الجمعة 29-03-2024 13:01:05 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مقاومة النفوذ الإصلاحي.. مبرر الكيانات الفاقدة للمشروعية

الجمعة 28 يونيو-حزيران 2019 الساعة 09 مساءً / محمد المياحي - الإصلاح نت - خاص

 

 

تَوَقف أمام غالبية المواقف السياسية التي ترفع فيها "شماعة" التصدي لنفوذ الإصلاح، ودائمًا ما ستجد سلوكًا سياسيًا عاريًا ويفتقد للشرعية القانونية والأخلاقية، هذا السلوك المشبوه هو ما يدفع أصحابه للبحث عن لافتة تبرر فعلهم المنفلت، وغالبًا ما يكون بعبع الإصلاح هو المحلل الذي يجدون فيه ملاذًا لتمرير مشاريعهم الكارثية.

الأمر ليس جديدًا، فبالعودة للخلف، وطيلة السنوات الثمان الماضية، ستجد أن غالبية الكوارث التي حدثت، كانت تحت غطاء مقاومة الوجود الإصلاحي، ومع أن هذا الوجود الذي يتحدثون عنه طبيعي جدًا بل وأقل مما يفترض؛ لكن أطرافا كثيرة تعمل على تضخيمه وتصويره على أنه خطر على مستقبل الناس، في مشهد يعكس قدرة الإشاعة الممنهجة على قلب الحقيقة بشكل صادم لدرجة التمكن من بث مخاوف وهمية إزاء أمور ومواضيع عادية؛ كمشاركة حزب ما في السلطة وتصوير ذلك بأنه خطر.

بينما الحقيقة تقول إن الخطر لا يكمن في الحضور السياسي الطبيعي لأي حزب يشتغل بالطريقة الرسمية ووفقًا للأطر الشرعية، إنما في من يسعى لتدمير السياسة وأدواتها والتحريض ضدها، بهدف استبدالها بكيانات تعمل خارج الإطار السياسي وتستخدم أدوات غير سياسية للوصول لأهدافها الشخصية وتحقيق مطامعها الغير مشروعة.

في هذه الوقفة سنحاول الحديث عن نماذج لهذه الكيانات المشبوه، وطريقة عملها ودوافعها التبريرية للوصول لأهدافها التخريبية على حساب مصالح الناس وأحلامهم بدولة نظام وعدالة.

 

* أصحاب المشروع المناطقي

تتنازع البلاد مشاريع كثر، منها ما هو وطني ومشروع ويشتغل بالطرق المعروفة للفعل السياسي، ومنها ما يفتقد للصفة القانونية ويشتغل بطابع لا وطني، كأصحاب المشاريع الطائفية والمناطقية وغيرهم، وهذا الأخير تصاعدت لهجته منذ اللحظات الأولى لتحرير الجنوب في أواخر العام 2015. ومع أن جذور هذا المشروع قديمة نسبيّا؛ لكنه مؤخرًا انتقل لمستويات تطرف عليا، ثم عمد بعد ذلك لتأطير نفسه بكونه الحامل السياسي لقضية الجنوب وحصل على دعم وتمويل كبير، ليواصل الاشتغال بطريقة مناطقية يحتكر فيها تمثيل الجنوب، مستفردا بالساحة بطريقة إقصائية وغير مكترث بالنتائج السلبية المترتبة على الاشتغال بهذه الطريقة العبثية.

 

* طريقة اشتغال قديمة ومبررات مكشوفة

بالتركيز على طريقة الاشتغال التي يعمل بها أصحاب المشروع المناطقي، يلاحظ أنهم استعاروا نفس الآلية المعروفة التي تعمل بها كل الكيانات الفاقدة للمشروعية الوطنية، هذه الآلية تتمثل في استهداف الكيانات الوطنية المقابلة، وذلك بهدف تشويهها ومراكمة مشاعر كراهية ضدها، فهم يعتقدون أن استهداف نقيضهم يمنحهم نوعا من المشروعية ويشرعن سلوكهم المنفلت، وبالطبع، أتحدث هنا عن استهدافهم الممنهج لحزب الإصلاح في الجنوب، والحديث المستهلك عن أنهم يفعلون ذلك لتحجيم تغول حزب الإصلاح في الشرعية.

لكن الحقيقة الباطنية لهؤلاء هي أنهم يشعرون بقلق داخلي دائم بخصوص مشروعيتهم وقانونية فعلهم؛ فيلجؤون لتشويه خصومهم الذين يشتغلون بطريقة سياسية وقانونية واضحة؛ كي يتمكنوا من تسويق أنفسهم كبدائل صالحة للعمل، إلى جانب تمكنهم من تعزيز وهم سيطرة الإصلاح والمبالغة في نفخ حضوره، كونهم يشعرون بأن وجوده معيق لأهدافهم الخارجة عن سياق الإجماع الوطني، كما ان مبررهم الكوميدي هذا، يفتقد لأي منطق متماسك، فهو يصور أن تواجد حزب سياسي وبنسبة معينة في السلطة وبطرق رسمية؛ تهمة تستدعي التصدي لها عن طريق التمردات الغير مشروعة والتحريض المناطقي الوقح، وهذا كاف لإيضاح مدى هشاشة مبررهم الذي يستندون عليه.

 

* تشويه الجيش.. مبرر ضمني لدعم المليشيا

موضوع تشويه الجيش الوطني يشترك فيه أكثر من طرف شمالا وجنوبًا، ورغم اختلاف غاياتهم إلا أنهم جميعًا يلتقون في الهدف نفسه، وهو محاولتهم تدمير سمعة الجيش عن طريق تشويش طابعه المؤسسي وتصويره كجيش تابع لحزب معين وذلك بهدف نزع المشروعية عنه، إلى جانب تبرير تمردهم عليه، أو تسويغ نشوء جماعات مليشاوية خارج إطار الجيش الرسمي للبلد.

وإذا ما جئنا لتفنيد مبررهم هذا، فسوف نجده مبررا يفتقد لأبسط قواعد المنطق، فالجيوش في كل العالم تكون من أبناء المجتمع، وطبيعي جدا في بداية النشوء أن تكون الخلفيات السياسية لعناصر الجيش من مشارب متعددة، وأما حجم تواجد كل اتجاه فهو انعكاس طبيعي لحجمه الاجتماعي، غير أن هذا لا يهم، فبالأخير ليست القضية البحث عن الهوية النظرية لتكوينات الجيش بقدر ما هو مدى التزامها بقواعد الانتماء العسكري وضوابطه وذوبانها الكلي في عقيدة وطنية واحدة.

إلا أن ما يلاحظ هو محاولة البعض حرف مسار القضية للحديث عن سيطرة تيار معين على الجيش، وذلك سعيًا لتنميطه وتأطيره بطابع حزبي ضيق تمهيدا لرفض الإذعان له، كما أنهم في سياق اشتغالهم هذا لا يتحدثون عن أي تفصيلات واضحة عن طبيعة هذه السيطرة، بل يكتفون بإطلاق تهمة فضفاضة ككل التهم العمومية التي يلقونها كل مرة وبما لا يمنحك أي إمكانية عملية لنقاشها.

هذا النوع من التهم لا تكمن خطورته في استهداف حزب معين، بقدر ما هو تشويش خطير على صورة مؤسسة وطنية هامة تمثل الركن الأول للحفاظ على البلد ولا يصح تحديدها بإطار حزبي، خصوصًا أنه لا يوجد أي موقف عملي بدر منها ويشير لسلوك ذي طابع فئوي من أي نوع.

ورغم كونها ما زالت مؤسسة وليدة ولم تصل بعد لتلك الحالة المؤسسية الخالصة، إلا أن سلوكها العام ملتزم بشكل حاسم بالقنوات الرسمية ودوائر صناعة القرار فيها، وبالتراتيبية المؤسسية الشرعية كما هي في الواقع ودونما أي تجاوزات خارج هذا الإطار، وبالتالي فأي تهمة هنا ليست سوى تعريض متعمد ومشبوه بأكثر المؤسسات الوطنية حساسية وأهمية، وهو أمر لا يخدم أحدا عدا تغذية الوجود المليشاوي وتبرير سلوكه اللامسؤول، وهذا ما نلاحظه عند مروجي هذه التهمة في الشمال والجنوب على السواء.