الخميس 25-04-2024 22:18:39 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

سليمان الأهدل.. عالم زبيد وشاعرها الأكبر في ذمة الله

الجمعة 08 مارس - آذار 2019 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت/ الصحوة نت

 

 

قاسٍ هو الموتُ حين يسلبنا أغلى ما لدينا وينصرف بمعية أناسٍ كانوا جداول الحياة، وحقولها المعطاءة، أناس جعلوا أعمارهم أوعية للخير فحمّلوها من حصاد العمر ما يطيبون به سيرة ومسيرة، وما تطيب به الدنيا من حولهم في شتى وجوه البذل والعطاء، مثل هؤلاء يكفهرُّ بموتهم وجه الحياة، وتعبس الدنيا كأوحش ما تكون، وتهوي صروح شامخة:

وما كان زيد هلكه هلك واحدٍ

ولكنّه بنيان قوم تهدّما      

 رحل الشيخ سليمان الأهدل العالم الرباني، ابن زبيد الملهم والشاعر الفذ، بعد أن وهب ما استطاع تربية ودعوة وفنّا وإصلاح مجتمع.

ولد الشيخ في مدينة زبيد عام 1943م وفيها نشأ في أسرة مباركة متنقلا بين أربطتها العلمية، فدرس فيها شتى العلوم الشرعية واللغوية على جمع من علماء هذه المدينة المباركة كما درس على غيرهم، ومن أشهر شيوخه العلامة محمد بن سالم البيحاني، والفقيه أحمد بن داوود البطلح، ومحمد صديق البطاح، وتأثر كثيرا بفكر العلامة المجدد محمد الغزالي، والعلامة أبي الأعلى المودودي، ومنح معادلة جامعية أهلته للالتحاق بالسلك التربوي، فعمل مدرسا ومديرا لعدد من مدارس مدينة زبيد ومعاهدها، وتولى إلى جانب ذلك الخطابة في عدد من مساجدها، إضافة إلى حلقاته العلمية التي كان يديرها في علوم شتى في عدد من مساجد المدينة.

عُرف الشيخ الأهدل مصلحا اجتماعيا، وعند تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام عام 1982م كان من أبرز مؤسسيه، وانتخب عضوا في لجنته الدائمة، ثم عضوا في مجلس النواب، وبعد تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح أصبح أحد وجوهه البارزة، وانتخب رئيسا للهيئة القضائية في هذا الحزب، وقد عُرف في مختلف هذه المناصب مدافعا عن الحق، محاربا للقبح كيفما كانت أشكاله ومسمّياته.

كما عُرف الشيخ الأهدل شاعرا مجيدا وأديبا بارزا له مع الشعر والأدب صولات وجولات، وكانت قصائده تزين مختلف الفعاليات التي يحضرها، وله مساجلات ومطارحات شعرية مع عدد من شعراء اليمن، تنتمُّ عن شاعر قدير، يجيد الرسم بالكلمات صورا شعرية في غاية من الإدهاش والإمتاع مع الحفاظ على المعادل الرسالي في كل قصائده، فليس ثمة نص شعري كتبه إلا وفيه دعوة خير، أو إرشاد، أو إيقاظا للأمة، أو تغنيا بأمجاد الإسلام، وقد ضمّن بعض ذلك ديوانه المطبوع (أغاريد تهامية ونفحات أهدلية) الذي صدر عن دار البشائر في الأردن عام 2005م، على أنَّ للشيخ الأهدل مئات القصائد التي تكفي لطباعة مجموعات شعرية أخرى لا تقل روعة وجمالا عما صدر في نفحاته وأغاريده.

في شخصية الشيخ الأهدل تجتمع البساطة في أبهى حللها والعظمة في أزهى تجلياتها، فهو إنسان مسكون بالجمال، ذو عاطفة جياشة، يشعر الجالسُ إليه أنه يجلس إلى صديق ودود محب، وهو إلى ذلك مفكر عميق الرؤية، مستقيم المنطق، قوي الاستدلال، يؤمن بالحوار، وكان كثيرا ما يدعو إلى الإصلاح في شئون الحياة عموما وإلى إصلاح التعليم والقضاء، فالأول مرهون بإخراج الأجيال المتسلحة بالعلم والوعي والمعرفة، والثاني جدير بتحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع.

رحم الله الشيخ الأهدل فقد جاء موته محزنا في هذا الوقت العصيب الذي تحتاج فيه اليمن إليه وإلى أمثاله لتخرج من دوامة الموت، ومتاهات العنف، وعزاؤنا أنه ترك أثارة من علم وأسفارا من أدب سيظل تأثيرها ما بقيت الحياة.