الجمعة 29-03-2024 00:48:59 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات .. الخطوة الثانية: الإصلاح وبناء الدولة

الإثنين 11 مارس - آذار 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص- أ. عبد العزيز العسالي
 

عرفنا في الحلقة الأولى موقف الإصلاح من مبدأ التعايش، ووجدنا فيها أن مبدأ التعايش اقترن مع فكرة بناء الدولة، هذا الاقتران التنظيري والعملي يعني أن رؤية تجمع الإصلاح تجاه مبدأ التعايش أنه هدف إستراتيجي ديناً، أي أنه معتقد فكري وتشريعي وقانوني وثقافي، وأنه هدف وظيفي يمثل الخطوة الأولى في طريق بناء الدولة.

وفي هذه الحلقة سنتحدث حول موقف الإصلاح من بناء الدولة، وذلك في ثلاثة محاور وخاتمة.

المحور الأول: نظرية الإصلاح في بناء الدولة

الرؤية الإستراتيجية لبناء الدولة، كما وردت في النظام الأساسي للإصلاح (ص14ــ 24)، حيث بلغت ثلاثين بنداً موزعة كالتالي:
ــ المجال السياسي 7 بنود.
ــ المجال التربوي7 بنود.
ــ المجال الاقتصادي 9 بنود.
ــ المجال الاجتماعي 7 بنود.

غير أننا سنقتصر على إيراد بنود بناء الدولة في المجال السياسي وهي:
1ــ السعي أن يكون الحكم إسلاميا يراعي مقاصد الشريعة وتحقيق مصالح الناس.
2ــ تحقيق أهداف الثورة اليمنية.
3ــ الحفاظ على الوحدة اليمنية وضمان استمرارها.
4ــ تضمين مبدأ الشورى والممارسة الديمقراطية لضمان التداول السلمي للسلطة، وممارسة الحريات العامة والخاصة، وحرية التعبير التي كفلتها الشريعة الإسلامية.
5ــ ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء تحقيقا للعدل ونزاهة القضاء.
والبندان السادس والسابع ينصان على موقف الإصلاح من دول الغرب تركناها تجنبا للإطالة.

تعليق:

حددت الرؤية الإستراتيجية البند الأول مرجعية الشريعة الإسلامية للحكم وذلك للاعتبارات التالية:

أ- لأن الشعب اليمني مسلم.
ب- لأن الشعب المسلم لن ينقاد إلا للإسلام.
ج- لأن معين التدين الإسلامي ذخيرة لا تنفد، وهو الكفيل في استمرار الحراك دعويا وثقافيا وسياسيا والعمل الإجرائي.

د- لأن الديمقراطية تعني بمفهومها احترام خيارات الشعوب وحرياتها تدينا واحتكاما إلى عقيدتها وثقافتها، وأن لها الحق في اختيار حكامها.

وبدون حماية حريات وكرامة الشعوب فهي أقرب إلى التجريف الفاشي (نموذج ديمقراطية اليسار العربي).

المحور الثاني: الخطوات العملية في البناء

أولا: الإصلاح من الأعلى

1ــ اتجهت العناية مبكرا نحو الإصلاح من الأعلى كما هو الحال قبل ثورة 1948م، كون المجتمع يعيش أمية حرفية وثقافية.

2ــ اتسعت النخبة إلى حد كبير ومقبول بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م (مؤتمر عمران)، سعيا نحو بناء الدولة بواسطة النخبة، علما بأن النخبة كانت أوسع بكثير قياسا بحركة 1948م.

3ــ اتجهت جهود الإصلاح في عهد الجمهورية الثانية إلى إصلاح القانون المستمد من الشريعة الإسلامية.

لقد كانت هذه الخطوات هي الحدود المتاحة في عملية بناء الدولة، كما كانت بمثابة "سبر" للوعي الشعبي ومدى تفاعله إزاء هذه الخطوات.

مثال سريع:

قد لا تصدق أيها القارئ العزيز أن عدداً من القضاة لم يلتزموا بالقانون حتى بعد قيام الوحدة.

ثانيا: العناية بالبشر

منطق العقل والحكمة يقول إنه يجب السعي نحو خلق جيل يؤمن بالفكرة أولا، أي يتجه البناء نحو الطبقة الوسطى من المجتمع، فإذا استطاع دعاة التغيير خلق جو ثقافي يؤمن بفكرة التغيير، فإنهم يكونون قد أوجدوا ذراعا حاملا للتغيير مستعدا للدفاع عنه.

وعليه، وبحسب المتاح، سياسيا وثقافيا وتربويا واجتماعيا، فقد اتجهت العناية إلى:

1ــ إصلاح الوعظ الديني إحياءً لقيم التدين تزكويا واجتماعيا.

2ــ خطوة أكثر فاعلية نحو بلورة الكتاب المدرسي، لكن مفهوم بناء الدولة لا زال غائبا، لأن الدستور يحرم الحزبية.

3ــ خطوة أكثر تمكينا: حدوث عوامل خارجية وداخلية أشعلت حرباً في الداخل اليمني (الشطر الشمالي سابقا) أدت إلى:

أ- قيام المؤتمر الشعبي العام والميثاق الوطني، وهنا سجلت الحركة الإسلامية إسهاما لافتا، لكن مفهوم بناء الدولة لا زال يعيش ضبابية قاتمة لدى غالبية الشعب.

ب- انتشار المعاهد العلمية: كان الحمدي رحمه الله قد وضع البذرة الأولى للمعاهد، ونظرا للحرب الداخلية بعد استشهاد الحمدي فإن الحرب أدت إلى انتشار فكرة المعاهد العلمية، فكانت هي الخطوة
الأكثر تمكينا، كونها أسهمت في تكوين جيل يحمل أوليات العلم والمعرفة، وهذا الجيل سيكون -مستقبلا- هو الحامل الأقوى لمفهوم بناء الدولة كما سنلاحظ.

ج- وصلت المعاهد العلمية إلى الأرياف البعيدة في شمال الشمال، والتي تعيش جهلا قاتلا في كل اتجاه، وتعصبا قبليا ومذهبيا... إلخ، بل وكراهية للتعليم، كونه جاء على أنقاض حكومة أبناء ماء السماء وسلالة الأطهار المقدسة.

ــ كانت الثمرة الأولى للمعاهد ترسيخ مبدأ التعايش وسط هذه التضاريس والمعوقات، ولولا أن التغيير جاء من داخل تعاليم الإسلام من جهة، وفن التعايش من جهة أخرى، ما استجابت.

4ــ لم يسجل التاريخ حوادث عنف أو تصادم مع طلاب المعاهد، وإنما كانت المواقف إيجابية، علما بأن مفهوم الدولة لا زال مغيبا. لكن المهم أولا هو أبجديات التعارف والتنوير المعلوماتي والتعليمي.

5ــ خطوة عملية رسخت مبدأ التعايش وعززت أواصر الثقة، حيث يعود الفضل بعد الله إلى العقلية التي وضعت أولويات المرحلة بحكمة تنظيرا وتطبيقا، كونها كانت قد شخصت الداء بوعي، محددةً أولويات المعالجات من الزاوية الإجرائية كما سنوضحه في الفقرة التالية.

6ــ تم اختيار الشخصية المناسبة ذات الحضور الفكري والثقافي والمكانة الاجتماعية الهاشمية والفقهية، حيث تم تمكينها من رئاسة الهيئة العامة للمعاهد العلمية قرابة عقدين من الزمن.

7ــ وجود هكذا شخصية في قمة هرم الهيئة العامة للمعاهد أدخل الطمانينة على عقول ونفوس أغلب ذلك المجتمع المنغلق.

ثالثا: الدرس العملي

الفعل وما أدراك ما الفعل..
ــ كان هذا الفعل الإجرائي قد رسخ مبدأ التعايش، واتجه في ذات الوقت إلى بناء البشر. فقد أدى هذا الإجراء إلى تحقيق الهدف بنسبة جيدة وجيدة جدا سيما في كسر مغاليق الأمية الحرفية.

ــ الحركة الإسلامية أخذت الدرس من تصرفات اليسار المستفزة للمجتمع والذي جاء ليصلح الوضع الثقافي من خارجه فأخطأ، بخلاف الحركة الإسلامية اتجهت نحو التغيير من الداخل المسلم، فتعلم المجتمع صور التدين الأقرب إلى الكتاب والسنة دون أي نقد للمخالف، المهم الدليل، وكل المذاهب لها نصيب من الصواب.

ــ اتسعت رقعة التعليم والفهم النسبي وترسخ فقه الميل إلى الدليل بهدوء إلى حد مقبول من الإيجابية، فاستأنس المجتمع المنغلق تجاه القائمين على المعاهد، كونه أصبح في أمن على موروثه الثقافي، كيف لا والفقيه الهاشمي الهادوي فلان متربع على رأس المعاهد، إذن التعليم لم يعد مخيفا.

بكلمة، نجحت الخطوة في بناء البشر كونها استهدفت إصلاح العقلية من الداخل إجراءً ومدخلاتٍ وبهدوء.

رابعا: دستور دولة الوحدة

ظل الهاجس لدى قيادة حركة التغيير الإسلامية حاضرا بقوة إزاء مفهوم بناء الدولة في الوعي المجتمعي، لكن ظلت الجهود محدودة المجالات، كون الدستور يحرم التعددية، فكان التعايش مع الواقع والتحرك في الحدود المتاحة حتى قامت الوحدة والتي من شروط قيامها التعددية السياسية دستوريا، فكان هذا اليوم بمثابة ربيع حركة التغيير الإسلامية، فهل جاء حدث الوحدة في وقته المناسب؟ ربما كان كذلك، حيث تجلت خطوات بناء دولة المواطنة إلى العلن، وذلك كما يلي:

1ــ قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح.
2ــ التسمية بـ"التجمع اليمني للإصلاح" حملت دلالات عدة منها:
أ- دلالة الابتعاد عن تسمية حزب، كون مصطلح "حزب" لا زال مستهجَنا لدى غالبية المجتمع، إلى حد الأمس والطالب يتلقى تعليما ناقما على الحزبية والديمقراطية والعلمانية والحزبية... إلخ منظومة المفاهيم ذات الصلة في بناء الدولة.

ب- دلالة تسمية "تجمع" فهي تعني هروبا من مصطلح الحزب، كما أنها في ذات الوقت تحمل دلالة انضواء تجمعات وشرائح وقبائل ووجهاء ومشايخ قبائل وعلماء دين ورجال تصوف وهاشمية، وفيهم التقليدي البحت، وفيهم ذوو المرونة ومفكرون، وكذا نقابات وجمعيات ومنظمات، كل هؤلاء انضووا تحت مصطلح "تجمع".

خامسا: دستور دولة الوحدة والغاية من الاعتراض عليه

ــ نص دستور دولة الوحدة في المادة الثالثة أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وهنا أعلن تجمع الإصلاح معارضته الشديدة لهذه المادة، موضحا أن مفهوم المادة يعني أن هناك مصادر تشريعية أخرى، موظفاً تصرفات اليسار العربي الراسخة في الأذهان طيلة ثلاثة عقود، ومستحضرا مواقفه من الدين والشريعة وأنه موقف علماني حاد وفيه نزق وطيش تجاه قيم المجتمع، مستغلا تصريحات صحفية ليساريين من العيار الثقيل أنكروا فيها العقوبات الشرعية.

ــ هل كان الهدف الإستراتيجي المعلن من قبل تجمع الإصلاح هو رفض تلك المادة الدستورية كونها تتصادم مع الشريعة الإسلامية فقط؟

ــ الهدف غير المعلن في نظري ومعي عددٌ من المفكرين يساريين وإسلاميين أن الإصلاح من خلال معارضته للمادة الثالثة من الدستور سعى إلى تحقيق هدفين: الأول، معارضة المادة كونها فتحت ذريعة لإدخال تشريع يناقض تشريعات الإسلام. والثاني (غير المعلن)، وهو أن الإصلاح استغل الموقف فضرب والحديد ساخنا، مرسخا مفهوم بناء الدولة في اللاوعي الجماهيري، ذلك أن الدولة لا بد لها من دستور، وهذا ما لا تعرف أهميته الغالبية من المتعلمين ناهيك عن القبيلة. إذن، فالجميع يرفضون الدستور العلماني، وفي الوقت ذاته استطاع خطاب الإصلاح الصدع تصريحا وتلميحا، مطالبا بدستور موافق للشريعة.

وعليه، فقد نجح الإصلاح، حيث ضرب عدة عصافير بحجر واحد، وهي:
أ- إزالة نوابت الثقافة المترسبة تجاه الدستور وبناء الدولة.
ب- إحلال المفهوم البديل للدستور مفهوما إيجابيا.
ج- رسخ لدى المجتمع أن التدين السليم هو الذي يخدم مصالح الإنسان في كل مجالات الحياة.
د. رسخ في الوعي المجتمعي أن الإسلام بمقاصده وغاياته كفيل بتلبية كل مصالح الأمة.
هـ- رسخ المفهوم الحقيقي للتعددية السياسية بأنها تعني الاستماع لصاحب المصلحة الحقيقية وهو الشعب.
و- رسخ مفهوم التغيير السلمي عمليا من خلال مسيرته التي لم تشهد اليمن قبلها مسيرة بتلك الكثافة وذلك النظام والانضباط.

خطوة عملية جديدة:

ــ شارك تجمع الإصلاح في أول انتخابات بعد الوحدة في ظل تعددية سياسية، علما بأن الدخول في هذه المشاركة قد لاقى اعتراضات داخل الحزب ليست بالهينة، لكن المؤمنين بالفكرة كانوا أكثر في موقع القرار.

ــ عززت هذه الخطوة العملية جانبا من الثقافة السياسية في الوعي المجتمعي نحو بناء دولة المواطنة.

سادسا: وثيقة العهد والاتفاق

1ــ دخل الحزبان، المؤتمر والاشتراكي، في أزمة حادة ألقت بظلالها القاتمة على جوانب الحياة المختلفة.

2 ــ بعد جهود توصل الطرفان إلى فكرة إقامة لجنة الحوار الوطني ينضوي تحتها كل أطياف العمل السياسي والمنظمات والنقابات بل والمثقفون والمستقلون.

3ــ شارك تجمع الإصلاح في لجنة الحوار الوطني بفاعلية ومسؤولية، سعيا منه إلى ترسيخ العمل الديمقراطي وبناء دولة المواطنة المتساوية، كون الدستور يعاني من فجوات سياسية أملتها صراعات الحزبين الحاكمين.

4ــ أثبت ممثلو الإصلاح في الحوار أن الإصلاح يسعىٍ بقوة وجدّية نحو بناء الدولة ولو اقترابا مما توصلت إليه التجارب العالمية ديمقراطيا.

5ــ خرجت وثيقة العهد والاتفاق بصورة أكثر إيجابية نحو بناء الدولة والتي تعني مزيدا من الاستقرار والتنمية وخدمة الوطن، غير أن غرور القوة الجاهلة اتجه بها إلى الحرب فوئدت وثيقة العهد والاتفاق، ليعود الحاكم الفرد المتسلط الذي سعى جاهدا نحو تجميد الديمقراطية.

6ــ أثبت تجمع الإصلاح للشعب أنه يريد بناء الدولة، ذلك أن ممثلي الإصلاح في لجنة الحوار الوطني كانوا يظلون مع ممثلي الحزب الاشتراكي حتى آخر اللحظات، في حين أن ممثلي حزب المؤتمر وغيرهم يكونون قد انصرفوا مبكرين.

7ــ أثبت الإصلاح من خلال مشاركته في الحكم فى الائتلاف الثلاثي قبل حرب 1994 وكذا في الائتلاف الثنائي بعدها، سعيا منه إلى تحمل جزء من العبء المتراكم، علما بأن مشاركته الثنائية كانت أشبه بمجموعة داخل غرفة زجاجية لا يخرج منها أي همس، فمجموعة حزب الحاكم تتحدث خلف الزجاج، والإصلاح من وراء الزجاج يشاهد حركة أفواه لا غير.

8 ــ قدم الإصلاح رؤيته في المشاركة الثنائية أكد فيها على بناء الدولة المتمثل في التعددية والتداول السلمي وحرية المعارضة البناءة وحرية التعبير، وعدم احتكار وسائل الإعلام وتوظيفها لصالح جهة بعينها، والسعي نحو بناء اقتصاد وتنمية.

باختصار، مفهوم بناء دولة المواطنة كان قد ترسخ في الوعي الشعبي خلال سبع سنوات من الوحدة إلى حد إيجابي.

9ــ اقترح الإصلاح إقامة انتخابات رئاسية مباشرة:
في عام 1999م، اقترح الإصلاح إقامة انتخابات رئاسية مباشرة، والهدف هو تعزيز الثقافة السياسية النوعية لدى المواطن بأن من حقه كمواطن أن يختار من يمثله بطريقة حرة ومباشرة، والبعض فسر هذا تفسيرا مخالفا، لكن المهم هو أن الإصلاح كانت فكرته إيجابية.

سابعا: قيام اللقاء المشترك

تغولت السلطة الحاكمة، متجهة نحو تجميد العملية الديمقراطية، وعملت على إدخال تعديلات دستورية عام 2001، تعديلات دمرت الهامش الديمقراطي، مستغلة الأغلبية البرلمانية حيث أعطت الرئيس 32 صلاحية.

كما أن الصلاحيات الأخرى التي ليس لها مكان في الدستور فقد تم إحالتها بنصوص دستورية صريحة إلى القانون الذي تم تفصيله مسبقا عام 1996م.

ــ هنا أثبت تجمع الإصلاح مع اللقاء المشترك موقفا مسؤولا إزاء بناء الدولة، حيث قدم اللقاء المشترك رؤيته في إصلاح النظام السياسي للدولة عام 2005.

كانت هذه الخطوة متقدمة في الجانب السياسي، سيما جانب بناء الدولة، كما عززت الدور الجاد والفعال للمعارضة والذي طالبت فيه بشراكة سياسية حقيقية.

غير أن اللغة كانت أكثر دبلوماسية وغير مستفزة إلى حد كبير، التزاما بالخط العام وهو النضال السلمي، لكن الفساد الأعلى كان متجها إلى خلع العداد لاهثا وراء استئناف العودة إلى الكرسي عبر دورتين جديدتين، وكل دورة مدتها سبع سنوات، ثم وفي أفضل الأحوال سيعقبهما التوريث.

ثامنا: ثورة فبراير ضد تجميد الديمقراطية

1ــ كانت لوحة فنية عكست حسا حضاريا وتعايشا فريدا في الوسط الشبابي الثائر سلميا.

2ــ عكست ثورة فبراير السلمية نضوجا ورشدا عقليا ظاهرها التلقائية، ولكنها في ذات الوقت محددةً سقف المطالب السياسية، كون التراكم الثقافي قد بدأ يؤتي ثماره التي أنضجها عقدان من الزمن.

سنون عجاف من الانحطاط السياسي بكل صوره، الفساد والنهب والفوضى واللامبالاة وانتهاء بالتوريث وتجميد الديمقراطية ومصادرة النظام الجمهوري والإرادة الشعبية.

3ــ خرج الشباب بثورتهم السلمية دون انتظار لأحد. قد يقول قائل إن هذ الشباب حزبي، ولكن مع احترامنا لهذا القول نقدم دلالتين:
أ- شباب حزبي نعم ولكنه خرج بدون إذن من قياداته الحزبية.
ب- لم يكن كل الشباب حزبيا، فالشباب المستقل كان له حضور قوي، هذا من جهة. ودليل ثالث هو أن أقوى المعارضة والأحزاب في الشارع اليمني هي تكتل اللقاء المشترك، هذا التكتل دعا أنصاره وجماهير الشعب مؤخرا للالتحاق بالساحات الحاضنة للثورة الشبابية السلمية.

تاسعا: الحوار الوطني

1ــ اتجه الزعيم السفاح بمجازره الإجرامية ضد الشباب السلمي التي حصلت ولا زالت تذبح أبناء الشعب، وكعادته أرسل مبعوثه إلى قيادة اللقاء المشترك يحمل مبادرة من 8 نقاط، فجاءت إجابة قيادة المشترك المستندة إلى الشعب في الساحات قائلة: قل للزعيم يتنحى ويسلم الحكم نهاية عام2011.

2ــ من يصدّق أن الساحات جمعت كل أطياف الشعب بمن فيهم القبائل، بل وذوو الثأرات.

3ــ انضم وجهاء القبائل إلى ثورة الشباب السلمي، وهذا له دلالات كثيرة، أهمها وأعظمها على الإطلاق نضوج الجيل الذي تربى على التعايش والطموح إلى التغيير بالوسائل السلمية وبناء دولة المواطنة المتساوية.

أكتفي بهذه الدلالة ذات الصلة الجوهرية ببناء الدولة.

4ــ لجنة الحوار الوطني: قدم تجمع الإصلاح من خلال خطواته العملية الجادة اتجاه بناء دولة المواطنة:

أ- اكتفى بأقل الأعضاء ممثلين عنه علما بأنه أكبر الأحزاب على مستوى الساحة اليمنية.

ب- قبل الإصلاح مع اللقاء المشترك أن يشارك الحزب الحاكم بنسبة 50% من أعضاء لجنة الحوار، والهدف هنا إنجاح الحوار.

ج- وافق المشترك بدخول مليشيا الحوثي في لجنة الحوار في حين أنها تحمل السلاح الثقيل والخفيف محاربةً في كل اتجاه ضد الدولة والمواطنين وتنسف المنازل ودور القرآن والمساجد، وتقتحم المناطق في الجوف ومأرب والبيضاء وأرحب وهمدان وعمران وغيرها.

ومع أن هذا التصرف الشاذ للمليشيا والذي يتنافى مع أبسط مبادئ الحوار، لكنه وجد أن المجتمع الدولي قد غض الطرف.

ومع ذلك فقد قبل الإصلاح ومعه تكتل المشترك بمشاركة الحوثي، وكان الهدف هو الاتجاه نحو إنجاح الحوار الوطني الرامي إلى بناء دولة المواطنة.

د- كانت مظالم صعدة ومظالم الحراك الجنوبي الأقوى صوتا داخل لجنة الحوار وقد لاقت هاتان المظلمتان دعما بكل الطرق من الإصلاح ومعه المشترك، وأخذتا حقهما من تحرير الحقوق كما أراد التكتلان.

عاشرا: حكومة الوفاق

1ــ شارك الإصلاح في حكومة الوفاق بأقل القليل، أربعة وزراء، تاركا المجال للقاء المشترك والمستقلين، بل لم يعترض على نسبة 50% من الوزراء للحزب الحاكم.

2ــ لم يتحدث الإصلاح عن المحافظين ومدراء العموم في مكاتب المحافطات ومدراء المديريات والذين هم تبعا للحزب الحاكم 100%.

حادي عشر: الانقلاب على الشرعية

1ــ ترقب المجتمع اليمني بفارغ الصبر انتهاء لجنة الحوار، كي يخرج الشعب إلى حكومة جديدة تخفف من معاناة الشعب التي كرسها الفساد، غير أن المفاجأة كانت انقلابا عفاشيا بجيشه العائلي وأمنه على الشرعية ولكن بقفاز مليشيا الحوثي.

2ــ محاصرة الرئيس الشرعي المنتخب توافقيا من الشعب.

3ــ طالبت المليشيات الحوثوعفاشية من المشترك التوقيع على اتفاق السلم والشراكة، فلاقى هذا الطلب موافقة سريعة وتم التوقيع على السلم القاتل والشراكة.

ثاني عشر: الوقوف مع الشرعية والتحالف

1ــ كان للتحالف موقفا مشكورا ضد مليشيا الانقلاب، مساعداً الشرعية السياسية، ساعيا إلى دحر الانقلاب واستعادة الشرعية.

2ــ وقف تجمع الإصلاح مع التحالف بجانب الشرعية، مجندا عناصره في المقاومة الشعبية من اللحظات الأولى التي بدأت مليشيا الحوثوعفاشية عربدتها في المناطق.

3ــ لاقى أعضاء الإصلاح قتلا وتنكيلا واعتقالا وتشريدا وإخفاء قسريا وتعذيبا حتى الموت.

4ــ صحيح أن هذا الإجرام الحوثوعفاشي المليشاوى طال شخصيات غير إصلاحية، لكن الإصلاح تضحياته أكثر نظرا لحجم حزب الإصلاح الديمغرافي.

ثالث عشر: ها هو الإصلاح يخوض الكفاح الشعبي المسلح في صفوف المقاومة والجيش الوطني طيلة أربع سنوات دفاعا عن الشرعية السياسية واستعادة للدولة ولن يتوانى ولن يبخل بالمال والرجال في سبيل تحقيق دولة المواطنة المتساوية ورفضا للسلالية والاستعلاء العنصري، وصولا إلى إقامة اليمن الاتحادي الديمقراطي تنفيذا لمخرجات الحوار التي أجمع عليها ممثلو الشعب.

لقد قدم الشعب الكثير من أبنائه نصرا للشرعية، شهداء وجرحى ومعاقين ومعتقلين، غير أن الإصلاح تصدرت قائمته العدد الأكبر في هذا الصدد.

تلك هي أهم وأبرز الخطوات العملية التي قدمها الإصلاح في سبيل بناء دولة المواطنة.

المحور الثالث: المعوقات (خطوات جادة وسط معوقات معقدة)

اختار الإصلاح طريق بناء دولة المواطنة من وقت مبكر وسط معوقات متشابكة ومعقدة مختلفة الجوانب والمراتب، وتجنبا للإطالة ساذكر أبرز المعوقات وهي في نظري ثلاث معوقات يتفرع عنها عدد كبير من المعوقات.

المعوق الأول: الأمية الحرفية والفكرية

وحتى يصل القارى إلى حجم هذا المعوق، نورد هذا الرقم وهو رقم صحيح صادر عن جهة رسمية أيام رئاسة الحمدي رحمه الله، حيث تم إجراء تعداد سكاني عام 1975م فبلغ عدد المتعلمين في الجمهورية العربية اليمنية 17%، يعني الأمية الحرفية 83%. أترك التعليق للقارئ.

المعوق الثاني: غيبوبة حضارية فقهية

والمقصود هنا أن العقل الفقهي عاش ولا زال أغلب المتفقهين يعيشون غيبوبة حضارية بكل ما تحمله كلمة غيبوبة من معانٍ، فالعقل الفقهي يعاني وباء التقليد للماضي متشبثا به، والسبب الأبرز هو الجمود الفقهي والذي أنتج أزمة فكرية بل وغيبوبة فقهية حضارية، حيث إن الشعب اليمني مسلم فمعياره الثقافي هو عقل الفقيه.

وعليه فهذا المعوق مركب ومعقد ومتشابك ثقافيا ودينيا وقبليا وسياسيا... إلخ، إذن فهو أخطر المعوقات.

المعوق الثالث: تجربة اليسار العربي

ــ ارتكب اليسار العربي حماقات أدت إلى فشل تجربته، ولا مجال هنا لاستعراض الأسباب.

باختصار، اتجه اليسار العربي إلى الإصلاح الثقافي في المجتمع العربي من خارج ثقافته فأسقط روشتةً جاهزة من واقع مغاير 100%، فكانت النتيجة خدشا لضمير المجتمع، فلاقى اليسار العربي إعراضا شعبيا فأصبح معزولا. وحسب تحليل للصحفي العربي "منح الصلح"، فإن اليسار العربي فقد دعم 80% من الشعب، وظل عاكفا على نخبويته.

الخاتمة:

ــ مثّل بناء الدولة هاجسا مقلقا لدى حركة الإصلاح منذ ثلاثينيات القرن العشرين.
ــ سعت حركة الإصلاح إلى التغيير السلمي متمسكة بمبدأ التعايش، مقدمةً أفكار التغيير والإصلاح في حدود المتاح ظرفيا وسياسيا وقانونيا واجتماعيا.

ــ كان العامل الأبرز الذي ساعد الإصلاح في خطواته نحو التغيير وبناء الدولة هو: التعايش والتغيير السلمي، دراسة الخارطة، تحديد أولويات التغيير مدخلات وإجراءات عملية مقبولة في الأفق الاجتماعي والثقافي والفكري... إلخ.

الحصاد:

1ــ خرج الشعب اليمني بما في ذلك القبيلة، مطالبا بالتغيير ملتزما السلوك المنظم، وهذا غير المعهود قبليا.

2ــ ترويض العقلية المتفلتة المتسيبة والكارهة للنظام وتحويلها إلى عامل تغيير سلمي ينشد بناء الدولة والمواطنة.

3ــ ابن القبيلة يقتل في حركته الثورية السلمية، غير أن القبيلة تحلت بضبط النفس.

4ــ خلال خمسة عقود من الجمهورية، تم توجيه الضربات ضد القبيلة ووصمها بالتخلف... إلخ المفردات.

لكن اليوم نقول: تعال يا عالَم، ها هي القبيلة تعكس أروع صور الانضباط والنظام والتنظيم والأمن والقانون والإخاء المجتمعي في أروع وأنصع صور الالتزام والانضباط (مأرب نموذجا).

5ــ أعلى وجوه القبيلة يدخل لجنة الحوار الوطني، خصوصا لجنة مظالم صعدة، وكانت رئيسة لجنة صعدة امرأة. أرأيتم فن الترويض من داخل الأفق الإسلامي؟

فهل نجح الإصلاح؟ وهل تجلى صدق الإصلاح في أنصع صفحات الصدق في خطوته تجاه بناء الدولة؟

نلتقي مع الخطوة الثالثة بعونه سبحانه "الإصلاح والشراكة".

كلمات دالّة

#الاصلاح