الجمعة 19-04-2024 00:42:18 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبرایر..العمق الاستراتیجي

الإثنين 13 فبراير-شباط 2017 الساعة 12 مساءً / المحرر السياسي

في المحصلة النھائیة للقراءة السیاسیة نخلص إلى أن ثمة أبعاد عمیقة الدلالات لثورة 11 فبرایر الیمنیة التي لم
تكن حدثاً اعتیادیاً یمكن تجاوزه أو الاستھانة به.
أھم ما یمكن استخلاصه في ھذا الشأن ھو أن ھذه الثورة مثلت عمقاً استراتیجیاً بالغ الأھمیة لیس على المستوى الوطني فحسب، بل والإقلیمي كذلك.
بعد أكثر من خمسة عقود على الثورة الیمنیة الأمَ (1962م) یُعید الشعب الیمني اجتراح ثورة شعبیة سلمیة نبتت ھذه المرة وأزھرت في اوساط الناس البسطاء.
في الواقع بقدر ما كانت ثورة 11 فبرایر ثورة تغییر سلمیة شاملة ساحتھا الأرض الیمنیة بقدر ما كانت كذلك ثورة حضاریة ملھمة للیمنیین ساحتھا الانسان الیمني نفسه.
ومن ھنا تحدیداً ینبعث عمقھا الاستراتیجي ببعده الوطني الذي یعد أھم أبعادھا، وما یمیزھا عن أخواتھا من الثورات الوطنیة الأخرى.
في الوقت الذي عملت ثورة فبرایر الشعبیة السلمیة على اجتراح مقاربة سیاسیة لتغییر إیجابي یقود للخروج من النفق المظلم, فقد كشفت في الوقت نفسه عن فائض جھوزیة واستعداد وقابلیة كبیرة لدى الیمنیین لذلك التغییر والتضحیة لأجله, بدلیل أنھم لم یستسلموا حتى الیوم, وھذا في الحقیقة ما عنیناه بالعمق الاستراتیجي الوطني
لثورة 11 فبرایر.
لن نجانب الصواب إذا ما قلنا أن ثورة فبرایر مثلت -من حیث المبدأ- استثمارا فاعلا في الإنسان الیمني؛ نجحت في صوغ الكثیر من مفاھیمه، وفجرت طاقاته، وجعلت منه أكثر وعیاً وأشدَ ولاءً, ونقلته خطوات أبعد مدى على طریق إعادة البناء والشراكة الوطنیة والمجتمعیة طبقاً لمعاییر وأسس الدولة المدنیة الحدیثة, حتى لیمكننا القول أنه بات الحصن الحصین للثورة الشعبیة التي لن یفرط بھا. وكما أن یمن ما بعد فبرایر لن یكون حتما یمن ما قبله فإن من المؤكد كذلك أن شعب ما بعد فبرایر لن یكون كما قبله.
أراد المخلوع صالح الیمن قنبلة موقوتة تنفجر في وجوه الیمنیین وجیرانھم، وعملت ثورة فبرایر السلمیة على نزع فتیل تلكم القنبلة حفاظاً على السلم الاجتماعي الذي مزقته -للأسف- عصابة الانقلاب واستبدلته بحرب شاملة لتكریس حكم الأقلیة الطائفیة السلالیة.
أراد شباب الثورة السلمیة تسویة الساحة السیاسیة لكل اللاعبین الیمنیین فجاء الانقلابیون وجرفوا العملیة السیاسیة برمتھا، وحولوا الوطن إلى إقطاعیات خاصة وسوق سوداء لجني الأرباح. أراد الثوار الانطلاق بثورتھم صوب المستقبل والشروع بمرحلة التنمیة والتطور، وأعلوا قیم الحریة والعدالة والمساواة والشراكة فجاءت عصابة الانقلاب لتعید الیمن لماضیه الكھنوتي المظلم وعصور الانحطاط وتحبس الیمنیین في كھوف الجھل والتخلف لیستأثر السلالیون أدعیاء الحق الإلھي وأذنابھم بالسلطة والثروة، ویضنوا على الناس حتى بمرتباتھم.
حتى اللحظة ما تزال عصابة الانقلاب الإجرامیة تحاول طمس ھویة ثورة 11 فبرایر السلمیة وكل ما یتصل ببعدھا الوطني وقیمھا الإنسانیة النبیلة وإحلال أفكارھا الظلامیة مكانھا لتكریس حكم الطائفة بكل ما فیه من ظلم واستبداد وتمییز. ونتیجة لذلك نرى ثورة فبرایر ما تزال تقاوم بكل قوة وترفض الخنوع للمشروع العصبوي السلالي وتقدم كل التضحیات لاستعادة الوطن من مغتصبیه, وھذا بحد ذاته دلیل ساطع على أن جذوة الثورة لم ولن تخمد، وأنھا في طریقھا الصحیح لاستعادة مشروع التغییر الذي استثمرت فیه بنجاح داخل كیان النفس الیمنیة، من قدرة على العطاء والبذل. ستبقى دائماً ھي العمق الاستراتیجي الوطني لثورة التغییر المتعطشة له, والتي اثبتت أنھا مستعدة أكثر من أي وقت مضى لإنجازه, وبرھنت على أنھا وحدھا, بما تمتلكه. وإذا كان المواطن الیمني, بما امتلكه من جھوزیة واستعداد وقابلیة للتغییر قد مثل العمق الاستراتیجي لثورة 11فبرایر, فإن الثورة ذاتھا تمثل -من جانب آخر- عمقاً استراتیجیاً مھماً للإقلیم كونھا تؤسس لعوامل الاستقرار في الیمن وتشاطر الإقلیم تبعات الحرب على الإرھاب وتجفیف منابعه وتزیل اسبابه المختلفة، وأھمھا التحالف العصبوي الملیشاوي بین جماعة الحوثي والمخلوع الذي ما انفك یلعب بورقة الإرھاب ویبتز بھا الإقلیم والعالم.
كما أن تلاحم الیمنیین خلف ثورتھم، وتصدیھم للانقلاب، حجَم من مخاطرة وتمدده نحو الخارج، وشكل في الوقت نفسه سداً منیعاً أمام التمدد الصفوي الإیراني الذي یھدف لمحاصرة الإقلیم وزعزعته تمھیداً للانقضاض علیه بعدما استكمل انقضاضه على أربع عواصم عربیة. من ھنا تكتسب ثورة فبرایر أھمیتھا في إعادة صوغ المشھد السیاسي الیمني بما ینسجم ویتواءم مع أمن وسلامة الإقلیم وتعزیز استقراره وخلق ظروف جدیدة للتكامل فیما بینه. فالدعم القوي للتحالف العربي بقیادة المملكة العربیة السعودیة ودولة الإمارات للیمن وثورته الشعبیة لم یأت من فراغ؛ فالثورة الشعبیة الیمنیة ستقضي على عوامل التھدید المحدقة بالإقلیم التي تلعب من خلالھا عصابة الانقلاب، وتفسح المجال لإعادة بناء یمن مستقر أكثر تشاركیة واندماجیة مع جیرانه, وبدون انتصار ثورة الشعب الیمني ومشروعه التغییري سیظل الإقلیم عرضة للمخاطر والتھدیدات والابتزاز من قبل المشروع الصفوي وأذنابه في الیمن.