الجمعة 29-03-2024 09:43:53 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

محافظة إب.. واقع مرير على أنقاض الجمال

الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / أمير الشامي

   

لا يكاد يخلو بيت في محافظة إب من أزمة أو نكبة أو مصيبة أو ظلم أو فقر أو مرض أو إهانة أو غيرها من بنات الدهر التي اجتمعت هنا في هذه المحافظة المسالمة وأقامت سرادقها على كل شبر فيها، ليوزعها الحوثيون بالتساوي على كل بيت فيها ضمن مسلسل الإجرام الحوثي المتكرر.

لا جديد هنا غير الأرقام، جراء تسلط مليشيات الحوثي الإرهابية وفرضها لواقع أكثر قتامة، ولا جديد غير ارتفاع وتيرة القتل، وارتفاع نسبة البطالة، وتفشي الأوبئة، وزيادة عدد الأطفال المتسربين من المدارس، والانتهاكات اليومية والمتكررة بحق المواطنين، وانتشار ظاهرة اختطاف الأطفال، ونهب الأراضي، وفرض الجبايات والإتاوات، وغيرها من الممارسات الظالمة التي تمارسها مليشيا الحوثي كل يوم.

لا صوت يعلو فوق صوت المشرف

هكذا بدأ المواطن (م.ي) حديثه واصفا الحالة التي وصل إليها المجتمع من خلال ما تقوم به الجماعة من إرهاب ممنهج، وعبر ما يسمون بـ"المشرفين" والذين حلوا محل الدولة وأصبحوا هم الآمر الناهي.

يقول (م.ي) وهو أحد خريجي الجامعات: «إن الحياة أصبحت لا تطاق في هذا الوضع، وأي شخص يعارضهم يوجهون له تهمة جاهزة أنه داعشي أو مرتزق أو مع العدوان».

هكذا أصبح الناس معرضين للقتل أو الاختطاف والتغييب في أي لحظة من اللحظات بمجرد الاعتراض أو الاستياء من الوضع، ومخالفتك لهم أو رفض أي أمر أو توجيه تعني أنك هدفا مشروعا للقتل أو الاختطاف أو الاعتداء الجسدي في أحسن الأحوال، وهذه هي ردات الفعل المتوقعة.

المزاج لا القانون

ويرى المواطن (م.ش)، صاحب محل لبيع أدوات التجميل، أن مزاج المشرفين وطبائعهم هي التي تحكم، ولا وجود للقانون أو للدولة أو للقضاء، حيث يقول: «كله حسب مزاج المشرف الحوثي وطبيعته، ويأتي التعامل مع المواطنين عادة وفقا لمزاجه وطبيعته، فإن كان مزاجه حادا كانت ردات الفعل فاجعة، وإن كان المزاج أقل حدة كانت ردة الفعل أقل ضررا بعيدا عن القانون».

فالقتل لم يعد جريمة يعاقب عليها القانون، بل أصبح وسيلة يعاقب بها المشرف، حيث ازدادت جرائم القتل بشكل مخيف على يد أفراد جماعة الحوثي ومشرفيها ولأتفه الأسباب.


البقاء للأقوى

البسط على الأراضي ونهب الممتلكات هي الأخرى لم تكن أقل وتيرة من سابقتها، حيث يبدو المشهد وكأنه سباق محموم بين نافذي الحوثيين على نهب ممتلكات الناس واقتطاع أراضيهم بدون وجه حق، وكل ما يحتاجه أحدهم هو حشد أكبر عدد من المسلحين لنجاح السيطرة والسطو على ممتلكات الغير، ما لم تكن تابعة لشخصية أكثر قوة وأوسع نفوذا، حيث أصبحت موازين القوى هي التي تحدد الملكية والأحقية، لا وثائق الثبوت.

الكثير ممن وقعوا ضحايا لمثل هذه الممارسات وارتفعت أصواتهم بالشكوى وجدوا أنفسهم بين أمرين أحلاهما علقما مميتا، إما أن يكتفي بالصمت ويكون في موقع المتفرج حيال ما يحدث لحقوقه وممتلكاته وهي تصادر وتحول ملكيتها ويعبث بها، أو يرفض الاعتداء وهذه تعتبر مخاطرة ومجازفة غير مأمونة العواقب، حيث سيكون مصيره القتل أو التهجير أو هدم منزله الذي بقي من ماله.

فقد ذكر تقرير جديد صادر عن المركز القانوني للحقوق والحريات في إب أن عدد الانتهاكات فقط التي ارتكبتها مليشيات الحوثي الانقلابية في مختلف مديريات المحافظة خلال الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) إلى 30 مارس (آذار) 2019 بلغ أكثر من 130 جريمة وانتهاكاً.

وبحسب إحصاءات أعدها ناشطون وحقوقيون، فقد فجرت المليشيات عقب دخولها المحافظة بنصف عام أكثر من 78 منزلاً لمواطنين، انتقاماً منهم لمعارضتهم أو مخالفتهم الرأي، في حين اقتحمت المليشيات أكثر من 1200 منزل، وسرقت محتوياتها، ودمرت ما لم تأخذه، كما فجرت 4 مساجد و3 دور لتعليم القرآن الكريم، وأغلقت عشرات الجمعيات ومراكز التحفيظ، وصادرت محتوياتها.

الأراضي التابعة للأوقاف والمقابر في محافظة إب لم تسلم هي الأخرى من عبث ونهب واعتداءات المليشيات الحوثية، فقد أوضحت نفس المصادر أن أكثر من 20 مقبرة في محافظة إب ومديرياتها تعرضت لسلسلة طويلة من الاعتداءات المتكررة من قبل نافذين حوثيين قاموا بالإتجار بها، من خلال تحويلها إلى أراض خاصة وعقارات معروضة للبيع والشراء.

ومن بين تلك المقابر، التي حولتها المليشيات إلى أراضٍ، بحسب المصادر، مقبرة المدينة، ومقبرة الغفران، ومقبرة منزل الراعية، وذي أسود، والمشراق، والواسطة، ومقبرة سوق الثلوث، وشعب الجمل، ومقبرة النادرة، والجربة، ومعيد، وغيرها من المقابر الأخرى.

الجانب التعليمي لم يكن أقل سوءا وإفسادا نتيجة تسلط هذه الجماعة إذ طاله الفساد هو أيضا، حيث تضررت العملية التعليمية بشكل ملحوظ، وبات التعليم عند الكثير من الأسر عبئا ثقيلا يصعب تقبله نتيجة الرسوم والمبالغ المالية المفروضة عليهم شهريا مما تسبب في تسرب المئات من طلاب المدارس بسبب عدم استطاعة الكثير من الأسر دفع تلك المبالغ التي يتم تحويل جزء منها للمدرسين الذين فقدوا رواتبهم منذ اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء وبقية المحافظات، لتكون الحاضنة الوحيدة لهؤلاء الطلاب هي محلات الملاهي والبلياردو، والتسكع في الشوارع، ناهيك عن استقطابهم من قبل الحوثيين إلى جبهات القتال ومحارق الموت.

أضف إلى ذلك، التلاعب والعبث بمسار التعليم وانتشار ظاهرة الغش، وكذلك الاعتداءات المتكررة بحق المعلمين بصورة مهينة من قبل نافذي الجماعة ومسلحيها، مما أفقد المعلم مهابته أمام طلابه، وجعل العملية التعليمية في مهب الريح.

إمعانا في الفوضى ومضاعفة المأساة، لجأ الحوثيون إلى التضييق على المنظمات الخيرية ونهب المساعدات الإغاثية وبيعها، مما فاقم من معاناة الناس وضاعف المأساة خاصة لدى الذين فقدوا مصادر أرزاقهم، نتيجة انقطاع الرواتب، أو نتيجة الأزمة الخانقة التي ما زالت تحكم قبضتها على حياة الناس.

ملاك المحلات والبسطات وذوو الدخل لم يكونوا أحسن حالا من العاطلين أنفسهم، إذ وجدوا أنفسهم عاجزين عن دفع الجبايات والإتاوات المفروضة عليهم باسم المجهود الحربي ورفد جبهات القتال.

المنظمات الطبية هي أيضا مارس الحوثيون التضييق عليها، وتمت مصادرة الأدوية والمساعدات الطبية وبيعها في ظل تفشي الأمراض والأوبئة، نتيجة الانهيار الكبير في المنظومة الصحية، وغياب الكادر الطبي، وانعدام الأدوية اللازمة، بسبب همجية هذه الجماعة وسوء إدارتها لمرافق الدولة.

وبالمجمل لم يبق شيء في الحياة العامة والخاصة إلا طاله فساد هذه الجماعة الكهنوتية وعبثها، لتجسد واقعا إماميا مكفهرا، واقعا يستحيل البقاء معه، ويستحيل بقاؤه مع كل شيء جميل.

كلمات دالّة

#اليمن #اب