الجمعة 29-03-2024 16:55:49 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

أصابع الإرهاب الخفية في اليمن

ضد الثورة ..لأجل السلطة (2-2)

السبت 13 مايو 2017 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص

    

أجبرت ثورة الشباب السلمية الرئيس السابق على التنحي عن السلطة، وهو ما حدث بالفعل عقب توقيعه على المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011، لكن الرجل ترك السلطة من الباب وعاد من النافذة، عاد ليواجه الثورة الشعبية بأشد أسلحته فتكاً وهو سلاح الإرهاب الذي سخرَه - وما يزال - ضد الثورة والشرعية واليمنيين جميعاً.

في مايو2011، وإبان الزخم الثوري المطالب بتنحي المخلوع صالح، قام هذا الأخير بتسليم مدينة أبين جنوبي اليمن لما يعرف بـ"أنصار الشريعة"، في محاولة للفت أنظار الخارج والقوى الدولية المهتمة باليمن وإثارة مخاوفها تجاه الثورة الوليدة، والإيحاء بأن القاعدة ستكون هي البديل عن نظامه، وعندما تمكنت قوات الرئيس هادي من طرد القاعدة من أبين في 12 يونيو 2012 غادرت عناصر التنظيم صوب مدينة رداع وتمكنت من دخولها بسهولة، وهو ما جعل السفير الأمريكي باليمن حينها جيرالد فايرستاين يصف العملية برمتها بأنها عملية أمنية مرتبة، مشيراً إلى تورط جهات في السلطة بالترتيب للعملية، ولم تكن تلك الجهات سوى الدولة العميقة لنظام صالح.

 

واستمر الارهابيون - بتوجيه من صالح ودولته العميقة- يضربون في كل مكان ويمعنون في قتل اليمنيين بلا هوادة. ففي ميدان السبعين بصنعاء 21 مايو 2012 وقع هجوم انتحاري على جنود الأمن المركزي أثناء إعداد بروفات استعداداً لإقامة عيد الوحدة اليمنية، أدى التفجير إلى مقتل 120 شخصاً أغلبهم جنود، ويعتبر من أشرس الهجمات في تاريخ اليمن، اتهمت أجهزة الأمن جماعة أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة بالقيام بالتفجير. وفي يوم الخميس 5 ديسمبر 2013، اقتحم مسلحون متنكرون بلباس عسكري، ويحملون أسلحة خفيفة، مستشفى العرضي الذي يقع داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية، مدعومين بسيارات تحمل متفجرات، ومعهم انتحاريون، وأسفرت العملية عن مقتل 56 شخصا غالبيتهم من الأطباء والممرضات. كل تلك العمليات الإرهابية ما كان لها أن تتم داخل العاصمة وفي غيرها من المدن اليمنية بتلك السهولة المثيرة للدهشة لولا أيادي صالح وأجهزته في الدولة العميقة التي ما تزال تحرك التنظيمات الإرهابية لاستهداف اليمن واليمنيين حتى اليوم.

 

من القاعدة إلى داعش

عقب سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي وحليفهم صالح، والاستيلاء على السلطة بالقوة عبر انقلاب عسكري، حدث تحول جديد في العمليات الإرهابية الموجهة ضد اليمنيين عامة ونظام الرئيس هادي خاصة، فقد برز في العام 2014 على الساحة اليمنية ما يسمى بتنظيم داعش، مواكباً لصعود الحوثيين، والغريب أن يقف هذا التنظيم إلى جانب التحالف الانقلابي (الحوثي-صالح) في استهداف معسكرات الجيش وقوات الشرعية ومؤسساتها، في الوقت الذي يزعم الحوثيون أنهم يقاتلونه، حتى صاروا يتهمون كل مخالفيهم بأنهم دواعش.

كان ما يعرف بتنظيم داعش قد ظهر على سطح الأحداث الدولية في العام 2013 في كل من سوريا والعراق بأيدي استخباراتية للتصدي لموجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، وقد سارع الحوثيون وحليفهم صالح، عقب سيطرتهم على مقاليد الحكم، لالتقاط الفكرة وأنشأوا تنظيم داعش تماهياً مع التوجهات الدولية سعياً لكسب الدعم الخارجي للانقلاب وتقديم أنفسهم وكلاء للقوى الدولية في مكافحة الإرهاب في اليمن، ويبدو أن الحوثيين استفادوا من خبرات إيران في تشكيل وإدارة الجماعات الإرهابية الممتدة على طول منطقتنا العربية بمسميات مختلفة أشهرها داعش، واستطاعوا في فترة وجيزة تأسيس داعشهم الخاص. ولكي يقنعوا العالم بوجود هذا التنظيم ومدى خطورته في اليمن وبأنهم مستهدفون من قبله جرى تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية التي تركز أغلبها في العاصمة صنعاء واستهدفت تجمعات حوثية وغير حوثية، من ذلك:

9 أكتوبر 2014 تفجير ميدان التحرير، وهي عملية انتحارية استهدفت تجمعاً للحوثيين في ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء خلفت 47 قتيلاً بينهم أطفال وأكثر من مائة جريح.

7 يناير 2015 انفجار سيارة مفخخة أمام كلية ضباط الشرطة قُتل 35 طالباً وجرح 68 آخرون، وكان القتلى والجرحى يرغبون بتقديم أوراق قبولهم في الكلية.

20 مارس 2015 مقتل أكثر من 142 شخصاً، وجرح 352 آخرين في تفجيرات مسجدي بدر والحشوش.

17 يونيو 2015 مقتل 30 على الأقل في عدة تفجيرات استهدفت مراكز لجماعة الحوثيين و"مسجد القبة الخضراء" و"مسجد الكبسي" بصنعاء.

20 يونيو انفجرت سيارة ملغومة بالقرب من جامع قبة المهدي في صنعاء القديمة، ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين.

2 سبتمبر 2015 لقي 28 شخصاً على الأقل مصرعهم، في تفجير مزدوج استهدف مسجد "المؤيد" شمال صنعاء.

24 سبتمبر 2015 تفجير مزدوج داخل مسجد البليلي في صنعاء خلال صلاة عيد الأضحى أسفر عن مقتل 29 شخصا، وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن التفجير، وقال التنظيم، في بيان على شبكة الإنترنت، إن التفجير الذي استهدف المسجد "أدى إلى هلاك وإصابة العشرات".

كانت الانطلاقة الأولى لما يسمى بتنظيم داعش في اليمن العام 2014 الذي شهد انقضاض الحوثيين على السلطة، فيما زادت وتيرة عملياته الإرهابية في العام 2015 بالتزامن مع انطلاق عملية الحزم بقيادة السعودية ضد تحالف الانقلاب، ما يشي بأن الانقلابيين كانوا بحاجة إلى رديف مساند ولكن من نوع مغاير؛ رديف مهمته خلق عدوا وهمي في الداخل يسَوغ حربهم ضد اليمنيين (الدواعش)، في الوقت الذي يسوَقهم خارجياً على أنهم يخوضون حرباً ضد الإرهاب (الداعشي) ليحظوا بتأييد الدوائر الدولية، ويغدوا من ثمَ شركاء المجتمع الدولي في الحرب على ما يسمى الإرهاب، وبالتالي يمررون انقلابهم عبر ركوبهم موجة الإرهاب.

 

وهكذا جرى استحداث تنظيم إرهابي قام بعملية غسل وتبييض كل جرائم الحوثيين وحليفهم صالح ضد اليمنيين، لإقناع العالم أن تحالف الانقلاب الذي استولى على السلطة بالقوة يخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب، وأنه مستعد للقيام بدور الوكيل الحصري للقوى الدولية في حربها ضد الإرهاب، مقابل الحصول منها على المشروعية الدولية وهو ما لم يحصلوا عليه. بيد أن بعض الدوائر الدولية ما تزال تعطي الأولوية في القرارات الدولية المتعلقة باليمن لقضية الإرهاب التي هي بالأساس منتج (عفاشي-حوثي) بينما تقلل من حجم الكارثة الانقلابية على اليمن وتداعياتها المأساوية على اليمنيين، ولا تمارس الضغوط المطلوبة باتجاه إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة المغتصبة طبقاً للقرارات الدولية ذاتها المؤيدة للشرعية، في حين تشدَد على قضية تنامي الإرهاب في اليمن ودور الحرب في تعاظم مخاطرة، وهي قراءة مغايرة للواقع اليمني لا تراعى فيها مصالحه، فقد برهنت الأحداث على أن الإرهاب في اليمن وثيق الصلة بالمخلوع صالح ونظامه وحلفائه الجدد، وبزوال التحالف الانقلابي واستعادة الدولة وعودة الشرعية والحياة السياسية إلى طبيعتها سيتلاشى الإرهاب تلقائياً كونه سيفقد - ساعتها- مسببات وجوده وعوامل بقائه ونموه، لكن بعض الأطراف الدولية - للأسف- لا ترغب بغلق ملف الإرهاب في اليمن على الرغم من أنها تعرف جيداً كيف تغلقه، لكنها تريد بقاءه مفتوحاً لمصالح خاصة وأهداف بعيدة المدى.

 

مخبر القاعدة يكشف حقيقة صالح

في تحقيق تلفزيوني بثته قناة الجزيرة الخميس 04 يونيو 2015 حمل اسم "مخبر القاعدة"، انتهى إلى تأكيد تورط الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح في دعم تنظيم القاعدة باليمن والتآمر معه من أجل ضرب الاستقرار في البلاد، واستخدامه كورقة سياسية للضغط على دول المنطقة والعالم بأسره. وتضمن الفلم الوثائقي اعترافات من عضو سابق في تنظيم القاعدة تحول إلى عميل للحكومة اليمنية، يكشف كيف كان يبلغ أجهزة الأمن اليمنية عن عمليات يخطط التنظيم لتنفيذها، ومع ذلك ينجح التنظيم بها، مشيراً إلى عملية بعينها قام بإبلاغ الأمن اليمني عنها قبل وقوعها بأسبوع لكنها وقعت رغم ذلك، ليكتشف الرجل لاحقا أن الرئيس صالح ليس سوى جزء من شبكة "القاعدة"، وأن التنظيم ليس سوى أداة بيد الرئيس وأبنائه وأجهزته الأمنية.

وقال العضو السابق في القاعدة هاني مجاهد لقناة الجزيرة: "اكتشفتُ أن الكثير من قيادات تنظيم القاعدة أصبح علي عبد الله صالح يهيمن عليها"، مضيفاً أن صالح "جعل من تنظيم القاعدة عصابة منظمة"، مؤكداً أن "صالح لم يكن يلعب فقط على الغرب بل كان يلعب على العالم بأسره".

ويقول مجاهد إن صالح كان يمارس "لعبة مزدوجة"، وكان يقوم بخديعة العالم ودول المنطقة، حيث يتظاهر بمحاربة "القاعدة" لكنه في الحقيقة كان يتعاون معها، ويستخدمها في الوقت ذاته لخدمة مصالحه.

 

وكشف مجاهد أن ابن أخي الرئيس اليمني المخلوع، العميد عمار محمد عبد الله صالح هو المسؤول الأمني الذي كان وراء تشغيله مخبراً، وأكد أن العميد قام بترتيبات لضمان وصول مواد متفجرة إلى القائد العسكري لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب قاسم الريمي.

وقال إنه حذر الأجهزة الأمنية قبل أسبوع من وقوع هجوم بسيارة مفخخة في محافظة مارب وسط اليمن في صيف عام 2007 والذي أودى بحياة ثمانية سياح إسبان وتبناه تنظيم القاعدة.

وأكد مجاهد أنّه وجه تحذيراً للسلطات قبل شن هجوم استهدف السفارة الأميركية في صنعاء عام 2008 وخلف 19 قتيلاً. وقال: "أنا كنت مخترقاً تنظيم القاعدة من قبل أجهزة الأمن، وكنتُ أبلغ الأمن القومي بكل المعلومات خطوة خطوة، وبالنسبة لعملية تفجير السفارة الأمريكية أبلغت الأمن بالمعلومات قبل ثلاثة أشهر، ثم أبلغتهم قبلها بأسبوع مرة أخرى، ثم قبلها بثلاثة أيام. قلت لهم أنهم سيهاجمون السفارة الأمريكية بسيارتين مع مجموعة من الشباب"، لكنهم لم يمنعوا حدوث العملية ولم يتخذوا أية إجراءات.

 

ونخلص من كل ذلك إلى حقيقة أن المخلوع صالح استخدم وبشكل فاضح ورقة الإرهاب لخداع المجتمع الدولي والتكسب منه، وكذلك للنيل من خصومه السياسيين الذين مثلوا حجر عثرة أمام تطلعاته للتوريث والاستفراد بالسلطة وفي مقدمتهم التجمع اليمني للإصلاح، في الوقت الذي لا يزال حتى اللحظة يستخدم الورقة ذاتها في مواجهة ثورة الشعب وجيش الشرعية، أملا في العودة إلى السلطة التي تجري في عروقه ولا يتصور العيش بدونها. وعلى الرغم من توافر الأدلة الكافية التي تدينه كحاضن للإرهاب إلاَ أننا لم نلمس أية خطوات جادة من قبل الفاعلين الدوليين لمحاكمته والضغط لوقف تمرده، أو حتى العمل على وقف تدفق السلاح المهرب إلى قواته التي تقاتل الشرعية المعترف بها دولياً وتستميت منذ أكثر من عامين في القتال لأجل رجل مهووس بالسلطة يزعم أنه تخلى عنها طواعية فيما هو يقاتل لأجلها بكل ما يملك ويعقد التحالفات الداخلية والخارجية في سبيل استردادها!