الأربعاء 24-04-2024 00:15:27 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مرضى بلا دواء.. كيف يتاجر الحوثيون بأوجاع الفقراء في مناطق سيطرتهم؟

الإثنين 27 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت-خاص - زهور اليمني

 

في كتابها "كنت طبيبة في اليمن"، تحدثت الطبيبة الفرنسية "كلودي فايان" عن الجرائم التي ارتكبت بحق اليمنين على يد الإمامة الكهنوتية.

وأنا أتصفح الكتاب لم أصدق أن ذاك الواقع المأساوي والكارثي للوضع الصحي في اليمن منذ أكثر من ستين عاما أصبحنا نعيشه بكل تفاصيله على يد الحوثيين، وكأنهم تعمدوا إرجاعنا للخلف، لنعيش معاناة آبائنا وأجدادنا من جديد.

من داخل المستشفى الوحيد في تعز تنقل "فايان" للقارئ صورا مرعبة للحالة التي كان عليها الوضع حينها (حجرات منخفضة لا نوافذ لها، زرائب بكل معنى الكلمة تمددت فيها النساء الواحدة بجوار الأخرى على أرض قذرة، ومع الكثير منهن أطفالهن).

قد يخيل للإنسان أنه يستطيع أن يتصور فظاعة وشناعة كهذه، ولكن مشاهدة هؤلاء النسوة في هذه الزرائب أكثر سوءاً من كل ما قد يخطر على البال.

لقد قرأت كما قرأ الناس أوصاف معسكرات الإبادة والإفناء، ولكني هنا رأيت بأم عيني امرأة تحتضر وهي راقدة فوق برازها، رأيتها تنهض وتستند على كوعها وتناولني طفلها المبلل وهي في النفس الأخير تتضرع وتتوسل.

وفي صورة أخرى تكشف فيها "فايان" عن واحدة من صور الإذلال التي كان يمارسها الإماميون بحق اليمنيين، حيث تقول: "رفعت عائلة أحد الأمراء شكوى ضدي إلى الإمام، لأنهم طلبوا مني أن أنتظر أكثر من ساعة حتى يذهبوا إلى الصيدلية يحضرون منها حقنة ليست عاجلة، ورفضت الانتظار لأن أعمالي كانت كثيرة، وقد قال الأمير محتداً: إذا مرض الأمير فعلى المدينة كلها أن تنتظر، وقد دهشت أن أجد أميراً يتظاهر بالتدين، أنانياً يدعي أن من حقه أن يسخر لخدمته الطبيب الوحيد في مدينة كبيرة".

لم يتغير أي شيء، بل أصبح قطاع واسع من اليمنيين على قناعة تامة بأن واقعهم الحالي، في ظل سيطرة جماعة الحوثي، يتطابق تماماً مع الحالة الصحية لعصر الإمامة، فهناك هناك 22 مليون يمنى بحاجة إلى إغاثات، وفقًا لتقارير للأمم المتحدة.

إنهم لم يكتفوا بحجز ونهب قوافل الإغاثات الغذائية والطبية فحسب، بل يقومون ببيعها فى السوق السوداء بأسعار مضاعفة، أو يخزنونها بطريقة خاطئة فتصبح فاسدة، وتوزع هكذا على الشعب.

  

فساد رسمي يدار بعلم اليونيسف:

من المرجح أن تنتج كوارث إنسانية في صفوف الفئات العمرية للأطفال والنساء، بسبب صفقات فساد كُشفت مؤخرا تعقدها المليشيات الكهنوتية، بعلم ورعاية منظمة الطفولة العالمية "يونيسف".

ويبرز الفساد المهدد لحياة أطفال اليمن، في متاجرة قيادات حوثية بأدوية تقدمها منظمة اليونيسف، كدعم للجوانب الصحية التي تستهدف الأطفال المرضى.

وطبقا لمصادر واسعة الاطلاع، فإن الفساد الحاصل يدار بشكل رسمي عبر وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة المليشيات، والتي تتلقى أطنانا من الأدوية المقدمة من "اليونيسف" المخصصة لمعالجة الأطفال المصابين بالأوبئة والأمراض الشائعة، إضافة إلى أدوية وعقاقير تعطى للنساء الحوامل، والتي يقوم ببيعها الحوثيون من مخازن وزارة الصحة.

وتكدس المنظمات الدولية أطنانا من الأدوية في مخازن مؤسسات طبية حوثية كدعم إنساني، غير أن الحوثيين ابتدعوا تجارة الأدوية والمساعدات الإنسانية، وتوظيفها فيما يسمونه المجهود الحربي.

يفند مراقبون دور المنظمة الدولية في عدم مراقبتها مسار الأدوية التي تقدمها، إلى حدوث صفقة فساد تدار على مستوى المسؤولين الحوثيين وقادة المنظمة.

  

استثمار الحالة الإنسانية والمتاجرة بها في أروقة المنظمات الدولية:

قدمت "روث كونده"، مختصة في منظمة أطباء بلا حدود، شهادة مؤثرة لما شاهدته وهي تتابع أخبار الكوليرا في اليمن، حيث العمل المجهد وحالات التفشي في مستشفى عبس للحصبة والسعال الديكي وذروة الملاريا، مؤكدة في تقرير لها "كنا نعالج جرحى الحرب، والكوليرا آخر همومنا".

وقالت "كونده" في تقريرها إن كل العوامل التي تؤدي لانتشار الكوليرا موجودة في اليمن بشكل عام، وفي عبس بشكل خاص، حيث تهالك النظام الصحي والأطباء على قلتهم بلا أجور والموارد محدودة والشعب الفقير بالحد الأدنى من الماء والغذاء.

ورغم توفير المنظمات الصحية للمحاليل الطبية اللازمة لمعالجة المصابين إلا أن فساد المليشيات الحوثية تسبب في بيع الكثير من الكميات وعدم إتاحتها للاستخدام في المشافي والمراكز العمومية.

منظمة الصحة العالمية أعلنت عن وصول (67) طناً من الأدوية إلى صنعاء وحدها لعلاج مرضى الكوليرا بشكل مجاني، إلا أن الحوثيين -وفقا لمصادر طبية موثوقة- استولوا على تلك الأدوية وفرضوا على المرضى شراء العلاج من صيدليات معينة خارج المستشفيات على حسابهم الشخصي بالقوة، وما انطبق على الأدوية عكس نفسه على كل الأعمال الإغاثية والمعونات.

وقالت المنظمة إن خمسة آلاف شخص يصابون بالعدوى يوميا، وقد انتشر المرض بسبب تدهور أوضاع النظافة والصرف الصحي وانقطاع إمدادات المياه، بالإضافة إلى منع الحوثيين إدخال الدواء إلى اليمن، لذلك، ووفق خبراء دوليين، ليس من المستغرب أن تتأثر المناطق التي تسيطر عليها المليشيات بتفشي الكوليرا.

ففي هذه المناطق يبلغ عدد الحالات بين كل 1000 شخص 17 حالة، مقابل 10 حالات في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، كما تبلغ نسبة المصابين بالكوليرا الذين يموتون 0.46% في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، مقابل 0.3% في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية. 

وهكذا، فإنّ الشخص الذي يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، يزيد احتمال إصابته بالكوليرا بنسبة 70%، وتزداد احتمال وفاته أكثر من 50%.

وكانت اللجنة العليا للإغاثة في اليمن اتهمت مليشيا الحوثي -في بيان صادر عنها- باحتجاز 88 سفينة إغاثية وتجارية، ونهبت 697 شاحنة في الطرقات، وارتكبت 185 انتهاكًا بالحديدة في مجال الإغاثة خلال الفترة من مايو 2015 وحتى يناير 2019.

وفي نفس السياق، نشرت صحيفة العربي الجديد في فبراير 2019م خبر احتجاز المليشيات شاحنات محملة بالمساعدات الدوائية، مقدمة من منظمة الهجرة الدولية في محافظة إب، كانت في طريقها لإغاثة مرضى الكوليرا والملاريا في الحديدة.

وخلال الفترة ذاتها، قامت المليشيات بنهب واحتجاز 697 شاحنة إغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، وبعض تلك الشاحنات المنهوبة كانت تحمل أدوية خاصة بوباء الكوليرا ولقاحات الأطفال.

ويرجح العديد من الناشطين اليمنيين أن مليشيا الحوثي ضالعة في تفشي المرض من جديد، لجهة سعيها لاستثمار الحالة الإنسانية والمتاجرة بها في أروقة المنظمات الدولية.

  

صنعاء حاضنة الأوبئة

حذّر مختصون بيئيون في صنعاء من كارثة صحية بدأت علامتها بالظهور، نتيجة طفح المجاري وانتشار النفايات والقمامة المسببة للأمراض والأوبئة، ويرجع السبب إلى النهب المستمر الذي تقوم به المليشيات لعائدات السلطات والمجالس المحلية، ووقف المشاريع الخدمية والعمليات الطارئة التي من شأنها إنقاذ المواطنين والتخفيف من معاناتهم.

يحدثنا أحد الساكنين في حي شارع المطار عن معاناة المواطنين من هذا الوضع قائلا: "أصبحنا لا نطيق تحمل الوضع، لقد باتت الروائح الكريهة لمياه الصرف الصحي تُزكم الأنوف، فكل يوم نشهد انفجار مجارٍ جديدة وفي أماكن متعددة. معظم الأسرة منعت أطفالها من الخروج للعلب في الأحياء والشوارع، أو الذهاب للمدارس خوفًا من المستنقعات المليئة بمختلف الحشرات الناقلة للأمراض الخطيرة".

وأضاف: "مندوبو الحوثي ومحصلو رسوم المياه والصرف الصحي وجهوا إنذارات وتهديدات للمواطنين بتسديد رسوم هذه الخدمة، والتي يضعونها بشكل تقديري في كل شهر، وفصل وسد المجاري لمن لا يلتزم، على الرغم من انقطاع المياه عن المنازل منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وعندما نتساءل: من أين ندفع في ظل انقطاع الرواتب؟ يكون الرد: لا شأن لنا بهذا الأمر".

وتابع: "للأسف أصبحنا كسكان في صنعاء مستسلمين لهذا الواقع السيئ الذي نعيشه، حيث تنفجر مجاري مياه الصرف الصحي في أي حي، وتستمر أياماً وشهورا وأعواماً على الحالة ذاتها، دون أن نستطيع الصراخ على أقل تقدير في وجه سلطة الحوثيين لتقوم بواجبها".

في نفس السياق يؤكد مسؤولون بمؤسسة المياه والصرف الصحي الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، تحويل مؤسسة المياه من قبل الحوثيين إلى ملكية خاصة تابعة لهم، حيث قاموا -عقب اقتحامهم للمؤسسة- بمصادرة ونهب لكل أصولها وأرصدتها ومخصصاتها من الوقود والأثاث ومعدات التشغيل وغيرها. 

وأضافوا أن المليشيات لم تترك شيئاً داخل المؤسسة، إلا بضعة موظفين تحتاج إليهم بين الفينة والأخرى لتنفيذ أجندتها ومشاريعها وأهدافها الطائفية. 

مدير إدارة في مؤسسة المياه أقصته المليشيات من عمله يحدثنا قائلا: "المؤسسة لم تعد قادرة اليوم على إدارة سيارة واحدة من أصولها دون إذن مسبق من المليشيات، لهذا السبب وغيره تغرق اليوم الكثير من أحياء العاصمة صنعاء بمياه المجاري ولا قدرة للمؤسسة على التعامل معها".

في نفس السياق يحدثنا أحد أطباء مستشفى السبعين بصنعاء، بأن مياه الصرف الصحي تتسبب بـ15 مرضاً خطراً ومميتاً، نتيجة احتوائها على أنواع متعددة من الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات والمواد السامة المستخدمة في الغسل، التي تزيد خطورتها، بحسبه، عند اختلاطها بالمياه الخارجة من المستشفيات بمحتواها من الدماء والمواد الكيماوية والعضوية الضارة.

وأشار إلى أن المياه العادمة تسبب أمراضاً وأوبئة كثيرة كالكوليرا والملاريا والالتهابات، وأنواعاً أخرى من الطفح الجلدي، كما أن روائحها الكريهة تحمل سميةً وتلوثاً غير مرئيين.

وقال إن المياه الملوثة تُعدّ العامل الأكبر لانتقال الكوليرا، بنسبة تصل إلى 90%، واعتبر أن جميع طرق الوقاية والسلامة التي تقدمها عدد من المنظمات الدولية اليوم بصنعاء تبوء بالفشل، نتيجة عدم معالجة المشكلة الأم، وهي طفح مياه المجاري في صنعاء.

وفي ذات الاتجاه، رفع عدد من سكان صنعاء القديمة، المدرجة في قائمة التراث الإنساني للأمم المتحدة، شكوى إلى أمانة العاصمة من طفح المجاري بسائلة صنعاء القديمة، الأمر الذي أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة الخطيرة.

وتكرر ذات المشهد للمجاري في حي الرماح وشارع خولان وهايل ومناطق أخرى متفرقة في جنوب صنعاء.

كل ذلك يحدث أمام أعين المليشيا التي تتجاهل مشكلة طفح المجاري والتدهور الكارثي للوضع البيئي والصحي، وتفرغت لنهب إيرادات المجالس المحلية وتمويل المنظمات الدولية في بناء وتأسيس عدد من النوافير التي لا داعي لها في عدة شوارع رئيسية بمبالغ باهظة، والتفرغ لشراء الفلل والسيارات.

  

25 بالمئة من مرضى غسيل الكلى يتوفون كل عام:

بين معاناة المرضى والمتاجرة بآلامهم يعيش أكثر من 500 مريض فشل كلوي في محافظة إب بألم مضاعف ومتاعب لا تتوقف، يتوسلون الحياة ويشترون البقاء بمبالغ مالية كبيرة، ينتزعونها انتزاعاً من أقوات أطفالهم.

وفي تصريحات إعلامية لبعض المواقع الإخبارية، أعلنت إدارة قسم الغسيل في مستشفى الثورة عن وفاة (867) مريضا مصابا بالفشل الكلوي في المحافظة خلال سنتين فقط، معتبراً افتقاد المرضى للعلاج ونفاد مستلزمات الغسيل كانت المسبب الرئيسي لوفاة هذه الحالات.

وفي نفس السياق أطلق مركز الغسيل الكلوي بهيئة مستشفى ذمار العام نداء استغاثة لدعم المركز للقيام بمستلزمات جلسات الغسيل والأدوية والمحاليل، التي تمكنه من الاستمرار في تقديم خدماته الطبية للمرضى المصابين بالفشل الكلوي.

مصادر أكدت أن المركز مهدد بالتوقف عن العمل، جراء نفاد الأدوية والمحاليل الطبية الضرورية الخاصة بجلسات الغسيل.

نفس المصير يواجه مركز غسيل الكلى في محافظة المحويت، حيث أغلق أبوابه ‏أمام المرضى بعد عجزه عن مواصلة العمل بأجهزة ‏شبه معطلة.

هذا المركز الخاضع لسيطرة الحوثيين، والذي يقدم خدمة ‏علاجية لقرابة سبعين مريضا بالفشل الكلوي، فإنهم ‏يواجهون خطر الموت بعد توقف المركز ونفاد محاليل ‏الغسيل.‏

مصادر طبية حملت مليشيات الحوثي الانقلابية المسؤولية التامة عن ذلك جراء مصادرتها ميزانية المراكز، ونهب المساعدات الطبية المقدمة لها من منظمات إغاثية وإنسانية، وحولتها لصالح مشرفيها وقياداتها، أو تخصيصها لمجهودها الحربي على الشعب.

وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن آلاف اليمنيين الذين يعانون من الفشل الكلوي معرضون لخطر الموت إذا لم تحصل مراكز غسيل الكلى المتبقية في البلاد على مزيد من الإمدادات الطبية.

وأضافت اللجنة أن 25% من مرضى غسيل الكلى في اليمن قد توفوا كل عام منذ بدء النزاع في عام 2015، وهناك حاجة ماسة لمزيد من إمدادات غسيل الكلى وآلات غسيل الكلى العاملة وتمويل رواتب الموظفين لضمان عدم زيادة معدل الوفيات أكثر بالنسبة لمرضى الفشل الكلوي في اليمن والبالغ عددهم 4400 مريض.

 وبحسب "إلكسندر فيت"، رئيس بعثة اللجنة الدولية في اليمن، فإن المرضى عادة ما يتطلبون ثلاث إلى أربع جلسات أسبوعيا، وفي اليمن أجبر الوضع الهش المرضى على العودة إلى دورتين، وهذ يسبب زيادة في الآثار الجانبية في ظل شحة الأدوية مما يجعل النتيجة مميتة.

في هذا السياق احتجزت مليشيات الحوثي في الحديدة قافلة مكونة ‏من 200 شاحنة تحمل أدوية ومستلزمات الغسيل الكلوي الخاصة بـمستشفى الثورة في تعز تحوي (1800) "قربة" محلول غسيل و(200) كيس بيكربونات صوديوم و(200) فلتر خاص بتعقيم أجهزة الغسيل لمرضى الفشل الكلوي.

   

مرضى السرطان.. معاناة لا تنتهي:

بعيدًا عن الأمراض الطارئة والأمراض الفيروسية التي أعادتها المليشيات، تضاعفت معاناة المصابين بأمراض مزمنة، وتعد فئة مرضى السرطان من الفئات الأكثر معاناة في اليمن بسبب الظروف الاقتصادية الهشة، وغيرها من العوامل التي أهمها ارتفاع تكلفة العلاج.

ووفق ممثل منظمة الصحة العالمية "شادول"، يوجد الآلاف من مرضى الأمراض المزمنة، مثل السرطان والسكري والفشل الكلوي وأمراض القلب، يهددهم الموت بسبب نقص الأدوية الخاصة بهذه الأمراض، والتي تعتبر غالية الثمن.

وخلافا للتدخلات السريعة وعلاج جرحى الحرب، تعترف المنظمة العالمية بصعوبة توفير أدوية مرضى الأمراض المزمنة بشكل دائم. فبحسب "شادول"، فإن احتياجات مرضى الأمراض المزمنة كبيرة جدا، فأدويتهم باهظة الثمن، وتتطلب دعما كبيرا.

سميرة من محافظة الحديدة، قالت إنها فضلت الذهاب إلى قريتها وترك العلاج بسبب ارتفاع أسعار المواصلات، مما أدى إلى صعوبة تنقلها من قريتها إلى صنعاء لاستكمال جرعات العلاج بسبب قلة إمكانيات مراكز السرطان في صنعاء، "مع العلم أن بعض المراكز كانت توفر لنا حتى المواصلات".

وتضيف المريضة أن السبب الأهم لسفرها إلى قريتها وعدم أخذها العلاج إلى انعدام كثير من العلاجات، وإن وجدت فأسعارها باهضة، "فحقنة (Zometa) وهي من العقارات الكيماوية التي أتلقاها أنا وغيري من مرضى السرطان أصبح وجودها في السوق شحيحا جداٌ، وفي حال وجدناها فإن سعرها قد ارتفع من (49000) إلى (65000).

يحدثنا أحد الأطباء المتخصصين في معالجة مرضى السرطان أن المتوفر من احتياجات مرضى السرطان لا يصل حتى للحد الأدنى، فالمريض يواجه صعوبات في ندرة المراكز وارتفاع تكاليف الخدمات والدواء.

تعثرت الكثير من المشاريع، وتراجعت الخدمات المقدمة للمرضى، بل تراجعت حتى طموحاتنا وأحلامنا بغد أفضل لمرضى السرطان.

تعقدت الأوضاع أكثر، وبتنا خائفين من أن تنتهي كل تلك الآمال التي بينت، ويعود مريض السرطان إلى ما قبل تأسيس المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.

وصرح مصدر طبي، سابقا، بأن مسلحين تابعين لمليشيا الحوثي قاموا بحجز كمية من أدوية مرضى السرطان في محافظة إب ومنعوا إدخالها إلى المدينة، مطالبين بدفع مبالغ كجمارك على الأدوية والمساعدات الطبية، ودفع مبالغ مالية كبيرة مقابل السماح بدخولها، مع العلم أن أكثر من ثلاثة آلاف مصاب بالسرطان في محافظة إب يستفيدون من شحنة الأدوية، وحياتهم معرضة للخطر نتيجة نفاد أكثر من 50% من الأدوية من مركز الأمل لعلاج الأورام في إب.

  

عودة أمراض الطفولة القاتلة:

يواصل الوضع الصحي تدهوره بشكل متسارع، حيث ألقى استفراد الحوثي بالمؤسسات الصحية بظلاله على الأوضاع الصحية للمواطنين في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيا.

حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية تسجيل 90 حالة وفاة بمرض الخناق (الدفتيريا) في اليمن، و262 حالة يشتبه إصابتها بالمرض نفسه.

وأوضحت المنظمة أن محافظة إب تصدرت المحافظات في انتشار هذا المرض بـ15 حالة وفاة، و158 حالة إصابة، تليها محافظة الحديدة التي سجلت 10حالات وفاة و28 حالة إصابة.

وفي وقت سابق، كشفت تقارير صحفية عن تسبب جماعة الحوثي بانتشار وباء الدفتيريا، حيث منعت حملة لقاح ضد المرض، كما منعت المخابرات التي تديرها الجماعة من دخول بعض الأدوية إلى اليمن بدعوى أنها سامة.

خلافا للأوبئة السابقة، بدأت أمراض الطفولة القاتلة في العودة، لا سيما في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثي، مع تسجيل حالات إصابة بمرض الحصبة، حيث صرح ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أن "هناك قلقا بالغا جراء تزايد حالات سوء التغذية، وظهور حالات جديدة للحصبة في بعض المناطق".

وأضاف: "أطفال اليمن هم الشريحة الأكثر تضررا من الحرب، حيث يعاني مليونا طفل من سوء التغذية، ويموت طفل يمني جراء سوء التغذية كل عشر دقائق، مع ارتفاع عدد المهددين بسوء التغذية الحاد إلى أكثر من 460 ألف طفل، وانتشار التقزم وسط الأطفال، ولا سيما شمالي البلد".