الخميس 25-04-2024 02:52:53 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المحددات الفكرية والسياسية للتجمع اليمني للإصلاح (الحلقة الأخيرة)

الإثنين 25 فبراير-شباط 2019 الساعة 09 مساءً / فهد سلطان - الإصلاح نت - خاص


مثَّل تحقيق الوحدة اليمنية بين شطري البلاد في (22 مايو/ أيار 1990م) محطة بارزة في التاريخ اليمني الحديث؛ كحصيلة لنضالات طويلة، وتتويج لحركة من الوعي استمرت لعقود وتحديداً منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر الخالدتين مطلع ستينيات القرن الماضي. وقد رافق هذا الحدث الكبير إقرار التعددية الحزبية كأساس جديد في العملية السياسية لدولة الوحدة القادمة، كما أن فكرة الدولة الجديدة بعد الوحدة تقوم على القومية اليمنية الخالصة، وهو ما سهل من عملية الاندماج والتخلص من إرث الإمامة البغيض في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب، فعادت الهوية اليمنية الخالصة بعد التخلص من نظام الحكم باسم الدين ونظام السلطنات والمشيخ أيضاً.

  

الحركة الإسلامية في عهد جديد

شاركت الحركة الإسلامية اليمنية في هذا العرس اليمني الكبير المتمثل في قيام الوحدة اليمنية المباركة، وشاركت مع باقي التيارات السياسية اليمنية اليسارية والقومية في الشمال والجنوب، فقد كان الفرح بهذا المنجز التاريخي يمنياً خالصاً لا يستطيع أن يحتكره أحد لصالحه، وكان للحركة دور فعلي وأساسي في نجاح هذه الخطوة مثل غيرها أيضاً، كما أن أدبيات الحركة الإسلامية قبل وبعد الوحدة ترى في الوحدة العربية والإسلامية أساسا متينا لتعزيز الهوية العربية والإسلامية الشاملة، ويصب أول هدف من أهداف الحزب بعد تأسيسه في (13 سبتمبر/أيلول 1990م) بـ"التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، والحفاظ على أهداف الثورة اليمنية والنظام الجمهوري، والوحدة اليمنية، والسعي لتحقيق الوحدة العربية والإسلامية الشاملة".

انتقلت الحركة الإسلامية بعريفها الجديد "التجمع اليمني للإصلاح" نحو تحقيق اهدافها النضالية السامية، وخلال هذا التوجه الجديد تغيرت بعض المسميات والمسارات تبعاً للوضع والواقع الجديد، كما توسعت الأهداف وتعمقت في نفس الوقت من حماية الهوية اليمنية الخالصة إلى خدمة المواطن اليمني في الأساس، وهذا ما يفرضه العمل الحزبي الجديد، الذي يجعل المواطن وخدمته وحماية مكتسباته وأهدافه وتحقيق الأمن والاستقرار له هو الأساس من العمل الحزبي ككل.

  

محددات سياسية

يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح حركة تغيير سياسية محلية المنشأ والجذور، وليس لها أي ارتباطات خارجية تنظيمية أو سياسية. وسبق في هذه الدراسة أن وضحنا أن التواصل وعملية التأثر والتأثير التي حدثت في فترة ما قبل ثورة 26 سبتمبر (فترة الأربعينيات والخمسينيات)، كان هذا التواصل مرافقا لأغلب التيارات السياسية اليمنية، والتي تأثرت بحركة النضال المشتعلة في بلدان عربية أخرى، إلا أن الأساس والمنبع يبقى يمنيا خالصا، وتؤكد هذه الحقيقة كل الأدبيات والبيانات السياسية الصادر عن الحزب.

  

من المركزي إلى النظام الاتحادي

كما آمن الحزب بالنظام الجمهوري واليمن الموحد معتمداً على النظام المركزي في إدارة الدولة، فهو يرى اليوم أن النظام الاتحادي (الأقاليم) يعد أهم ركائزه السياسية في العمل الوطني الجديد بعد ثورة 11 فبراير/ شباط 2011م، وهذا التوجه المثبت في مخرجات الحوار الوطني الشامل، الوثيقة التي باتت تمثل توجه أغلب اليمنيين شمالاً وجنوباً، بعد أن فشلت الدولة المركزية في تحقيق أهداف وتطلعات اليمنيين على مدى عقدين من تحقيق الوحدة، وثلاثة عقود ونصف منذ استلام السلطة من قبل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.

 

الدولة المدنية

ترفض الحركة الإسلامية اليمنية بصورة قاطعة نظام الكهنوت (الحكم الثيوقراطي)، وهي بالقدر نفسه ترفض الدولة العلمانية ذات المحددات المعادية للدين، وهي أيضاً ترفض الدولة العسكرية الصارمة، وبين هذه الثلاثة الأنظمة غير المناسبة لإدارة نظام الدولة في بلد مثل اليمن، فهي تذهب نحو الخط الوسط المتمثل في "الدولة المدنية"، ذلك النظام الذي يعتمد على النظام الديمقراطي التشاركي الضامن للحقوق والحريات العامة والخاصة.

والدولة المدنية هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. فتقوم الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، وتضمن حقوق جميع المواطنين بلا استثناء، كما لا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو أي طرف آخر، ويؤمن الحزب دوما بأن هناك سلطة عليا هي سلطة الدولة تحتكر العنف من دون الناس، وهي التي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهددهم بالانتهاك، فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.

وتقوم فكرة الدولة المدنية على مبدأ أساسي ومتين يقوم على المواطنة، والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بمذهبه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونياً اجتماعياً بأنه مواطن يمني خالص، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات، وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين الآخرين.

كما تقوم الدولة المدنية على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة.

  

الإصلاح حزب سياسي خالص

تؤكد كل أدبيات الإصلاح منذ تأسيسه وحتى اليوم بأنه حزب سياسي فقط، فلم يكن حزباً دينياً ولا يمكن في بلد كاليمن أن يكون هناك حزب ديني، إذ إن الإسلام عقيدة وشريعة هو أساس العمل الحزبي بين كل الأحزاب والتيارات في الساحة السياسية اليمنية، ويعتمد الإصلاح المرجعية الإسلامية فيما يفهمه من الدين، ويقدم ذلك وفق برامج سياسية بحتة مقدمة إلى المجتمع لانتخابه وتمثيله للناس عبر ذلك البرنامج السياسي، وهو كذلك لا يشعر أنه هنا يمثل الإسلام، ولكنه يقدم فهماً للدين يرى أنه الأنسب لخدمتهم وتحقيق الاستقرار والنهوض في حياتهم العملية.

  

رفض العنف والإرهاب

يعتمد الإصلاح السياسة بكل أبعادها في إدارة الصراع، ويؤمن بحق الآخرين في الاختلاف، ويؤمن بأن التنوع سنة من سنن الله في الكون والحياة، ويرى أهمية الشراكة في الحياة السياسية لتحقيق مصالح البلد العليا، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة ويحث عليه، وهو بالقدر نفسه يرفض العنف والإرهاب وكل ما يتصل بهما، ولم يؤطر الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم في أي أعمال عنف أو عمل على تبريرها، إنه يرفض الإرهاب بالقول والفعل من الفرد ومن المجموع، ويرى بأن النضال السلمي طريق وحيد للتغيير واكتساب للحقوق والحريات، وأن العنف دائماً يسير نحو الخراب والدمار ويشوه صورة الإسلام والمسلمين، وأن العمل المدني والسلمي فيه مساحة واسعة، وعبرها يستطيع الشخص والحزب أن يصل إلى غاياته إذا آمن بهذا المبدأ إيماناً كاملاً.

  

مبادئ عامة

ومن هذه المبادئ السابقة يؤمن الإصلاح بأن وثيقة الحوار الوطني الشامل المعلن عنها في (25 يناير/كانون الثاني 2014م) هي أفضل وثيقة وطنية تاريخية أنتجها اليمنيون في تاريخهم، وملتزم بتنفيذ كل ما جاء فيها كونها تمثل أروع صور التوافق بين كيانات الشعب اليمني.

ويؤمن الحزب بمبدأ الشراكة الوطنية وعدم الانفراد بالسلطة من قبل أي حزب ودحر الانقلاب، واستعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها المدنية والعسكرية وفق معايير وطنية صرفة هي أهم ركائز ومحددات العمل السياسي للإصلاح في الوقت الراهن. ويعتبر الإصلاح التحالف العربي بقيادة السعودية شريكا أساسيا مهما لليمن والإصلاح في دحر الانقلاب واستعادة الدولة والشرعية وإعادة الإعمار، ويعتقد بأهمية وضرورة عضوية اليمن الكاملة في مجلس التعاون الخليجي.

كما يؤمن الحزب بالشراكة مع دول الجوار وخصوصا السعودية في النظام الأمني الإقليمي، وكذا الشراكة مع المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه، وحفظ الأمن والسلم الدوليين.