الجمعة 19-04-2024 08:42:16 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

فقه الثورات من خلال أحداث ثورتَي 48 و 62

الإثنين 21 أغسطس-آب 2017 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عمر دوكم

 

- بدأ الأحرار اليمنيون محاولات الإصلاح والنضال السلمي 1918م، وقد عانوا من الحكم الإمامي الأمَرّين؛ فمنهم من قتل، ومنهم من نُفي، ومنهم من سجن ومات في السجن. وفي 1944 سُلسل الكثير منهم بالمغاليق والأغلال واقتيدوا حفاةً مشاةً إلى السجون.

ثم قاموا أخيراً -بعد جهود مضنية وطويلة- بثورة 48 الدستورية التي لم يكتب لها النجاح لعوامل كثيرة، وسيقوا بعدها إلى السجون ومعتقلات التعذيب وقطعت رؤوس الكثيرين منهم.

جاء السجان يجرُّ رجل القاضي العلامة عبدالرحمن الإرياني ليضرب عليها القيد بالمطرقة فسالت مدامع الشاعر إبراهيم الحضراني لهذا المنظر وقال:

 الآن آنَ لمقلتيّ أن تدمعا  ولقلبي المحزون أن يتصدعا

ثم قال يصف السجان:

ويجرُّ رِجلاً لو يُقاس نعالها    بجبين سيده لكانت أرفعا

وبدأت تتوالى الوريقات الصفراء (التلغراف) إلى عاملي الإمام في المحافظات بقطع رؤوس الثوار، وكان أول من قطعت رأسه عبد الله الوزير وزيد الموشكي بتلغراف من الإمام أحمد كان نَصه: "من أمير المؤمنين أحمد يحيى حميد الدين إلى عاملنا في حجة يكون قطع رأس عبد الله الوزير وزيد الموشكي".

قال الشهيد الموشكي لعامل حجة في ساحة الإعدام: "أين الحكم بقطع رأسي؟"، فناوله الوريقة. قال زيد الموشكي: "أهذا حكم بإعدام إنسان؟!"، أين القضاة؟ أين الشهود؟ أين أخذ الأقوال وسماع الأطراف؟

وعامة المتجمهرين في ساحة الإعدام يشاهدون ما يجري. لقد أراد -رضي الله عنه- أن يمارس دوره في توعية الناس حتى وهو يجود بآخر أنفاسه ولحظات حياته. فتناوله السياف بسيفه وقطع رأسه في الحال. استشهد الشاب زيد الموشكي وهو في الثلاثينيات من عمره، وكان فقيهاً أديباً شاعراً، قوي الكلمة والشخصية، وكان الإمام أحمد -رغم جبروته- يهاب زيد الموشكي، ولذلك بدأ بإعدامه في أول الأيام بعد الثورة الدستورية 48.

واستمرت الإعدامات، وقطع الرؤوس على مدى سنتين لمزيد من ترويع الناس وإرهابهم.

وبدأ الناس يتساءلون بعد 48: لماذا يعدم الإمام هؤلاء العلماء الكبار؟! ولماذا يسجن صفوة المجتمع اليمني؟!

وكانت هذه التساؤلات عاملاً مهماً في الأحداث التي تلتها!

 وبالتالي فلنا نحن أن نتساءل: هل فشلت ثورة 1948 تماماً؟!

صحيح أنها لم تُنجِز أكبر أهدافها؛ إقامة حكم دستوري، لكنها كانت عاملاً مهماً ودورة عملية في تنضيج وعي الشعب اليمني وإفاقته من غيبوبته وجهالته.

وإذا اقتربنا زمنياً من أيامنا هذه –خاصةً ونحن على بُعد أيام من الذكرى الخامسة والخمسين لقيام ثورة 26 سبتمبر- هل نجحت الثورة السبتمبرية 1962 في تحقيق أهدافها؟!

أين الجيش الوطني؟! أين القضاء على الطبقية والعنصرية وتحقيق المساواة بين أبناء المجتمع؟!

وأين الفصل بين السلطات الثلاث واستقلالها؟! لقد كان الجيش وكل السلطات في يد رجل واحد، فهو رئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاة الأعلى والقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو من يعين رئيس مجلس الوزراء والوزراء. وكل هذا يتم بشكل رسمي إلى عهد قريب ثم بشكل خفي بعد ذلك. لقد كان علي عبدالله صالح إماماً جديداً لكن بشكل آخر ولباسٍ مختلف.

البعض يظن أنه بمجرد قيام 26 سبتمبر 1992 تغيرت الأحوال وصار الثوار القائمون عليها أبطالاَ وطنيين. وليس الأمر هكذا.. لم يستشهد الزبيري في 62م كما يظن الكثير من أجيال اليمنيين الذين جُهّلوا بتاريخهم؛ بل في 1965. وحوصرت صنعاء من قبل الملكيين وكادت تسقط في أيديهم أواخر 1967، واستمر حصارها إلى 1968.

إنه جهاد متواصل ضد الظلم والكهنوت من 1918م إلى 48 إلى 1955 إلى 1962- 1968.

بل إن ثورة 11 فبراير ما هي إلا امتداد لتلك الثورات ومحاولة لاستكمال تحقيق أهداف اليمنيين. إنها ثورة واحدة من 48 إلى 2011 إلى (2015 ضد الحوثفاشيين).. من محمد عبد الله المحلوي ت (1934م) إلى أحمد الوريث ت(1943) إلى زيد الموشكي وعبد الوهاب نعمان 1948. إلى علي عبد المغني ومحمد مطهر زيد 1963 إلى محمد محمود الزبيري 1965، إلى صادق منصور والرجوي وبشير الدبعي والعزي العريقي ونائف الجماعي وأسامة القميري... إنها ثورة واحدة وتلك فقط أهم مراحلها وأولئكم بعض شهداءها الأحرار.

وكل الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني تمر بهكذا مراحل.. الثورة الفرنسية والثورة الهندية ضد الاستعمار البريطاني وثورات دول أمريكا الجنوبية وثورات الربيع الأوروبي 1848، "ولن تجد لسنة الله تبديلا". "ولن تجد لسنة الله تحويلا".

إن من أوجب الواجبات اليوم أن تعي أجيال الشعب اليمني وكل الشعوب المستضعفة التي ترنو لنيل استقلالها -سواءً من المستعمر الأجنبي أو من المستعمر الوطني- أن تعيَ فقه الثورات ومعالم الطريق ومراحله نحو الحرية حتى لا تستبد بها اللحظة الراهنة. وحتى لا تطول بها الأماني وتعرض بعيداً عن الواقع وفقه التاريخ.. ثم عند أول انتكاسه تستطيل الطريق ويصيب بعض أبنائها الإحباط واليأس.

-     عندما جاء خباب بن الأرت يشكو للرسول تعذيب المشركين وآثار السياط على ظهره، لم يقل له رسول الله: ما هي إلا ظرف ساعات أو أيام وشهور وسيزول نظام قريش الظالم وإرثها الجاهلي الطويل؟ بل زرع الثقة والأمل ثم بيّن أن الزمن طويل وأنه مراحل: "والله ليتمن الله هذا الأمر.. ولكنكم قوم تستعجلون". وفي بداية الوحي، عندما تمنى ورقة بن نوفل أن يكون حياً حين تخرج قريش رسول الله، سأله الرسول (ص) مستغرباً: "أوَمُخرجيّ هم؟!"، فأجابه بيقين: "نعم". ومن لورقة ذلك اليقين؟ إنه السير في الأرض (قراءة التاريخ), وهو هنا تاريخ الأنبياء والمرسلين قبل محمد (ص). "نعم فإنه ما بعث رسول بمثل ما بعثت به إلا حاربه قومه"!.

وإنه قانون اجتماعي يفقهه كل المؤرخين وعلماء الاجتماع، ومنهم علماء الثورات. ولعل أبرز مؤرخينا الذين بدؤوا توعية أجيال اليمنيين بذلك، هو مؤرخ اليمن العلامة مطهر الإرياني الذي أطلقها صرخةً مدوية عبر قصيدته الشعبية الشهيرة بعد حصار السبعين يوماً:

 يا قافلة في ام سهول وام جبال      الله معك حامي وحارس

يا قافلة عاد المراحل طوال          وعاد وجه الليل عابس

يا قافلة صفي صفوف الرجال       واستنهضي كل الفوارس