الأربعاء 24-04-2024 21:15:21 م : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون ونشر الطائفية في أوساط النساء.. الدلالات والأبعاد

الإثنين 14 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد

  

أقدمت جماعة الحوثيين، خلال الأيام الأخيرة، على محاولة نشر فكرها الطائفي والعنصري في أوساط النساء بالعاصمة صنعاء، من خلال إجبارهن على حضور محاضرات تلقيها نساء حوثيات في مصليات النساء، والتهديد بأنه في حال عدم حضور هذه المحاضرات فإنه سيتم إغلاق المصليات النسوية ومراكز تعليم القرآن في وجوههن.

ويأتي هذا الإجراء بعد أن سيطرت جماعة الحوثيين على جميع المساجد في العاصمة صنعاء تقريبا، واستبدلت خطباءها بخطباء من أتباعها، وأغلقت جميع مراكز ومدارس تحفيظ القرآن الكريم تقريبا، بما فيها الخاصة بالنساء. فيا ترى، ما هي دلالات وأبعاد هذا الإجراء، وما هي تأثيراته السياسية والاجتماعية والعقائدية على المجتمع اليمني؟

  

- دلالات خطيرة

هناك عدة دلالات لإقدام جماعة الحوثيين على نشر فكرها الطائفي في أوساط النساء، من بينها أن انقلابها على السلطة الشرعية لم ينحصر على السلطة والثروة والشؤون السياسية، وإنما طال حتى معتقدات المواطنين وطريقة تعبدهم لله سبحانه وتعالى، ومحاولة تغيير مذهبهم إلى مذهب الجماعة.

ولذا، تسعى جماعة الحوثيين إلى نشر فكرها المذهبي والطائفي والعنصري في أوساط المواطنين، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، لاعتقادها بأن ذلك يشكل حصانة لها من أي ثورة شعبية محتملة ضدها، والتسليم الكامل لطريقتها في الحكم بحسب اعتقادها، أي أن السلطة والثروة والحكم من اختصاص الحوثيين باعتبار ذلك حقا إلهيا لا يجوز منازعتهم فيه.

كما أن إقدام الحوثيين على نشر فكرهم الطائفي في أوساط النساء يعني بأنهم حريصون على نشر فكرهم في مختلف الفئات الاجتماعية، ليتكامل ذلك التأثير بالشكل الذي يريدونه، وتكونه نتائجه مثمرة خلال فترة زمنية محدودة، أو على الأقل تحييد الفكر الآخر ومنعه من الانتشار ومحاصرته، حتى تتهيأ لهم الأجواء المناسبة لنشر فكرهم.

والدليل على ذلك أنهم ركزوا -في البدء- على أن تكون المحاضرات الطائفية الموجهة للنساء في الأماكن التي اعتدن على الذهاب إليها، أي المصليات النسائية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم الخاصة بهن، والهدف إما استغلال هذه المصليات والمراكز لنشر فكرهم الطائفي، أو إغلاقها بهدف تحييد الآخرين ومنعهم من نشر فكرهم الغير مرغوب لدى الحوثيين.

مع العلم بأن مثل هكذا إجراءت أقدمت عليها جماعة الحوثيين، جاءت بعد أن ظلت الجماعة تهاجم المعتقدات الدينية لخصومها، من خلال وصفها بالوهابية والتطرف والتشدد والإرهاب وغير ذلك، والترويج لمذهبها بأنه مذهب التسامح والانفتاح وعدم الغلو والتشدد، بالإضافة إلى تغيير المناهج التعليمية بمناهج طائفية تحرض على العنصرية ونشر الكراهية في أوساط المجتمع اليمني، مقابل مدح السلالة العنصرية والطائفية.

أيضا، تسعى جماعة الحوثيين، من خلال نشر فكرها الطائفي، إلى شرعنة أعمالها الإرهابية والاستبدادية في أوساط المواطنين البسطاء، حتى لا ينظروا لها كأعمال إرهابية وإجرامية يجب محاكمة مرتكبيها، مثل الاعتقالات، والمحاكمات السياسية، والإخفاء القسري، وتعذيب السجناء بذرائع شتى، وفرض الإتاوات الباهظة على التجار والمزارعين والمواطنين الميسورين، بذريعة ما يسمى "المجهود الحربي" و"زكاة الخمس".

ويمكننا القول بأن سعي الحوثيين إلى نشر فكرهم الطائفي في أوساط النساء، الذي جاء بعد حملات تجنيد للنساء في صفوفهم، يعكس تطرفهم الطائفي والمذهبي والعنصري السلالي. وتعد النساء الفئة الأخيرة من فئات المجتمع المختلفة التي سبق أن نشروا فكرهم الطائفي والعنصري في أوساطها.

  

- أبعاد متعدة

تتعدد أبعاد الإجراءت الحوثية بنشر فكرهم الطائفي في أوساط النساء، فمثل هكذا عمل من شأنه تفخيخ مستقبل البلاد، والتسبب في شروخ اجتماعية خطيرة، منبعها خلافات عقائدية وتعصب طائفي ومذهبي بغيض.

من الناحيتين السياسية والعسكرية، فإن جماعة الحوثيين تسعى من خلال نشر فكرها الطائفي في أوساط النساء من أجل استقطابهن وتجنيدهن في صفوفها، واستغلال ذلك في استثارة رجال القبائل في مناطق حاضنتها الاجتماعية لينخرطوا للقتال في صفوفها، ذلك أنه كلما تقاعس أبناء القبائل عن القتال والدفع بأبنائهم إلى محارق الموت، تتعمد جماعة الحوثيين حشد النساء المواليات لها والزعم بأنهن سيتجهن للقتال في الجبهات، مما يجعل بعض رجال القبائل يدفعون بأبنائهم للقتال بعد استثارتهم، وهذا من شأنه تقوية الجماعة سياسيا واستمرار الحرب، كون عوامل استمرارها ستظل قائمة، ومن أهمها استمرار تجنيد المقاتلين في صفوف الحوثيين.

ومن الناحية الاجتماعية، يمكن القول بأن نشر الحوثيين لفكرهم الطائفي في أوساط النساء من شأنه تفخيخ مستقبل البلاد وإحداث شروخ اجتماعية خطيرة، ذلك لأن الحوثيين يحرصون في محاضراتهم الطائفية على زرع التطرف وثقافة الكراهية والتعبئة الخاطئة، لتكون نتائج ذلك سريعة ومثمرة لصالح الجماعة، خاصة عندما يكون بعض أفراد أسرة ما على مذهب الحوثيين والبعض الآخر ما زالوا على مذهبهم، أو يكون بعض الأفراد في مجتمع ما على مذهب الحوثيين والآخرين على مذهبهم.

وفي هذا السياق، سبق أن أفادت تقارير إعلامية بأقدام عدد من عناصر الحوثيين على قتل آبائهم أو أمهاتهم أو أخواتهم وبعض أقاربهم بعد عودتهم من دورات طائفية أو عادوا من جبهات القتال وتلقوا دورات طائفية، والبعض منهم ضربوا أفرادا من أهاليهم أو سحلوهم وغير ذلك من وسائل العنف كانعكاس لما يتلقونه من تعبئة خاطئة.

وكان الحوثيون قد بدؤوا الاهتمام بنشر فكرهم الطائفي في أوساط النساء منذ وقت مبكر، وبالتحديد قبل الانقلاب بأشهر قليلة، وذلك من خلال الزواج والمصاهرة عبر وسطاء من الموالين لهم. وبعد الانقلاب، تناقلت وسائل إعلامية حالات زواج بالإكراه أقدم عليها حوثيون، ووصل الأمر إلى جعل نشر فكرهم الطائفي في أوساط النساء عملا ممنهجا، كل ذلك من أجل نشر سمومهم في أوساط المجتمع وتفخيخ النسيج الاجتماعي وتلغيم مستقبل البلاد.

وهكذا يتضح بأنه كلما تأخر الحسم العسكري ضد الانقلاب، استغل الانقلابيون الحوثيون ذلك لصالحهم، من خلال مواصلة العبث ونشر سمومهم وتفخيخ المجتمع وتلغيم مستقبل البلاد، أي أن تأخير الحسم العسكري يجعل نتائج الانقلاب الكارثية تتعدد وتتشعب على كافة المستويات، خاصة أن ذلك يأتي في وقت ما زالت فيه الحرب الطائفية التي أشعلتها إيران والجماعات الشيعية الموالية لها تشتعل نيرانها في أكثر من بلد عربي.