الجمعة 19-04-2024 22:00:09 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات .. الخطوة الخامسة: الإصلاح والمرأة

الأحد 24 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ أ. عبد العز يز العسالي

 

مقدمة:
ــ من البديهيات أن الإسلام ارتفع بالمرأة انطلاقا من مبدأ المساواة الذي رسمه التشريع المعصوم.

ــ جاءت التربية النبوية المتمثلة في مقاصد تصرفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) لترسي معالم المساواة.

ــ غير أن مقاصد التربية النبوية، وأعني هنا تلك الصبغة الفائقة بمقاصدها، رسخت المساواة في أقوى صورها وذلك داخل المدينة النبوية.

وحين توفي الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت شبه الجزيرة العربية قد تكاملت في دخول الإسلام.

لكن الصبغة التربوية النبوية لم تدخل إلى كل بقاع الحزيرة، وهذا يعني أن ثقافة المجتمعات في جوانب عدة -ومنها النظرة تجاه المرأة- ظلت كما هي.

المرأة اليمنية

قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وانتشر التعليم نسبيا، وتتابعت الحكومات ولم تقدم أي برنامج تثقيفي مناسب للشعب عموما.

الوحدة اليمنية والمرأة:

ــ نص الدستور على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية والمدنية.

المرأة في تصرفات اليسار

اليسار العربي -الليبرالي والماركسي والقومي- أساء التعامل إزاء هوية الأمة وذلك خلال عقود عدة من القرن العشرين.

ــ المجتمع في الشمال اليمني قبل الوحدة وبعد قيامها كان قد وضع خطوطا حمراء تجاه قضية المرأة.

ــ باختصار:
كانت قضية المرأة بين نارين:
أ- فقهٌ صادقٌ جامد.
ب- دعوى مخادع جاحد.

الإصلاح والمرأة

سنتحدث عن موقف تجمع الإصلاح من قضية المرأة وذلك في ثلاثة محاور وخاتمة.
المحور الأول: الجانب النظري.
المحور الثاني: التطبيق العملي.
المحور الثالث: المعوقات، والخاتمة.

فإلى المحور الأول: الجانب النظري

كيف تعامل تجمع الإصلاح تجاه قضية المرأة؟
الجواب: لا شك أن اللجنة التحضيرية التي رتبت لإعلان حزب التجمع اليمني للإصلاح كانت على وعي تام بثقافة المجتمع وأنها معوق حقيقي كونها قائمة على ازدواجية هي: الجمود على الموروث وثقافة الوافد. فكيف تصرف تجمع الإصلاح؟

1ــ بادئ ذي بدءٍ نص النطام الأساسي للإصلاح أن مرجعيته هي الشريعة الإسلامية.

2ــ نص على أن منطلقاته منسجمة مع هوية الأمة.

3ــ نص النظام السياسي على مبدأ الحرية والمساواة، هكذا نصا عاما.

4ــ نص النظام الأساسي في صـ 28 و29 أن الإصلاح يؤكد التزامه بالشورى فكرا وممارسة وتقبل الرأي الآخر، والتزام رأي الأغلبية وأن هذا الالتزام من واجبات العضو.

وحسب الأستاذ محمد محمد قحطان، فـ"الشورى لازمة واجبة ابتداءً ملزمة انتهاءً"، كان هذا التصريح في مقابلة مع الباحث عبد القوي حسان (رسالة ماجستير: الحركات الإسلامية في اليمن.. الإصلاح نموذجا، صـ 121).

5ــ كما ذكرنا عددا من النصوص في الخطوة الأولى (الإصلاح والتعايش)، وقلنا هناك إن الإصلاح ينظر إلى التعايش على أنه مبدأٌ وهدف نظريا وممارسة وإن هذا خط حركة الإصلاح بدءا من عام 1938م.

6ــ تم إنزال كتيب صغير بعنوان "أضواء على حقيقة المساواة"، تأليف الفقيه الأصولي المقاصدي الشيخ ياسين عبد العزيز، والذي يمثل حضورا فكريا وثقافيا داخل تجمع الإصلاح.

7ــ تلا ذلك أيضا كتاب للشيخ ياسين بعنوان "دراستان في الحرية والشورى"، وسأنقل للقارئ من هذا الكتاب هذا النص، صــ 95، حيث قال: "الأمة مستخلفة بنص القرآن في حقها في المشاركة في شؤون الحكم، ذلك أن الحكم الخالي من الشورى وأخواتها التي أتى بها منهج الرشد الرباني كالحرية والعدل والعزة والأمن النفسي والمساواة والأمن عموما والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقتل في الأنفس الملكات والابتكار ويقضي على روح الحرية ويخمد أنفاس النجدة والشجاعة".

ــ هذا النص الرصين أوضح أن "الأمة" مستخلفة بنص القرآن وأن الله تعبدها بممارسة المشاركة في الشورى.

ــ كلمة أمة هنا "عامة" وهذا طرح ذكي متدرج.

ــ تضمن النص أن الحرية والعدل والمساواة... إلخ، كلها من صميم الإسلام.

ــ تضمن وخزة مستفزة دينيا وتشريعيا وثقافيا واجتماعيا لعموم الأمة، وهي أن الحكم الخالي من الشورى يقتل الملكات في الأنفس والابتكار ويقضي على الحريات ويخمد أنفاس النجدة والشجاعة.

باختصار، هذا النص الذي داعب الخيال الإصلاحي وتسلل إلى اللاوعي كان هدفه تنمية مبدأ المساواة وأخواتها نموا طبيعيا.

ــ سنرى نتائج هذا النمو عند تناولنا الجانب الإجرائي العملي.

8ــ في مقابلة طويلة مع صحيفة "المستقلة" الصادرة في لندن، أجراها نصر طه مصطفى مع الشيخ ياسين وفي ثلاثة أعداد متتالية، كان الصحفي لا يطرح أسئلة كما هي عادة الصحفيين، وإنما كانت أسئلته بمثابة "مسرد" من القضايا سيما المتعلقة بالديمقراطية والحريات والمرأة وغيرها داخل الإصلاح ومع الآخر، وكانت الإجابة بالإيجاب وأن هذا سياتي في وقته (أعتذر للقارئ إزاء عدم ذكر أرقام الصحيفة وتاريخها نظرا للنزوح بسبب الحرب).

ما أتذكره هو أن المقابلة أجريت في عام 1996 إبان الائتلاف الثنائي بين الإصلاح والمؤتمر.

شهادة ليبرالية:

في ربيع عام 1998، كنت أنا كاتب هذه السطور في مكتبة كلية الآداب بجامعة صنعاء وصادف أن التقيت بالدكتورة رؤوفة حسن والدكتور القانوني داعية التوجه المدني أحمد شرف الدين، رحمهما الله، وكان أحد الإعلاميين قد قام بالتعريف بيننا وجلسنا قرابة ساعة وتعددت مجالات النقاش، وكان بين يديها كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" لمؤلفه د. محمد أبو شقة، رحمه الله، في 3 مجلدات ضخمة، وكنت باحثا عن الكتاب فاستأذنتها بإعارتي الكتاب خلال ثلاثة أيام فرفضت، وأردفت قائلة: أنا فقط لا غير أعرت الكتاب للشيخ ياسين عبد العزيز مشترطة استعادته بعد أسبوعين، فوافق الشيخ، ولما حضرت لأتسلم الكتاب سألته عن رأيه في الكتاب، فقال: كتاب لا مثيل له لكن المجتمع اليمني لا زال بحاجة إلى شيء من التريث وسيتم تطبيق كل ما ورد فيه.

وأضافت قائلة: الحقيقة نحن أسأنا التعامل مع قيم المجتمع ففشلنا وأنا على قناعة أن الإصلاح لديه خبرة كافية في ثقافة المجتمع وسيتعامل بذكاء وسينجح في قضية المرأة وغيرها.

تعريف سريع بالكتاب:

الكتاب الآن موجود على النت والحمد لله. الكتاب تضمن 56 مجالا من مجالات الحياة خاضتها المرأة مع النبي (صلى الله عليه وسلم).

اقتصر المؤلف، رحمه الله، على القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم فأجاد وأفاد، بل أدخل عناوين معاصرة، والكتاب موسوعة شاملة موثقة بمنهجية أصولية مقاصدية رائعة.

الخلاصة:

القيادة الفكرية والفقهية داخل الإصلاح تعلم جيدا أنه لا يوجد نص قطعي الثبوت والدلالة يمنع المرأة من مزاولة أو تسلم منصب حكومي.

لكن هناك أمران حاضران لدى القيادة الفكرية هما أن قضية المرأة أخذت بعدين اثنين، البعد الديني والبعد الاجتماعي.

وتدرك القيادة الفكرية كما يدرك أغلب اليمنيين أن البعد الاجتماعي (الأعراف) أقوى احتراما من الدين والتشريع الإسلامي (الميراث نموذجا)، وقس على ذلك.

المحور الثاني: الممارسة العملية

1ــ ذكرنا في الحلقات السابقة نقلا عن فلاسفة الاجتماع أن الفعل هو الذي يهز العالم.

2ــ أخذ البعد التوعوي دوره في الوعي واللاوعي داخل تنظيم الإصلاح، ويعود هذا الوعي بعد الله إلى التدرج التنظيري على الصفة التي ذكرنا آنفا.

أول قرار نوعي:

3ــ دخول المرأة مجلس شورى الإصلاح، لقد تم إنزال فتوى تمثل التيار المحافظ وفتوى على العكس وحسم التصويت في المؤتمر العام الثالث لصالح المشاركة، فتم انتخاب 13 من العنصر النسوي في مجلس الشورى البالغ عدده 130 على المستوى المركزي.

ــ أيضا في مجالس شورى الإصلاح في المحافظات شاركت فيها المرأة بنسب مختلفة بحسب الحضور الديمغرافي للإصلاح.

ــ التيار الممانع كانت رؤيته متمثلة في تحريم الاختلاط فقط، ذلك أن أحد رموزه أفتى سابقا بأنه ممكن نعمل للمرأة مجلس شيخات (برلمانيات) فقط يكون منفصلا عن برلمان الرجال، وهذا يعني أنه ليس ضد تسلم المرأة منصبا كبيرا في أجهزة السلطة وإنما ضد الاختلاط وهذا موقف إيجابي.

4ــ التغيير داخل التيار المحافظ:

ــ في المؤتمر العام الرابع كان الموقف إداريا بحتا وهو تحويل مكتب المرأة إلى دائرة كغيرها من دوائر الأمانة العامة.

ــ كان يشغل مكتب المرأة امرأتان، مدير ومساعد حاليا. ستكون ست نساء، أعني ليس هناك ما يسمى أدنى شبهة اختلاط.

5ــ تقدم الفريق الممانع بعريضة إلى رئاسة الموتمر العام تضمنت فتوى بعدم جواز تحويل مكتب المرأة إلى دائرة، فكيف تم التعاطي مع هذا الرأي؟

بعد سماع الفتوى المانعة تقدم أحد الشيوخ برؤية ناقشت كل أدلة الفتوى الأولى بطريقة أصولية ومنهجية.

6ــ تلاها عدد من الشيوخ الخريجين من جامعة الإيمان وعددهم قرابة 260 شيخا تقدموا بنقاش لفتوى الممانعة لا يخلو من حِدة.

7ــ تلا ذلك فتوى مقدمة من عدد 250 شيخة من شيخات جامعة الإيمان تضمنت نقاشا علميا وحجاجا شديد اللهجة لبعض جزئيات فتوى الممانعة.

8ــ مؤشرات ثقافية انفرادية قدمها شباب من ذات الجامعة بعضهم حاصلون على درجة الماجستير.

9ــ غير أن الأكثر إثارة هو أن هؤلاء الشيوخ هم من أبناء القبائل ذات المواقف المتشددة تجاه المرأة، فجاءت رؤاهم معززة بالأدلة الشرعية والأقوال الفقهية والتأصيل المنهجي لصالح مشاركة المرأة.

10ــ قبل الأخير تقدم أحد الشيوخ من ذوي الحضور الفكري والتنظيمي موضحا وجهة نظره في فتوى الممانعة بأنها تندرج تحت قاعدة سد الذريعة، موضحا سلامة الاستدلال مبدئيا، مستدركا بكلام منهجي رصين متفق عليه بين كل الفقهاء وهو ليس كل ما قيل عنه ممنوع سدا للذريعة يعد حراما، وإنما لا زال هناك مسافة بين المنع وبين الشيء الممنوع.

أخيرا، طرحت الفتويان للتصويت، فتم التصويت للفتوى المجيزة تحويل المكتب إلى دائرة.

سيقول قائل إن موضوع النزاع لا يستحق، نقول: نعم ولكن الطريقة التي أدير بها الخلاف في نظري ومعي الكثير كانت تعايشا واجتهادا محترما وإقناعا بالطريق المشروع والشرعي في آن، وإن الموقف كشف عن انقلاب ثقافي إيجابي ليس داخل الحزب فحسب بل داخل العمق القبلي أولا، ثم إن المراة دافعت عن حقها بعلم ووعي ومعرفة ليس فيها افتئات ولا تعالٍ وإنما اجتهاد فقهي مقابل اجتهاد فقهي.

وبعد، لا يستغرب القارئ أن بعض النساء في مجالس المحافظات حزنَ أعلى معدل في الأصوات أكثر من الرجال بل وأكثر من مشايخ العلم الشرعي.

المحور الثالث: المعوقات

1ــ التخلف الفكري والثقافي والتدين الجامد وإساءات اليسار الليبرالي والماركسي والقومي والأعراف هو أكبر المعوقات.

2ــ الإصلاح أدرك بوعي تام هذه العوائق فكانت وسيلة التدرج حتى حقق أكبر خطوة تغيير في جانب قضية المرأة.

3- الإيمان بالحوار والرأي الآخر والاعتراف بتعدد الفهم كل هذا أنتج تغييرا ثقافيا سلميا وشرعيا بطريقة مشروعة إزاء أعتى قضية دينية واجتماعية، فهل نجح الإصلاح؟

الخاتمة:

التمسك بمبدأ التعايش وخيار التغيير السلمي والإيمان بتعدد الاجتهاد لم يحقق مكسب التغيير داخل الإصلاح فحسب، ولا كانت إدارة الموقف مهتزة وإنما تحقق فوق ذلك الرأي الفقهي المرن والمواكب لتطلعات مصلحة المجتمع.

ــ تحقق مكسبان آخران هما:
أ- دفاع المرأة عن حقها بوعي ومنهجية تأصيل تشريعي متقدم.
ب- وصل الفهم الفقهي للتدين إيجابا تجاه قضية المرأة داخل القبيلة.

نلتقي بعونه سبحانه مع الخطوة السادسة والأخيرة: الإصلاح والحريات.

كلمات دالّة

#الاصلاح #اليمن