السبت 20-04-2024 11:16:31 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

معركة الهُوية.. الحوثيون يدمرون التعليم لصالح فكرهم الطائفي العنصري

الأحد 17 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص - زهور اليمني

 

يتوالى انهيار الدولة اليمنية في مناطق سيطرة ميليشيات المتمردين الحوثيين خاصة في العاصمة صنعاء، وشمل الانهيار قطاعات مختلفة في الدولة، مثل الاقتصاد، والصحة، والسياسة، وأخيراً التعليم، خاصة مع سيطرة المتمردين على المنظومة التعليمية، مما أدى إلى تفاقمها خاصة مع السعي الحثيث للمتمردين نحو تغيير الهوية اليمنية، وتحويل المدارس والمؤسسات التعليمية لتكون تابعة لفكرهم.

لكن جرائم ميليشيات الحوثي بحق التعليم في اليمن لم تتوقف عند العبث بالهوية التعليمية، بل امتدت لتغلق آلاف المدارس والمؤسسات التعليمية، لاعتبارات مختلفة.

 

تسرب من المدارس

حسب تقرير للأمم المتحدة، تسببت الحرب التي تخاض في مختلف المحافظات اليمنية في حرمان أكثر من 2.5 مليون طفل يمني من التعليم، بل إن الذين لم يلتحقوا بالمدارس منذ مارس 2015 وصل عددهم إلى 2.9 مليون طفل.

وتبين الأرقام أن 1.8 مليون طفل تسربوا من المدارس في وقت سابق لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة، ويضيف التقرير أن هناك "نحو 2.9 مليون طفل آخرين مهددين بالتسرب في حال لم يحصلوا على المساعدات، ما يعني أن 78 في المئة من الأطفال في عمر الدراسة لن يكونوا قادرين على الالتحاق بالمدارس هذا العام".

تقرير آخر، أعده مركز الدراسات والإعلام التربوي غير الحكومي، يشير إلى أن نسبة 30% من إجمالي الطلبة المقيدين بالتعليم العام في وضعية البقاء على قيد المدرسة، ولم يتلقوا أي تعليم يذكر رغم حصولهم على نتائج النجاح، في حين أن 40% من المعلمين وموظفي التعليم فقط هم من تمكنوا من أداء عملهم إما بشكل كلي أو متقطع، وأن الساعات الدراسية التي تلقاها الطلبة أقل من المتوسط العام على المستوى الوطني.

 

أدلجة الجماهير وتعبئتها

تحدثت الدكتورة (ع. ش) إلى الاصلاح نت عن أدلجة الجماهير وتعبئتها حيث قالت: "تغيير مناهج التعليم واحدة من أقدس مهام الحوثي للعبث بعقول اليمنيين وهويتهم الأصيلة على المدى البعيد، ونظرا لكراهية هذه السلالة لرفعة اليمني وعزته واعتزازه بنفسه وتاريخه وثقافته، فقد سعت لتجهيله على مدى ألف عام من حكم الأئمة".

وأضافت أنه "عندما بدأت مسيرة العودة في العام 2014 كان هدفها واضحا وهو هدم كل ما له علاقة بالعلم والثقافة والدين، وبدأتها بالتدريج بقضية تهجير السلفيين من دماج لاختلافهم المذهبي معهم، وتطورت المسألة لتفضح عقيدتهم تجاه أهل السنة، فلم يسلم مسجد ولا مركز لتحفيظ القرآن الكريم من التفجير، ولم تسلم مدرسة من أن تكون ثكنة لمقاتليهم".

وأكدت الدكتورة (ع. ش) أن "الحوثي يسعى بكل الطرق وبشكل متسارع لفرض منهجه ومذهبه، لذلك بعد أن استقر له الأمر في المناطق الشمالية اتجه نحو أدلجة الجماهير، عبر التعبئة الجماهيرية في الإذاعة والتلفزيون والمساجد والشوارع، ثم لاحقا عبر المحاضرات والدورات الثقافية بشكل إجباري لمختلف الشرائح والمؤسسات الخدمية، والآن يتجه الحوثي نحو المناهج التعليمية لتغييرها وفقا للمذهب الشيعي الإثنى عشري، أي تغيير للمفاهيم واللعب بعقول الطلاب، وهو التغيير الذي يطمح إليه الحوثي للوصول إلى بغيته في تحشيد الطلاب للقتال في الجبهات واعتناقهم لأفكاره ومعتقداته على المدى البعيد".

 

استهداف الأساتذة الجامعيين

شرعت الميليشيات الحوثية في عملية ممنهجة لتدمير التعليم الجامعي في اليمن منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وكان أول قرار اتخذته بعد الانقلاب إغلاق 13 جامعة خاصة وأربع كليات وتعطيل أكثر من 50 برنامجاً دراسياً.

اعتمد الحوثيون من أجل إحكام السيطرة على منظومة ومؤسسات التعليم الجامعي العديد من الوسائل، أبرزها تعيين رؤساء جامعات وعمداء كليات من الموالين لهم، وفصل 61 أستاذا جامعيا من جامعة صنعاء وحدها، إضافة إلى تخصيص 20 بالمئة من المقاعد الدراسية في كليات الجامعة لعناصر المليشيات الذين يقاتلون في الجبهات.

وازدادت أوضاع التعليم الجامعي اليمني سوءا بعد إيقاف رواتب أعضاء هيئة التدريس العاملين في الجامعات، وهو ما قوبل بحركة رفض واحتجاج من قبل الأساتذة الجامعيين واجهها الحوثيون بالاعتداء عليهم.

وتسبب إيقاف الانقلابيين لصرف رواتب الأكاديميين اليمنيين في تدهور الوضع المادي للكثير منهم مما اضطرهم للعمل في مهن أخرى لا تناسب درجاتهم العلمية.

وفي هذا الصدد، تحدث الدكتور عبد الحميد الحسامي عن أبرز مظاهر تحويل الجامعات إلى فضاء للمليشيات قائلا: "هناك مظهران بارزان للتدمير أحدهما يتم بشكل غير مباشر من خلال تدمير الدولة نفسها وتحويلها إلى مجرد واجهة للميليشيا عبر إفراغها من مؤسساتها، الأمر الذي ينعكس سلبا على جميع مؤسسات التعليم العالي التي يفترض أن تظل مؤسسات رائدة في صنع أجيال المستقبل ولا يجب أن تسير وفق توجيهات ميليشيا لا تعرف معنى الدولة ولا التعليم ولا القيمة العلمية".

كما أكد الدكتور الحسامي أن من أهم مظاهر استهداف المؤسسة التعليمية الاستيلاء على المناصب القيادية في مؤسسات التعليم العالي، بتعيينات تخضع لمعايير أيديولوجية، وذلك عبر تثبيت مؤيديهم في هذه المناصب وإبعاد خصومهم، وإنشاء لجان ثورية في المؤسسات التعليمية وخصوصا الجامعات، بغرض الزج بها في المعترك السياسي الذي لا يؤمن بالآخر، إلى جانب جعل طلبة الجامعات وقودا للحرب ودفعهم لجبهات القتال من خلال الخطاب الطائفي عوض تأهيلهم علميا".

 

هبات في الدرجات

لأول مرة تصبح نسب النجاح دليل فشل العملية التعليمية، هكذا عقب أكاديميون على ما آل إليه حال التعليم، وبالتحديد جاء ذلك تعقيبًا على ارتفاع نسب نجاح الثانوية العامة لدرجة أنها لا تتماشى البتة مع الوضع التعليمي السيء.

لقد منح الحوثيون هذه الدرجات في نهاية العام باعتبارها هبات أو مقابل خدمات وأموال تدفع للمدرسين، وتداول ناشطون وثيقة صادرة عن ما يسمى "اللجنة الثورية" للحوثيين تطالب بزيادة درجات بعض الطلاب المقاتلين في الجبهات التابعة لهم، بينما شهدت المدارس نسبة عالية من الغش في بلد احتلت المركز الثاني في نسبة الأمية، حيث وصلت إلى 30 بالمئة، حسب دراسة لليونسكو في العام 2015، ولم يتوان الحوثيون عن أن يستبدلوا المدرسين الأساسيين بمدرسين لا يحملون أي مؤهلات لكنهم يحملون ولاء ظاهرًا للحوثيين.

يقول الدكتور حسن القطوي، مستشار وزارة التربية والتعليم: "هذه الجماعة تعبث في المناهج التعليمية وتدس فيها أفكارها العنصرية وبعض الصور التي تتحدث عن تاريخ هذه الجماعة الإرهابية، ومؤخرا فرضت حصصا إضافية على المعلمين والطلاب لكي تبث في عقولهم أفكارها الطائفية والتي سيعاني منها المجتمع اليمني طويلا إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه".

هذا الشحن الطائفي وهذا التعدي السافر على العملية التعليمية المقدسة التي ينبغي أن تحترم من جميع شرائح المجتمع، يؤدي في نهاية المطاف إلى أن يصبح الشباب قنابل موقوتة قد تنفجر في المجتمع في أي لحظة.

لقد دمرت هذه الجماعة قدرات المعلم بعد أن حرمته من حقوقه، حتى إنها قامت بالسطو على المساعدات التي قدمت للمعلمين من معونات، كما حصل مع المنحة التي قدمت من قبل السعودية والبالغة 70 مليون دولار، ومرّ نصف عام ولم تستطع منظمة اليونيسف توزيعها على المعلمين بسبب الضغوطات التي تمارسها هذه الجماعة، وفي نهاية المطاف استطاعت أن تفرض على المنظمة توزيعها على الأسماء التي أدرجت في الكشوفات التي أعدتها الجماعة.

لقد طرحت منذ فترة على وزير التربية ووزير التعليم العالي عدة مقترحات، منها أنه على الحكومة الشرعية القيام بواجبها تجاه المعلمين والأكاديميين في كل محافظة الجمهورية، لأن هذه الشريحة ليست رهنا للحوثيين وأنهم سيقاومون إذا وجدوا من سيمدهم برواتبهم وسيعملون بجد لمحاربة هذه الأفكار والوقوف في وجهها.

 

التحول من المدارس الخاصة إلى الحكومية

غادر في العام الدراسيّ 2018/2019 ما يقارب 90 ألف طالب وطالبة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، من أصل 300 ألف طالب، وأغلقت قرابة 200 مدرسة خاصّة، من أصل 1050 مدرسة، ويتوقع انحسار التعليم الخاص بشكل أكبر في العام الدراسي الجاري، وقال مصدر لموقع المونيتور: "أتوقع أن تكون نسبة الطلاب الذين سيغادرون المدارس الخاصة إلى الحكومية بسبب تدهور الوضع المادي أعلى من الأعوام السابقة، وحدهم أبناء العائلات الميسورة يحافظون على مقاعدهم في المدارس الخاصة لأنهم يمتلكون المال".

 

تجهيل المجتمع

تحاول جماعة الحوثي إحكام السيطرة على التعليم عن طريق تعيين مدراء عموم ومدراء مدارس من الموالين لها، رغم أنهم لا علاقة لهم بالعمل التعليمي، كما تصر على استخدام المدارس في الدعاية ونشر أفكارها بين طلاب المدارس وحثهم على القتال، والنتيجة -كما تقول الأستاذة (ك. ع)- "تردي وانهيار لكل مفاصل النظام والدولة والتعليم، وضياع لأبسط القيم الإنسانية، فلا تعليم ولا اهتمام بالمعلم".

وتضيف: "إنهم يعملون من أجل تجهيل الشعب وتغريبه عن قيمه ومبادئه ومفاهيمه التي تربى عليها وتجويعه وتركيعه حتى ينصاع لأفكارهم ومبادئهم السلالية والعنصرية، وأهم ما يعملون عليه هو التعليم والإعلام".

 

الوضع ينذر بكارثة مستقبلية

لأنهم يعرفون الأهمية التي تحلتها التربية والتعليم في تربية النشء ولأنهم يعرفون أن التعلم هو الطريق الوحيد للقضاء على الطبقية والعنصرية بين أفراد المجتمع بخلق جيل متعلم يعرف ما له وما عليه ويعرف الصواب من الخطأ، وبينما يبعثون بأولادهم وأقربائهم للدراسة في الخارج، فإنهم يعملون على تجهيل بقية أفراد الشعب سواء كانوا موالين لهم أم غير موالين، لأن الجاهل يسهل السيطرة عليه وتوجيهه كما يريدون، وهو نفس السلاح الذي استخدمه أسلافهم الأئمة قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 المباركة.

يقول الأستاذ (م. ص. ل)، مسؤول في مكتب التربية بمحافظة إب، عن خطوات تدمير التعليم من قبل هذه الجماعة: "نرى ونشاهد يومياً خطوات عملية لتدمير التعليم بطرق وأساليب متعددة، فكانت أول خطوة تمت في السيطرة على التربية والتعليم بتعيين سلاليين تم إعدادهم بشكل خاص في مواقع قيادية في مفاصل مكتب التربية والتعليم بمحافظة إب، تتحكم بمفاصل القرار داخل المكتب، ولا يستطيع مدير مكتب التربية أن يصدر أوامر أو توجيهات إلا بعد مرورها على النائب الأول لها من بيت المتوكل، بل إن النائب السلالي أصدر تعميما لمدراء الإدارات في المكتب والمديريات بعدم التعامل مع أي توجيهات غير موقعة منه حتى لو كانت موقعة من مدير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة".

ويضيف: "كما أنها قامت بتشكيل ما يسمى الوحدة التربوية بالمحافظة وهي الإدارة الحقيقية لمكتب التربية والتعليم، تخطط وتبرمج وتنفذ عن طريق كوادر مكتب التربية والتعليم، ومن يخالف فالفصل أو التوقيف أو التغيير من موقعه مصيره من غير نقاش ولا تردد، وقد حصلت أمثلة كثيرة لمثل هذه الحالات، وتم تغييرهم بعناصر سلالية غير مؤهلة مثل ما حصل مؤخراً مع مديرات إحدى المدارس في مدينة إب".

مدارس التحفيظ التي كانت تخرج المئات كل عام أصبحت شبه معطلة، تمثل ذلك بتعطيل إداراتها ومعلميها وإدارات مدارسها وموجهيها بحرمانهم من الرواتب والمساعدات التي تقدم للمعلمين عن طريق برنامج الغذاء العالمي، والتوجيه بإيقاف المناهج التي تدرس فيها بغرض فرض مناهج جديدة تروج لأفكارهم العنصرية وتمجد قيادتهم الهالكة، وهناك مقترحات تدور في وزارة التعليم الحوثية بصنعاء بدمجها مع إدارات أخرى تمهيداً لإلغائها، وأصبح الإقبال على مدارس التحفيظ خلال السنوات الثلاث الماضية ضعيفا جداً بسبب الإهمال والتراخي من قبل الإدارات المختصة، وهو توجه عام للحوثيين بإضعافها وتهميشها ليصبح إلغاؤها أمرا واقعا لا بد منه، بحكم أن العاملين فيها أصبحوا كوادر عاطلة عن العمل.

 

التعليم العام

وبخصوص التعليم العام فالوضع سيئ للغاية وينذر بكارثة مستقبلية للدارسين، فالتعليم العام أصبح تجهيلا ليس إلا، ولا يوجد تعليم حقيقي ومستوى الطلاب انخفض بشكل مريع، وهو نتيجة طبيعية لتوقف الآلاف من المعلمين عن التدريس بسبب حرمانهم من الرواتب، وفضلوا البحث عن مهن بديلة لإعالة أسرهم، وأحل الحوثيون بدلاً منهم عناصر سلالية لا علاقة لها بالتعليم وغير مؤهلة تربوياً لتقوم بتدريس الطلاب بموضوعات لا علاقة لها بالمنهج ولا بالتربية والتعليم، وموضوعاتها غرس الأفكار التي تمجد عرقهم وسلالتهم وتصل بهم لمرحلة النبوة وأن بقية الناس خلقوا لخدمتهم كعبيد وهم سادة القوم، مستعينين بملازم صاغتها عقليات مريضة وحشرت فيها أحاديث وفسرت آيات قرآنية تخدم هذا التوجه.

يستغل الحوثيون التربية والتعليم في الترويج لأفكارهم الهدامة واستغلال كل مناسبة لهم لغرس تلك الأفكار، من خلال الأنشطة التي تنفذ في المدارس في طابور الصباح والأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية والمسابقات العلمية، بما يخدم التوجه السياسي والفكري للحوثيين.

وهناك تعميمات وتوجيهات كثيرة بهذا الخصوص من قبل مكاتب التربية والتعليم بالمحافظات للمدارس، بل إن بعض المدارس كانت قد بدأت بتدريبات عسكرية داخلها للبنين والبنات ليتم الاختيار منهم لإرسالهم للجبهات أو استخدامهم في أغراضهم العسكرية داخل مدينة إب، لا سيما ما يخص الطالبات.

ولأن محافظة إب فيها كثافة طلابية عالية فالتركيز عليها أكثر، وهي محافظة توصف بأنها ليست بيئة حاضنة للفكر الحوثي، فالتركيز عليها شديد لمحاولة قلب هذه المعادلة ولإيجاد رأي عام قابل لأفكارهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.

صحيح أن المواطنين خاضعين للحوثيين في هذه المرحلة لكن بالقوة وليس عن قناعة، ولو ترك لهم الخيار بدون قتال فلن يبقي حوثي واحد داخل إب.

كما عملت جماعة الحوثي على طباعة مناهج للمدارس الأهلية على نفقة تلك المدارس وجمعت منها مبالغ خيالية، وأعدت مادة تعليمية للطلاب بحسب رؤيتها وأفكارها وتوجهاتها، وألغت منها كل المواضيع الوطنية وما يتعلق بثورة 26 سبتمبر 1962 كاملاً.

وإذا طال الوقت ولم يتم تحرير المحافظات التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، فسوف تخلق جيلاً يسهل عليها قيادته وتوجيهه نحو أهدافها الإرهابية الإجرامية.