الجمعة 29-03-2024 14:02:07 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

في الذكرى الـ57 لثورة الـ26 من سبتمبر.. ميلادان.. ورِدّةٌ سياسية

الإثنين 23 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبدالعزيز العسالي

   

تطل علينا الذكرى57 لثورة 26 سبتمبر بين "ميلادين" و"رِدّةٌ سياسية".

لقد ثار الشعب اليمني ضد الحكم الكهنوتي السلالي العنصري في صببحة الـ26 من سبتمبر 1962م، بعد عقود من تراكم القهر والفقر والجهل والتخلف.

خرج الشعب اليمني ولسان حاله يردد مع الأديب الشاعر الثائر الفيلسوف الأستاذ عبد الله البردوني:

أفقنا على فجر يوم صبي
فيا صحوات المنى أطرِبي

ومما قاله شاعرنا في هذه القصيدة مصورا العهد العنصري السلالي البغيض:

فولى زمان كعرض البغي
وأشرق عهد كقلب النبي

وأنهى القصيدة قائلا:

طلعنا نَدِلُّ الضحى ذات يوم
ونهتف يا شمس لا تغربي

نعم، خرج الشعب اليمني يهتف لضحى الحرية، يهتف لضحى الكرامة الإنسانية، يهتف لضحى النظام الجمهوري، يهتف لضحى العلم، يهتف لضحى التقدم، ويدلُّه على الطريق نحو الشعب اليمني الذي رزح عقودا في ظلام التخلف ووهاد الجهل والأُمية الحرفية والثقافية والفكرية.

البعض وجه اللوم إلى شاعرنا البردوني، رحمه الله، معللا لومه بأن البردوني بالغ في وصفه الكاذب لعهد الأئمة بأنه كعرض "البغي".

ونحن نتساءل: هل شاعرنا كان مبالغا؟ الجواب: ذكر الكاتب أمين الريحاني أنه زار مملكة العنصرية وشاهد اختبار طلاب المتوسط والذي كان يتم من خلال مقابلة يجريها أحمد ياجناه متمثلة في سؤال واحد هو: اذكر النسب الشريف.. أي نسب أحمد ياجناه.. متصلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الاختبار ذكره شيوخنا الأجلاء بأنه كان حاصلا وشاهدوه فعلا.. فهل كان البردوني مبالغا؟

- ميلادان في سبتمبر

المولود الأول هو ثورة الـ26 من سبتمبر ضد السلالية العنصرية والتي حصرت كل العلوم والمعارف حتى مرحلة البلوغ في معرفة نسب الجلادين لا غير. باختصار، كافح الثوار وكانت التضحيات حفاظا على النظام الجمهوري وأهداف ثورة 26 من سبتمبر.

ومن المعلوم أن الثورات العربية والأوروبية التحررية واجهتها ثورات مضادة أعاقتها. لكن ثورة 26 سبتمبر واجهت أعتى وأسوأ الثورات المضادة، ومع ذلك فقد شق الثوار طريقهم بصعوبة بالغة وتم إرساء النظام الجمهوري.

- غياب رافعة المشروع الوطني

نعم، كان الحفاظ على النظام الجمهوري وسط أعاصير هوجاء داخليا وخارجيا، إلى حد أن فوجئ الثوار بعد ثلاث سنوات من انطلاق الثورة اليمنية بموقف مصر الحامية للنظام الجمهوري وهي تدعوهم للحوار مع فلول الملكية.

القاضي الإرياني، رحمه الله، كان رئيس الوفد الجمهوري، قال في مذكراته إن موقف مصر يقول لا مانع من تغيير النظام الجمهوري إلى سلطنة أو مشيخة أو إمارة أو دويلة ولتنتهي الحرب، فرفض الوفد الجمهوري هذه الإملاءات رفضا قاطعا قائلا: لاحوار أبدا حول النظام الجمهوري.

وظل الوفد الجمهوري طيلة ثلاثة أشهر في خيمة حرض متمسكا بموقفه الصارم، وفشل الحوار.

يمكننا القول إن الثورة المضادة وما تلاها من استقطاب دولي لشطري اليمن رأسماليا واشتراكيا إلى جانب العوامل الثقافية، لم تدع للقائمين على النظام الجمهوري التقاط الأنفاس، فضلا عن التفكير بإيجاد كتلة حاملة للمشروع الوطني السبتمبري.

نعم كانت هناك شخصيات مستميتة في الحفاظ على الجمهورية وظل صوتها مدويا في الأوساط الشعبية، لكن هذه الشخصيات لم يكن لها إطار ناظم ولا برنامج ثقافي إجرائي عملي، حتى جاء زمن علي عبد الله صالح، وكانت الأوضاع دوليا وإقليميا ويمنيا في غاية التشابك والتعقيد.

باختصار، كان اليمن الشمالي يعيش داخليا فوضى خلاقة بأسوأ صورها انعكاسا للوضع الإقليمي والدولي.

وأصبح السكوت عن كثير من القضايا والمفاهيم بل والمبادئ والأهداف، فأصبح علي صالح هو الثورة والجمهورية والوطن والدستور والقانون وحامل المشروع الوطني وهو الكابوس.

لقد اتجه نظام علي صالح وبهدوء إلى زعزعة عقيدة مؤسسة الجيش السبتمبري، وكذلك عقيدة المؤسسة الأمنية، ذلك أن الأصوات السبتمبرية كان الكثير منها في هاتين المؤسستين، فتم نزع فتيل العقيدة العسكرية لصالح عقيدة الشخصنة والجهوية والعشائرية والقبلية.

كان هذا يدور بصمت وتحت الرماد، وبدأ يتجلى إبان الحرب التدريبية في صعدة، حيث تم تعيين قائد للواء الثالث جبلي التابع للفرقة الأولى، وفوجئ أفراد اللواء أثناء طابور التمام بإملاء شعارات مشخصنة تهتف باسم أحمد علي، فانقسم اللواء قسمين، قسم يهتف لأحمد علي وآخر يهتف باسم علي محسن.

نجح المجرم، وهنا دفنت مبادئ وأهداف الثورة والجمهورية لأن العقيدة العسكرية كانت قد دفنت مبكرا.

ظل هذا الإجرام العفاشي ينخر في أعماق مؤسستي الجيش والأمن، لكن ظل النظام الجمهوري هيكلا وشعارا حاضرا إعلاميا وشعبيا.

- مهدد آخر

برزت ملامح التوريث للحكم وبدأت الصراعات داخل الأسرة العفاشية، رافق ذلك مواقف إجرائية من النظام الأسري يشير بقوة إلى تجميد الديمقراطية من خلال تعديلات دستورية منحت رأس النظام قدسية جعلت منه نصف إله، وتم تكبيل التعددية السياسية، مرورا بتصفير العداد ووصولا إلى خلع العداد.

كل ذلك وغيره من المواقف العابثة للنظام التي أدت إلى مزيد من اهتزاز النظام الجمهوري، الأمر الذي فتح شهية أهل الكهف، كما سنوضح لاحقا.. كان ذلك باختصار شديد هو مسار المولود السبتمبري الأول.

- المولود الثاني: حامل المشروع الوطني

إعلان قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م.

هل كان اختيار تاريخ الـ13 من سبتمبر مصادفة غير محسوبة؟ ربما.. وربما العكس صحيح، ذلك أن إعلان قيام حزب الإصلاح استلهم أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر أولا، ونصت أدبيات الإصلاح على السير في خط المصلحين من القرن الثامن الهجري وصولا إلى صناع فجر ثورة 1948، ذاكرة إياهم بالاسم، كالزبيري والموشكي والعنسي والحورش والنعمان وغيرهم، ثم ثورةالـ26 من سبتمبر.

إذن، فالراجح أن اختيار الـ13 من سبتمبر عام 1990م لإعلان قيام هذا الحزب مذكرا بالنظام الجمهوري وأهداف ثورة 26 سبتمبر وإعلان الشريعة الإسلامية ومعتقد وهوية الشعب مرجعية له.

هذه المعطيات وغيرها الكثير من الشواهد تعطينا دلالة متينة بأن الإصلاح قد اختار الـ13 من سبتمبر عن قصد، هذا أولا.

وثانيا، التزم حرفا ومضمونا بحمل المشروع الوطني وحمايته، الأمر الذي أعطانا دلالة أخرى أن الحركة الإسلامية في اليمن قبل قيام الوحدة كانت متشوقة بطريقة أو بأخرى إلى إيجاد ذراع يحمل المشروع الوطني فكرا وممارسة، ولكن الرياح لم تساعدها إلا بعد إعلان الوحدة المباركة والتي صاحبها إعلان التعددية السياسية.

- مواقف ودلالات

المولود السبتمبري الثاني المتمثل في حزب الإصلاح أثبتت مواقفه أنه حامل المشروع الوطني ومنافحا عنه ومعه الكثير من قوى المجتمع المدني.

تعددت مواقف حزب الإصلاح الدالة على حمل المشروع الوطني والدفاع عنه متمثلا في أهم المواقف التالية:

- الجانب النظري، من خلال تجسيد أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر فكرا وممارسة وذلك من خلال المواقف التالية:

1- الحفاظ على هوية الشعب اليمني.
2- اعتماد الشريعة الإسلامية مرجعية للحزب.
3- التمسك بآليّة النهج الديمقراطي المستند إلى مبدأ الشورى.
4- التمسك بالنهج الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة واحترام حرية الشعب.
5- النضال السلمي في تحقيق وحماية النهج الديمقراطي وصولا إلى الدولة المدنية الحديثة والتي تعتبر أبرز معالم المشروع الوطني الذي تضمنته أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر.

- الجانب العملي

1- أثبت الإصلاح عمليا دفاعه عن أهداف ثورة 26 سبتمر ومنها التعددية التي تعثرت جراء عوامل مختلفة فتأجلت حتى قيام الوحدة.

2- مارس الإصلاح دوره السلمي في حمل المشروع الوطني بدءًا من موقفه ضد المادة 3 من دستور دولة الوحدة كونها مخالفة لأهداف سبتمبر أولا، وكونها صادرت الحق البدهي للشعب في الاحتكام إلى معتقده.

أما هدف الإصلاح غير المعلن هنا فهو ترسيخ ثقافة المعارضة السلمية في جرعات متدرجة.

3- شارك في أول انتخابات برلمانية عام 1993م، وحصل على المرتبة الثانية، لكنه تنازل للاشتراكي وأخذ المرتبة الثالثة حفاظا على المكسب الديمقراطي كخطوة في طريق المشروع الوطني.

4- وقف الإصلاح إلى جانب الدستور والشرعية السياسية مدافعا عن الوحدة والشرعية في صيف 1994م تحت راية الدولة، وقدم التضحيات.

5- الإصلاح في تلك المرحلة وما تلاها كان صمام أمان وتوازن داخل السلطة وخارجها مرسخا النهج الديمقرطي عمليا فدخل الحكم عبر الديمقراطية وكذلك خرج منه عام 1997م.

6- وهكذا في أول انتخابات رئاسية عام 1999م، وما تلاها من انتخابات بلدية وبرلمانية ثم رئاسية عام 2006، حيث قدم مرشحا باسم اللقاء المشترك لمنصب رئاسة الجمهورية.

7- عقد تحالفا مع أحزاب اليسار واليمين في تكتل فريد وغير مسبوق عربيا تحت مظلة اللقاء المشترك، الأمر الذي أعطى المشروع الوطني زخما وفاعلية أقوى في ظل الدستور والقانون.

8- وليس أخيرا، ها هو اليوم ومنذ خمس سنوات يعتبر الإصلاح هو المتصدر الأقوى بين الأحزاب لحمل وحماية المشروع الوطني المتمثل في الدفاع عن الشرعية والوقوف في وجه الانقلاب المليشاوي والسعي لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني المجمع عليها من ممثلي الشعب.

إننا نزجي التحايا تقديرا وإجلالا لهذا المولود السبتمبري الحامل وبكل مسؤولية لأهداف المولود السبتمبري الأول والمشروع الوطني بجدارة واقتدار، مقدما آلاف الضحايا ومستعدا للمزيد، داعيا إلى الشراكة الوطنية الحقيقية والقبول بالآخر والتعايش.

- الردة السياسية

قلنا إن المشروع الوطني نخرته التصرفات العفاشية اللامسؤولة المتمثلة في دفن عقيدة مؤسستي الجيش والأمن أولا، ثم إماتة الديمقراطية وتحنيطها والسعي نحو التوريث وصولا إلى خلع العداد.

هذه التصرفات المستبدة الخرقاء باسم الديمقراطية المحنطة، كانت إحدى العوامل البارزة والتي فتحت الشهية لدى المتربصين بالكهوف، والذين لولا مواقف النظام العفاشي الساعية إلى دفن المشروع الوطني، ما كانت ولن تكون الردة السياسية في21 سبتمبر، والتي مثلت نقطة عار في جبين سبتمبر.

أكرر القول إنها ردة سياسية عفاشية وانقلاب ضد ثورة 26 سبتمبر لصالح الملكية، وهي ثورة مضادة في نظر الكهف السلالي المليشاوي وانقلاب على الشرعية الدستورية مهد لها عفاش وقدم لها إمكانات دولة بكاملها، لتكون قفازا لجرائمه وأحقاده السوداء ضد الشعب اليمني.

هذه الردة السياسية كادت أن تكون عارا لا ينجلي من جبين الشعب اليمني لولا موقف الإصلاح ومعه الكثير من القوى الوطنية المتماهية في حماية المشروع الوطني، أفشل الإصلاح ومعه القوى الوطنية رهان الردة السياسية الخاسرة وحاصروها تحت راية الدولة والشرعية السياسية.

وها هي مليشيات الانقلاب تتقهقر ومشروع الردة العفاشحوثية إلى زوال، والمسألة مسألة وقت.

إن كلمة الأستاذ اليدومي في ذكرى تأسيس الإصلاح تكرر فيها مفردة "الدولة" 28 مرة، وهذا إن دل فإنما يدل بأن مواقف حزب الإصلاح نظريا وعقديا وثقافيا ضد كل ما يهدد الشرعية السياسية من إرهاب وانقلاب وفوضى وردة سياسية.. إن الإصلاح واقف ضد كل ما يمس بما اتفق عليه الشعب في مخرجات الحوار الوطني.

وبعد هذا كله يأتي طفل مغسول الدماغ ليقول الإصلاح إرهابي.

عاشت ثورة الـ26 من سبتمبر، وعاش الإصلاح حامل المشروع الوطني،
وعاشت اليمن حرة أبية.. الرحمة والخلود للشهداء.. وشفى الله الجرحى.

العار والشنار للانقلابيين ومليشيات الردة السياسية.. والصبر يثمر والزمان دوّار.في الذكرى الـ57 لثورة الـ26 من سبتمبر.. ميلادان.. ورِدّةٌ سياسية

عبد العزيز العسالي

تطل علينا الذكرى57 لثورة 26 سبتمبر بين "ميلادين" و"رِدّةٌ سياسية".

لقد ثار الشعب اليمني ضد الحكم الكهنوتي السلالي العنصري في صببحة الـ26 من سبتمبر 1962م، بعد عقود من تراكم القهر والفقر والجهل والتخلف.

خرج الشعب اليمني ولسان حاله يردد مع الأديب الشاعر الثائر الفيلسوف الأستاذ عبد الله البردوني:

أفقنا على فجر يوم صبي
فيا صحوات المنى أطرِبي

ومما قاله شاعرنا في هذه القصيدة مصورا العهد العنصري السلالي البغيض:

فولى زمان كعرض البغي
وأشرق عهد كقلب النبي

وأنهى القصيدة قائلا:

طلعنا نَدِلُّ الضحى ذات يوم
ونهتف يا شمس لا تغربي

نعم، خرج الشعب اليمني يهتف لضحى الحرية، يهتف لضحى الكرامة الإنسانية، يهتف لضحى النظام الجمهوري، يهتف لضحى العلم، يهتف لضحى التقدم، ويدلُّه على الطريق نحو الشعب اليمني الذي رزح عقودا في ظلام التخلف ووهاد الجهل والأُمية الحرفية والثقافية والفكرية.

البعض وجه اللوم إلى شاعرنا البردوني، رحمه الله، معللا لومه بأن البردوني بالغ في وصفه الكاذب لعهد الأئمة بأنه كعرض "البغي".

ونحن نتساءل: هل شاعرنا كان مبالغا؟ الجواب: ذكر الكاتب أمين الريحاني أنه زار مملكة العنصرية وشاهد اختبار طلاب المتوسط والذي كان يتم من خلال مقابلة يجريها أحمد ياجناه متمثلة في سؤال واحد هو: اذكر النسب الشريف.. أي نسب أحمد ياجناه.. متصلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الاختبار ذكره شيوخنا الأجلاء بأنه كان حاصلا وشاهدوه فعلا.. فهل كان البردوني مبالغا؟

- ميلادان في سبتمبر

المولود الأول هو ثورة الـ26 من سبتمبر ضد السلالية العنصرية والتي حصرت كل العلوم والمعارف حتى مرحلة البلوغ في معرفة نسب الجلادين لا غير. باختصار، كافح الثوار وكانت التضحيات حفاظا على النظام الجمهوري وأهداف ثورة 26 من سبتمبر.

ومن المعلوم أن الثورات العربية والأوروبية التحررية واجهتها ثورات مضادة أعاقتها. لكن ثورة 26 سبتمبر واجهت أعتى وأسوأ الثورات المضادة، ومع ذلك فقد شق الثوار طريقهم بصعوبة بالغة وتم إرساء النظام الجمهوري.

- غياب رافعة المشروع الوطني

نعم، كان الحفاظ على النظام الجمهوري وسط أعاصير هوجاء داخليا وخارجيا، إلى حد أن فوجئ الثوار بعد ثلاث سنوات من انطلاق الثورة اليمنية بموقف مصر الحامية للنظام الجمهوري وهي تدعوهم للحوار مع فلول الملكية.

القاضي الإرياني، رحمه الله، كان رئيس الوفد الجمهوري، قال في مذكراته إن موقف مصر يقول لا مانع من تغيير النظام الجمهوري إلى سلطنة أو مشيخة أو إمارة أو دويلة ولتنتهي الحرب، فرفض الوفد الجمهوري هذه الإملاءات رفضا قاطعا قائلا: لاحوار أبدا حول النظام الجمهوري.

وظل الوفد الجمهوري طيلة ثلاثة أشهر في خيمة حرض متمسكا بموقفه الصارم، وفشل الحوار.

يمكننا القول إن الثورة المضادة وما تلاها من استقطاب دولي لشطري اليمن رأسماليا واشتراكيا إلى جانب العوامل الثقافية، لم تدع للقائمين على النظام الجمهوري التقاط الأنفاس، فضلا عن التفكير بإيجاد كتلة حاملة للمشروع الوطني السبتمبري.

نعم كانت هناك شخصيات مستميتة في الحفاظ على الجمهورية وظل صوتها مدويا في الأوساط الشعبية، لكن هذه الشخصيات لم يكن لها إطار ناظم ولا برنامج ثقافي إجرائي عملي، حتى جاء زمن علي عبد الله صالح، وكانت الأوضاع دوليا وإقليميا ويمنيا في غاية التشابك والتعقيد.

باختصار، كان اليمن الشمالي يعيش داخليا فوضى خلاقة بأسوأ صورها انعكاسا للوضع الإقليمي والدولي.

وأصبح السكوت عن كثير من القضايا والمفاهيم بل والمبادئ والأهداف، فأصبح علي صالح هو الثورة والجمهورية والوطن والدستور والقانون وحامل المشروع الوطني وهو الكابوس.

لقد اتجه نظام علي صالح وبهدوء إلى زعزعة عقيدة مؤسسة الجيش السبتمبري، وكذلك عقيدة المؤسسة الأمنية، ذلك أن الأصوات السبتمبرية كان الكثير منها في هاتين المؤسستين، فتم نزع فتيل العقيدة العسكرية لصالح عقيدة الشخصنة والجهوية والعشائرية والقبلية.

كان هذا يدور بصمت وتحت الرماد، وبدأ يتجلى إبان الحرب التدريبية في صعدة، حيث تم تعيين قائد للواء الثالث جبلي التابع للفرقة الأولى، وفوجئ أفراد اللواء أثناء طابور التمام بإملاء شعارات مشخصنة تهتف باسم أحمد علي، فانقسم اللواء قسمين، قسم يهتف لأحمد علي وآخر يهتف باسم علي محسن.

نجح المجرم، وهنا دفنت مبادئ وأهداف الثورة والجمهورية لأن العقيدة العسكرية كانت قد دفنت مبكرا.

ظل هذا الإجرام العفاشي ينخر في أعماق مؤسستي الجيش والأمن، لكن ظل النظام الجمهوري هيكلا وشعارا حاضرا إعلاميا وشعبيا.

- مهدد آخر

برزت ملامح التوريث للحكم وبدأت الصراعات داخل الأسرة العفاشية، رافق ذلك مواقف إجرائية من النظام الأسري يشير بقوة إلى تجميد الديمقراطية من خلال تعديلات دستورية منحت رأس النظام قدسية جعلت منه نصف إله، وتم تكبيل التعددية السياسية، مرورا بتصفير العداد ووصولا إلى خلع العداد.

كل ذلك وغيره من المواقف العابثة للنظام التي أدت إلى مزيد من اهتزاز النظام الجمهوري، الأمر الذي فتح شهية أهل الكهف، كما سنوضح لاحقا.. كان ذلك باختصار شديد هو مسار المولود السبتمبري الأول.

- المولود الثاني: حامل المشروع الوطني

إعلان قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م.

هل كان اختيار تاريخ الـ13 من سبتمبر مصادفة غير محسوبة؟ ربما.. وربما العكس صحيح، ذلك أن إعلان قيام حزب الإصلاح استلهم أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر أولا، ونصت أدبيات الإصلاح على السير في خط المصلحين من القرن الثامن الهجري وصولا إلى صناع فجر ثورة 1948، ذاكرة إياهم بالاسم، كالزبيري والموشكي والعنسي والحورش والنعمان وغيرهم، ثم ثورةالـ26 من سبتمبر.

إذن، فالراجح أن اختيار الـ13 من سبتمبر عام 1990م لإعلان قيام هذا الحزب مذكرا بالنظام الجمهوري وأهداف ثورة 26 سبتمبر وإعلان الشريعة الإسلامية ومعتقد وهوية الشعب مرجعية له.

هذه المعطيات وغيرها الكثير من الشواهد تعطينا دلالة متينة بأن الإصلاح قد اختار الـ13 من سبتمبر عن قصد، هذا أولا.

وثانيا، التزم حرفا ومضمونا بحمل المشروع الوطني وحمايته، الأمر الذي أعطانا دلالة أخرى أن الحركة الإسلامية في اليمن قبل قيام الوحدة كانت متشوقة بطريقة أو بأخرى إلى إيجاد ذراع يحمل المشروع الوطني فكرا وممارسة، ولكن الرياح لم تساعدها إلا بعد إعلان الوحدة المباركة والتي صاحبها إعلان التعددية السياسية.

- مواقف ودلالات

المولود السبتمبري الثاني المتمثل في حزب الإصلاح أثبتت مواقفه أنه حامل المشروع الوطني ومنافحا عنه ومعه الكثير من قوى المجتمع المدني.

تعددت مواقف حزب الإصلاح الدالة على حمل المشروع الوطني والدفاع عنه متمثلا في أهم المواقف التالية:

- الجانب النظري، من خلال تجسيد أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر فكرا وممارسة وذلك من خلال المواقف التالية:

1- الحفاظ على هوية الشعب اليمني.
2- اعتماد الشريعة الإسلامية مرجعية للحزب.
3- التمسك بآليّة النهج الديمقراطي المستند إلى مبدأ الشورى.
4- التمسك بالنهج الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة واحترام حرية الشعب.
5- النضال السلمي في تحقيق وحماية النهج الديمقراطي وصولا إلى الدولة المدنية الحديثة والتي تعتبر أبرز معالم المشروع الوطني الذي تضمنته أهداف ثورة الـ26 من سبتمبر.

- الجانب العملي

1- أثبت الإصلاح عمليا دفاعه عن أهداف ثورة 26 سبتمر ومنها التعددية التي تعثرت جراء عوامل مختلفة فتأجلت حتى قيام الوحدة.

2- مارس الإصلاح دوره السلمي في حمل المشروع الوطني بدءًا من موقفه ضد المادة 3 من دستور دولة الوحدة كونها مخالفة لأهداف سبتمبر أولا، وكونها صادرت الحق البدهي للشعب في الاحتكام إلى معتقده.

أما هدف الإصلاح غير المعلن هنا فهو ترسيخ ثقافة المعارضة السلمية في جرعات متدرجة.

3- شارك في أول انتخابات برلمانية عام 1993م، وحصل على المرتبة الثانية، لكنه تنازل للاشتراكي وأخذ المرتبة الثالثة حفاظا على المكسب الديمقراطي كخطوة في طريق المشروع الوطني.

4- وقف الإصلاح إلى جانب الدستور والشرعية السياسية مدافعا عن الوحدة والشرعية في صيف 1994م تحت راية الدولة، وقدم التضحيات.

5- الإصلاح في تلك المرحلة وما تلاها كان صمام أمان وتوازن داخل السلطة وخارجها مرسخا النهج الديمقرطي عمليا فدخل الحكم عبر الديمقراطية وكذلك خرج منه عام 1997م.

6- وهكذا في أول انتخابات رئاسية عام 1999م، وما تلاها من انتخابات بلدية وبرلمانية ثم رئاسية عام 2006، حيث قدم مرشحا باسم اللقاء المشترك لمنصب رئاسة الجمهورية.

7- عقد تحالفا مع أحزاب اليسار واليمين في تكتل فريد وغير مسبوق عربيا تحت مظلة اللقاء المشترك، الأمر الذي أعطى المشروع الوطني زخما وفاعلية أقوى في ظل الدستور والقانون.

8- وليس أخيرا، ها هو اليوم ومنذ خمس سنوات يعتبر الإصلاح هو المتصدر الأقوى بين الأحزاب لحمل وحماية المشروع الوطني المتمثل في الدفاع عن الشرعية والوقوف في وجه الانقلاب المليشاوي والسعي لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني المجمع عليها من ممثلي الشعب.

إننا نزجي التحايا تقديرا وإجلالا لهذا المولود السبتمبري الحامل وبكل مسؤولية لأهداف المولود السبتمبري الأول والمشروع الوطني بجدارة واقتدار، مقدما آلاف الضحايا ومستعدا للمزيد، داعيا إلى الشراكة الوطنية الحقيقية والقبول بالآخر والتعايش.

- الردة السياسية

قلنا إن المشروع الوطني نخرته التصرفات العفاشية اللامسؤولة المتمثلة في دفن عقيدة مؤسستي الجيش والأمن أولا، ثم إماتة الديمقراطية وتحنيطها والسعي نحو التوريث وصولا إلى خلع العداد.

هذه التصرفات المستبدة الخرقاء باسم الديمقراطية المحنطة، كانت إحدى العوامل البارزة والتي فتحت الشهية لدى المتربصين بالكهوف، والذين لولا مواقف النظام العفاشي الساعية إلى دفن المشروع الوطني، ما كانت ولن تكون الردة السياسية في21 سبتمبر، والتي مثلت نقطة عار في جبين سبتمبر.

أكرر القول إنها ردة سياسية عفاشية وانقلاب ضد ثورة 26 سبتمبر لصالح الملكية، وهي ثورة مضادة في نظر الكهف السلالي المليشاوي وانقلاب على الشرعية الدستورية مهد لها عفاش وقدم لها إمكانات دولة بكاملها، لتكون قفازا لجرائمه وأحقاده السوداء ضد الشعب اليمني.

هذه الردة السياسية كادت أن تكون عارا لا ينجلي من جبين الشعب اليمني لولا موقف الإصلاح ومعه الكثير من القوى الوطنية المتماهية في حماية المشروع الوطني، أفشل الإصلاح ومعه القوى الوطنية رهان الردة السياسية الخاسرة وحاصروها تحت راية الدولة والشرعية السياسية.

وها هي مليشيات الانقلاب تتقهقر ومشروع الردة العفاشحوثية إلى زوال، والمسألة مسألة وقت.

إن كلمة الأستاذ اليدومي في ذكرى تأسيس الإصلاح تكرر فيها مفردة "الدولة" 28 مرة، وهذا إن دل فإنما يدل بأن مواقف حزب الإصلاح نظريا وعقديا وثقافيا ضد كل ما يهدد الشرعية السياسية من إرهاب وانقلاب وفوضى وردة سياسية.. إن الإصلاح واقف ضد كل ما يمس بما اتفق عليه الشعب في مخرجات الحوار الوطني.

وبعد هذا كله يأتي طفل مغسول الدماغ ليقول الإصلاح إرهابي.

عاشت ثورة الـ26 من سبتمبر، وعاش الإصلاح حامل المشروع الوطني،
وعاشت اليمن حرة أبية.. الرحمة والخلود للشهداء.. وشفى الله الجرحى.

العار والشنار للانقلابيين ومليشيات الردة السياسية.. والصبر يثمر والزمان دوّار.

كلمات دالّة

#اليمن