الجمعة 29-03-2024 11:59:54 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات.. الخطوة السادسة: الإصلاح والحريات

السبت 30 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص / أ. عبد العزيز العسالي

 

مقدمة:

- الحرية فطرة مركوزة في غريزة الإنسان، هكذا اقتضت حكمة العليم الحكيم، حيث كرم الله الإنسان وجعل دليل هذه الكرامة حرية الاختيار.

ــ هذا المبدأ التكريمي القيمي الإنساني الحضاري أخذ مكانته في النصوص السماوية المقدسة، وبالتالي أصبحت الحرية مبدأً مقدسا.

 

الحرية في موروثنا الفكري:

غير أن هذه المكانة السامقة التي امتاز بها مبدأ الحرية لم تأخذ حظها الكافي من البلورة التنظيرية، وإن كانت قد أخذت حقها الكافي عمليا في الجانب المدني.

 

العلمانية ومبدأ الحرية:

اليسار العربي العلماني الليبرالي والماركسي، عمل على مسخ مبدأ الحرية وقدمها بصورة مقرفة تثير الغثيان، شأن تعامله مع الديمقراطية، وبالتالي، أصبح المواطن العربي إذا سمع كلاما عن الحرية سرعان ما يقفز إلى ذهنه "حرية الأهواء والشهوات والسقوط القيمي".

 

الإصلاح والحريات:

عندما صاغ الإصلاح النظام السياسي، كان على وعي تام بأهمية هذا المبدأ الحيوي ودوره في حراسة مصلحة الأمة دينا ودنيا. فكيف تعامل الإصلاح مع مبدأ الحريات؟

سنوضح ذلك عبر المحاور التالية:
المحور الأول: الجانب النظري.
المحور الثاني: الجانب العملي.
المحورالثالث: المعوقات، والخاتمة.

 

فإلى المحور الأول.
ــ لقد كان الإصلاح يدرك مدى التشويه الذي لحق بمبدأ الحرية، فوضع نظريته حول مبدأ الحرية في فقرات قليلة وفي صياغة ذكية كما سيأتي:

ــ الحرية بمفهومها الإسلامي حق فطري كرم الله به الإنسان، ولا تستقيم الحياة الإنسانية إلا بها، وعليه فإن الإصلاح:
1ــ يؤكد التزامه بالشورى فكرا وممارسة، والقبول بالرأي الآخر، والتزام رأي الأغلبية، وأنها من واجبات العضو، وأن الشورى لازمة ابتداءً ملزمة انتهاءً.
(النظام الأساسي للإصلاح، ص 28، 29). وانظر: عبد القوي حسان، الحركات الإسلامية في اليمن، ص121).

2ــ في أدبيات الإصلاح:
تشير أدبيات الإصلاح إلى مبدأ الحرية بالمفهوم القرآني متجنبة الوقوع في فخ المسخ العلماني الشائه لمبدأ الحرية، مشيرة وبقوة إلى مكانة الحرية كما في هذا النص: "الأمة مستخلفة بنص القرآن في حقها بالمشاركة في شؤون الحكم، لأن الحكم الخالي من الشورى وأخواتها التي أتى بها منهج الرشد الرباني كالحرية والمساواة والعدل والعزة والأمن النفسي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالحكم الخالي من هذه القيم يقتل الأنفس والملكات والابتكار ويقضي على روح الحرية ويخمد أنفاس النجدة والشجاعة".
(ياسين عبد العزيز، دراستان في الحرية والشورى والفقه السياسي، ص 95).

3ــ الدولة ملك الشعب، وهذا لا يكون إلا بإرساء الحريات والديمقراطية والمواطنة المتساوية لكل المواطنين، فالدولة المدنية حامية السلم وراعية الحقوق والحوار والمصالح، وترسخ الحريات الخاصة والعامة وتحترم قواعد الديمقراطية.
(د. محمد الأفندي، الإسلاميون والشراكة، ص 13).

4ــ الدولة المدنية قضية جوهرية في جانب الدلالة العملية لا في الأيديولوجيا الليبرالية والعلمانية وكل التيارات تستطيع ممارسة نشاطها السياسي بحرية في إطار قواعد الديمقراطية.
(نفس المرجع، ص 14).

5ــ الحوار الإيجابي المستمر والقبول بالآخر والالتزام بالديمقراطية الحقيقية -عملياـ هو السبيل الوحيد نحو بناء اليمن (ص15).

6ــ تأكيد إلى أبعد حد: يؤكد الإصلاح أن 15 سنة قادمة ستظل قائمة على الشراكة الوطنية وترسيخ الحريات والديمقراطية سواء حصل الإصلاح على أكثر أو أقل في الانتخابات (ص 17).

7ــ وفي وثيقة 1996 عند الائتلاف الثنائي أكد الإصلاح التزامه بالحريات الخاصة والعامة والتعددية مع حق المعارضة في ممارسة دورها السياسي ترسيخا للديمقراطية (ص 20).

8ــ في مشروع اللقاء المشترك: أكد المشروع بقوة أن إشكالية الدولة اليمنية هي السلطة الفردية المتغولة والمستبدة والتي اتجهت نحو تجميد الديمقراطية (ص21).

9ــ وفي مشروع رؤية الإنقاذ الوطني عام 2010، التي قدمها المشترك، شخصت الأزمة والتحديات الأساسية متمثلة في الحكم الفردي المشخصن ومركز عصبوي جهوي، وأن الحل هو بناء الدولة الوطنية الحاضنة لقيم الحرية والعدالة والاستقلال (ص 23).

10ــ وفي النظام الأساسي (ص 58) نص على التعددية السياسية قائلا: التعددية السياسية تمثل أفضل الصيغ الكفيلة باستيعاب ومنحها مشروعية العمل بالوسائل الديمقراطية وإتاحة الفرصة أمامها للوصول إلى الحكم.

تلك هي لقطات سريعة من النظام الأساسي وأدبيات الإصلاح حول مبدأ الحرية، علما بأن هذه الصيغ لم تكن في وقت واحد وإنما كانت تتجدد الصيغ كما مر بحسب ارتقاء الوعي والترسيخ العملي لمفهوم الحريات لدى أعضاء الإصلاح وسائر جماهير الشعب، ذلك أن الطمأنينة العقلية قد ترسخت وأن الحرية هي حرية العقل لا حرية الأهواء والسقوط في مستنقع الانحطاط القيمي.

 

المحور الثاني: الجانب العملي

1ــ المشاركة في العملية الانتخابية على النحو التالي:
أ/ الانتخابات البرلمانية 1993.
ب/ الانتخابات البرلمانية 1997.
ج/ الانتخابات الرئاسية 1999.
د/ الانتخابات البلدية2001.
هـ/ الانتخابات البرلمانية 2003.
و/ الانتخابات الرئاسية والبلدية وبمرشح منافس على منصب رئاسة الجمهورية عام 2006.
ز/ الانتخابات الرئاسية التوافقية عام 2012.
ح/ المشاركة في الحوار الوطني مع كافة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني 2013.
ط/ المشاركة في حكومة الائتلاف الوطني علما بأن الإصلاح له ثقل شعبي يعرفه الجميع ومع ذلك شارك في أقل المقاعد الحكومية.

الخطوة الأبرز في تجسيد الحرية: أقوى وأعظم وأنبل وأنصع موقف يجسد الحريات وبناء دولة المواطنة وبطريقة ديمقراطية عمليا هو التعاون على الدفع بكل شرائح المجتمع إلى تمثيل الشعب في لجنة الحوار الوطني أولا، واعتماد مخرجات الحوار الوطني كموجهات شعبية مباشرة في خط بناء الدولة ثانيا، وإخراج دستور دائم من قبل ممثلي الشعب ثالثا.

وها هو يقدم خيرة رجاله آلافا من الشهداء وآلافا من الجرحى وآلافا معتقلين، كل ذلك دفاعا عن حرية الشعب في خياراته المتمثلة في استعادة الشرعية السياسية وإحلال السلم والتنمية، ولكي يتذوق خياراته في تنفيذ مخرجات الحوار وتطبيق الدستور. أفياتي بعد هذا موتور ليقول إن الإصلاح لا يؤمن بالحريات؟ ألا شاهت الوجوه!

 

اعتماد مخرجات الحوار الوطني

الحريات على المستوى الداخلي:
ــ أشرنا في الخطوة الخامسة إلى أن الإصلاح احترم قواعد اللعبة الديمقراطية والعمل بالأغلبية في المسائل الاجتهادية الفقهية، وكيف تم التصويت للرأي القائل من حق المرأة المشاركة في مجلس شورى الإصلاح، وكذا تحويل مكتب المرأة في الأمانة العامة من مكتب إلى دائرة من دوائر الأمانة العامة.
ــ وكيف أن الإصلاح اشتغل على الجانب العملي في الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الضوضاء، وكيف أن النتيجة كانت لصالح الحريات واحترام الأغلبية وأن الذي رجح هذا العمل هم خريجو العلم الشرعي من الجنسين، وكيف دافعت المرأة عن حقها بطريقة شرعية وتأصيل منهجي شأنها شأن أخيها الرجل، وكيف أن صوت الحرية واحترام الأغلبية وصل إلى عمق القبيلة فجاء أبناء القبيلة مدافعين عن حقوق المرأة وهذا شيء لم يكن في الحسبان.

ــ هذه المواقف الناجحة عمليا تجاه الحريات تحسب للإصلاح، علما بأن المستقبل يتطلب المزيد من الجهود التنموية وإن كانت بطيئة، لكننا نقول بأن عقدة المنشار قد انكسرت إلى غير رجعة، والفضل بعد الله للعقل الواعي في قيادة الفكر الإصلاحي الخبيرة بطبيعة الأمراض الاجتماعية وكيفية علاجها من المنظور الشرعي الإسلامي المرن والذي يمثل زخما وعطاء لا ينفد.

 

المحور الثالث: المعوقات

أقوى عوائق ترسيخ الحريات:
1ــ الفقر التنظيري في موروثنا الفكري تجاه الحريات السياسية ونظام الحكم.
2ــ الجمود الفقهي.
3ــ الصورة المشوهة التي قدمتها العلمانية العربية تجاه مفهوم الحريات.
4ــ الاستبداد السياسي المتكئ على الاستبداد والإرهاب الفكري.
5ــ المكايدات والمناكفات السياسية، ذلك أن التغول الفردي المتسلط يسعى لإفساد أي خطوات جادة وعملية نحو الحريات.
6ــ التخلف المجتمعي فكريا وثقافيا، وأسوأ شريحة تحمل هذ التخلف الكثير من حملة الشهادات.

 

الخاتمة:

أ/ العودة إلى الأصول التشريعية المعصومة كفيلة بإخراج فقه متقدم وقادر على تجاوز الصعاب.

ب/ يشترط ضرورة في تغيير المجتمع العربي الإسلامي بأن يكون التغيير من داخل ثقافة المجتمع انسجاما مع هويته.

ج/ يشترط التدرج في التغيير وعدم استعجال قطف الثمار.

د/ نجاح الإصلاح بشهادة أناس من خارج الإصلاح، يعود إلى وعيه التام بأمراض المجتمع ووسائل المعالجة.

هـ / يعود نجاح الإصلاح في الخطوات الست حول بناء دولة المواطنة إلى أنه انطلق بهدوء في الجانب العملي ولم يتوقف مجادلا عند الجانب النظري.

 

تنويه:

يظن البعض أن الحملة التي يواجهها الإصلاح في الماضي والحاضر بسبب أخطاء الإصلاح، ونحن لا نبرئ الإصلاح فهو في النهاية مجموعة من البشر يقدم رؤيته واجتهاداته في قضية بناء الدولة باحثا عن الحقيقة غير محتكر لها، لكن الهجوم المكثف من اتجاهات مختلفة ضد الإصلاح يعود إلى أن الإصلاح يخطو خطوات عملية جادة وناجحة ناتجة عن وعي بأدواء الاجتماع ووعي بوسائل العلاج، والإصلاح في خطواته تلك له صواب ولديه أخطاء لكن الملاحظ ترجيح جانب الصواب.

وهذا سر العَداء والهجوم على الإصلاح، وكما قيل إن الناس لا يرمون إلا الشجرة المثمرة، لكن السحاب ستواصل سيرها وللذئاب أن تعوي.
حفظ الله اليمن وكل من يعمل بإخلاص لأجل اليمن.

كلمات دالّة

#الاصلاح #اليمن