الجمعة 29-03-2024 04:47:24 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

لجان "صلاح" وغسيل جرائم الانقلابيين

الخميس 08 يونيو-حزيران 2017 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - متابعات

     

أولئك الذين قتلوا الطفل "مالك الشعيبي" مازالوا يسرحون ويمرحون في المحافظة المستباحة، بينما يقبع أقرباؤه خلف القضبان. لم يكفهم تجرع ألم الفقدان في واقع موحش وموغل بالقهر، حتى يعانون مرارة الحرمان من حياتهم الطبيعية.

 

لا غرابة في الأمر.. ففي محافظة إب المختطفة منذ أواخر 2014، غدا كل شيء مباحا أمام جلاوزة الانقلاب الذين تتفنن أجهزتهم الإدارية والأمنية بمساندة ما كنتهم الإعلامية، في شيطنة الآخر، لمجرد وقوفه في وجه الظلم أو معارضته الرضوخ للواقع المرير ولو بمنشور.

 

 "ما ضاع حقٌ وراءه مطالب"، يحث الأثر المتجذر في الذهنية اليمنية. غير أن هذا الحق لطالما تحول في "إب" إلى نقمة ضد من يسعى للمطالبة به، فمجرد مطالبتك بحقك هنا يعني أنك "داعشي"!

التهمة التي تلصقها مليشيات الانقلاب لكل معارضيها وضحايا جرائمها.

 

وفي إب، لا يتوقف الانقلابيون عن ارتكاب جرائمهم ضد مواطني المحافظة المغدور بها منذ استبيحت تحت فرية "السلام" المزعوم. ويعود الفضل في ذلك، غالبا، إلى تلك اللجان الكاذبة التي يشكلها محافظ المحافظة المعين من قبل الإنقلابيين.

  

بين يدي "لجان صلاح"

 يتعامل محافظ إب، "عبدالواحد صلاح"، المعين من الانقلاب، مع قضايا المواطنين المنتهكة حقوقهم، وفقاً للمثل الشعبي الدارج هنا: "لا تكسعه ولا تقضي حاجته".

 وحين تتحول قضية ما إلى قضية رأي عام في الشارع، وتتزايد الضغوطات عليه لاتخاذ موقف قانوني حازم إزاءها، يسارع إلى إعلان تشكيل لجنة، غالباً ما تموت في لحظاتها الأولى.

 

وعندما يزداد ضغط الشارع لمعرفة النتائج، يتجه "صلاح" نحو ما هو أسوأ من الجريمة، ليتآمر مع الجلاد ضد الضحية.

 

ومع ذلك فإن ما بات يعرف هنا باسم لجان "صلاح" التي يشكلها المحافظ لذر الرماد في العيون، لا تتوقف، حتى على الرغم أن الجميع أصبحوا يدركون أن إعلان تشكيل لجنة، لا يعني سوى إعلان شهادة وفاة القضية.

 

في هذا التقرير سنسلط الضوء على أهم الأحداث التي شهدتها محافظة إب خلال أكثر من عامين من الانقلاب، والأدوار البارزة والخفية التي يقوم بها محافظ الانقلابيين لغسل تلك الأحداث والجرائم من خلال اللجان التي يقوم بتشكيلها تباعاً.

 

كما سنستعرض أيضاً بعض النتائج التي توصلت إليها بعض تلك اللجان التي باشرت أعمالها بالفعل، لنكشف الأدوار الحقيقية التي أسندت إليها من خلال تحيزها ووقوفها في صف الجناة على حساب قضايا المحافظة وأبنائها.

  

الجاني المحايد ..فكرة النشأة..!

 

لا أحد في محافظة إب يمكنه إخراج "صلاح" عن دائرة المسؤولية عمّا جرى في المحافظة من أحداث منذ اجتاحتها مليشيات الحوثي، وما زال يجري حتى الآن، والأدوار والمهام التي لعبها حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادته في التهيئة والترحيب بالجائحة الحوثية عن طريق شبكة المشايخ والقيادات المؤتمرية في المديريات، مروراً بكل الأحداث التي لم تتوقف حتى اليوم.

 

حين اجتاح الحوثيون المحافظة، منتصف أكتوبر 2014م، بمباركة وإسناد ودعم من حليفها في الانقلاب، حزب المؤتمر الشعبي العام، انبرت مجاميع قبلية من أبناء المحافظة للمسلحين الحوثيين، وخاضوا معها اشتباكات مسلحة في أكثر من مكان داخل المدينة وخارجها.

 

وحين كادت الأمور تتطور أكثر، نتيجة لنهوض القبائل المسلحة في أكثر من منطقة لمساندة المقاومة ضد الإنقلابيين، انبرى رئيس حزب المؤتمر في المحافظة "عبدالواحد صلاح" لتقمص دور المحايد الحريص على مصلحة المحافظة وتجنيبها الصراع والدمار.

 

وتحت مزاعم "السلام" عمل تدريجياً على تمكين الانقلابيين من مؤسسات الدولة، فقاد ما أسماها "وساطة" بين الحوثيين، الذين اختاروه وعينوه في منصب المحافظ، وبين القبائل التي تولت الدفاع عن المحافظة، وحينها تشكلت أول لجنة تحت رئاسته، مهمتها إزالة مختلف أنواع التوترات، ورفع المجاميع المسلحة من مؤسسات الدولة ومن الشوارع، وتسليمها للأجهزة الأمنية.

 

غير أن ذلك لم يحدث بالفعل، حيث لم يكن قد التزم بهذا الاتفاق سوى القبائل فقط، فيما تم تمكين الحوثيين من المؤسسات تدريجياً بإسناد من لجنة "صلاح". وشكل نجاحه هذا منطلقاً لمواصلة الاعتماد عليه من قبل الانقلابيين الحوثيين، لممارسة الدور نفسه تحت اسم الشخصية "المحايدة"، وضمن سياسة "النأي بالنفس"، التي حاول إيهام الشارع بها، فيما يقول الواقع بأنه لم يكن سوى جزء رئيسي من تكريس المشهد الحالي في المحافظة، كما أنه يعد متهماً أساسياً في كل الجرائم التي طالت –وتطال- المواطنين في المحافظة، التي باتت تحت مسؤوليته بحكم الأمر الواقع.

 

 

لجان "صلاح" في خدمة الجُناة..!

 

 تدريجياً، كانت الأمور تتكشف أن الرجل لم يكن سوى مجرد أسفنجة لتهدئة ثورة غضب الجماهير، وجسرا لعبور المليشيات نحو السيطرة الكلية على المحافظة.

 

 ومع شهر أغسطس 2015، شهدت عدد من المديريات احتداماً للمواجهات المسلحة بين المقاومة الشعبية ومليشيات الانقلاب، تصدر حضورها الجماهيري والشعبي المعارض للانقلاب، شخصيات اجتماعية كان لها دور كبير في تنامي المقاومة في مناطق نفوذها الجغرافي.

 

ولان المليشيات كانت قد أحكمت سيطرتها المسلحة على معظم تفاصيل وأجهزة المحافظة، فقد تحول ذلك الحضور الشعبي لقيادات المقاومة إلى معاناة شخصية، نتيجة استهدافها والبطش بها من قبل الانقلابيين.

 

 من بين تلك القيادات الجماهيرية، برزت أسرة "الجمّال"، بمديرية بعدان، الذين تعرضت منازلهم في المدينة والمديرية للاقتحام والنهب والتفجير. ولكي لا تتفاقم النقمة وتؤدي إلى نتائج عكسية ضد مرتكبي تلك الجرائم، انبرى المحافظ "صلاح" معلناً تشكيل لجنة للتهدئة برئاسته. 

 

ولاحقاً تم تسريب نبأ تقديمه الاستقالة احتجاجاً، ليتضح بعدها أنها لم تكن سوى مسرحية هزلية انكشفت حقيقتها مع النتيجة التي توصلت إليها اللجنة، التي لم تستطع عمل شيء حيال الجرائم التي تعرضت لها أسرة "الجمّال"، بل أبعد من ذلك، كانت اللجنة قد جرمت الفعل المقاوم الذي انتهجه المجني عليهم كردة فعل طبيعية لما لاقوه من صلف وبطش بحقهم.

 

ومع ذلك، مضت الأمور على هذه الشاكلة، وتواصلت أعمال اللجان مع كل جريمة يرتكبها الانقلابيون كنهجٍ جديد خطه "صلاح" في إطار مهمته الموكلة والمتمثلة، في المجمل، بتمكين المليشيات من المحافظة والبقاء فيها أكثر وقت ممكن.

 

في تلك الأثناء تواترت الأنباء عن دور خفي للشيخ "جمال الحميري" ـ شيخ مؤتمري ووكيل محافظة ـ في دعم مقاومة حزم العدين، فسارع الحوثيون إلى تفخيخ منزله في شارع العدين وسط المدينة استعداداً لتفجيره، من جهته سارع "صلاح" بتشكيل لجنته للتهدئة.

 

وهذه المرة، حققت لجنة "صلاح" نجاحاً باهراً يفوق السابقة، حيث لم تتمكن فقط من إثناء "الحميري" عن مواصلة قيادة المقاومة في منطقته، بل نجحت من استمالته إلى صف الانقلابيين، وبالتالي إضعاف المقاومة في مديرية الحزم وطعنها من الظهر مقابل وقف عملية التفجير المزمعة..!

 

لوأد الفعل المقاوم

على هذا المنوال، واصلت مليشيات الحوثي وصالح ارتكاب جرائمها البشعة في حوادث كثيرة طالت عدداً من مديريات المحافظة، مستهدفة شخصيات اجتماعية ورموزاً قبلية لها وزنها الاجتماعي في مناطقها، بغية تحطيم رمزيتهم الثورية لدى بقية المجاميع المقاومة.

 

كان من بين تلك الجرائم تفجيرها منزل "القادري" في مديرية جبلة، ومنزل الشيخ "الشلح" في مديرية السياني. غير أن النتيجة كانت عكسية، حيث قام هؤلاء بتكثيف مواجهتهم للمليشيات عبر انتهاج أسلوب المقاومة الذاتية، والتي أدت إلى مقتل وإصابة مسلحين حوثيين واعتقال آخرين منهم.

 

وكالعادة، حين بدأت رقعة المواجهات بالتوسع بشكل أكبر في تلك المديريات، ظهرت لجان "صلاح" للتهدئة، والتي شكلها من شخصيات في تلك المناطق، دون أي جديد يذكر، غير قيامها بتلك المهمة الرئيسية في وأد أية مقاومة مجتمعية ضد مليشيات الانقلاب، مستخدمة في ذلك أسلوب الوعود والمبادرات والتسويفات لكسب المزيد من الوقت حتى تتمكن المليشيات من رفد وتعزيز تلك الجبهات بمقاتليها لوأد المقاومة في معقل رأسها قبل أن تتوسع، أو إفساح المجال لأدوات "صلاح" في تلك المناطق بممارسة دور التخذيل عبر التخويف والترهيب وتهويل قوة المليشيات وقدراتها وبشاعة جرائمها، في سبيل التمهيد لمساعدتها في السيطرة على الوضع في تلك الأماكن وكبت أية ردة فعل مجتمعية.

 

وإلى جانب تلك الأساليب التخذيلية، والاحتواء للزعامات وطعن المقاومة في الظهر، عبر نجاحها في إبرام مقايضات بإيقاف تفجير منازلهم في مقابل استمالتهم إلى صف الانقلابيين، فقد استخدمت "لجان صلاح" وأدواته، أيضاً أساليب أخرى في خذلان المقاومة الشعبية، بما في ذلك المكر والخداع، كما حدث مع مقاومة بعدان الذين استمعوا لمبادرات مشايخ مؤتمريين من أبناء المنطقة على علاقة بصلاح، دعت إلى سحب المقاومة مقاتليها من المواقع التي يسيطرون عليها، في مقابل أن ينسحب الحوثيون أيضاً من الأماكن التي استولوا عليها، ليتفاجأ المقاومون لاحقاً بأن تلك الوجاهات باعتهم حين سمحت للحوثيين باجتياح المنطقة من منفذ آخر كان في مأمن قبل الاتفاق. كما أكدت مصادر في المقاومة لمراسل "يمن شباب نت".

 

غسيل جرائم

 

إلى ذلك، أيضا، استخدم "صلاح" لجانه التي يشكلها في غسل جرائم الانقلابيين كما حدث في جريمة إعدام مليشيات الحوثي وصالح تسعة من شباب مديرية النادرة في يونيو 2016م، الجريمة التي هزت العالم وأقضت مضاجع أصحاب الضمائر الميتة والذين عبروا عن استيائهم واستنكارهم لتلك الجريمة البشعة، وطالبوا كل المنظمات الحقوقية إلى إدانة تلك الجريمة وتوثيقها في سجل الانقلابيين الأسود لتقديمها ضدهم في المحاكم الدولية كمجرمي حرب، تلك الجريمة انبرى "صلاح" لغسلها بطريقة تجعله في دائرة المساءلة في الاشتراك فيها وطمر ملامحها، بحسب حقوقيين وناشطين.

 

فقد عمل حينها، عن طريق مدير المديرية المعين من الانقلابيين ورئيس كتلة حزب المؤتمر بالمحافظة في مجلس النواب وشخصيات اجتماعية أخرى، على إرغام الأهالي المدنيين الذين تم تصفية أبنائهم بدم بارد على الرضوخ للأمر الواقع والقبول باعتذار من صلاح وذبح مجموعة من الحيوانات تحت مسمى "وصلة".

 

جريمة بشعة كهذه تعامل معها "صلاح" كإطفائي ببرودة أعصاب، كما جرت العادة دائما فيما يتعلق بجرائم الانقلابيين وقام بتشكيل لجنة من المقربين منه والمؤيدين لمشروع الانقلاب والذين بدورهم عملوا على مسح معالم الجريمة بدفن جثث الشباب الذين تم تصفيتهم ومسح القضية من يوميات المحافظة المتخمة بالجراح.

 

 

لجان للاستهلاك الإعلامي

 

قبل أن تحدث الجريمة وترتكب مليشيات الانقلاب الانتهاكات الجسيمة تجاه أبناء المحافظة يكون "صلاح" قد أعد عدته لنشر أخبار ومنشورات تسوق للرأي العام بأنه (صلاح) أبدى امتعاضه من تلك الجريمة وشكل لجنة لها، والمؤسف دائماً أن أخباراً كهذه تنطلي أحياناً على الشارع الغاضب والرأي العام.

 

يقول "أحمد هزاع" الناشط في وسائل التواصل الاجتماعي، إنه ومن خلال متابعة الأحداث والجرائم الكبرى التي طالت وجاهات اجتماعية وسياسية في المحافظة خلال العامين الماضيين من احتلال المحافظة "نجد وسائل الإعلام المقربة من صلاح وصفحات التواصل الاجتماعي لشباب مقربين منه، وقد تحولوا إلى أبواق للانقلاب من خلال محاولة إخفات السخط المتنامي في وسائل التواصل الاجتماعي عبر نشر أخبار كاذبة ومضلله عن تحرك السلطات المحلية ومحاولة إظهارها بالمظهر البطولي".

 

وأضاف، ضمن تصريحاته لـ"يمن شباب نت": "لقد اتضح للجميع أن أي حديث عن تشكيل لجان من صلاح لصالح المواطن، ليس سوى مجرد استهلاك إعلامي وكذب وضحك على الذقون"، مشيراً إلى قضية "بيت الشعيبي" كأكبر دليل على ذلك.

 

 

وجهة نظر قانونية

 

ربما يتوهم "صلاح" بأنه قد نأى بنفسه عن المساءلة القانونية والمسؤولية المباشرة عن التورط في تلك الجرائم، من خلال انتهاجه هذا النهج التحايلي الذي لم يعد ينطلي على الكثيرين، غير أنه ولكونه يحمل صفة المسؤول الأول في المحافظة كسلطة أمر واقع، ومتورط في جرائم طمس وطمر ملامح الجرائم ضد المدنيين في المحافظة، فإنه مشترك وبصفة أساسية في تلك الجرائم ومحط المسائلة القانونية وفق نظر نشطاء حقوقيين.

 

ويؤكد الناشط الحقوقي محمد الاحمدي، في تعليقه على هذا الأمر، على أن "صلاح" وغيره من المسؤولين المحليين المعينين من سلطات الانقلاب "مسؤولون مسؤولية مباشرة عن الجرائم المرتكبة بحق حقوق الإنسان في المحافظة، وليسوا بمنأى عن المحاسبة القانونية وفق قوانين ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والمحلية".

 

ويوضح الأحمدي، في تعليقه لـ"يمن شباب نت"، بأن "جرائم الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون والإعدام بدم بارد جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وسيكون المسؤول الأول في المحافظة مسؤولا مباشرا عنها أمام القانون بالإضافة إلى الجناة المباشرين".

 

ويلفت الأحمدي إلى أن "محاولة التستر على المجرمين أو غسل الجرائم وطمسها بما من شأنه تأسيس مناخ للجناة للإفلات من العقاب، لا تقل جرماً عن الجريمة ذاتها، وبالتالي فإنه ومن البديهي ستكون لها تبعات قانونية".

 

وحذر "الأحمدي" السلطات المحلية في المحافظة من "التمادي والتغول في ارتكاب الجرائم بحق أبناء المحافظة، لأن التأريخ لا يرحم، كما أن القانون كفيل بجرجرة كل المتورطين في هذه الجرائم التي تطال المدنيين وتقديمهم للعدالة طال الزمن أو قصر.