الخميس 02-05-2024 01:12:12 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

"المجلس الانتقالي".. ومحاولات إلغاء الآخرين وفرض حكم القرية

السبت 14 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 03 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني


تزداد حدة التوتر في بعض محافظات جنوب اليمن جراء الاستفزازات المتزايدة التي تقوم بها مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، في تحد صارخ للسلطة الشرعية ولتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية التي رعت اتفاق الرياض، واتفق طرفاه (السلطة الشرعية والانتقالي الجنوبي) على العديد من البنود التي من شأنها تطبيع الأوضاع وإنهاء التوتر في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة لها، والتركيز على المعركة الرئيسية في البلاد المتمثلة في الحرب على المليشيات الحوثية الانقلابية والنفوذ الإيراني في البلاد.

يراهن "الانتقالي الجنوبي" على الدعم الخارجي في تمرده على السلطة اليمنية الشرعية، خاصة في ظل تعدد خياراته، التي بإمكانه توظيفها لتحقيق أهدافه كما يعتقد، مثل العلاقات المزدوجة لبعض قياداته مع إيران ودولة الإمارات في نفس الوقت، إضافة إلى امتلاكه مليشيات مسلحة تتحدث مصادر أن عددها يصل إلى 90 ألف فرد، لكن هذه القوة الظاهرية لا يمكنها تحقيق انعطافة كبيرة في مسار الأحداث، بما في ذلك مطالب انفصال جنوب اليمن عن شماله، وكل ما في الأمر أنه سيطيل من حالة عدم الاستقرار، الأمر الذي من شأنه إطالة أزمة البلاد بشكل عام، واستنزاف مختلف الأطراف في معارك جانبية تؤثر على المعركة الرئيسية ضد المليشيات الحوثية التابعة لإيران.

- الالتفاف على اتفاق الرياض

واصلت مليشيات المجلس الانتقالي خطواتها الالتفافية على اتفاق الرياض فور توقيعه، ولم تترك مجالا للحكومة الشرعية لتنفيذ ما نص عليه الاتفاق من إجراءات وفقا لجدول زمني حدده الاتفاق، بدأ ذلك بعدم السماح لأعضاء الحكومة بالعودة إلى العاصمة المؤقتة عدن عدا عدد محدود من الوزراء قبلت المليشيات عودتهم وفقا لتصنيف مناطقي، ثم اتجهت مليشيات الانتقالي بعد ذلك لتعزيز مواقعها داخل العاصمة المؤقتة عدن وخارجها، خاصة في مناطق تقع في محافظتي شبوة وأبين.

والغريب أن المجلس الانتقالي اتهم الحكومة الشرعية باستقدام تعزيزات عسكرية جديدة إلى محافظة شبوة، واتهمها بعدم تنفيذ اتفاق الرياض، في وقت تدفع فيه مليشياته بتعزيزات عسكرية متزايدة إلى خارج مدينة عدن، بهدف جر القوات الحكومية إلى مواجهة عسكرية.

كما أن مليشيات الانتقالي استمرت في تدريب دفع جديدة في محافظة عدن ومحافظات أخرى مجاورة لها، وسيرت مظاهرات منددة باتفاق الرياض وبإنزال أعلام المجلس الانتقالي من مقار حكومية ونقاط أمنية، وأبدت قيادات في الانتقالي رفضها لإنزال الأعلام الشطرية واعتبرت ذلك خطا أحمر، وهددت بتفجير الوضع عسكريا إزاء ذلك، كما رفضت مليشيات الانتقالي قدوم قيادات عسكرية إلى عدن ضمن اللجنة العسكرية من الجانب الحكومي، وأعلن المجلس الانتقالي تعليق اللجنة العسكرية الخاصة به ومقاطعتها لأي اجتماعات بخصوص تنفيذ اتفاق الرياض.

وفي بداية شهر ديسمبر الجاري، أعلنت مليشيات المجلس الانتقالي عن تشكيل لواء عسكري جديد في محافظة الضالع يتبع القيادي في الحراك الجنوبي شلال شايع، الذي كان يشغل سابقا منصب مدير أمن عدن، ونهبت المليشيات معظم الأسلحة الثقيلة من اللواء 33 مدرع التابع للجيش الوطني في الضالع وسلمتها للواء المستحدث.

وتعتزم مليشيات المجلس الانتقالي استكمال السيطرة على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وجهاز الأمن السياسي في محافظات الضالع وعدن ولحج وأبين، من خلال تعيين قيادات تابعة للمليشيات في تلك الجهات، وسط محاولات جر الجيش الوطني (القوات الحكومية) إلى حرب شاملة، بدأت من اعتراض قوات من الحماية الرئاسية كانت في طريقها إلى عدن، وانتهاء باستفزازت ونصب كمائن للجيش الوطني واعتراض تحركاته في محافظة شبوة.

من جانبها، اتهمت الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، يوم 6 ديسمبر الجاري، المجلس الانتقالي بالتصعيد وعرقلة اتفاق الرياض.

وفي تصريح نشرته وكالة "سبأ" الرسمية، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة راجح بادي على الالتزام الثابت والصارم باتفاق الرياض، وتنفيذ كافة بنوده وفق الآلية المحددة.

ونفى بادي بشدة وجود أية عملية حشد عسكري نحو العاصمة المؤقتة عدن كما جاء في بيان للمجلس الانتقالي.

وشدد بادي على أن تحرك القوات التي قدمت إلى محافظة أبين باتجاه عدن هي سرية تابعة للواء الأول حماية رئاسية الذي نص الاتفاق على عودته بالكامل إلى عدن، موضحا أن السرية المكلفة بالنزول تحركت بالتنسيق مع قيادة التحالف العربي وفق بنود اتفاق الرياض.

واتهم بادي المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي باعتراض هذه القوة قبل وصولها إلى منطقة شقرة بمحافظة أبين وفتح النار عليها، ما أدى إلى وقوع اشتباكات نتج عنها سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وأكد بادي أنه ليس من حق الانتقالي أن يعترض القوات أو يطلق النار عليها، محملا إياه مسؤولية التصعيد ومحاولة عرقلة اتفاق الرياض من خلال هذه الممارسات غير المسؤولة، التي تعكس نوايا مبيتة لعرقلة تنفيذ الاتفاق.

وينص اتفاق وقعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الرياض، يوم 5 نوفمبر الماضي، على تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيرا، يحصل الجنوبيون على 50% من الحقائب الوزارية، كما ينص على إعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية ودمجها في إطار قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة الشرعية.

- أزمة ذاتية

يمثل ظهور ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، في هذا التوقيت، خلاصة الاختلالات التي ظهرت في المجتمع اليمني كنتيجة لفشل أنظمة الحكم المتعاقبة -التي حكمت اليمن قبل وبعد الوحدة خلال الخمسين عاما الأخيرة- في تعزير الهوية الوطنية، كما أنه يمثل أيضا خلاصة نتائج التدخل الأجنبي السلبي في الشؤون اليمنية، مثله كمثل مليشيات الحوثي التي كان ظهورها يمثل أيضا خلاصة نفس الاختلالات التي أدت لظهور مليشيات المجلس الانتقالي، مع فارق بسيط، وهو أن مليشيات الحوثي تسعى لإلغاء الآخرين وترسيخ حكم السلالة، بينما تسعى مليشيات المجلس الانتقالي لإلغاء الآخرين وترسيخ حكم القرية.

ورغم الدعم الأجنبي اللامحدود الذي تتلقاه كلٌّ من مليشيات المجلس الانتقالي ومليشيات الحوثي، إلا أن محاولات كلا الطرفين إلغاء السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، وإلغاء مختلف مكونات المجتمع اليمني من قبائل وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات جماهيرية واتحادات وتحالفات ذات اتجاهات شتى، كل ذلك سيجعل من مهمة مليشيات الانتقالي والحوثيين مهمة فاشلة وشاقة وعسيرة.

فالمجتمع اليمني بكل فئاته وتكويناته لا يمكن أن يقبل بإلغائه ومصادرة حقوقه السياسية لتحكمه مليشيات سلالية أو قروية تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، خاصة في ظل تحولات سياسية واجتماعية شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وتعززت بتوازن عسكري وتنامي الهوية الوطنية لدى مختلف الأطراف الرافضة للحكم الكهنوتي السلالي والحكم القروي الاستبدادي على حد سواء.

وكل ما في الأمر هو أن الدعم الأجنبي الذي تتلقاه تلك المليشيات، قد ينجح في إطالة أمد الصراع وإنهاك المجتمع اليمني والدولة اليمنية ودول الجوار في حرب عبثية لها ارتباطات إقليمية ستكون إيران المستفيد الأكبر منها، كون مثل هكذا معارك جانبية تمثل عامل استنزاف للسعودية، الخصم الرئيسي لإيران في المنطقة، وهذا الاستنزاف ستستفيد منه إيران ومليشياتها، كونه سيخفف من الضغوط عليها وعلى مليشياتها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وستكون النتيجة لصالح إيران ومليشياتها إذا استمر هذا الاستنزاف وعدم حسم المعركة ضد المليشيات الانقلابية في صنعاء وعدن في أسرع وقت.

كلمات دالّة

#اليمن