الخميس 25-04-2024 20:41:31 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

نتائج الانقلاب.. انهيار اقتصادي واستبداد سياسي وشروخ اجتماعية

السبت 17 يونيو-حزيران 2017 الساعة 06 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص - عبدالسلام قائد

تعددت النتائج الكارثية التي تسبب بها انقلاب تحالف الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية، لتشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من أبرزها الانهيار الاقتصادي والاستبداد السياسي وإحداث شروخ اجتماعية وتكريس العنصرية والتعصب المذهبي والمناطقي وغيرها.

وبالرغم مما تسبب به الانقلاب من دمار شامل في مختلف جوانب الحياة، وتصاعد حالة التذمر والتململ الاجتماعي بسبب ما آلت إليه الأوضاع من سوء، إلا أن الانقلابيين ما زالوا على مواقفهم المتصلبة بخصوص ما يتعلق بالجهود الأممية لحل الأزمة سلميًا، رافضين تقديم أية تنازلات تسهم في إيقاف الحرب واستئناف المسار السياسي، ويعود سبب ذلك إلى الفوائد التي يجنيها الانقلابيون من وراء استمرار الحرب، وعدم اكتراثهم بمصالح مختلف أبناء الشعب، فالأهم بالنسبة لهم مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة عامة المواطنين.


الانهيار الاقتصادي

شهد الاقتصاد اليمني تدهورًا غير مسبوق منذ انقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية والسيطرة على العاصمة صنعاء، حيث سلك الانقلابيون طرقًا ممنهجة لتدمير الاقتصاد الوطني، وتحويله إلى اقتصاد موازٍ يعود ريعه لصالح قيادات الانقلاب.

بدأ التدمير الممنهج للاقتصاد الوطني بالسيطرة على البنك المركزي في العاصمة صنعاء ونهبه، واستنزاف احتياطي النقد الأجنبي، بذريعة تمويل المجهود الحربي، ونهب موارد الدولة، وأيضًا نهب الدعم المخصص للمشتقات النفطية.

وبموازاة ذلك، ظهرت "السوق السوداء" لبيع المشتقات النفطية، حيث احتكر قيادات المليشيات الانقلابية تجارة استيراد المشتقات النفطية وبيعها في الداخل وبأسعار خيالية، مما أسهم في ثراء هذه القيادات خلال مدة زمنية قصيرة، وتسبب ذلك الاحتكار في تضرر القطاع الخاص، بالإضافة إلى تضرر المزارعين وأيضًا عامة المواطنين.

كما عمد الانقلابيون إلى تدمير القطاع الخاص، الذي كان له دور كبير في الاقتصاد الوطني، حيث قام الانقلابيون بنهب الشركات والمؤسسات التجارية لخصومهم السياسيين، الأمر الذي دفع كثيرًا من التجار ورجال الأعمال إلى نقل أموالهم واستثماراتهم إلى خارج اليمن، ومن تبقى منهم داخل البلاد تقوم المليشيات الانقلابية بنهبهم وابتزازهم وفرض الجبايات عليهم باسم المجهود الحربي، كما فرضت عليهم ما يسمى بـ"زكاة الخمس".

لم تكتفِ المليشيات الانقلابية بكل ما سبق ذكره، بل فقد عمدت، ومنذ بداية الانقلاب، إلى نهب حقوق الفقراء والمساكين والموظفين الحكوميين، حيث أوقفت مخصصات الضمان الاجتماعي، وبدأت باقتطاع نسبب محددة من رواتب الموظفين الحكوميين، بذريعة دعم المجهود الحربي، وذلك قبل أن توقفها نهائيًا، رغم الأموال الكثيرة التي تحصل عليها المليشيات كموارد من المحافظات التي تسيطر عليها.

كما عمدت المليشيات الانقلابية إلى نهب المساعدات المقدمة من منظمات وحكومات أجنبية للنازحين والمتضررين من الحرب، وبيع البعض منها في الأسواق، وتوزيع البعض الآخر على أنصارها، مما ساهم في ارتفاع معدلات الفقر والجوع وسوء التغذية بين المواطنين.

لم يكتفِ الانقلابيون بالتخلي عن دورهم الاجتماعي، بل فقد حالوا بين وصول المساعدات لمستحقيها، وشملت الكوارث الناجمة عن الانهيار الاقتصادي: ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، وزيادة أعداد الفقراء والجوعى، وغلاء الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الأمراض والأوبئة، وزيادة أعداد المصابين بحالات الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية.

وفي مقابل انهيار الاقتصاد الوطني الذي تسبب به الانقلابيون، برزت في الجانب الآخر مظاهر الاقتصاد الموازي للمليشيات الانقلابية، حيث أنشأت هذه قيادات شركات تجارية خاصة بها، ومنحتها حق احتكار استيراد معظم السلع الضرورية، وضيقت الخناق على المستثمرين والتجار الآخرين. كما حققت القيادات الانقلابية ثراءًا سريعًا، ويظهر ذلك بوضوح من خلال بناء الفلل والعمارات السكنية الفارهة، وشراء السيارات الحديثة، ونمط العيش الاستهلاكي.


الاستبداد السياسي

من الناحية السياسية، فقد برزت ظاهرة الاستبداد السياسي بشكل يشبه ما كانت عليه اليمن في عهد نظام الإمامة الزيدية، بل وبشكل أسوأ مقارنة ببعض سنوات حكم الأئمة الزيديين، ويكشف ذلك طبيعة وأهداف مشاريع الانقلابيين، المتمثلة في محاولة استعادة نظام الإمامة الزيدية بكل مساوئه، حتى وإن كان ذلك تحت لافتة النظام الجمهوري.

تتعدد مظاهر الاستبداد السياسي في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون، وفيما يلي أبرزها:

- القضاء على مظاهر الحياة السياسية تمامًا، من خلال اغتيال بعض السياسيين، واعتقال من أمكن اعتقالهم من قيادات الأحزاب السياسية، وإخفائهم قسرًا، أو استخدامهم كدروع بشرية، من خلال سجنهم في مخازن أسلحة مستهدفة من قبل مقاتلات التحالف العربي.

- إغلاق الصحف والقنوات الفضائية والإذاعات المحلية، واعتقال ومطاردة الصحفيين، وحجب المواقع الإخبارية على الإنترنت، ومنع مراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية من العمل، واحتلال عدد كبير من مقار الوسائل الإعلامية ومقار الأحزاب السياسية، وتفجير منازل الخصوم السياسيين.

- إثارة خصومات سياسية بدوافع قبلية ومناطقية ومذهبية، من شأنها التأثير على الحياة السياسية في مرحلة ما بعد الانقلاب، كونها ستعزز حالة عدم الثقة بين الأحزاب، وستؤثر على عملية التحول السياسي والديمقراطي لعدة سنوات في مرحلة ما بعد الانقلاب، وستهمش دور الأحزاب السياسية مقابل تعزير دور المليشيات المسلحة.

- الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون في عدن وفي بعض المحافظات الجنوبية قبل تحريرها، أحيت مطالب الانفصال في الجنوب بعد أن تلاشت خلال ثورة 11 فبراير 2011 وخلال المرحلة الانتقالية، كما أن الجنوب أصبح شبه منفصل بسبب الحرب الأهلية التي أشعلها الانقلابيون، ولولا الدعم الإقليمي والدولي للوحدة اليمنية لأعلن الجنوبيون الانفصال بكل سلاسة، خاصة وأنه لم يعد هناك أي تواجد عسكري شمالي في الجنوب.

- القضاء على منظمات المجتمع المدني، وتعطيل الحياة السياسية بالكامل، ومحاولة تدمير كل المكتسبات السياسية المتراكمة منذ ثورتي سبتمبر 1962 وأكتوبر 1963، وجعل المواطن يصاب باليأس من إمكانية التغيير بالأدوات السياسية، وإنما التغيير بالمقاومة المسلحة من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية مثل النظام الجمهوري والديمقراطية وحرية التعبير، حتى وإن شوهها النظام السابق، فالنضال سيكون من أجل الحفاظ عليها والدفع بها إلى الأمام وليس التخلي عنها.


شروخ اجتماعية

تسبب الانقلابيون بإحياء شروخ اجتماعية دامية، عانى منها اليمنيون كثيرًا خلال سنوات حكم الأئمة الزيديين، ويتمثل ذلك في عنصرية جماعة الحوثيين، والادعاء بأنهم أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، وإطلاق وصف "سادة" على أنفسهم.

وبالرغم من عدم منطقية هذا الادعاء، لأسباب كثيرة، إلا أن ما يترتب عليه من تمييز عنصري تتعدد جوانبه، تسبب في تعميق انقسامات اجتماعية، وشملت حتى تحالف الانقلابيين أنفسهم، ويتضح ذلك من خلال تزايد الخلافات بين أتباع عبدالملك الحوثي الذين يدعون النسب الهاشمي، وأتباع المخلوع علي صالح، وذلك بسبب إقصاء الحوثيين لأتباع المخلوع علي صالح من الوزارات والإدارات الحكومية التي يسيطرون عليها في العاصمة صنعاء، والتفوه ضدهم بألفاظ عنصرية بغيضة، مثل وصفهم لهم بـ"الزنابيل" وغير ذلك.

تتعدد خطوط الانقسام الاجتماعي بسبب الانقلاب، فمن العنصرية والتعصب السلالي، إلى التعصب المذهبي والقبلي والمناطقي، وكراهية الآخر، والتحريض الجماعي ضد أبناء محافظات محددة، كما يحدث في العاصمة صنعاء، حيث يحرض كثير من الخطباء الحوثيين وعبر منابر المساجد ضد أبناء محافظات تعز ومأرب والبيضاء، بسبب ما تتكبده المليشيات الانقلابية من خسائر في الأرواح والعتاد في المحافظات المذكورة من أجل السيطرة عليها.

يضاف إلى ذلك، أن القبضة الأمنية القوية في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون، وما يترتب عليها من انتهاكات للأبرياء بسبب وشايات أو مكايدات شخصية، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تطال النساء والتعدي على حرمة البيوت، والاعتداء على أمهات وزوجات المعتقلين كلما تظاهرن للمطالبة بالإفراج عنهم، والزواج بالإكراه، وغير ذلك من جوانب السقوط الأخلاقي للمليشيات الانقلابية، كل ذلك سوف يسبب أحقادًا وثأرات ستظل كالنار تحت الرماد حتى يحين موعد اشتعالها.

وهكذا، يتضح أن الانقلاب تسبب بكوارث ونتائج سلبية شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكلما طال أمد الحرب، وتأخر الحسم العسكري، فإن النتائج الكارثية للانقلاب ستتضاعف، حتى تصل البلاد إلى مرحلة الانهيار الشامل.