الجمعة 29-03-2024 17:58:41 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الفاشية الحوثية وإستراتيجية بث الرعب المجتمعي..!

الثلاثاء 23 يوليو-تموز 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

  

منذ بداية نشأتها اعتمدت مليشيا الحوثي على أسلوب مبدئي ثابت في سبيل تحقيق هدفها المتمثل في تقويض المجتمع وفرض سطوتها عليه، هذا الأسلوب هو إستراتيجية "الصدمة " وبث الرعب، ولم يكن هذا النهج بالنسبة للجماعة مجرد تكتيك مؤقت ستتخلى عنه ريثما تتمكن من تثبيت وجودها، بل تجسد كإستراتيجية أصلية في عقيدة مقاتليها، وبما جعل منه عنصر تكويني في صميم سيكلوجية مليشياتها، وبشكل يتعذر معه السيطرة على هذا النزوع الدائم للتوحش لدى أفرادها حتى بعد تحقق الهدف.

الكلام أعلاه، أمرًا مفهومًا للكثير، لكن نماذج القتل المرعبة، التي حدثت بالأمس القريب _ ضمن مسلسل التصفيات داخل الصف الحوثي نفسه، وتجاه المشائخ الذين انتهت خدمتهم معها، أو وقعوا في خلاف بسيط معها_أعادت للأذهان صورة المليشيا المتوحشة في أكثر تجلياتها بشاعة ورعبًا.

وفي هذه الوقفة سنتحدث، عن الطبيعة المتوحشة لجماعة الحوثي، وأساليبها الصادمة والمتعمدة في سبيل سيطرتها على المجتمع، والاستمرار في إخضاعه أكبر قدر ممكن من الزمن.

 

إستراتيجية الرعب: أداة المليشيا في تثبيت وجودها

كعادة أي جماعة شاذة في التأريخ، تعلم حجم وجودها الضئيل في المجتمع، ولا تثق بقدرتها على إستمالة الناس لتأييدها أو إقناعهم بقبول حكمها بالأدوات الناعمة، لجأت جماعة الحوثي للأسلوب العسكري كنهج تأسيسي أولًا، ثم اتبعت أشد الطرق القسرية والصادمة لتطويع المجتمعات بالقوة، والتمكن من إحكام قبضتها عليه، بصورة سريعة وخاطفة، عن طريق نشر الرعب مع كل خطوة تحرزها نحو الهدف.

بهذا الأسلوب، تحركت الجماعة من صعدة، مرورًا بدماج، وعمران، ثم معارك العصيمات وصولًا للعاصمة وحتى تمددها في غالبية المدن اليمنية، مستخدمة ذات النهج، تفجير البيوت، والتنكيل بخصومها، وإهانة أسرهم، وتشريدهم، وممارسة أقصى أنواع الإذلال والقمع، بكل من يبدي أدنى اعتراض عليها وبصورة شنيعة للغاية.

ثم لم تكتف الجماعة بممارسة فجورها بشكل متخف، بل تعمل متعمدة على توثيقه ونشره؛ كي تحقق الغرض منه وتتمكن من تثبيت صورة مرعبة عن نفسها وبأنها حالة قاهرة لا يمكن لأحد أن يصمد أمامها، ومن يفكر بفعل ذلك، فالمصير الذي ينتظره هو مثل هذا الذي تعرض له السابقين ممن حاولوا التمرد عليها فكانت نهايتهم.

 

نموذج جديد للتوحش : استمرار النهج الأول

تعزيزًا للفكرة السابقة، حول طبيعة التركيبة النفسية المشوهة لمليشيا الحوثي ونهجها الثابت في ممارسة التوحش كأسلوب حكم دائم وليس مجرد تكتيك ظرفي للسيطرة، يتجلى لدينا مشهد تصفيتها لمشائخ موالين لها بصورة بالغة الوحشية، وعلى سبيل المثال، الفيديو الأخير الذي نشرته الجماعة لعملية قتل الشيخ/ مجاهد قشيرة، بعد توتر علاقته مع جماعته حول أمور داخلية.

ومع كون الرجل كان من أدواتها المخلصة التي خدمتها كثيرًا، إلى جانب أنه في خلافه معهم، لم يمثل أي تهديد حقيقي لسلطتهم بقدر ما كان الأمر مجرد احتكاكات بسيطة لا تشكل أي خطر يهز وجودهم، إلا أن الجماعة لم تتوان في التعامل معه بصورة بالغة الوحشية، ونحن هنا لسنا في معرض الدفاع عن أحد، بقدر ما نستشهد بالحادثة للتأكيد على درجة العنف القصوى المتأصلة في نهج المليشيا الحوثية في التعامل مع الجميع بمن فيهم حلفاءها.

 

تحطيم الرقم القياسي في التوحش

من شاهد فيديو مقتل الشيخ مجاهد قشيرة على يد الجماعه نفسها التي تحالف معها، بقدر ما سيتأكد له إستحالة مراعاة هذه الجماعة لأي إعتبارات خاصة بأي مواطن سواء كان حليف لها أو خصم وبأن الجميع معرضون لخطرها بنفس الدرجة مهما كانت علاقته بهم، سيكتشف أيضًا مستوى التوحش الداخلي المخيف للمليشا الحوثية الضالة، فنحن أمام حالة تأريخية تجاوزت كل مقاييس الجريمة المعروفة.
ومقطع الفيديو المنتشر لمجاهد قشيرة، يعكس أعلى درجة الانحطاط الذي بلغته هذه الجماعة المنفلتة.

في هذه الحالة، ليس القتل هو ما يرعبك فحسب_ فهذه الجماعة مدمنة لفعل الجريمة وهذا ليس بجديد عنها_ لكن الطريقة الفاحشة في تنفيذ الجريمة الأخيرة أعادت إبراز الجوهر الفاضح لأسوأ جماعة مارقة في التأريخ اليمني الحديث.

إن فارق التوحش في القتل وتعمد القتلة الحوثيين تصدير ذلك المستوى من الفظاظة في جريمتهم وسحل الجثث والتمثيل بها، له دلالة رمزية تعكس درجة التصاعد الدرامي في توحش هذه الجماعة، واستعدادها لممارسة أحقر مستويات الجريمة لمواصلة إخضاع اليمنيين، حلفاءها وخصومها معًا، وهذا الدرس بقدر ما هو واضح لدى اليمنيين المناهضين للمليشيا، فهو درس ينبغي أن يتنبه له كل من لا يزال يحمل في قلبه مثقال ذرة من ولاء لهذه الجماعة، كي يعلن قطيعته معها ويستوعب درجة سوءها المعمم تجاه الجميع وعدم تفريقها بين خصم وحليف فكلهم في عرف الجماعة سواء.

 

التعامل الحوثي مع الرموز القبلية

على الرغم من تمكن الجماعة الحوثية من تكسير غالبية الرموز المجتمعية على امتداد مسيرتها التوسعية عبر أسلوبها القهري، لجانب تمكنها من استمالة بعضهم بطريقة أو بأخرى، إما تحت لافتة مقاومة ما أسمونه "العدوان" أو استغلالًا لتحالفها مع الرئيس السابق، إلا أنها ظلت تتبع ذات النهج الاخضاعي مع كل الرموز القبلية وعملت بإستمرار على تطويعهم لخدمتها وتجريدهم من مكانتهم الإجتماعية ثم استبدال كثير منهم بعناصر تتبعها وتنصيبهم كمرجعيات مجتمعية أكثر ولاء لها.

ثم مع مرور الأيام وتبدل المشهد وغدرها بحليفها السابق، وحتى في مرحلة ما قبل قتلها للرئيس السابق، كانت الجماعة تتعمد تهميش هذه الرموز القبلية والتعامل معهم بمنطق التابع الذليل الذي يتوجب عليه تنفيذ كل ما يقال له وأي نبرة إعتراض تواجه بالقمع العنيف والمباشر.

ولن نذهب بعيدًا للإستدلال على ما سبق، حيث يكفي أن نستشهد بما حدث خلال الفترة الأخيرة، لتتضح لنا الصورة بشكل قاطع، فخلال أسبوعين فقط، شهدنا تصفيات أكثر من عنصر كان محسوب على الجماعة، إلا أن المليشيا العنصرية لم تتركهم بحالهم واختلقت مبررات للتخلص منهم، وما الشيخ مجاهد قشيرة، ومن قبله الشيخ سلطان الوروري، سوى نموذجين أخيرين لطبيعة تعاطي المليشيا الحوثية مع المجتمع وشخوصه، بصرف النظر عن قربهم منها أو بعدههم، فالمصير الذي ينتظر الجميع واحد في ظل جماعة بلا أخلاق ولا ضمير، وفاتحة شهيتها لابتلاع كل الناس.

 

أخيرًا:

يمكننا القول أن ظاهرة توحش المليشيا الحوثي في التعامل مع الآخر، ليست شئيًا مستغربًا بالنظر لطبيعة العقيدة العنيفة التي تتبناها هذه الجماعة، فمجمل خطابها يتسم بالعنف وضخ جرعات مخيفة من خطاب الكراهية وسط أفرادها، وهذا النوع من الخطاب ليس عارضًا أو نتاج ظروف استثنائية، بل هو ما يشكل جوهر المنهج الحوثي العنصري، ودعاوى التفوق السلالي عن باقي البشر، وهذه الفكرة الخطرة هي ما تجعل أفراد الجماعة والملتحقين بها، يتعاملون بوحشية مع الأخر، ويتجلى طابع الفظاظة في مجمل سلوكياتهم، ما يعكس أن الخلل الكارثي يكمن في جذور هذه الجماعة والأفكار التأسيسية التي تغذي توحشها وتجعل منه منهجًا معممًا في التعاطي مع الجميع، وبدون إجتثاث الأفكار العنصرية، لن يتمكن المجتمع من الولوج لعالم المساواة وتحقيق السلم الإجتماعي وطمس نوازع الكراهية والتوحش الذي تروج له هذه العصابة الهمجية.

 

الخلاصة:

أمام واقع بشع كهذا الذي تتعامل به المليشيا الحوثية مع أبناء المجتمع، لم يتبق لليمنيين من حيلة أخرى سوى مواصلة قتالهم لهذه الجماعة المتوحشة، فما هو مؤكد وثابت هو أننا أمام جماعة غير قابلة للتعايش، فإذا كان هذا هو تعاملها مع حلفاءها فكيف بمن يناهضوها، ثم ما مصير بقية الناس الذين يقعون تحت رحمتها ولا حول لهم ولا قوة. بإختصار لن تستقر لليمنيين حياة ما دامت هذه الجماعة تعربد فوق رؤوسهم، فكل مصائبنا تهون أمام بقاء هذه العصابة الجاثمة على صدورنا. وكل البشاعات هيّنة أمام بشاعة السيد ودروايشه المارقين.