الجمعة 29-03-2024 14:38:40 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

صيام بنكهة الحرب.. رمضان ومآسي الفقراء في مناطق سيطرة الحوثيين

الإثنين 27 مايو 2019 الساعة 12 صباحاً / الاصلاح نت- خاص/ اشراق عبدالعزيز

 

حلَّ رمضان الكريم هذا العام وكانت الفرحة بقدومه كبيرة في مختلف الدول الإسلامية والعربية بينها اليمن، لكنه كان ضيفا ثقيلا بعض الشيء على فئة المعدمين في بلادنا التي تعاني من الحرب منذ أكثر من أربع سنوات.

تجاوزت في اليمن نسبة الفقر 82% بحسب الإحصائيات، وهذا الوضع جعل كثيرا من المواطنين صائمين حتى في غير رمضان، ومات العشرات منهم بسبب المجاعة مع استمرار الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

تتعدد وجوه المأساة في اليمن بسبب ما خلفته الحرب، فهناك آلاف المواطنين النازحين من مدينة لأخرى أو اللاجئين من بلد لآخر بحثا عن الأمان والاستقرار، ويعيش أولئك أوضاعا صعبة نتيجة انعدام الاستقرار.

  

سرقة الإغاثات

يضاعف تلك المأساة قيام مليشيات الحوثي بسرقة مواد الإغاثة. فقد اتهمها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بتحويل الإغاثة إلى غير مستحقيها، فضلا عن بيعها في الأسواق. ووفقا لتحقيق أجرته شبكة "سي إن إن"، فإن عشرات المناطق التي دمرتها الحرب، تسلمت المعونات الغذائية على الأوراق فقط، وأن الآلاف من الأسر المتضررة لم تصلها المعونات على أرض الواقع.

وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية -في تقرير ترجمته مواقع محلية- إن استهداف منظمات الإغاثة وتهديدها من قِبل الحوثيين، يعقد خطر الأزمة ويفاقم الأزمة الإنسانية أكثر، مشيرة إلى استهداف ممثلي المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في اليمن.

إزاء ذلك، انتقدت الحكومة آلية العمل الإغاثي في البلاد، ودعت إلى تصحيح شامل لذلك، من خلال انتهاج مبدأ اللامركزية في توزيع المساعدات، ومراجعة قوائم الشركاء والموظفين المحليين العاملين، وضمان إيصال المعونات إلى مستحقيها دون تمييز.

  

من الواقع

في اليمن أبواب المنازل مغلقة، لكن ما وراءها يخفي الكثير من الوجع، تصيبك الدهشة حين تطرق الباب ويأتيك من خلفه صوت يكاد لا يُسمع، وتنصدم حين تُطل عليك امرأة لم يبقَ فيها سوى بريق عينين وابتسامة منهكة، فجسدها يكسوه الجلد فقط بسبب الجوع.

تسكن أم محمد في أحد المنازل بوادي القاضي بتعز، وتعاني وأسرتها من الجوع، لكن سوء التغذية الحاد ظهر بشكل جلي عليها، فبالكاد تستطيع تلك المرأة أن تقف.

وبرغم ذلك تقوم بتعهد زوجها المقعد بالرعاية، فقد أصيب منذ سنوات بالشلل. ولا يبدو أن المساعدات البسيطة التي تحصل عليها كافية، فوراء باب منزلها قصة مؤلمة تحتاج الكثير من الجهود لإنقاذ تلك الأسرة التي كانت تصوم بسبب الجوع حتى قبل أن يأتي رمضان.

مثلها كذلك فوزية المقطري التي تتكفل برعاية طفلين بعد أن فقدت زوجها قبل ثلاثة أعوام، بقذيفة أطلقها الحوثيون على تعز تسببت بوفاته مباشرة عقب الإصابة.

تقول فوزية إنها عانت من الجوع وأطفالها الاثنين كثيرا، حتى إنهم عاشوا لأشهر على وجبة واحدة مكونة من الخبز فقط، وأحيانا من الخبز وقليل من الزبادي.

بحسب فوزية فإنها وزوجها نزحوا من منطقة البعرارة بتعز بداية الحرب، وعاشوا في دكان صغير يدفعون إيجاره ثمانية آلاف ريال، وكانوا يوفرون احتياجاتهم بصعوبة من الأجرة التي يحصل عليها الزوج مقابل عمله كحمَّال.

أصبحت حياة تلك الأسرة صعبة للغاية بعد وفاة الأب، واضطرت فوزية للعمل في المنازل لتوفير إيجار المنزل واحتياجات طفليها. لكن فصل تلك المأساة لا يبدو أنه سينتهي هنا، فتلك المرأة تكررت إصابتها بالجلطة مرتين نتيجة الضغوط المعيشية التي تعيشها.

  

جهود غير كافية

الناشطة المجتمعية مروى أحمد قاسم تقول إن الأرقام الصادرة عن المنظمات بعيدة بعض الشيء عن الواقع، فهو أسوأ مما يتم رصده بطرق تلك المؤسسات الداخلية أو الخارجية.

وذكرت أن آثار الحرب لم تترك بابا إلا وطرقته حتى في بعض المناطق التي لا تشهد معارك، خاصة مع فقدان كثير من الأسر لعائليها، أو انقطاع رواتبهم، أو غلاء المعيشة.

وعن الدور الذي يقومون به كناشطين في مجال الإغاثة وبشكل طوعي، أفادت بأنهم يحاولون القيام بمبادرات بسيطة تهدف إلى مساعدة الأسر الفقيرة والمُعدمة في محاولة لتخفيف معاناتها، إضافة إلى التنسيق في بعض الأحيان مع عُقال الحارات لإمداد بعض العائلات بالاحتياجات الضرورية.

وأكدت أن الجهود الحالية ليست كافية لتخفيف معاناة مثل تلك الأسر، وأن الوضع المأساوي هذا سيستمر طالما بقي الحال في اليمن كما هو عليه الآن.

  

إحصائيات

تشهد اليمن حاليا انهيارا اقتصاديا أدى إلى تدهور قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي انعكس على أسعار المواد الغذائية ارتفاعا والذي فاقم من معاناة المواطنين.

منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي، تقول إن الوضع في اليمن "الأسوأ في العالم من ناحية الكارثة الإنسانية".

وذكرت أن "75 بالمئة من السكان باليمن يحتاجون إلى مساعدة إنسانية أو حماية ما. ما من بلد آخر في العالم فيه نسبة أعلى من السكان بحاجة إلى مساعدة للنجاة".

وتابعت: "هناك حوالي 11 مليون طفل يمني بحاجة إلى مساعدات، وحوالي ثمانية ملايين يمني يعانون من النقص الشديد في الأمن الغذائي، أي أنهم لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة".

وحتى الآن لا تبشر المعطيات الحالية بخير، ما يعني أن الأزمة الإنسانية في اليمن ستتفاقم، وسيذهب ضحيتها عشرات اليمنيين الذين ينتظرهم المجهول، وسيستمر صيام كثير من المعدمين حتى بعد انقضاء شهر رمضان.

  

وضع تعز

نالت مدينة تعز النصيب الأكبر من المعاناة، فهي ما تزال تعاني من الحصار الجزئي حتى اليوم، وترتفع نسبة الفقر في هذه المحافظة، فقد كانت الأولى في عام 2014 قبل بدء الحرب، والوضع حاليا أكثر تعقيدا مع طبيعة الظروف التي تعيشها.

تأتي تعز كذلك في مقدمة المحافظات التي نزح منها كثير من السكان، وتشير إحصائيات إلى وجود أكثر من مليون نازح في إب من المحافظات الجنوبية والغربية، معظم أولئك من تعز، فضلا عن وجود نسبة كبيرة من النزوح داخل المدينة ذاتها بسبب اشتداد المعارك في بعض المناطق. فمنذ عام 2017 وحتى مطلع العام 2018 نزح أكثر من 85 ألف شخص، بينهم 61 ألف شخص ينحدرون من محافظتي تعز والحديدة. ومنذ عام 2015 وحتى عام 2017 نزح منها أكثر من 409 آلاف نازح.

ائتلاف الإغاثة الإنسانية بتعز رصد من جانبه تعرض 179567 أسرة للنزوح والتهجير منذ بدء الحرب، فضلا عن مقتل 3863 شخصا وإصابة 17293 بجروح وتضرر حوالي 4303 منازل ومنشآت حكومية وخاصة.

قامت مليشيات الحوثي -بحسب إحصائيات- باحتجاز 65 سفينة خلال الفترة من عام 2015 وحتى عام 2018، وتفجير أربع شاحنات، وتسجيل 16 واقعة اعتداء على منظمات تابعة للأمم المتحدة والعاملين فيها تنوعت بين القتل والخطف وإغلاق المكاتب بالقوة، مشيراً إلى أن 80% من إغاثات الأمم المتحدة تصل عن طريق ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الحوثيين.

وتعد تعز الأكثر تضرراً، ففي فبراير 2017 احتجزت مليشيا الحوثي أكثر من 2195 سلة غذائية مخصصة لمديرية مشرعة وحدنان بصبر ورفضت الإفراج عنها. كما صادرت في 4 يناير 2016م أكثر من 12 ألف سلة غذائية.

ممثل برنامج الغذاء العالمي في اليمن أكد في 19 يناير 2016م أن مسلحي الحوثي صادروا 286 شاحنة محملة بالمواد الغذائية مخصصة لتعز. ولا يقتصر الأمر على الغذاء فقط بل يتعداه إلى الدواء.

وتحاول منظمات خارجية العمل داخل تعز لتخفيف معاناة سكانها، وتتركز أنشطتها في المجال الإغاثي، منها منظمة مارسكول والصليب الأحمر والهلال الكويتي وغيرها. كما أن هناك مؤسسات محلية تسهم في هذا المجال، فضلا عن المبادرات الشبابية المختلفة التي تهدف لتقليل ضرر المواطنين.

كلمات دالّة

#تعز