الجمعة 29-03-2024 00:39:36 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكرى تحقيق الوحدة الوطنية.. لماذا انهار حلم بناء اليمن الجديد والموحد؟

الخميس 23 مايو 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد
 

  

تعد الوحدة اليمنية، التي أعيد تحقيقها في 22 مايو 1990، أهم محطة تحول كبرى في تاريخ البلاد المعاصر، لأنها مثلت في ذلك الوقت ذروة أحلام اليمنيين التي تحققت بعد سنوات الكفاح والنضال الوطني لبناء اليمن الجديد، وانعقدت الآمال بأن يشكل ذلك بداية عهد جديد من تاريخ البلاد، خاصة أن الوحدة جاءت بمبادئ عصرية وحضارية مثل الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة، كون ذلك سيفتح الباب للمنافسة بين مختلف الأحزاب السياسية من أجل خدمة الشعب والعمل على تحقيق أحلامه في العيش الكريم.

لكن الخلافات والصراعات التي نشبت بين شريكي الوحدة، بعد مدة قصيرة من الإعلان عنها، والتي تمحورت حول المكاسب والسلطة والنفوذ، جعلت تجربة الوحدة تنتكس قبل أن تحقق ولو الحد الأدنى من أهدافها. وبدلا من أن تكون الوحدة نهاية لصراعات كانت قائمة بين الشطرين قبل عام 1990، فإنها صارت مفتاحا لأزمات جديدة، بسبب تجييرها من قبل نظام الرئيس السابق علي صالح لصالحه، مما تسبب بظهور مطالب انفصال الجنوب، والتي تسلقت عليها قيادات انتهازية، ذات ارتباطات أجنبية، وتبحث عن مصالح شخصية، فزاد ذلك الطين بلة.

- محطة تحول

كان هدف إعادة تحقيق الوحدة اليمنية من أهم أهداف ثورتي 26 سبتمبر 19962 و14 أكتوبر 1963، إلا أن الخلافات على شكل الدولة الجديدة ونظامها السياسي والدستور وغير ذلك، أخرت تحقيق هذا الحلم أكثر من 25 عاما، تخللتها خلافات وحروب خاطفة أو عنيفة سواء بين الشطرين أو داخل كل شطر، وبعض تلك الحروب انتهت باتفاقيات وحدوية، ولم تتحقق الوحدة إلا بعد أن حدثت متغيرات محلية وإقليمية ودولية أسهمت في سرعة الإعلان عنها في 22 مايو 1990.

وقد كان لضغوط الجماهير في شطري البلاد أثرها الكبير على القيادات السياسية في كل شطر للمضي قدما نحو تحقيق الوحدة. وبعد الإعلان عنها أعلن التجار عن تخفيضات في أسعار مختلف المواد الغذائية، وعمت الأفراح في شتى أنحاء البلاد شمالا وجنوبا ابتهاجا بالحلم الوطني الذي طال انتظاره، واندمج أبناء الشطرين في علاقات نسب ومصاهرة وهجرة داخلية، وانتقل جنوبيون للعيش والاستقرار في الشمال، وانتقل شماليون للعيش والاستقرار في الجنوب.

لكن حدث أن دولة الوحدة ابتليت بقيادة سياسية ليس لديها أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية، وزاد من حدة ذلك أن شريكي الوحدة، حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، نقلا معهما مساوئ العهد السابق إلى العهد الجديد، خاصة أن طريقة إعادة تحقيق الوحدة لم تكن سليمة، ذلك أنه لم يحدث اندماج حقيقي بين حكومتي الشطرين وجيشهما ووسائل إعلامهما، مما جعل دولة الوحدة تظهر برأسين متناقضين ومتصارعين، وكل طرف لديه الجيش الخاص به ووسائل الإعلام التابعة له، ويسعى كل منهما للانفراد بالسلطة ومكاسبها وحرمان الطرف الآخر منها.

تسببت هذه الاختلالات في زيادة حدة الخلافات بين شريكي الوحدة، ولم يجد الطرفان وسيلة مناسبة لحلها، بل فقد أخذت بالتزايد المتسارع، لأن منبعها المصالح الشخصية وليس المصلحة العليا للوطن، ذلك لأن المصالح الشخصية تنعدم وسائل التوفيق بينها، بينما المصلحة العليا للوطن تقتضي التقيد بالدستور والقانون والأعراف السياسية المتفق عليها، وتقتضي أيضا تنازلات من كل الأطراف، أي تنازلات عن المصالح الشخصية، والعمل بجد من أجل مصلحة الوطن.

- انتكاسة مبكرة

أدت الخلافات بين شريكي الوحدة، وسعي كل منهما للالتفاف على الشراكة وعلى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، إلى انتكاسة مبكرة للوحدة اليمنية، بعد إعلان الانفصال واندلاع حرب أهلية انتصرت فيها قوات الوحدة، وهي قوات تتكون من جيش الشمال وبعض ألوية جيش الجنوب الرافضة للانفصال، وكان رئيس البلاد حينها، علي صالح، المتسبب الرئيسي في تلك الأزمة، بعد أن بدأ يسعى مبكرا للاستحواذ على كل شيء، ووجه أجهزته الأمنية باغتيال العديد من قيادات الحزب الاشتراكي، شريك الوحدة، فزاد ذلك الطين بلة، وجعل الطرف الآخر يتشدد في وضع مطالبه وشروطه، وكانت الحرب هي النتيجة الحتمية لحسم تلك الخلافات.

وبعد انتهاء الحرب، لم يعمل رئيس البلاد حينها، علي صالح، من أجل ترسيخ الوحدة والديمقراطية وحرية العمل السياسي والالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة، وإنما بدأ السعي لاحتكار كل شيء، فحتى الوحدة ادعى أنه هو من حققها، وهمش دور الطرف الآخر فيها، رغم أن ظروفا محلية ودولية مستجدة هي التي ساعدت على تحقيق الوحدة بتلك السرعة، بعد أن كانت تبدو حلما بعيد المنال، بسبب أن كل طرف كان يريد أن تكون دولة الوحدة ونظامها السياسي وفقا لرؤيته.

كما أنه، أي علي صالح، احتكر الانتصار على القوات الانفصالية، رغم مشاركة مختلف الأطراف في البلاد في الدفاع عن الوحدة، ويأتي على رأس ذلك ألوية الجيش الجنوبي التي انشقت عن الانفصاليين وانضمت إلى قوات الدفاع عن الوحدة. ولولا انشقاق عدة ألوية عسكرية جنوبية وانخراطها في معركة الدفاع عن الوحدة، لربما انتصر جيش الجنوب على جيش الشمال، نظرا لتفوق جيش الجنوب حينها على جيش الشمال الذي كان بدائيا وضعيفا من حيث التسليح والتدريب.

وكان الرئيس السابق علي صالح يسعى إلى احتكار تحقيق الوحدة، واحتكار الدفاع عنها، بهدف المزايدة على الأطراف السياسية الأخرى والانفراد بجني المكاسب لصالحه وصالح أسرته فقط، وحوَّل مناسبة إعادة تحقيق الوحدة وغيرها، من مناسبات وطنية إلى مناسبات شخصية، ومن مناسبات للبناء والتنمية إلى مناسبات لإلقاء الخطابات المكررة والمملة، ويريد من الشعب الاستماع والتصفيق له فقط.

- تدمير الوحدة

وفي السنوات التالية، تسببت السياسات الخاطئة للرئيس السابق علي صالح في تدمير الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي، مما تسبب بظهور أزمات متتالية واحتقان شعبي، بدأ بمطالب حقوقية من قبل جمعيات المتقاعدين المدنيين والعسكريين بعد حرب صيف 1994، ثم تحولت إلى مطالب سياسية تتمثل في المطالبة بانفصال الجنوب وعودة الأوضاع إلى ما قبل عام 1990.

بدأ علي صالح سياساته التدميرية للوحدة الوطنية بعد حرب صيف 1994، وكانت أول خطوة تتمثل في إحالة عدد كبير من الموظفين المدنيين والعسكريين الجنوبيين إلى التقاعد، بذريعة أنهم كانوا من المؤيدين للانفصال، ثم بدأ هو وبعض المقربين منه بنهب مساحات كبيرة من الأراضي في الجنوب، وهي أراضٍ كان قد تم تأميم معظمها من قبل حكومة الجنوب قبل الوحدة، واستحوذ عليها علي صالح وبعض المقربين منه بذريعة أنها أراضي أوقاف مملوكة للدولة، لحق ذلك غياب العدالة في التوظيف، وغير ذلك من السياسات الإقصائية والاستفزازية.

لم تقتصر سياسات الإقصاء وتمزيق النسيج الاجتماعي التي انتهجها نظام علي صالح على جنوب البلاد فقط، وإنما طالت مختلف أنحاء البلاد، خاصة بعد أن بدأ علي صالح بالتمهيد لمشروع التوريث والتأبيد في السلطة منذ عام 1999، حيث بدأ بتأسيس جيش عائلي بولاءات قبلية ومناطقية وطائفية، واحتكر مختلف المناصب العسكرية الحساسة في أشخاص من عائلته.

وهكذا استمرت سياساته التدميرية للوحدة بشكل خاص وللبلاد بشكل عام، حتى اندلعت ضده ثورة 11 فبراير 2011، ليرد عليها بتسليم السلطة شكليا لنائبه عبد ربه منصور هادي، ثم سلم الدولة بكل إمكانياتها العسكرية والمال العام والإعلام الرسمي لمليشيات الحوثي الإمامية، التي انقلب معها على السلطة الشرعية، وتسبب بإشعال أسوأ حرب أهلية في تاريخ البلاد المعاصر، مما عمق من الشروخ التي أصابت النسيج الاجتماعي للشعب، وما زالت البلاد تدفع الثمن غاليا حتى اليوم بسبب تلك السياسات الخاطئة والانتقامية.

كلمات دالّة

#الوحة_اليمنية