الخميس 25-04-2024 08:49:11 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة ال11 من فبراير ضرورة اللحظة لا ترف المواقف

الأربعاء 13 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

مثلت ثورة الحادي عشر من فبراير ضرورة ملحة لليمن، أكثر من غيرها من البلدان العربية، فرضتها متطلبات اليمنيين ولم تكن ترفاً للمواقف أو نزقاً للشباب.
حيث مرت الثورة بإرهاصات ومحطات كانت كل محطة تدفع أختها نحو تلك الثورة، فقد كانت الحياة السياسية جامدة والدولة شبه مورثة ومجزأة كنتونات بين قوى وشخصيات نافذة، ووصلت البلاد إلى أفق مسدود بعد جولات من الحوارات والمراوغات والفذلكات التي كان يقوم بها صالح ضد بقية القوى السياسية متلاعباً بها مالكاً لكل أجهزة الدولة وسلطاتها بعد أن قضى على مؤسسات الدولة بالخصخصة أو التوريث والمصادرة وصولاً إلى التعطيل التام.

كما بدأ صالح بمشروع التوريث لنظام جمهوري يقوم على الشورى والانتخاب وخاصة بعد حرب صيف1994، وأخذ يقلص الدائرة الوطنية من حوله وحصرها على المقربين المساندين له في الوصول إلى الاستفراد بالحكم وتوريثه؛ وذلك بإزاحة الشخصيات الوطنية إما بالاغتيال أو الإزاحة والإحالة إلى التقاعد، أمثال اللواء أحمد فرج، واللواء محمد إسماعيل، واللواء يحيى المتوكل، واللواء الشيخ مجاهد أبو شوارب، واللواء علي محسن، واللواء محمد عبدالله القاضي، واللواء محسن سريع..وغيرهم، مسلماً مناصبهم إلى الأقربين في الدائرة الضيقة من أسرته (أبنائه وأبناء إخوته)، وقبلهم القوى الوطنية الأخرى الحزبية؛ كالتجمع اليمني للإصلاح، وشركائه في الوحدة؛ الحزب الاشتراكي اليمني.

فقد سلم مؤسسات وإمكانيات الدولة إلى أغيلمة مراهقين يعبثون بكل مقدرات الوطن، وانقلب على مشروع اتفاقية الوحدة وما جاءت به من ديمقراطية مؤسسية وتبادل السلطة سلمياً، حتى كان آخر ضربة يوجهها للديمقراطية هي مشروع "قلع العداد" والهبوط الحاد في العملة الوطنية واستيراد كافة السلع حتى التافهة منها التي تنتجها البلاد وارتفاع جنوني وخيالي في الأسعار وصولاً إلى انعدام المشتقات النفطية وخلق أزمات خانقة في البلد رغم وفرتها والتعاون مع الإرهاب بل وخلقه في بعض الأحيان وصولاً إلى ضرب أعمدة الكهرباء والتآمر على الجيش الوطني ودعم الحركة الحوثية الإيرانية وبإقرار رسمي منه، وحكم البلاد بالأزمات وتحولت البلاد إلى ثقب أسود يلتهم كل موارد الدولة.

كانت التباشير بثورة يمنية على ذلك الوضع قائمة منذ الانتخابات الرئاسية عام 2006، التي صادر فيها صالح كل فرصة للتبادل السلمي للسلطة، وتبنى اللقاء المشترك المعارض خيار "النضال السلمي"، واندلعت ثورة الحراك الجنوبي عام 2007 بعدما تبين أن لا فائدة ترجى من إصلاح نظام صالح أو تجاوبه لإرادة الشعب.
ولم تكن فبراير، كما يحلو للبعض تسميتها بأنها امتداد مستورد وتقليد أعمى لثورات الربيع العربي القادمة من تونس ومصر، فقد سبقت ثورة فبراير مظاهرات ومطالبات وهبات شعبية مختلفة ابتدأت في نهاية 2010 في هبات جزئية لبعض مديريات أمانة العاصمة أو في بعض المدن اليمنية كتعز وإب وعدن كنماذج تجريبية للثورة الكبرى في الحادي عشر من فبراير، وكان الشعب اليمني أكثر حاجة للثورة من الشعوب الأخرى، ومرت الأيام والأحداث وثبت للعالم أننا كنا أشد حاجة لهذه الثورة وتغيير نظام صالح لولا تقاطع الأجندة الدولية في اليمن التي لم تعمل على نجاح الثورة أو نجاح الثورة المضادة ليستفيدوا هم من وراء كل ذلك.

في الثالث عشر من ديسمبر 2010 دعا اللقاء المشترك "إلى هبة غضب شعبية متواصلة شاملة لا تهدأ إلا باستعادة خياراته الوطنية الديمقراطية المشروعة" واستمر اعتصام كتلته النيابية في البرلمان وذلك رداً على سلطة صالح وكتلته البرلمانية التي قامت يوم السبت 11/12/2010م بالتصويت ومن طرف واحد على تعديلات قانون الانتخابات والاستفتاءات العامة والانقلاب على اتفاق 23 فبراير 2009م الذي تم الاتفاق فيه بين اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام في الإصلاح السياسي والاتفاق على القائمة النسبية وإجراء الانتخابات التشريعية بعد عامين من ذلك الاتفاق، إلا أن فكرة قلع العداد يومها كانت المسيطرة على كل شيء فانطلقت أولى المظاهرات من تعز ثم تبعتها مظاهرات جزئية لبعض مديريات أمانة العاصمة كمديريتي السبعين ومعين، وكلها تأتي بعد تبني اللقاء المشترك عقب الانتخابات الرئاسية مرحلة النضال السلمي ثم انطلاق الحراك السلمي الجنوبي.

 

البدء بالثورة

بدأ شباب الثورة في مسيرات رمزية وجزئية تنطلق من جامعة صنعاء تضامناً مع الثورة التونسية ثم صدحوا بهتافاتهم لأول مرة برحيل نظام صالح في شارع جمال وسط العاصمة صنعاء وتعرضت مسيرتهم للاعتداءات واعتقال بعضهم.
ثم كانت الهبة الشعبية الكبرى في الثالث من فبراير 2011 في العاصمة صنعاء في ساحة الجامعة وبدأت كوكبة من الشباب الاعتصام هناك تعرضوا للأذى والاعتقال وتهكم الكثير من الناس عليهم والسخرية منهم أنهم مقلدون للثورتين التونسية والمصرية وأنه في اليمن لن يبلغوا ما بلغ في تونس ومصر.
وفي الحادي عشر من فبراير أثناء إعلان تنحي حسني مبارك عن حكم مصر خرج اليمنيون بالآلاف في كل من صنعاء وتعز وبدأ الفعل الثوري الحقيقي من تلك الليلة ونصبت أولى خيام الاعتصام في شارع جمال وسط مدينة تعز.

كانت القوى السياسية تدرك أن اتخاذ قرار الثورة لم يكن بالأمر الهين لما لتلك القرارات من تبعات يذهب ضحيتها أناس أبرياء وربما الذهاب بالبلد إلى عدم الاستقرار في ظل نظام أرعن لن يتردد عن استخدام القوة المفرطة والدخول في أتون صراعات وحروب، ولذلك تأخرت عن الشباب بخطوة مسؤولة وتريثت قليلاً بعد استنفاد كافة الحلول والفرص من ناحية، ومن ناحية أخرى نظراً لأنهم شركاء متشاكسون لا يشكلون طيفاً سياسياً موحداً يتربص كل طرف بالآخر وهو ما حصل لاحقاً أثناء الانقلاب.
لهذا السبب ومنذ أول لحظة تركت القوى السياسية الممثلة في اللقاء المشترك فرصة للجنة وساطة من العلماء ومن المشايخ القبليين برئاسة الشيخين الزنداني وصادق الأحمر لعمل مبادرة تقرب بين الطرفين وببعض الشروط التي تعد مقبولة وغير تعجيزية ولا تطالب صالح بالتنحي عن الحكم ومعظمها مما تم الاتفاق عليه في لجان التحاور سابقاً بينه وبينها في مجلس النواب وغيرها.

 

حيث تضمنت تلك الشروط أو المطالب خمس نقاط هي:

1- تنحي الرئيس نهاية عام 2011م، حيث كانت نهاية هذه الفترة هي نهاية ولاية علي صالح الانتخابية ولم يكن شرطا تعنتياً.
2- تغيير الدستور الذي جرى تعديله بحسب مطالب صالح نفسه.
3- وإعادة صياغة قوانين الانتخابات لضمان تمثيل عادل في البرلمان (القائمة النسبية).
4- وإقالة أقارب صالح من المناصب القيادية في الجيش وقوات الأمن. وكانت هذه النقطة كبادرة حسن نية مطلوب من صالح تنفيذها للتقارب.
5- وضمان حق الاحتجاج السلمي، وتقديم مرتكبي المجازر للعدالة.
لكن هذه المطالب قوبلت برفض تام من قبل صالح ولجأ إلى الجيش والأمن للتهديد والتلويح بالورقة العسكرية، مما حدا بعد ذلك بالتصعيد الثوري.
كانت هذه النقاط فيما بعد ضمن صلب المبادرة الخليجية التي نحت صالح فيما بعد وأنهت أزمة البلاد ولكن بعد فوات الأوان ونزيف الكثير من الدماء ودفع الاقتصاد الوطني ثمنا باهظاً.

كان حماس الشباب وخاصة المستقلين يغطي بصائرهم عن كثير من الحقائق والمآلات التي يمكن أن تؤول إليه الأمور في ظل عناد ومكابرة صالح بما عرف عنه من طباعه الشخصية في تلك الجوانب تحديداً فبدأوا بشعارات رفض انضمام الأحزاب للثورة حتى لا تسيطر على مجرياتها، وكانوا يظنون أن الثورات مجرد اعتصام في خيمة أو فعل رومانسي سينحي صالح بمجرد ترديد شعار "إرحل"، وحينما بدأت الاعتداءات عليهم من قبل بلاطجة ونظام صالح عادوا للتساؤل مجدداً: لماذا لا تلتحق الأحزاب بالثورة؟!!
قاد عناد صالح الشعب إلى انقسام وقام بتفجير حروب مختلفة واستخدم القوة المفرطة مع شباب سلميين عزل وبدأت الدماء تنزف في عدن وتعز ثم صنعاء، وسلم محافظة أبين للقاعدة كتكتيك سياسي ثم سلم معسكرات صعدة للحوثيين وبدأ التحالف الخفي بين الطرفين منذ تلك اللحظة التي أسال فيها دماء شباب الثورة في جمعة الكرامة، ليكون اليوم التالي يوم السبت في صعدة سبت كرامة أخرى حيث أسال الحوثي دماء قرابة 80 شخصاً وعائلة وتفجير بعض بيوتها، ثم بدأت توالي الأحداث لينخدع جميع اليمنيين بمقولة أو عبارة "خروج أول محافظة يمنية عن نظام صالح إلى حضن الثورة" وفي الحقيقة كانت أولى لبنات الانقلاب الحوثي الذي أخذ يتمدد بعدها إلى الجوف وحجة وشن الحروب المختلفة هناك.
يحمل بعض السياسيين مؤسسة الجيش المسؤولية فيما جرى في البلد على اعتبار أنه انقسم نصفين بين صالح والثوار غير أن الجيش حينما يكون تابعاً للرئيس لا مؤسسة مستقلة من مؤسسات الدولة وحامي البلد الأول من الطبيعي أن ينقسم ويوجد فيه من يؤيد البلاد ولا يؤمن بالأسرية أو التابعية لشخص كونه بني على أساس من هذه التبعية وهي مشكلة الجيوش الأسرية بشكل عام كما هو الحال جيش القذافي أو جيش الأسد مثلاً بعكس الجيشين التونسي أو المصري.
ولذلك حتى بعد الانقلاب من ثبت في مواجهة الانقلاب كان هو الجيش الذي تربى على العقيدة الوطنية بعكس الجيش الأسري الذي كان أحد ركائز الانقلاب وتماهى مع المشروع الحوثي الإيراني لتدمير البلاد وخراب الدولة والمؤسسات.

 

.......يتبع في الحلقة التالية

كلمات دالّة

#ثورة_فبراير