الخميس 25-04-2024 02:19:27 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التنمية المجتمعية في القرآن (1-5) المجال المعرفي

الثلاثاء 17 مارس - آذار 2020 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي

"من يستهلك ثقافة الغير لم يبن تنمية ولن يصنع نهضة".
فلاسفة الاجتماع.

بدون مقدمات نستطيع القول جازمين إن تعريف التنمية المجتمعية من أعقد التعاريف، نظرا للتباين الواسع في تعريفها، غير أننا سنختار المفهوم المعتمد لدى الأمم المتحدة.. فنقول: مفهوم التنمية المجتمعية هو العملية الشاملة في مجتمع معين المتمثلة في العلاج المتوازن المتكامل لجميع المظاهر الخدمية العامة والمتجددة لزوما الهادفة إلى البناء الاجتماعي والحضاري.

التعريف المقاصدي للتنمية:

سنحاول توليد تعريف للتنمية من المنظور المقاصدي الإسلامي فنقول: إن التنمية مقاصديا هي جلب اللذات والأفراح ودرء المفاسد والآلام والغموم على الدوام، وذلك من خلال حفظ إيمانهم وحفظ التفاعل بين متغيرات الحياة والنفس والبنين والمال على المستوى الحاجي والضروري والتحسيني.

باختصار، التعريفات السابقة هي تفكيك للتعريف المقاصدي القائل: "قواعد الأحكام مصالح الأنام".

من خلال ماسبق يمكننا طرح السؤال التالي: نص القرآن في أكثر من آية أنه جاء ليحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون.. فهل التنمية من القضايا المختلف فيها، وبالتالي جاء القرآن ليقدم حولها القول الفصل؟ إذا كان الأمر كذلك.. فما هي مجالات التنمية المجتمعية التي تناولها القرآن؟

الجواب:

- عرفنا أن فلاسفة الاجتماع اختلفوا في التعريف واخترنا المفهوم الأقرب وعززناه بالتعريف المقاصدي.

- القرآن تحدث عن مضامين التنمية المجتمعية تارة.. وتارة تحدث حرفيا عن بعض أسس أو مكونات ومجالات التنمية المجتمعية.

- نستطيع القول إن مضامين التنمية المجتمعية قد أعطاها القرآن حيزا واسعا بين آياته.. فعلى سبيل المثال، العلم هو الإطار الناظم لسائر الأسس والمكونات والمجالات.. نجده قد استأثر بين آي القرآن بعدد 750 آية..
الرحمة في 427 آية.

الإنفاق والتكافل والبر والصلة والتعاون على البر.. وأحكام القرآن ومقاصده في المال قرابة 300 آية.. الأخلاق عموما والعدل والشرعية السياسية والسلطة والقيود الواردة عليها والشورى التنفيذية ورفض الظلم ومحاربته ورد في
قرابة 1200 آية.. المجموع 2657 آية.

إذن.. موضوع التنمية المجتمعية أعطاه القرآن حيزا تجاوز ثلث القرآن ونصف الثلث تقريبا.

- هذا العدد الواسع من النصوص حول موضوع التنمية المجتمعية يصعب علينا استعراضه، وعليه فإننا حصرنا الحديث في أبرز مجالات التنمية وهي خمسة مجالات، هي: المعرفي، العلمي، الخلقي، الاقتصادي، والسياسي.

وكل مجال سنفرد له حلقة خاصة متوخين الإيجاز الشديد.. فإلى موضوع الحلقة الأولى وهو المجال المعرفي.

مركزية كرامة الإنسان:

لا يمكن لأي مجتمع أن يقيم تنمية مجتمعية تنتشل المجتمع من هاوية التخلف والتبعية إذا لم يكن الإنسان فيه يتمتع بكرامة تامة في كل جوانب حياته.. هذا من جهة.. ومن جهة ثانية.. يجب أن تكون الكرامة صادرة عن خالق الإنسان وتضمنتها نصوص مقدسة.. فلا قيمة لكرامة مصدرها تواضع بشري.. فمهما بلغت ضماناتها
فإن برتوكولات الاتفاقيات حول كرامة الإنسان يعرفها الكثير.. فقد وضعت كرامة منقوصة من اللحظة الأولى وحصرتها عمليا وسلوكيا في إطار جغرافي معين وعرق أو طائفة أو مجتمع معين.. وتم تسويق الكرامة للغير حبرا على ورق.

من جهة ثالثة، إذا كان قد اشتهر عن فلاسفة كبار أقوالا تتفق حول مفهوم "الإنسان حيوان ناطق"، فإن القرآن قد نص صراحة أن الإنسان كائن بشري آدمي مكرم.. "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، الإسراء.

وعليه، إذا سلمنا اعتقادا وسلوكا بهذا التكريم سنكون قد تمحورنا حول مركزية كرامة الإنسان وبالتالي سينبثق عن هذه المركزية استحقاقات أخرى كلها تصب في خدمة التنمية المجتمعية وصولا إلى النهوض الحضاري والانعتاق من أسار التخلف والتبعية أيا كانت.

فما هي أسس التكريم؟ ما مظاهره؟ ما تجلياته؟ ما هدفه؟ ما الظلال المستفاد من هذا التكريم؟

أولا- أساس التكريم:

- النفخة الروحية من الخالق الحكيم في ذلك الطين فخرج مزيجا من الطين والروح والعقل.

- سجود الملائكة.. فلم يكن السجود للطين وإنما للنفخة الصادرة عن الخالق العظيم.

التجليات:

- العلم..
"انبؤوني بأسماء هؤلاء".
"سبحانك لا علم لنا".
"يا آدم انبئهم بأسمائهم".
الله أكبر.. هنا تجليات الكرامة للإنسان.. سنتحدث عن العلم في الحلقة الثانية.

- حرية الاختيار، هي التجلي الأبرز لمركزية الكرامة الإنسانية..
"وهديناه النجدين".
"إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا".
"لا إكراه في الدين".
والنصوص كثيرة جدا..

- التسخير الكوني للإنسان.. "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه".. والحقيقة أن التسخير من المفاهيم المركزية في القرآن وتحتاج إلى بحث مستقل.

- إنزال الشرائع الهادية للإنسان وهي هادية للحياة الأفضل والأقوم والأرشد دنيا وأخرى.. والأمم إزاء التزام هذا التشريع القويم صنفان: صنف يلتزم تعاليم الشرع دنيا وأخرى.. وصنف يحب عليه التزامه دنيويا وفق سنن التسخير والمنهج الرباني القويم حتى لا يفسد المجتمعات.

الهدف: الهدف أو الغاية من خلق الإنسان ومن هذا التكريم العظيم هو الاستخلاف وعمارة الأرض.

ظلال التكريم:

مركزية الكرامة الإنسانية الواردة أعلاه والمكونة من الأسس والتجليات والتسخير والهدف والغاية.. ومن اختيار الله للإنسان في عمارة الأرض.. علما بأن الجن والملائكة في الظاهر هم الأقوى.

وعليه، يمكننا أن نستنتج من ظلال ما سبق أن الإنسان هو أقوى مخلوق في الوجود للاستخلاف وعمارة الأرض.. فما هي الطريق إلى الاستخلاف والعمارة؟ إنه طريق العلم وهذا هو موضوع الحلقة القادمة.. نلتقي بعونه سبحانه.

كلمات دالّة

#اليمن