غضاضة، إذا كانت ستصون وحدة البلاد وتحصنها من خطر الإمامة.

- ما بعد تفكيك الثورة المضادة

وقد وصلت قوى الثورة المضادة، وهي نظام علي صالح والحوثيون وفئات صغيرة أخرى، بعد المواجهات المكشوفة فيما بينها، إلى نتيجة خطيرة تتمثل في تفكك وانهيار نظام علي صالح وتمزق حزبه وخروجه من دائرة الفعل السياسي والعسكري، وتسليم إرثه العسكري والقبلي والسياسي للحوثيين، الذين ازدادت قبضتهم وقوتهم بعد قتلهم له، ويعني ذلك أن الثورة المضادة لثورة 11 فبراير 2011 احتكرها الحوثيون.

ويمكن القول إن تمكن شباب ثورة 11 فبراير 2011 والقوى السياسية المساندة لها من محاصرة الثورة المضادة وتجريفها وتفكيكها حتى صارت حصرية على الحوثيين فقط، كل ذلك جعل الأمر محصورا بين خيارين: إما النجاح التام لثورة 11 فبراير 2011، والقضاء التام على الثورة المضادة التي يتبناها الحوثيون، أو العكس، وهو ما لن يقبل به شباب الثورة ولا القوى السياسية المؤيدة لها ولا دول التحالف العربي.