الخميس 18-04-2024 10:11:44 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

كيف سيطر الإماميون الجدد على الدولة اليمنية؟ قراءة تأريخية لجذور الأخطبوط الإمامي

الخميس 23 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ محمد المياحي

 

رغم الشتات الذي تعيشه التيارات الوطنية والتباينات السياسية في بعض مواقفها الجوهرية، إلى جانب حالة التيه والصراع الخفي بين هذه المكونات بكل توجهاتها، إلا أن هناك إجماعا شبه كامل بين جميع الفرقاء الوطنيين على فكرتين أساسيتين: الأولى، كارثة سقوط الدولة في قبضة جماعة دينية مليشياوية بلا أي مشروعية، وضرورة استعادتها منها، إلى جانب أهمية مشروع الجمهورية كفكرة محورية وتأسيسية وإطار ناظم لهوية أي نظام سياسي.

والفكرة الثانية، التي تسند الأولى ويجمع عليها كل الفرقاء أيضًا، هي خطر الإماميين الجدد (الحوثيين) على مشروع الدولة والجمهورية، بوصفهم حركة سلالية ذات طابع إحيائي تحاول استعادة مشروع الإمامة بكل الطرق المتاحة، وخطر بقاء الدولة في قبضتها. وأخيرًا مسؤولية الصف الجمهوري في التصدي لمشروع الحوثيين وتعريتهم وكشف أسباب صعودهم وطريقة تحايلهم في العودة وفي استدامة بقائهم.

في هذه الوقفات سنحاول الحديث في الموضوع في مرحلتين: الأولى، عن الخلفية التأريخية للإماميين الجدد، وجذور العداء الإمامي للجمهورية، مع توضيح سريع لنقاط الاشتباك التأريخي بينهم وبين الدولة الجمهورية، إضافة إلى ارتباكات الصف الجمهوري وضرورة استعادة فاعليته لمواجهتهم.

والوقفة الثانية، ستكون عن ملابسات صعودهم المفاجئ وسيطرتهم على الدولة اليمنية والعوامل التي ساعدتهم، إلى جانب لعبهم على المتناقضات السياسية للمرحلة وكذلك استخدامهم لتكتيك التحالفات، سياسيًا وعسكريًا لإحكام قبضتهم على البلاد، والنفاق الأممي إزاء حركتهم منذ الانقلاب حتى اللحظة، وأخيرًا ملخصا لطريقة إدارتهم للوضع بعد سيطرتهم وانفجار الحرب ضدهم وصولًا إلى هذه اللحظة.

  

* جذور الحقد الإمامي على فكرة الجمهورية

لعل أخطر فكرة وأكبر عقبة كانت تشكل كابوسًا يعيق التطور الحضاري للشعب اليمني هي فكرة "الإمامة"، وأما سبب خطورتها فبسيط ومعروف للجميع وذلك بكونها تصادر حق الشعب في الوصول للحكم وتحصره في سلالة واحدة للأبد. بالمقابل يرى الإماميون أن أخطر فكرة نسفت مشروعهم الاحتكاري للسلطة هي فكرة "الجمهورية" التي قوضت حقهم التأريخي المزعوم وأعادت الاعتبار لإرادة الشعب بكونه مصدر السلطة ومالكها، وهي فكرة شكلت ضربة للمشروع الإمامي ومثلت إنجازًا تأريخيًا غيّر قواعد اللعبة بكاملها ومهّد لانتقال حضاري جعل الشعب متناغمًا مع حالة التطور التأريخي للشعوب المتمثل في أسس الحكم وانبثاقه من الإرادة الشعبية وليس حكرًا على فئة بعينها. من هذا المنطلق، وباختصار شديد، يكمن العداء التأريخي الإمامي تجاه فكرة الجمهورية.

  

* محاولات الإماميين العلنية لتقويض الجمهورية

منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، لم تكف محاولات الإماميين استعادة "حقهم المسلوب" في الحكم كما يزعمون، حيث استمرت محاولاتهم العلنية لخمس سنوات تقريبًا، لجؤوا خلالها لحشد صفوفهم من جديد وإغراء القبائل بالمال وشراء الولاءت وتوزيع السلاح، وخوض مناوشات مسلحة مع الجمهوريين بشكل متقطع سنوات طويلة. وبعد شعورهم بالعجز عن استرداد دولة الإمامة بشكلها الكامل وبمسمياتها العلنية، حاولوا الرضوخ لحوار سياسي مع خصومهم الجمهوريين، وكان أول لقاء هو ما سُمي بـ"مؤتمر حرض"، وفي هذا المؤتمر طرح وفد الإماميين فكرة الدولة الإسلامية، وإلغاء مسمى "الجمهورية العربية"، وهذا الطلب مثبت في الوثائق التأريخية ويمكن الرجوع إليه، وهو بالطبع مقترح تم رفضه تمامًا من قبل وفد الجمهورية آنذاك، لكنه يكشف عداءهم الأصيل لمشروع الجمهورية وشعورهم الدفين بخطورتها على حلمهم، الأمر الذي جعلهم يلحون بشكل متكرر على إلغائه.

مرت الأيام وتزايدت قناعة الإماميين بصعوبة استعادة مشروعهم السلالي في الحكم، إلى جانب أن الجمهورية أصبحت حالة راسخة يصعب تجاوزها، لكنهم استمروا في حربهم عليها وصولا إلى حصار السبعين يومًا عام 1967، وهي آخر محاولة ملكية وعلنية للقضاء على الجمهورية، لكنها بالطبع فشلت، الأمر الذي اضطرهم للخضوع لمصالحة تحت مشروع الجمهورية، وهو اضطرار تقاطع مع ظروف إقليمية تأريخية أسهمت في إرباك الجمهوريين وقبولهم أيضا بالمصالحة.

  

* الظرف التأريخي ومصالحة الجمهوريين مع الملكيين

على الرغم من انتصار الجمهوريين على الملكيين وتمكنهم من تثبيت مشروع الجمهورية أكثر، إلا أن الصف الجمهوري تعرض لحالة تشقق وضعف، جراء نكسة 1967 التي حدثت لمصر ودفعتها لسحب قواتها من اليمن، إضافة إلى تصاعد الخلاف بينها وبين الجمهوريين، مما اضطر الجمهوريين لعقد مصالحة مع الملكيين، وقد حدث ذلك برعاية سعودية، حيث تشكل مجلس قيادة برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني، وشغل "الإمامي العتيد" يحيى المتوكل منصب عضو مجلس الرئاسة ووزيراً للداخلية، وهذا الشخص هو عراب ما يسمى بـ"الهاشمية السياسية" والأخطبوط الأول الذي أسهم في تمكين السلالة الإمامية من تغلغلها في مفاصل الدولة على كل المستويات.

  

* الأخطبوط الإمامي قديم ومتجدد

كان من نتائج المصالحة، استيعاب الهاشميين في أجهزة الدولة ومؤسساتها ومنحهم بعض الوزارات الهامة، حيث شكلت المرحلة ما بين 1967 و1974 أهم مراحل ترتيب البيت الهاشمي، وفيها تم تأسيس "التنظيم السري" أو ما يسمى مجلس حكماء آل البيت(الذي ترأسه احمد محمد الشامي/ مؤلف كتاب رياح التغيير في اليمن) الذي شارك في تأسيسه أهم الرموز والقيادات الهاشمية في الداخل والخارج. هذا التنظيم الذي كان بمثابة الإطار الناظم للأخطبوط الإمامي، وانطلاقًا من أهدافه واصل الإماميون مشروعهم لنخر الجمهورية من الداخل، وأجادوا التستر حتى حانت الفرصة للانقضاض على الجمهورية، وهو ما فعلته الحركة الحوثية التي واصلت استئناف الدور ذاته، فأسقطت الدولة والجمهورية مستفيدة من أذرعها الخفية التي ظلت كامنة منذ عقود.

صحيح أن الحركة الحوثية الانقلابية لم تجرؤ على إعلان أهدافها الارتدادية على الجمهورية بشكل واضح، وبقت تعمل تحت لافتتها، لكن هناك إشارات كثيرة تؤكد عدائها المنهجي للجمهورية، كما أن سلوكها العملي يفصح عن مشروعها الكامن في اللاوعي، وهي بهذا تسعى لتجسيد مضمون مشروعها العنصري مع الإبقاء على شعار الجمهورية كواجهة شكلية، وفي نفس الوقت العمل على استكمال تفريغ مفهوم الجمهورية كليًا من مضامينه السياسية والاجتماعية، الأمر الذي لم يعد يخفى على أحد، وبهذا لم يبق أمام الجمهوريين شيئًا سوى تجاوز شقاقاتهم وتكثيف عملهم المشترك لحشد الجهود وتوحيدها والذود عن أعظم منجز تأريخي للأمة اليمنية، وهو مشروع الجمهورية الكبير الذي يتعرض للتدمير منذ سنوات على يد أسوأ جماعة همجية في تأريخ البلد.

 

يتبع...