الجمعة 29-03-2024 15:56:12 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المقاومة الشعبية في تعز.. ملاحم بطولية أربكت الانقلابيين

الأربعاء 10 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص- زهور اليمني

 

تعز مدينة الجمال والتعايش السلمي، عاصمة الثقافة ومدينة العلم، المدينة الصامدة والعصية، المدينة المحاصرة والصابرة، كلها مسميات وصفات مشرِّفة عالية المقام التصقت بمدينة تعز المقاومة، التي واجهت وتواجه عصابة البربر، وقتلة الأرض والإنسان.

من أسفل قلعة القاهرة التاريخية، والتي كانت مليشيات الانقلاب تتخذها وكراً لصب حمم وقذائف الدبابات ومضادات الطيران، وغيرها من الأسلحة الثقيلة على الأحياء السكنية للمدينة كان بداية تقريرنا هذا.

جولة سريعة في شوارع تعز، نبأتنا بأن حقدا أسود انصب عليها ولا زال، خلف دمارا وخرابا لاحظناه بصورة أكبر في حارة الجحملية وحوض الأشراف وما يتفرع منهما، أدى إلى شل الحركة بشكل كامل في هذه الحارات، وتشريد الكثير من الأسر التي كانت تسكن في البيوت، وإغلاق العديد من المحلات التجارية والشركات والمؤسسات.

حقيقة بعد أن تنقلنا في حارات تعز، نستطيع القول إنه ليس هيناً ما تحقق في هذه المدينة من تحرير واسع على مدى أربعة أعوام من قبل المقاومة والجيش الوطني.

فقبل أربعة أعوام كان سكان تعز يختنقون في مساحة محدودة محررة من الانقلابيين، لا تتجاوز نصف كيلومتر مربع، محاطة بـ12 لواءً انقلابيا بكل عتادهم العسكري.

 

بداية الحكاية

22 مارس 2015 هو اليوم الذي لا يمكن أن يمحى من ذاكرة ساكني محافظة تعز، إنه اليوم الذي قررت فيه مليشيات الدمار تحويل تعز من مدينة السلام والتعايش السلمي، إلى مدينة منكوبة لا يسمع فيها إلا صوت الرصاص والصواريخ، ولا يرى فيها سوى الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك،
في هذا اليوم قررت المليشيات ضم تعز إلى قائمة المحافظات المتساقطة في سلة حركة التمرد، والتي تحولت إلى سلطة أمر واقع بعصا الانقلاب.

في هذا اليوم شهدت شوارع تعز مظاهرات ضد المليشيات الحوثية، ورغم سلميتها إلا أن الحوثيين قتلوا عددا من المتظاهرين وأصابوا الكثير منهم، فكان اليوم الذي سقط فيها أول الشهداء.

  

نشأة المقاومة

توالت التطورات، وتمدد نفوذ الحوثيين ليشمل الكثير من أحياء تعز وبعض القرى والعزل المحيطة بالمدينة، فلم يكن أمام أبناء تعز وقواها الاجتماعية والسياسية سوى خيار وحيد، وهو العمل المسلح لمواجهة المليشيات المسلحة التي تطوقها من كل الجهات، وتتمركز في مواقع حساسة ومهمة.

من هنا كانت بداية ظهور المقاومة، والتي تشكلت بسرعة قياسية، مستغلة البناء التنظيمي الجيد للتجمع اليمني للإصلاح وعلاقاته القَبَلية التي تجعله القوة الشعبية الأساسية.

اعتمدت المقاومة بداية على التسليح الذاتي باستخدام الأسلحة الفردية، رغم أن السلاح الذي يواجههم به الطرف الآخر من نوعية سلاح الدمار، كالدبابات والصواريخ التي استولوا عليها من مخازن جيش الدولة، بنسبة تفوق 70% من عتادهم العسكري، لكن المقاومة اعتمدت في بدايتها إستراتيجية حرب الاستنزاف والبقاء في مواقعها، مما قلل من خسائرها بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدها الحوثيون وصالح، من خلال اعتمادهم على الهجوم والتقدم.

  

تشكيل المجلس العسكري للمقاومة

في 29 و30 أبريل 2015، وبين عشية وضحاها أسقط طيران التحالف أسلحة على تعز لدعم رجال المقاومة.

وفي هذا اليوم، 30 أبريل، تم تشكيل مجلس عسكري للمقاومة الشعبية، بقيادة العميد صادق علي سرحان، قائد اللواء 22 حرس جمهوري، ونيابة الشيخ حمود المخلافي، قائد المقاومة الشعبية.

  

دمج المقاومة بالجيش الوطني

مع تطور المعارك وما أبدته المقاومة الشعبية من بسالة وفاعلية في مواجهة الحوثيين وحلفائهم، أصدرت حكومة الرئيس هادي قرارا بدمجها في "القوات العسكرية والأمنية" الموالية للشرعية، واتخذ هذا القرار مجلس الدفاع الأعلى اليمني، خلال اجتماع له بالعاصمة السعودية الرياض يوم 28 يوليو/تموز 2015.

يومها صرح الناطق الإعلامي باسم وزارة الدفاع اليمنية أن هذا الدمج جاء بعد دراسة متأنية من قبل قيادات عسكرية، وبمباركة من الأطياف السياسية، وهو خطوة أولى لتشكيل نواة لجيش وطني جديد، وتوحيد جبهة المقاومة بشكل عام تحت إطار الجيش الوطني، بحيث تصبح قيادات الجيش هي التي تدير المعارك في كل جبهات المقاومة.

في 16 مايو، اندلع القتال في المدينة، على الرغم من إعلان وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام، وافق عليها الطرفان، حيث قصف الحوثيون بالسلاح الثقيل والقذائف أحياء عدة في تعز، مما أوقع 12 شهيدا و51 جريحا في صفوف المدنيين.
 
في مطلع أغسطس 2015، تواصلت الاشتباكات في القرى والمناطق المحيطة بجبل صبر، حيث سيطرت المقاومة على معظم قرى جبل صبر والمواقع التي كان يستخدمها الحوثيون لشن عمليات القنص ضد المدنيين في تعز.

وفي يومي 15 و16 أغسطس، سيطرت المقاومة على عدة مواقع في المدينة، منها مبنى جهاز الأمن السياسي، وقلعة القاهرة التي كان يستخدمها الحوثيون للقصف.

وفي 18 أغسطس 2015، صرح قائد المقاومة الشعبية حمود المخلافي لوسائل الإعلام العربية بأن قوات المقاومة سيطرت على نحو 95% من تعز، وأنها تفرض حصاراً على القصر الجمهوري، مشيراً إلى أنه لم يتبق سوى المدخل الشرقي للمدينة، وهو يمثل البوابة لمعسكر اللواء 22 مدرع.

وفي 11 مارس 2016، أعلنت المقاومة فك الحصار عن مدينة تعز، والسيطرة على الطريق الرابط بين محافظتي تعز وعدن، الذي يمر بمناطق الضباب والتربة، وتحرير الجبهة الغربية بالكامل، كما تمكنت من تحرير 17 مديرية من 23 مديرية تتكون منها محافظة تعز.

وبرغم مرور أربع سنوات على الحرب، وبرغم عدم التكافؤ في الأسلحة والعتاد وعلى كل الأصعدة، إلا أن المقاومة وبرغم ضعف الإمكانيات سيطرت على مواقع إستراتيجية مهمة في المدينة، ونقلت المعارك من المدينة والأحياء الصغيرة إلى أطراف المدينة والجبال والتلال.

ختاما، في كل شارع من شوارع تعز حكاية، وفي كل بيت من بيوتها قصة، سطرها أبطال مجهولون، ارتقوا إلى مرتبة الشهادة بإذنه تعالى، تفاصيلها عظمة التضحيات.

لذا لم يكن الثمن الذي قدمته المقاومة ولا زالت تقدمه هينا وبخسا، بل قدمت الدماء التي روت هذا التراب الطاهر، ليتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الأغنية الوطنية التي غناها ابن تعز الفنان الوطني أيوب طارش، والتي كانت تنبؤا في الماضي تحقق اليوم في تعز "وهبناك الدم الغالي وهل يغلى عليك دمُ"، هذه الدماء التي روت هذا التراب الطاهر ستظل شاهدا على أن تعز هي المقاومة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهي التضحيات الحقيقية التي ليس كمثلها تضحية، وليس كمثلها فداء.

نعم هي الدماء الطاهرة، التي ستظل لعنة تلاصق كل من خذل تعز، وتطارد كل من باع أهله وعرضه وترابه للباغي المعتدي. تعز المدينة التي رفضت التركيع، والإذلال، والقهر، والعنصرية، والفوضى، والدمار.