السبت 20-04-2024 11:34:01 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات

الخميس 07 مارس - آذار 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص - أ. عبد العزيز العسالي

  

الخطوة الأولى: الإصلاح والتعايش

مدخل:
ــ إصلاح المجتمعات فكريا وثقافيا ليس بالأمر السهل، ويكفي أن طريق إصلاح المجتمعات ناح فيها نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، وقذف بالخليل إبراهيم في جحيم مشتعلة، وقتل فيها أنبياء كثر ونفي آخرون.

ــ العقلاء التواقون إلى إصلاح المجتمعات، إن لم يستفيدوا ممن سبقهم فحصادهم هو الفشل والإخفاق.

ــ التجمع اليمني للإصلاح
خاض تجربته الإصلاحية مستفيدا من دعوات الأنبياء والمصلحين، ذلك أن دعوات الإصلاح المجتعي هي علاج، والعلاج يسبقه تشخيص دقيق كي تتسق طريقة المعالجة مع أولويات العلاج والمرونة في التعامل مع الواقع المعاش.

وبدون تشخيص وتحديد أولويات العلاج وطرق المعالجة فإن الإصلاحات هنا ستكون أشبه بالمسافر الذي يجهد نفسه ليل نهار، فلا أرضا قطع ولا الدابة متعافية.

ــ تجمع الإصلاح كغيره من قوى التغيير والإصلاح في سائر البلدان عموما واليمن خصوصا، انطلق من بيئته مستلهما تجارب الآخرين. وفي هذه السطور سنسلط الضوء حول زاوية من زوايا الإصلاح المجتمعي المتمثلة في "بناء دولة المواطنة".

انطلاقا من الرؤية المنهجية التي اختارها التجمع اليمني للإصلاح، تنظيرا وتطبيقا، علما بأن الدراسة حول بناء دولة المواطنة اقتصرت على ست خطوات في طريق بناء دولة المواطنة، جاعلين الخطوة الأولى تحت عنوان "الإصلاح والتعايش".

بعون الله سيتم تقسيم هذه الحلقة إلى المحاور التالية:

- المحور الأول: التعايش في الجانب النظري.
- المحور الثاني: التعايش في الجانب التطبيقي.
- المحور الثالث: المعوقات.
يلي ذلك تنويه.

المحور الأول: الجانب النظري

ــ نصت أدبيات الإصلاح، ابتداء من النظام السياسي وكذلك مخرجات مؤتمراته العامة الاعتيادية والاستثنائية (بيانات وتوصيات) وكذلك الصحف التابعة له ومناهجه التربوية، على التعايش والتغيير بالحكمة والإصلاح بالتي هي أحسن.

سنقدم الشواهد النظرية من النظام السياسي كأبرز مرجع، ثم وثائق المؤتمرات إن استدعى الأمر، موضحين للقارئ أننا لن نذكر الصفحة تحديدا نظرا لتداخل السياقات وتشابك الأفكار، الأمر الذي يصعب معه دقة التنصيص الأكاديمي الصارم، فنقول:

ــ تكررت الفقرات في النظام السياسي للإصلاح في صفحات عدة من مقدمة النظام السياسي مشيرة بوضوح إلى:

1ــ أن التجمع اليمني للإصلاح هو امتداد لحركة الإصلاح الديني والثقافي والفكري والسياسي والتي بدأت في القرن الثامن الهجري ممثلة بالعلامة المجدد محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله، مرورا بالفقيه العلامة المُقبلي رحمه الله في القرن العاشر، وكذلك الأمير الصنعاني رحمه الله، وانتهاء بالشوكاني رحمه الله.

2ــ أن حزب الإصلاح هو أيضاً امتداد لحركة الإصلاح في القرن العشرين والتي بدأت في عام 1938 تحديدا بقيادة الوريث والمطاع والزبيري وغيرهم، والتي انتهت بصياغة برنامج الإصلاح الذي تم تقديمه للإمام يحيى حميد الدين وصولا إلى صياغة دستور 1948م.

3ــ التنصيص الواضح على التغيير والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة. (النظام السياسي لتجمع الإصلاح، ص14ـ 28. وثائق المؤتمر الأول 1994، ص1).

4ــ تنوعت الصيغ اللفظية المؤكدة على التغيير بالحسنى في عموم المجتمع اليمني وأن شعار تجمع الإصلاح إزاء الرأي المغاير أو المذهب هو "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".

النتيجة:
من خلال ما سبق يمكننا القول إن تلك الشواهد وغيرها الكثير تدل بالفحوى والمفهوم والدلالة أن التعايش مبدأ أصيل بل ركن ركين في المنهج النظري لتجمع الإصلاح فكريا وتربويا وثقافيا واجتماعيا، وهو كذلك مبدأ وهدف في الجانب العملي التطبيقي كما سنوضحه لاحقا.

ــ بكلمة، تعايش سلمي ورفض للخطأ ومحاولة إصلاحه بالحكمة.

المحور الثاني: التطبيق العملي لمبدأ التعايش

ــ قلنا إن الأدبيات نصت على أن تجمع الإصلاح هو امتداد لحركة الإصلاح من القرن الثامن الهجري، وهذا الامتداد للرؤية الإصلاحية للمجتمع يعني:
1ــ أن الإصلاح المجتمعي المبكر في اليمن كان سلميا.
2ــ أن الإصلاح المبكر كان متعايشا ومصلحا في آن.
3ــ انطلق تجمع الإصلاح في عملية الإصلاح المجتمعي من مقاصد القرآن الآمر أن يكون التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة.

4ــ أن التغيير يكون بعد تشخيص الحال المجتمعي تشخيصا دقيقا محددا نوع جرثومة المرض ومن ثم المعالجة، حتى لا يكون الانشغال بالعرَضِ على حساب المرض.

5ــ أن العلاج يأتي وفق برنامج أولويات، زمانا ومكانا، ثقافة وسياسة واجتماعا.

ما الذي يهز العالم؟
إذا تساءلنا مع فلاسفة الاجتماع قديما وحديثا: ما هو التصرف الذي يهتز له العالَم؟ سيأتينا الجواب: الشيء الذي يهز العالم هو "الفعل"، ولا غرابة هنا، أوليس القرآن يشنع ماقِتاً غياب الفعل قائلا: {لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

تعالوا بنا نتتبع جانب الفعل التطبيقي لهذا المبدأ عند تجمع الإصلاح، وهل تم تجسيد تعاليم القرآن الآمرة بالتي هي أحسن؟ وهل تجمع الإصلاح اتسقت سلوكياته تنظيرا وتطبيقا؟ وهل حركة الإصلاح الفعلية رسخت مبدأ التعايش؟

ــ انطلقت حركة الإصلاح اليمنية في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين (1938م)، وكانت حركة تجديدية بما يتناسب والظروف يومها، وقد بدأت حركة الإصلاح والتغيير جاعلة من التعايش مبدأ راسخا سالكةً أسلوب الإصلاح بالحكمة وبالحسنى، وذلك على النحو التالي:

1ــ تقديم برنامج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الإمام يحيى حميد الدين، والذي تضمن لطافة العبارة والتذكير والموعظة الحسنة، مشيرا إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه شعب اليمن، مطالبا بالإصلاحات الممكنة.
2ــ قوبل البرنامج بالتجاهل تارة وبالرفض تارة والاستفزاز والاعتقال تارة.
3ــ حركة الإصلاح لم يستفزها موقف الحاكم، وإنما استمرت محاولات التغيير بالأسلوب ذاته (الحكمة والموعظة الحسنة).
4ــ دستور 1948م وبحضور الفضيل الورتلاني رحمه الله، فقد تم صياغة دستور إصلاحي.

عدم التصادم مع الحاكم

5ــ اتفق الجميع أن يكون إعلان الدستور بعد وفاة الحاكم العجوز.
ــ هكذا كان التفكير تجسيدا للتعايش وثورة تغيير لكن بالحسنى والسلمية.

باختصار، حادثة اغتيال الإمام أطاحت بالثورة الدستورية السلمية وكان الثمن كبيرا وغالٍ جدا، قتلاً وسجنا وتشريدا وهدما للمنازل و"خطاط" عسكري ظالم طال المجتمع.

ما يهمنا هو أن حركة الإصلاح لم تنتقل إلى مربع العنف أبدا.

ثورة 26 سبتمبر 1962م

6ــ شخصيات من حركة الإصلاح عام 1948 كانت حاضرةً عند قيام ثورة 26 سبتمبر، وفي طليعتهم الزبيري والإرياني والنعمان والدعيس وغيرهم الكثير.

7ــ كانت هذه الشخصيات تمثل تيار الجمهورية المدني،
مقابل تيار الجمهورية العسكري.

8ــ دخلت ثورة سبتمبر في نفق الحرب داخليا ومع الجيران، والحرب مع الجيران كانت مرفوضة عند هذه الشخصيات.

9ــ ظل التعايش حاضرا لدى تيار الدولة المدنية والذي
استمر متمسكا بالتعايش وخط التغيير بالحسنى، ومكافحاً مع حكومة العسكر دفاعا عن الجمهورية، غير أن صوت التغيير بالحسنى لم يجد آذانا صاغية.

10ــ اتجاه التيار المدني إلى الفعل الإصلاحي تمثل في انعقاد مؤتمر عمران والخروج بدستور يغطي فجوات الدستور المعطل عند العسكر، هذا الدستور اتفقت عليه قوى التيار المدني بما فيهم الوجهاء والقبائل.

ــ كان هذا التصرف مستندا إلى أهداف ثورة 26 سبتمبر، والتي منها إقامة حكم ديمقراطي يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.

11ــ قدم التيار المدني ضريبة كبيرة في هذا الصدد تمثل في اغتيال الزبيري وعبده محمد المخلافي رحمهما الله، وأيضا شهداء آخرين رحمهم الله جميعا.

ــ ولأن تيار الإصلاح المدني متشبعا بروح التعايش والدعوة بالحسنى فقد ظل هذا التيار متمسكا بمبدأ التعايش والتغيير السلمي رغم تلك المواقف المستفزة والأوجاع.

ــ من المعروف أن العقلية القبلية أساسها العنف ومع ذلك استطاع تيار المدنية كبح جماح التفلت القبلي والتعايش معه ومع العسكر في آن.


الجمهورية الثانية:

12ــ سير الأحداث الإقليمية أدى إلى صعود التيار المدني إلى الحكم.

13ــ كان الدستور الدائم لليمن قد نص على تحريم الحزبية، وهنا لا مجال من التعايش والتغيير بحسب المتاح دستوريا.

حركة الإصلاح في طور جديد:

14ــ في ظل الجمهورية الثانية اتجهت حركة الإصلاح مبلورة اسمها الجديد بالحركة الإسلامية فأسهمت في بناء الدولة بحسب المتاح دستوريا، وترسيخا لمبدأ التعايش والإصلاح التدريجي، حيث شاركت في:

أ- صياغة الدستور اليمني انطلاقا من أفق الشريعة الإسلامية تجسيدا لبناء دولة المواطنة.

ب- أسهمت في بناء قانون التعليم وبلورة الكتاب المدرسي.

ج- السير في طريق التوعية المجتمعية عبر التوجيه والإرشاد، متعايشة مع التدين الموجود داعية إلى الإصلاح بالحكمة بعيدا عن التزمت وعنف الخطاب.

د- ساهمت في قيام المجلس الوطني (مجلس الشورى).

15ــ ولأن حكومة الجمهورية الثانية كانت قد وصلت إلى تسوية سياسية انتهت معها الحرب الداخلية ومع الجيران، فقد عاد الكثير من فلول الملكية مشاركين في الحكومة، غير أن الحركة الإسلامية ظلت ماضية في طريق التوعية بالحكمة مجسدة مبدأ التعايش مع الجميع في ظل الدستور والقانون.

16ــ حصل استفزاز من بعض اليسار، خادشا قيم المجتمع، بل مارس اعتقالات تعسفية ضد بعض أفراد الحركة الإسلامية، ومع ذلك ظلت الحركة الإسلامية متمسكة بالمبدأين: التعايش والتغيير بالحسنى.

شاهد أقوى:

17ــ تمكنت الحركة الإسلامية من المشاركة الفاعلة في جهاز التوجيه والإرشاد (وزارة الأوقاف)، ومع ذلك لم تستخدم نفوذ الموقع، فقد التزمت الخط العام، التعايش والتغيير بالموعظة الحسنة.

الجمهورية الثالثة:

18ــ أراد الرئيس الحمدي رحمه الله الاستعانة بكل القوى، فعمل على تطوير المدرسة العلمية لتخريج قضاة، كما استحدث المعاهد العلمية، وقد شاركت عناصر الحركة الإسلامية في هذين المجالين إلى جانب التوجيه والإرشاد مرسخة مبدأ التعايش في ظل الدستور، بل حصل أن الحمدي حل البرلمان وعلق الدستور، لكن الحركة الإسلامية ظلت في خطها العام، التعايش والتغيير بالحكمة.

الجمهورية الرابعة:

19ــ اشتدت الحرب الباردة بين الشرق والغرب وكان اليمن الشمالي في إطار القطب الغربي واليمن الجنوبي في إطار القطب الشرقي.

20ــ انفجرت الحرب الداخلية ضد السلطة والدستور، وهنا شاركت عناصر من الحركة الإسلامية في إسناد الحكومة الشرعية ضد التيار الذي استخدم العنف في سبيل فرض فكرة اليسار، هنا وقفت الحركة ضد العنف انطلاقا من الدستور.

21 ــ بعد انتهاء الحرب أسهمت الحركة الإسلامية في الإصلاح السياسي المتمثل في إقامة تنظيم المؤتمر الشعبي العام، كما شاركت بحضور لافت في صياغة الميثاق الوطني كرؤية اتفق عليها المنضوون في إطار تنظيم المؤتمر الشعبي العام وتبوّأت فيه مناصب هامة، لكن لم يسجل التاريخ أي عملية إقصاء قام بها رجال الحركة الإسلامية داخل المؤتمر.

22ــ شاركت الحركة الإسلامية في انتخابات 1988 في ظل الدستور الذي يحرم الحزبية وتقبلت النتيجة رغم ما شابها من تزوير، ومن ثم لم تنجر إلى العنف، معتبرة مشاركتها خطوةٍ في سبيل بناء دولة المواطنة.

23ــ كان للحركة الإسلامية حضورا لافتا وسط الكادر التربوي فتكونت نقابة المعلمين، وكذا نقابة الحقوقيين، كون العمل النقابي خطوة تغييرية سلمية في خط إقامة مجتمع مدني في اتجاه بناء دولة المواطنة، والمشاركة بصناعة القرار ولو في أدنى مستوياته.

قيام حزب الإصلاح:

بعد قيام الوحدة اليمنية تم الإعلان عن قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح.
ــ تجمع الإصلاح من خلال نظامه السياسي أعلن موقفه من التعددية بأنها أفضل الصيغ السلمية في تنظيم المجتمع، وأن الديمقراطية هي أفضل آلية يعبر المجتمع بواسطتها عن رأيه في اختيار ممثليه، كما سنوضح في الحلقات القادمة.

23ــ مارس الإصلاح دوره في بناء دولة المواطنة في فترة ما بعد الوحدة، فقد مارس معارضة بناءة مسؤولة، وذلك من خلال النضال السلمي إزاء بعض مواد دستور دولة الوحدة، حيث كان الإصلاح يرى أن المادة الثالثة من الدستور تتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية (مزيد من الإيضاح حول هذه النقطة في الحلقة التالية).

24ــ خرج تجمع الإصلاح بمسيرة لأول مرة في تاريخ اليمن -حشود كالسيل الهادر- ولم يسجل عليه أي تخريب أو إساءة.
ــ لم تستجب السلطات لمطلبه فاكتفى بما قدّمه في المسيرة دون زيادة.

25ــ شارك في الانتخابات الأولى في ظل التعددية السياسية وحصل علي المرتبة الثانية ولكنه تنازل عنها للحزب الاشتراكي كون الإصلاح يرى أن الهدف هو نجاح بناء دولة المواطنة ولا يهم الموقع والمرتبة، فتعايش مع الموقف بكل أريحية.

26ــ شارك في الائتلاف الثنائي بعد حرب 1994 والذي على إثره خرج الاشتراكي من الائتلاف وكان موقف الإصلاح المشاركة في تحمل العبء الذي خلفته صراعات الفترة الانتقالية والحرب.

27ــ شارك في انتخابات 1997 وعلى إثرها خرج الإصلاح من الائتلاف الثنائي متجها إلى المعارضة البناءة كما أعلن في حينه، مؤكدا أن المعارضة هدفها البناء وليس معارضة للهدم، أي أن هدفه هنا هو بناء دولة وصولا إلى الاستقرار والتنمية.

تجسيد أقوى لدولة المواطنة:

28ــ قدم الإصلاح مبادرة مثلت خطوةً مشرقة في طريق تعزيز الوعي بالثقافة السياسية تجاه بناء دولة المواطنة حيث قدم مقترحا مفاده إجراء انتخابات رئاسية مباشرة من قبل الشعب، وكانت هذه خطوة تثقيفية للمواطن أن بإمكانه انتخاب رئيس الدولة، وأن هذا الإجراء هو ملك للشعب، وفي ذات الوقت كان هذا الإجراء تجسيدا للتعايش كمبدأ من مبادئ دولة المواطنة.

ــ هناك رأي مفاده أن الإصلاح في موقفه هذا تفادى ضربة باطشة من النظام فلجأ إلى إعلان انتخابات رئاسية.

نحن هنا لا نكذب ولا نؤكد، لكن نقول هي خطوة جسدت السلمية وعدم التصادم في طريق بناء الدولة وليسمها من شاء كما يشاء.

وشاهد أقوى

29ــ قيام اللقاء المشترك:

لقد جسد قيام هذا التكتل أنصع صور التعددية والتعايش سيرا في طريق بناء دولة المواطنة، مؤكدا أنه لن تقوم ديمقراطية قوية بدون معارضة قوية، هذا التكتل جسد أنصع صور التعايش والتغيير بالوسائل السلمية، حيث انضوى فيه أقصى اليسار مع أقصى اليمين.

التجسيد الأقوى:

ــ تمخض اللقاء المشترك عن خطوة فكرية سياسية إصلاحية تمثلت في برنامج إصلاح النظام السياسي عام 2005، والهدف هنا الوصول إلى قيام نظام ديمقراطي تشاركي بعيدا عن الفردية المتغولة بصلاحياتها المطلقة والتي جمدت الديمقراطية.

ــ قدم المشترك مبادرة الإنقاذ الوطنية عام 2010، وحشد لها الرأي العام للتحاور حولها وصولا إلى تنفيذها عمليا بالشراكة مع حزب الحاكم.

30 ــ تقدم اللقاء المشترك بمرشح خاص مقابل مرشح الحزب الحاكم مجسدا مبدأ المواطنة المتساوية وأن من حق الشعب أن ينافس في تقديم مرشح للرئاسة، وأن الشعب هو صاحب القرار وأن الديمقراطية ليست هبة من أحد.

ــ تم إعلان النتيجة قبل الفرز بست ساعات مما يعني تزوير وغش، فقد كان الهدف هو استفزاز المشترك وبالذات الإصلا ح وجرجرته إلى العنف، غير أن الإصلاح
تقبل النتيجة كونه يؤمن بالتغيير السلمي فكرا وممارسة.

31ــ شارك المشترك بالحوار مع السلطة عام 2009 ولم يصل معها إلى نتيجة.

32ــ أعلن المشترك عن اعتصامات عام 2010 عُرفت بالهبّةِ الشعبية مطالبة بإصلاح الأوضاع والخدمات، ولم يسجل أي حادثة عنف أو شغب خلال تلك الهبة التي استمرت طيلة عام 2010 تقريبا.

11 فبراير:
قامت ثورة الشباب السلمية في فبراير 2011 وجاءت المبادرة الخليجية فتقبلها المشترك وارتضى بحكومة وفاق وأعطى حصانة لـ"الزعيم"، وشارك بالحوار الوطني، كونه الخط الوحيد في طريق بناء دولة المواطنة والاستقرار والتنمية والرفاه.

المعوقات:
تتجلى حكمة التطبيق التي رسخها حزب الإصلاح في مشواره النضالي السلمي من خلال التالي:

ــ أن الحركة السلمية للإصلاح على الصفة الآنفة لن تتجلى روعتها ودلالتها إلا إذا عرفنا المعوقات والتضاريس الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية والتي هي بمثابة ألغام.

هذه المعوقات تتمثل بإيجاز في ما يلي:

1ــ التخلف الثقافي الضارب الأغوار في مسارب الوعي المجتمعي منذ قرون طويلة،
فلو سألنا يساريا يمنيا: لماذا أخفق اليسار في اليمن؟ سيكون الجواب: إنه التخلف، بغض النظر عن مفهومه للتخلف. إذن، أول معوق هو التخلف.
2ــ التدين المغشوش السطحي الهش.
3ــ التعدد الثقافي الناجم عن العزلة الثقافية التي عاشها المجتمع اليمني منذ قرون.
4ــ النظام الأبوي القبلي.
5ــ التصاهر بين النظام القبلي الأبوي والنظام السياسي.
6ــ التصاهر بين حكم العسكر والتجارة.
7ــ القصور الفكري الديني والسياسي.
8ــ إكراهات سياسية متمثلة في السلطة القمعية وتوظيف الدستور ضد الرأي المخالف مهما كان سلميا، ومع ذلك فإن الإصلاح استوعب التعدد الثقافي والقبلي والفكري والتمذهب الديني في إطاره بمرونة، وقد نجح الإصلاح، حسب شهادة د. محمد عبد الملك المتوكل رحمه الله، معتبرا هذا أكبر مجسدات التعايش.

النتيجة:
ــ فترة ما قبل الوحدة: الدستور أحد العوائق إلى جانب التخلف القاتل والاستفزاز اليساري والتفلت القبلي والنفوذ الملكي.

بعد الوحدة:
ــ استبداد سياسي، وحكم عسكري متسلط مطلق الصلاحيات.
ــ عقلية الحاكم الإقصائية.
ــ تغول سلطوي حاصر كل خطوة إيجابية سلمية نحو بناء دولة المواطنة.
ــ عقلية فقهية تبرر الاستبداد وتكفر الديمقراطية.

إذن نحن أمام تعايش وخطوات بناء وسط معوقات وتضاريس ومتناقضات لا يعلمها إلا العقلاء.

بكلمة، حزب التجمع اليمني للإصلاح جسد التعايش والإصلاح السلمي تسميةً ونظريةً وتطبيقا في وسط موّار بالمعوقات على مستوى مكوناته ومع الآخر، فذلك حزبي فجئني بمثله.

** تنويه:
يحلو للبعض ممن أصيبوا بنزيف دماغي فقدوا معه الاتزان والموضوعية فكان شعارهم إلقاء التهم جزافا، انطلاقا من قناعات مسبقة وهي منامات وفذلكات معلّبة يرددونها بلا خجل على أنها حقائق، ومن أعماهم الحقد من أن يكونوا موضوعيين،
أعماهم الحقد فأصبحوا لا يفرقون بين شاة وخروف، ناهيك عن عجزهم الفاضح إزاء تقديم أدنى دليل على فذلكاتهم.

والعاقل إذا وقف على كلام مثل هولاء فإنه يرثي لحالهم، لأنهم فقدوا الموضوعية، بل إن القطة إذا أفرغت بطنها فإنها تسارع إلى دفن فضلاتها، بخلاف هولاء.

** هكذا تجلى موقف الإصلاح من مبدأ التعايش، فهو لديه مبدأ وهدف، وفي ذات الوقت هو وسيلة ذات فاعلية في بلورة الخطوة التالية المتمثلة في بناء الدولة، والذي هو موضوع الحلقة القادمة بعون الله.

كلمات دالّة

#اليمن #الإصلاح