الجمعة 19-04-2024 15:33:30 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للاصلاح.. قراءة في البنية الفكرية والمحددات السياسية(الحلقة الرابعة)

الإثنين 28 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص/ فهد سلطان

 

واحدة من أبرز المحددات الفكرية للحركة الإسلامية اليمنية الفتية، والتي تنظم مسارها السياسي والفكري بوضوح، قبل وبعد الوحدة اليمنية (1990م)، تقوم على مبدأ التعاون، والتعايش، والمقاربة الفكرية والسياسية مع باقي التيارات الأخرى، ورفض الظلم وحماية الناس وحقهم في الحياة والعيش الكريم. هذا الإطار الفكري الواضح لم يمر بسلام في كل مراحله السياسية؛ لاعتبارات كثيرة يصعب حصرها والوقوف على تفاصيلها، فلم تكن كل المحطات السياسية يسودها جو من الهدوء التام، يعود ذلك لجمة من الأسباب، منها طبيعة الظروف والتحولات السياسية التي مرت بها البلاد.

غير أن ما يمكن التأكيد عليه بأنه وبعد كل أزمة سياسية ودخول البلاد في مرحلة استقرار ساسي نسبي، يختفي جانب من تلك الخلافات السياسية المفتعلة، والتي كان يغذي معظمها النظام السياسي القائم حينها.

 

محطات تاريخية

مجلة الحكمة اليمانية

مثلت هذه المجلة المبادرة الأولى التي فتحت أعين اليمنيين على واقع جديد وفكر جديد ووعي جديد، فقد كانت عبارة عن مجلة علمية جامعة صدرت في نهاية الثلاثينيات ومطلع الأربعينيات من القرن العشرين، إبان حكم الإمام يحيى حميد الدين، وقد صدر العدد الأول منها في ديسمبر 1938م من صنعاء، وصدر العدد الأخير في فبراير/ مارس 1941م، وكانت تطبع في المطبعة الوحيدة التي خلفها الأتراك، ولم تكن تستخدم إلا بإذن الإمام شخصيا. وأسهم رجال الحركة الإسلامية فيها بشكل كبير وبارز من خلال الكتابات التنويرية.

رأس المجلة عمليا السيف عبد الله، نجل الإمام يحيى، ووزير المعارف يومها، وشكليا برئاسة أحمد عبد الوهاب الوريث الذي يسمِّ نفسه بذلك؛ بل لقد أشار في أول مقاله في العدد الأول بالقول: "وقد اقترح حضرة الرئيس حفظه الله"، يقصد السيف عبد الله.

يعرف الجميع طبيعة الحالة التي كان يعيشها الشعب في تلك الفترة، والجمود والتخلف الذي كان يلف الحياة العامة، كسياسة ممنهجة من قبل الإمام، ومع هذا فقد كان للكتب التي تصل إلى اليمن منذ العشرينيات دورا كبيرا في التثقيف والتنوير، مثل كتب طه حسين والعقاد والجارم وكتاب الكواكبي "طبائع الاستبداد"، وأيضا الدوريات العامة كمجلة المنار التي كان يرأسها الشيخ محمد عبده، ومن بعده تلميذه رشيد رضا، ثم مجلة الرسالة التي رأسها أحمد حسن الزيات، وكلتاهما مصريتان بطبيعة الحال، ومجلة الحكمة اللبنانية، إضافة إلى بعض المطبوعات التي تصل اليمن من خلال رحلات الحجيج السنوية من الحجاز، وأيضا عودة البعثة التعليمية الأولى من العراق التي تبناها السيف عبد الله، كل هذه وغيرها شكلت رافدا ثقافيا وتنويريا عصريا صبغ ثقافة صنعاء بصبغة جديدة، وإن في حدها الأدنى، وكسر طبيعة الجمود السائدة آنذاك.(1)

سبق الإشارة إلى أن الحركة الإسلامية الإصلاحية اليمنية اختطت لها مساراً فكرياً ودعوياً متصالحاَ مع المجتمع، خطاب إسلامي يتسم بالاعتدال والمرونة، وهنا برزت معالمه من خلال المحطات التاريخية، والمواقف السياسية، والمناصب السياسية والتربوية التي تقلدها رواد الحركة الإسلامية، يضاف إلى ذلك جملة من المواقف السياسية.

  

ثورة 1948م الدستورية

كان الأحرار يدركون حجم المأساة التي تعيشها البلاد، وحجم الهواة التي خلفها الإمام يحي حميد الدين بين اليمن وباقي دول العالم. ومنذ بداية الأربعينيات نشطت أولى طلائع الحركة الإسلامية وخاصة تلك التي هاجرت خارج البلاد لتعود مباشرة إلى داخل الوطن تقدم النصح وبكل الوسائل السلمية الممكنة لنظام الإمام؛ كي يغير من الطريقة والنمط الذي يسير عليه في إدارة شؤون البلاد.

فقد قدمت نصائح ومبادرات كثيرة، منها "ميثاق" كتبه مجموعة من قادة الأحرار من أمثال حسين الكبسي والفضيل الورتلاني وزيد الموشكي وأحمد الشامي؛ لهدف واضح وهو "تنظيم طريقة الحكم وصلاحيات الإمام"، وهي الفكرة السلمية التي كان يرغب بها الأحرار لتجنيب البلاد ويلات الصراعات، وتسير باليمن كي يلحق بغيره من الدول العربية والإسلامية. ومن خلال الميثاق يتضح حضور رواد الحركة الإسلامية مع غيرهم من باقي التيارات الفكرية والسياسية الأخرى ضمن همٍّ واحد ومشترك، الغرض منه إنقاذ البلاد من الفقر والمرض ومن التخلف الذي ترزح تحته منذ عقود طويلة تحت حكم الأئمة.

 

ثورة سبتمبر 1962م

لا تتناول هذه الدراسة دور الحركة الإسلامية في ثورة 26 سبتمبر وما قبلها، بقدر ما تقف على دور الحركة الإسلامية في نشاطها الفكري بالدرجة الأساسية، النشاط الذي سيحافظ على هوية اليمن الأرض والتاريخ من أن تبقى تحت رحمة الإمامة البغيضة، أو تنحرف نحو مسارات أخرى تذهب بها بعيداً.

وهنا يمكن القول إن ثورة سبتمبر الخالدة كانت تتويجاً طبيعياً لكل النضالات السابقة لفترة تزيد عن عقدين من الزمن، فكرياً وسياسياً، من حركة الانقلاب في 1948 إلى انقلاب 1955 على يد المقدم أحمد يحيى الثلاثا. وبعد هذه الثورة ستدخل اليمن في طور جديد رغم الحرب العاتية التي استمرت لثماني سنوات، إلا أن ما خلفته الثورة من انفتاح فكري وثقافي ووعي سياسي لدى الناس في الداخل والخارج، كان كبيرا وحاسما إلى حد كبير.

والحق أن الوعي الفكري الذي خلفه الأحرار والتصق بهم وبحياتهم وتحركاتهم كان كبيراً وذا تأثير حاسم في التأثير على مسار المعادلة اليمنية قبل وبعد الثورة، فالحديث عن الإمامة وإسقاطها من وجدان الناس وصل إلى مستويات كبيرة وغير مسبوقة، يتأكد ذلك من خلال كتابات الأحرار والثوار بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية. ففي كتاب "الإمامة وخطرها على اليمن" ينظم الشهيد الزبيري في هذه الرسالة الصغيرة مسار النضال ويعكس عمقه الفكري والتربوي، فيلهب الحماس لدى الناس، ويسقط الهالة التي لفتها الإمامة على نفسها منذ عقود طويلة، وهو إلى جانب ذلك سيضبط مسار الثورة كي لا تتجاوز في عمقها الفكري والسياسي هوية الشعب اليمني ذاته، وهذه المهمة ستبدو كبيرة وخطيرة، ولكنه تمثل بها بجدارة واستطاع أن يحافظ على هوية الثورة.

وهنا فقد كان الزبيري بسمته الإسلامي ورمزيته التاريخية ورصيده الوطني، هو القائد للتيار الذي تبنى إسلامية الثورة، ووقف في وجه التيارات اليسارية والقومية التي أرادت خطف الثورة والتحول بها عن مسارها الإسلامي الذي يرتضيه اليمنيون، وقد مثل الزبيري في حياته واجهة للشباب الإسلامي والوطني، ومظلة لحمايتهم.(2)

 

---------------------
هامش:
1- الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن، ناصر الطويل.
2- سطور من تاريخ الحركة الوطنية، ثابت الاحمدي، الإصلاح نت.