الأربعاء 24-04-2024 03:10:37 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إقالات وتصفيات جسدية.. صراع أجنحة مليشيا الحوثي يقترب من ذروته

الخميس 25 يوليو-تموز 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص

 

تزايدت حدة الصراعات الداخلية بين أجنحة مليشيات الحوثيين خلال الأشهر الأخيرة، وشملت الجوانب الأمنية والصراع على النفوذ السياسي والعسكري، وكان من أبرز تجليات هذا الصراع، الخلافات الحادة التي نشبت بين وزير داخلية الحوثيين عبد الكريم الحوثي ونائبه، بعد الوفاة الغامضة للوزير السابق عبد الحكيم الماوري في لبنان، وكان الصراع على وزارة الداخلية ومواردها المالية، وأيضا الصراع المسلح الذي نشب بين بعض أجنحة المليشيات في محافظة عمران، وانتهى بقتل وسحل أحد القيادات الحوثية السابقة (الشيخ مجاهد قشيرة الغولي)، وتصاعدت حدة التصفيات الجسدية لبعض القادة الميدانيين للمليشيات (المشرفين) في عدة جبهات وفي محافظة عمران ذاتها.

وتعود أسباب هذه الصراعات إلى تعدد أجنحة المليشيات الحوثية، وهذه الأجنحة ظهرت كنتيجة لتعدد العائلات السلالية الطامحة للسيطرة على السلطة مثل عائلة آل المتوكل وعائلة آل الشامي وعائلة آل شرف الدين وغيرها، والتي تحاول إزاحة عائلة آل الحوثي من المشهد من خلال التحالف مع بعض قادة المليشيات من وراء ستار، خاصة أن مختلف العائلات السلالية تنظر لعائلة آل الحوثي نظرة دونية باعتبارها عائلة متخلفة ولا تفقه شيئا في شؤون السياسة والحكم والاقتصاد.

وفي المقابل، تنظر عائلة آل الحوثي للعوائل السلالية الأخرى نظرة حقد كونها همشتها تماما في زمن حكم الأئمة قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وبالتالي فهي تريد تطويع بقية العوائل السلالية لخدمتها وعدم منافستها، ويتمثل ذلك في حرصها على عدم السماح ببروز أي قيادي كبير من العوائل السياسية الأخرى، واغتيالها لبعض الرموز السلالية في وقت مبكر قبل الانقلاب وبعده، خشية منافستهم لزعيم المليشيات عبد الملك الحوثي. وبعد استشعارها للخطر، أنشأت المليشيات الحوثية ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي"، الذي أصبح يمارس البطش والتنكيل في حق كل من يحاول بناء نفوذ خاص به ولو على مستوى منطقة صغيرة، بذريعة أنه "منافق".

• صراع النفوذ والمناصب

يشكل الصراع على النفوذ والمناصب المحور الرئيسي في الصراع بين أجنحة المليشيات الحوثية، وبدأ يظهر بشكل بارز بعد أحداث صنعاء في ديسمبر 2017 بين طرفي الانقلاب، المليشيات الحوثية وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح وجناحه في حزب المؤتمر، وانتهت تلك الأحداث بقتل الحوثيين لعلي صالح والتنكيل بجناحه في حزب المؤتمر، وبدأت بعد ذلك مباشرة الصراعات بين أجنحة المليشيات الحوثية.

في البدء كان الصراع بين ما يسمى "اللجنة الثورية العليا" للحوثيين وما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" الذي تم الاتفاق بأن يكون مناصفة بين الحوثيين والمؤتمريين (جناح علي صالح)، لكن اللافت هو أن الصراع استمر بين الطرفين حتى بعد قتل الحوثيين لعلي صالح، الذي قيل بأنه كان هو مهندس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، بهدف الحرص على بقاء أتباعه في سلطات الانقلاب بعد أن بدأ الحوثيون بإقصائهم بشكل ممنهج.

لم يتوقف الصراع بين مايسمى "المجلس السياسي" و"اللجنة الثورية" على المصالح والنفوذ إلا بعد مقتل رئيس ما يسمى المجلس السياسي صالح الصماد، والذي قيل بأنه لقي حتفه جراء غارة جوية للتحالف العربي، بينما تتحدث مصادر أخرى بأن من قتله هم الحوثيون وتكتموا على ذلك عدة أيام ليعلنوا بأنه قتل في غارة جوية التحالف، وسبق ذلك بأن وجهت له الأوامر من زعيم المليشيات، عبد الملك الحوثي، بالتحركات الميدانية المكشوفة لحشد المقاتلين إلى الساحل الغربي، لكن تلك التحركات أكسبته نفوذا كبيرا في أوساط القبائل والمقاتلين في صفوف المليشيات لقربه منهم، وهو ما يعني إما أنه تم تقديمه كهدف سهل للتحالف من خلال التحركات المكشوفة، أو تمت تصفيته من قبل المليشيات ذاتها والادعاء بأنه قتل في غارة جوية للتحالف.

وكان من أوجه ذلك الصراع بأن صحف المليشيات الحوثية كانت تمنع ظهور الصماد بشكل بارز في الصحف الرسمية التي سطت عليها، مثل "الثورة" و"26 سبتمبر"، وفي صحفها الخاصة مثل "المسيرة"، مما اضطر الصماد لانتحال اسم صحيفة "الجمهورية" التي كانت تصدر من تعز ويعيد إصدارها من صنعاء، والتي كانت تركز على نشر تحركاته الميدانية وصوره وتبرز ذلك في صدر صفحتها الأولى، ثم أوقفت المليشيات الصحيفة بعد مدة قليلة من مقتله.

بعد ذلك ظهرت أوجه عديدة للصراع، وكانت في مجملها تحرص على عدم بروز أي قائد عسكري أو ميداني أو سياسي أو حتى شيخ قبلي، ويُكَوّن نفوذا خاصا به بعيدا عن أعين الجناح الرئيسي في المليشيات، جناح عائلة آل الحوثي، وهذا ما جعل العديد من كبار الشخصيات التي تنتمي لعوائل سلالية كبيرة تغادر البلاد خشية من أن يتم اغتيالها.

ثم اتخذت الصراعات بين أجنحة المليشيات من مشايخ القبائل -الذين قدموا لها خدمات كبيرة في بداية الانقلاب- وقودا لها، وذلك بعد أن شكلت المليشيات ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" كحارس على نفوذ عائلة آل الحوثي داخل المليشيات، وقام بتصفية العديد من قيادات الجماعة المعروفين بـ"المشرفين"، وأغلبهم ممن كانوا من أتباع الرئيس السابق علي صالح، علما بأنه تم تصفية العديد من القادة والضباط ممن كانوا ينتمون لما كان يعرف بالحرس الجمهوري في بعض جبهات القتال، والادعاء بأنهم قتلوا في المعارك.

وبعد أن سيطرت عائلة آل الحوثي تماما على الجيش وما يسمى وزارة الدفاع في حكومة الانقلاب، انتقلت الصراعات إلى وزارة الداخلية، والتي تكشفت خيوطها بعد الوفاة المفاجئة لوزير داخلية الانقلاب عبد الحكيم الماوري في لبنان، حيث كان يتلقى العلاج هناك وسط تكتم عن أسباب العلاج ثم الوفاة، فهل تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة أسعف بعدها لهناك أم تعرض لإصابة جراء غارة جوية للتحالف؟ وكان اللافت بعد وفاته مباشرة أن اشتدت وتيرة الصراعات في وزارة الداخلية لتحسم في آخر المطاف لصالح عائلة آل الحوثي.

وقالت مصادر إعلامية إن وزير داخلية الحوثيين وعم زعيمها والرجل الأول المرشح لخلافته، عبد الكريم الحوثي، تمكن من السيطرة على مفاصل الوزارة كافة ومواردها المالية، بعد أن أزاح نائبه عبد الحكيم الخيواني، الملقب بالكرار، وأقصى المئات من أتباعه.

كما أن وزير داخلية الانقلاب الحوثي المعين خلفا لعبد الحكيم الماوري الذي مات في أحد مشافي بيروت، استطاع خلال فترة وجيزة من تعيينه على رأس الوزارة إحكام سيطرته على مواردها المالية التي تصل إلى نحو 200 مليار ريال يمني، واستبعاد الخيواني والمقربين منه كافة.

وجلب عبد الكريم الحوثي المئات من الموالين له، وعينهم في الإدارات المهمة في الوزارة، وأتاح صلاحيات كبيرة لنجل مؤسس الجماعة، المدعو علي حسين بدر الدين الحوثي، المعين وكيلا لقطاع الأمن والنجدة برتبة لواء من قبل رئيس مجلس حكم الجماعة السابق صالح الصماد.

• القتل والسحل لحسم الخلافات

لم تتورع مليشيات الحوثيين عن ممارسة أبشع أساليب القتل والسحل والتنكيل بحق حلفائها القبليين وقادتها السابقين ممن قدموا لها خدمات كبيرة منذ بدء الانقلاب، ففي حين يقوم ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" باعتقالات وتصفيات ميدانية ومحاكمات بحق عدد ممن يطلق عليهم "المشرفين"، فإن أي مشرف أو شيخ قبلي أو ضابط عسكري يقاوم مثل تلك الإجراءات فإن مصيره القتل والسحل والتشويه والتمثيل بجثته وتصوير ذلك فيديو ونشره أمام الرأي العام، في مسعى لبث الرعب وإثارة المخاوف في أوساط أتباع وقادة المليشيات الذين يدعي البعض أنهم يسعون لتحقيق مكاسب خاصة وجناية الأموال بدون أن يحشدوا مقاتلين في صفوف المليشيات، ويطلق عليهم صفة "منافقين".

وآخر مثال لذلك إقدام المليشيات، السبت الماضي، على قتل وسحل وتشويه جثة أحد قادتها السابقين في محافظة عمران، وهو الشيخ مجاهد قشيرة الغولي، الذي كان ضمن أبرز الشخصيات القبلية التي سهلت للحوثيين إسقاط محافظة عمران، وبعدها دخول العاصمة صنعاء. علما بأن مليشيات الحوثيين أقدمت خلال الأشهر الأخيرة على قتل العديد من الشخصيات القبلية التي ساندتها في سيطرتها على بعض المحافظات والمدن، خاصة محافظة عمران والعاصمة صنعاء، وكانت محافظة عمران نفسها مسرحا لصراع أجنحة المليشيات وتصفية العديد من قادتها السابقين.

ومن بين هؤلاء، القيادي الحوثي خالد علي جعمان، من أبناء مديرية المدان، الذي قالت مصادر إعلامية إنه قُتل برصاص مسلح حوثي آخر ولم يتم محاسبة الجاني.

هذه الحادثة جاءت بعد أيام من مقتل الشيخ القبلي الحوثي سلطان الوروري برصاص مسلحين حوثيين. وقال شهود من السلطات المحلية (الحوثية) -بحسب مصادر إعلامية وحقوقية- إن الشيخ الوروري استضاف عناصر حوثية في منزله بإحدى قرى قفلة عذر، منتصف الأسبوع قبل الماضي، وبعد مغادرتهم منزله، قاموا بقتله ونهب الطقم الذي كان يستقله، ونهب سلاحه الشخصي، ورموا جثته على قارعة الطريق.

وفي مطلع أبريل الماضي، أقدم مشرف حوثي يدعى "أبو ناجي الماربي"، على تصفية الشيخ القبلي أحمد سالم السكني، عضو المجلس المحلي بمديرية ريدة التابعة لمحافظة عمران، وعضو اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر، بمنطقة صرف شرق العاصمة صنعاء.

كما أن العديد من المشايخ والشخصيات الاجتماعية في محافظة عمران، خاصة ممن تعاونوا مع الحوثيين في السيطرة على محافظة عمران واقتحام اللواء 310، ثم الحشد لصالح الحوثيين قبيل دخولهم العاصمة صنعاء، كان مصيرهم القتل أو الوفاة الغامضة أو الاعتداء والإهانات. فمثلا، ياسر فيصل وسلطان عويدين الغولي قتلا في الحديدة بظروف غامضة، وصالح ناصر الأحمر ومحمد يحيى الغولي ماتا ولم تعرف أسباب موتهما أو ما إذا كانا قد قتلا.

وهناك مشايخ إما اعتقلوا أو وضعوا تحت الإقامة الجبرية، مثل: مبخوت المشرقي، وعلي حميد جليدان، وعلي عزيز الحجيري، ومجاهد القهالي. وبعضهم تعرضوا للصفع والإهانات والتهديد بالقتل وتفجير منازلهم، وهناك مشايخ تم تهميشهم وتجريدهم من أي دور، مثل: يحيى داحش العبدي، وصالح زمام المخلوس، وصادق أبو شوارب، وغيرهم.

وهكذا يتضح مما سبق أن مؤشرات الصراع بين أجنحة المليشيات الحوثية سيكون أكثر دموية، وأن مختلف قادة الجماعة قد يذيق بعضهم بعضا من نفس الكأس الذي أذاقوه الشعب اليمني، لكن سيناريوهات مثل هكذا صراع تبدو غامضة نوعا ما، وعلى ما يبدو فإن المليشيات الحوثية أصبحت اليوم أكثر وحشية وإرهابا، قياسا بجماعات إرهابية أخرى مثل "القاعدة" و"داعش"، وهو ما يعني أن هذا التوحش المتنامي سيطال خصوم المليشيات وحلفاءها والمواطنين في مناطق سيطرتها بشكل عام، الأمر الذي يستدعي من مختلف الأطراف التسريع بالحسم العسكري كواجب وطني وإنساني بالدرجة الأولى، لوضع حد لما هو أسوأ مستقبلا.