الخميس 18-04-2024 10:12:27 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجيش الوطني.. نواة استقرار اليمن ودول الجوار

الأحد 26 يناير-كانون الثاني 2020 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد السلام الغضباني

 

ارتبطت مختلف الأزمات والحروب الأهلية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، بالانقسامات التي سادت ما يفترض أنه جيش الدولة، وتعدد ولاءاته، كنتيجة طبيعية لأخطاء الأنظمة التي حكمت البلاد خلال المراحل الماضية، فكان الخلل في بنية الجيش يعكس تشوهات النظام السياسي، مما تسبب في استدامة دورات العنف والحروب الأهلية كلما حدثت أزمات سياسية، حيث يتم تسوية تلك الأزمات من خلال الحسم العسكري وليس الحوار والحل السياسي.

ولذا، فإن وجود جيش وطني قوي، ولاؤه الوحيد للوطن، وتنحصر مهمته على حماية الدولة والنظام السياسي ومختلف فئات الشعب، ولا يشكل خطرا أمنيا على وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي وعلى دول الجوار وأمن طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، يعد ضرورة وطنية ملحة، وما عدا ذلك سيكون البديل الدخول في متاهة لا نهاية لها من الحروب الأهلية المدمرة والمتناسلة، وتشكُّل مليشيات وجماعات مسلحة لا تهدد أمن البلاد فقط وإنما تهدد أيضا أمن دول الجوار والإقليم بشكل عام، خاصة في ظل أزمات مفتوحة يشهدها الإقليم، ولا أمل في تسويتها في المستقبل القريب.

- دروس الماضي والحاضر

والمتأمل في الحروب الأهلية التي اندلعت بعد ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، سيجد أن أسبابها جميعا تعود للأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة الحاكمة في طريقة تشكيلها لما يفترض أنه جيش الدولة وحاميها، حيث كان يتم تأسيس مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية وفقا لمعيار الولاء الشخصي والعائلي والمناطقي والقبلي والطائفي للحاكم، وأحيانا تتعدد ولاءات التشكيلات العسكرية وفقا لتعدد أجنحة النظام الحاكم. ولذا، نجد أن مختلف الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية ما كان لها أن تحدث لو أن طريقة تأسيس قوات الجيش والأمن كانت تتم وفقا لمعايير وطنية بحتة.

فمثلا، سنجد أن أحداث 13 يناير 1986، التي اندلعت بين جناحي النظام الحاكم في الشطري الجنوبي من اليمن قبل الوحدة (الزمرة والطغمة)، ما كان لها أن تحدث لولا انقسام الجيش الذي كان متعدد الولاءات بين أجنحة النظام الحاكم، فلجأ كل جناح إلى الجزء الموالي له من الجيش ليحسم خلافاته مع الجناح الآخر من خلال الخيار العسكري. وكذلك الأمر بالنسبة لحرب صيف 1994 الأهلية، والتي ما كان لها أن تحدث لو أنه تم الدمج الحقيقي بين جيش الشطرين بعد الوحدة، لكن الذي حدث أن الجيش ظل قائما وفقا لانتماءاته وانقساماته الشطرية السابقة، مما دفع بطرفي الوحدة للجوء إلى الخيار العسكري لحسم خلافاتهما واستناد كل منهما إلى ألوية الجيش الموالية له.

بعد ذلك، عمد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إلى تشكيل جيش موالٍ له ولعائلته، تم تأسيسه وفقا لمعايير مناطقية وقبلية ومذهبية، وظل يعمل على إنهاك وإضعاف الألوية العسكرية التي لا تدين بالولاء الشخصي له ولعائلته، وينتمي منتسبوها إلى مختلف المحافظات اليمنية، وافتعل حروب صعدة وظل يعمل على تغذيتها واستدامتها بغرض إنهاك ذلك الجيش في حروب عبثية، وظل يتلاعب بالملف الأمني وتوظيفه سياسيا كورقة خطيرة لابتزاز خصومه السياسيين، وانتهى به الأمر أن سلم ذلك الجيش للحوثيين.

استغل الحوثيون ذلك الجيش في الانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد، والتهديد بغزو السعودية، وإجراء مناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن، لتندلع بعد ذلك عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وتشتعل أعنف حرب أهلية في تاريخ البلاد، وكل ذلك ما كان له أن يحدث لولا وجود جيش تم تشكيله وفقا لأسس مناطقية وقبلية ومذهبية، فتسبب في نشوب مثل هكذا حرب، ويعمل لصالح المشروع الفارسي التخريبي على حساب العمق العربي لليمن، ويتحول إلى أداة بيد إيران لتهديد الأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن القومي الخليجي بشكل خاص.

- خطورة المليشيات

بعد أن دفعت اليمن ودول الجوار ثمنا باهضا لتداعيات الأخطاء الكارثية في طريقة تشكيل الجيش اليمني، أي الجيش المناطقي والمذهبي والسلالي الذي مثل العمود الفقري لانقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية وتهديد أمن دول الجوار، ها هو الوضع في اليمن يبدو أكثر خطورة جراء تعدد المليشيات والتشكيلات العسكرية المناهضة للسلطة الشرعية ولها أهداف وولاءات خارجية متعددة، وظهرت كنتجية لاضطراب الإقليم وتنامي الفاعلين من غير الدول وظهور تحالفات طائفية عابرة للدول والقوميات.

والملاحظ أن ازدهار وتنامي دور المليشيات في اليمن، تزامن مع ازدهار وتنامي دور المليشيات الموالية لإيران في عدة بلدان عربية، والتي أصبحت رأس حربة بيد إيران، وتخوض حربا بالوكالة عنها، في ظل تغاضي المجتمع الدولي والدول الكبرى عنها، بل والحيلولة أحيانا دون القضاء عليها، بغرض استثمارها في مهام آنية أو مؤجلة، والحفاظ عليها كفزاعة لابتزاز الدول العربية النفطية، واتخاذها ذريعة لاستمرار بقاء الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة، وبيع المزيد من الأسلحة، وإبقاء المنطقة في حالة من الإنهاك وعدم الاستقرار للحيلولة بينها وبين التقدم والازدهار والرفاه الاقتصادي والمعيشي.

وبما أن طبيعة الصراع الدولي على المصالح والنفوذ أصبح يتم من خلال الحروب بالوكالة في مناطق النفوذ أو في تخومها الرخوة، وبما أن المليشيات في أي بلد عادة ما تكون متقلبة الولاءات والتحالفات بما يخدم مصالحها الذاتية، وبما أن الصراع الإقليمي في المشرق العربي أصبح عرضة لتأثير تحالفات دولية وإقليمية هشة ومتحولة، فإن ذلك كله يزيد من تفاقم خطر المليشيات، ويتزايد خطر المليشيات كلما تم تسمينها وتقويتها على حساب الجيوش النظامية للدول، وبالتالي يتشكل وضع شاذ يهدد الأمن الإقليمي برمته، ويكون المستفيد الوحيد منه كبار اللاعبين الدوليين والإقليميين وشركات تصنيع السلاح.

- أهمية الجيش الوطني

وفي ظل هكذا وضع قاتم ومرعب، تتزايد أهمية وجود جيش وطني يمني قوي، ولاؤه الوحيد للوطن وللعروبة، وتتزايد في المقابل أهمية القضاء على مختلف المليشيات والتشكيلات العسكرية المناهضة للسلطة الشرعية أو لا تدين بالولاء لها، كونها تشكل تهديدا خطيرا على البلاد وعلى وحدتها وعلى نسيجها الاجتماعي، بل وتهدد أمن دول الجوار، كما أنها تهدد طريق التجارة الدولية من خلال استهداف ناقلات النفط والتهديد بإغلاق مضيق باب المندب.

أضف إلى ذلك، أن بناء جيش وطني يمني قوي، في مثل هكذا صراع إقليمي يتخلله تدخل أجنبي غير حاسم، من شأنه جعل اليمن دولة مؤثرة في تعزيز وحماية الأمن القومي العربي والخليجي، وتضييق مساحة المناورة على إيران، وحرمانها من تعدد خياراتها في المقايضة بهذا الملف مقابل الملف ذاك، كما أنه سيخفف من الأعباء الاقتصادية والعسكرية على الدول العربية التي تتصدر مواجهة المشروع الإيراني التخريبي في المنطقة، وبهذا يكون الجيش الوطني القوي نواة استقرار اليمن والمنطقة، بل وبداية تراجع المشروع الإيراني التخريبي وصولا إلى هزيمته.

إذن، تعد مسألة بناء جيش وطني يمني قوي، والقضاء على مختلف المليشيات والتشكيلات العسكرية أو تفكيكها، ضرورة وطنية يمنية أولا، وضرورة أمنية خليجية وعربية ثانيا، وهذا يتطلب من الجميع في الداخل والخارج مساندة الجيش الوطني في معركته الوطنية المقدسة ضد المشروع الإيراني التخريبي في اليمن والمنطقة، والعمل على استعادة الدولة، والمضي في مشروع بناء اليمن الاتحادي الجديد وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

كلمات دالّة

#اليمن