الجمعة 19-04-2024 06:33:48 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لعبة الإماميين الجدد.. أسباب الصعود وسرّ البقاء .. الحلقة الثانية (لعبة التحالفات، استغلال التناقضات، النفاق السياسي)

السبت 25 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ محمد المياحي

 

في هذه الوقفة سنتحدث عن ملابسات الصعود المفاجئ للحركة الحوثية وسيطرتها على الدولة اليمنية والعوامل التي ساعدتها، إلى جانب لعبها على المتناقضات السياسية للمرحلة وكذلك استخدامها لتكتيك التحالفات سياسيًا وعسكريًا لإحكام قبضتها على البلاد، والنفاق الأممي إزاء حركتها منذ الانقلاب وحتى اللحظة، وأخيرًا ملخصا لطريقة إدارتها للوضع بعد سيطرتها وانفجار الحرب ضدها وصولًا إلى هذه اللحظة.

* خلفية الصعود الصادم للحركة الحوثية

في لحظات حرجة من التأريخ السياسي للبلد، عمدت جماعة الحوثي إلى اللعب على تناقضات الحياة السياسية، مستغلة سيولة المرحلة الانتقالية وهشاشتها، لتحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في إسقاط الدولة اليمنية وإستعادة حقها التأريخي بالحكم، كما تزعم في وثيقتها المذهبية المعروفة.

في بداية تحركاتها، كانت الجماعة تلعب على الحبلين، تضع رجلها الناعمة في صنعاء ورجلها الخشنة تخوض بها حربًا في "دماج" بصعدة. استغلت الجماعة حرص القيادة السياسية على عدم إرباك الفترة الانتقالية بأي صراع عسكري يفخخ المرحلة، وظلت تتحرك في مسارين، مسار سياسي تشارك فيه من باب "التقية السياسية"، وقد تأكد بعد ذلك أنها لم تكن تؤمن به وأن أي مشاركة سياسية لهذه الجماعة ليس سوى مناورة خادعة كما يحدث اليوم تمامًا. ومسار عسكري وهو الذي يمثل منهجيتها الأساسية في التوسع وتحقيق أهدافها، وهو ما حدث فعلًا وما زال مستمرًا حتى اللحظة.

* عوامل ظرفية ساهمت في تمدد الحركة

بالطبع هناك عوامل كثيرة ساعدت الحركة الحوثية على تحقيق أهدافها، فإلى جانب هشاشة الوضع السياسي، كان هناك ما يسمى بـ"الدولة العميقة" التي تشكل امتدادا للنظام القديم بشقيه السياسي والعسكري.

في تلك اللحظات، تقاطعت مصالح الطرفين، حيث الدولة العميقة تعيش حالة تململ خوفًا مما ستفضي إليه استحقاقات المرحلة، وبالجانب الآخر جماعة مسلحة تخوض حربًا ضد الدولة ولديها أوهام تأريخية تسعى لتحقيقها.

هكذا تخادم الطرفان وظلا يترقبان أي لحظة مواتية تمكنهما من الانقضاض على المسار السياسي في البلاد، وقطع الطريق على مشروع الدولة الذي كان يتخلق داخل مؤتمر الحوار.

وأما السبب الذي دفعهم لذلك فهو خوفهم من أن يؤدي مؤتمر الحوار لدولة تعيد توزيع الثروة والسلطة بين أبناء الشعب بالتساوي، الأمر الذي سيسحب البساط من تحت أقدام "المركز المقدس" (تحالف النظام القديم والإماميين الجدد) الذي ظل مستأثرا بالسلطة والثروة منذ قيام الجمهورية، وبالتالي سيخسر هؤلاء امتيازات عقود كانوا يحصدون نصيب الأسد منها ويمنحون الشعب الفتات.

هكذا إذن تقاطعت مخاوف النظام الذي ثار عليه الشعب، مع رغبات الحركة الحوثية، وحدث التحالف الضمني الذي فتح شهية المليشيا للدخول في صدام مسلح مع الدولة في عمران وصولا لصنعاء ومنها التمدد نحو باقي مدن البلاد جميعها ولم تتوقف سوى في عدن.

هذا الصعود السريع، كان مؤشرا على وجود مخطط مرسوم بدقة لا يمكن أن تكون الجماعة الحوثية وحدها تملك مؤهلات ذاتية لتنفيذه دون وجود حلفاء من تحت الطاولة يغذونها لإحكام قبضتها على البلاد، وبالفعل تكشف الأمر لاحقًا بشكل أوضح، وتأكد للجميع أن الحركة الحوثية استفادت من تحالفها مع الجناح السياسي والعسكري للدولة العميقة، واستخدمته كقفازات مؤقتة للسيطرة على البلاد واكتساب شرعية وهمية، ثم تخلصت ممن استيقظ منهم بعد ذلك وناهضها، وبالجانب الآخر ما زالت تستخدم جزءًا منهم ممن واصل العمل معها حتى اللحظة.

* كيف مرت الخديعة الحوثية؟

طبيعة أي مرحلة انتقالية، تكون البلد في حالة سيولة كاملة على كل المستويات، سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا واقتصاديّا، ومن هذه الفجوات الأربع تسللت الحركة الحوثية وتمكنت من تمرير مشروعها أمام الجميع.

سياسيًا، وكما أسلفنا، كانت السلطة تحاول تجنب الدخول في أي صراع مسلح مع أي مكون اجتماعي، وتحرص على احتواء الحوثي ودفعه للعمل السياسي قدر الإمكان، وكانت الحركة تدرك هذا، فاستغلت المزاج الحريص على عدم رغبة السلطة بإشعال الحرب ضدها، واستمرت بالتمدد، إلى جانب هذا كانت بعض القوى الوطنية تعيش حالة مشابهة لما تعيشه اليوم، شجارات صبيانية حول قضايا هامشية، ومزاج انتهازي يستعدي الحلفاء في نفس الصف وبنفس الوقت يتساهل إزاء خطر الحوثي، الأمر الذي جعل الحوثي يستثمر انتهازية بعض النخب السياسية، واستعدادها للتواطؤ معه؛ نكاية بخصومها، وينجح في تخديرها وصولا لفرض مشروعه على الجميع.

هناك نقطة أخرى أيضًا تتعلق باستغلاله للوضع الاقتصادي المتأزم حينها؛ لتسويق مشروعه، وهو موضوع طويل سنناقشه لاحقًا. وهكذا اجتمعت كل هذه الأسباب والعوامل لتمكن الجماعة من التسلل ومواصلة مشروعها العسكري حتى إسقاط العاصمة، وبهذا تكون الخديعة قد مرت بالكامل في لحظة تواطؤ تأريخي تكشفت صدمته للجميع في ما بعد.

* النفاق الأممي والإقليمي إزاء مهزلة الانقلاب

حين بدأ الحوثي إرهاصات الانقلاب لم يكن يتحرك عسكريًا بمعزل عن عيون الخارج؛ لكن الجميع كانوا يغضون الطرف عنه، لسبب أو لآخر. وحين اكتملت الكارثة، بدأ القلق الدولي المعتاد في الظهور، وهو قلق نظري لا ينقذ شعبًا ولا ينتصر لإرادته.

ومع أن العملية السياسية في اليمن كانت برعاية أممية وهناك قرارات من مجلس الأمن تسندها، إلا أن كل هذا لم يتمخض عنه شيء عملي لوقف الانقلاب ودعم الشعب اليمني لاستعادة دولته من يد جماعة انقلابية لا يعترف بها العالم، بل لاحظنا منذ البداية مؤشرات صادمة لتواطؤ أممي مع هذه الجماعة ولو بشكل ضمني، والواقع اليوم يؤكد أن المهزلة الأممية ذاتها ما زالت مستمرة حتى اللحظة.

وكي نفهم لعبة التواطؤ أكثر، نعود للوراء قليلا لنتذكر أنه في اللحظة التي كان الحوثي فيها يجتاح العاصمة، كان ثمة طبخة سياسية جاهزة وبرعاية المبعوث الدولي حينها "جمال بن عمر" ، حاولت تلك الطبخة تحت مسمى "اتفاق السلم والشراكة" تخفيف الطابع الانقلابي للفعل الحوثي وامتصاص الصدمة بإخضاع الجميع لاتفاقية السلم والشراكة، وهو اتفاق ساهم في ترسيخ الانقلاب إلى جانب تضليل الشعب اليمني والمجتمع الدولي عن حقيقة ما جرى.

الأمر نفسه الذي يتكرر اليوم في لعبة المبعوث الأممي مارتن غريفت وتواطؤه مع جماعة الحوثي فيما يخص تمرير اتفاق السويد بشكل جزئي وتحديدا قضية تسليم موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى من طرف الحوثي، وهو تسليم هزلي يناقض نص الاتفاق الذي يقضي بأن يكون التسليم لجهة محايدة وليس أن يسلم الحوثي لنفسه.

أخيرًا، كل ما سبق يؤكد لنا طبيعة اللعبة الحوثية وكيف تمكنت من تقويض الدولة اليمنية عن طريق استثمارها لصراعات بينية في الصف الجمهوري واستفادتها من عوامل ضعف كثيرة، إلى جانب تواطؤ أطراف داخلية وخارجية معها، وهو الأمر الذي مكنها من الإطاحة بالدولة، وما زالت كثير من العوامل هي سبب بقائها وديمومة سطوتها على الدولة حتى اليوم.

وبالتالي لا يمكننا الخلاص من هذه الجماعة ما لم نتوقف عند كل العوامل التي خدمتها ونحاول سد كل الفجوات التي ساعدتها على إسقاط الدولة وفضح كل الأطراف التي تتمالأ معها أيًا كانت داخليا وخارجيا واتخاذ موقف واضح منها، بما يمنع تمييعها للقضية والتعجيل باستعادة الدولة وإسقاط هذه الجماعة الجاثمة على صدر الدولة منذ سنوات.