الجمعة 26-04-2024 01:55:00 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الركائز الدينية والمنطلقات السياسية عند الإمامة ..

الإرهاب والبطش لدى الأئمة (الحلقة السابعة)

الأربعاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

في سلسلة حلقات عن الأيديولوجيا الحوثية الإمامية نستعرض أهم الركائز التي قامت عليها هذه الأيديولوجيا من لدن بذرتها وحتى اليوم وأثرها على وحدة المجتمع وكيف نخرت المجتمع اليمني أو المجتمعات الأخرى التي وجدت فيها، وأثر ذلك مستقبلاً.

منذ اللحظة الأولى لتكوين الإمامة في اليمن وظهورها على يد الإمام يحيى الرسي، اتخذ من سياسة البطش والتنكيل منهجاً لترويع اليمنيين ولنشر دعوته وبسط سيطرته على الأرض.

 

وسن الهادي سنة الهدم والحرق والتنكيل والتهجير وقطع الزروع والثمار واحتلال المساكن للخصوم، حتى سار على ذلك النهج من بعده أبناؤه وأحفاده والأئمة من بعده إلى يومنا هذا من قبل الأئمة الجدد الحوثيين.

وعمل الهادي على اتباع نفس نهج سلفه وابن عمه إبراهيم الجزار، واتخذ من البطش والتنكيل بالخصوم عقيدة وممارسة لمثل هذه الأعمال، وزاد عليها قطع الزروع والثمار وحرقها وتخريب مصادر المياه.

 

فقد روى المؤرخون أن الإمام الهادي يحيى بن الحسين تعامل بشدة وقسوة مع الانتفاضات التي قامت ضده، فإذا به يضيف إلى ما عرف عنه من (هدم للبيوت وقطع للزروع من نخيل وأعناب وغيرها) تخريب الآبار ومصادرة المياه بل وتدمير القرى بأكملها قرية قرية، كما ذكر ذلك مؤلف سيرته وأحد أكبر مساعديه، وأسس بذلك لسياسة الهدم والدمار والتنكيل التي أخذت من بعده سنة وعقيدة لدى الشيعة الهادوية والإمامية إلى اليوم.

ويذكر المؤرخ محمد بن علي الأكوع الحوالي أن "الهادي كان كثيراً ما يلجأ إلى الخراب والدمار وقطع الأشجار والزروع، وتحريق الفواكه والثمار، بل إلى أبعد من ذلك، وهو التمثيل بالأسرى وصلبهم وتنكيس رؤوسهم، وكان يسن بهم سنة الكفرة المشركين".

 

وقد جاء في سيرة الهادي أنه ما إن يحل بموضع من المواضع التي تكون لخصومه إلا قام بقلع أشجارها من النخيل والأعناب أو حرقها، وكذلك هدم بيوت الخصوم والمنشآت من آبار وسدود وحصون، ولم يكن ذلك خافياً أو ادعاءً.

فقد هدم منازل بني الحارث وبني يام وعلاف وكتاف ووائلة وأحرقها وقطع أعنابهم وثمارهم، ومن ذلك ما جاء في سيرته: "ووقع القتال من جوانب البلد، وحمل المؤمنون عليهم فطردوهم في الجبال وتبعتهم الخيل والرجال، ودخلوا إلى حصن علاف فهدموا المنازل وقطعوا الأعناب، وأقبل عند ذلك الزبير بن محمد الكليبي فطلب لنفسه الأمان ولأهل بيته، فأمنه وانصرف الهادي إلى الحق إلى معسكره فبات به ليلته، فلما أصبح يوم الأحد عبأ عسكره وسار حتى وصل إلى علاف، فبينما هو يهدم المنازل ويحرق إذ أتاه الزبير فطلب منه الأمان لآخر من بني كليب، فقال: لست أؤمنهم إلا أن تأتيني بسليمان بن حجر".



كما سن الهادي للأئمة تقييد الناس بالأغلال من الحديد فصارت سنة متبعة بين الأئمة حتى اليوم، حيث أمر الهادي بتقييد جماعة من الجعافر بالحديد في صنعاء. وقد ورد ذلك في سيرته أن "جماعة على السوائة قد عزموا أن يثيروا فتنة في العسكر، وأجمعوا على السوائة إلى الهادي وأبي العتاهية، فأمر الهادي بهم فجمعهم جميعاً فوجه بهم إلى صنعاء، وأمر بحبسهم وإيثاقهم في الحديد، فلما وصلوا إلى أبي محمد عبد الله بن الحسين أنفذ فيهم ما أُمر به".

كما سن الهادي له ولأتباعه وأبنائه الأئمة وجوب الزكاة على الآخرين، حيث قال: "والزكاة كلها إلى إمام المسلمين من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، ولذلك يفهم من خلال سيرة الأئمة من بعده كيف أنهم يقومون أول ما يقومون به هو قبض العشور على الرعية وفرض المطالب والإتاوات المختلفة على الناس ويستصفونها لهم دون سائر الخلق ودون الفقراء الذين فرضت الزكاة لأجلهم.

 

وللإمام الهادي مواقع متعددة نكل فيها باليمنيين في كل البلاد التي وطأها، كما فرض حياة التخلف والتجهيل على اليمنيين ليصير هو والأئمة من بعده كل شيء في حياة اليمنيين، فهو الحاكم وهو المشرع وهو الطبيب وهو المفتي وهو القانون والقاضي وهو من يسمي الأطفال ويحنكهم، وهو كل شيء، مما أثر كثيراً على الحياة العامة في اليمن وتراجع الدور الحضاري لليمن بشكل عام.

ففي قرية عفارة من بلاد وسحة من ساقين بصعدة دخلها أبو محمد عبد الله بن الحسين أخو الهادي فأحرقها عن بكرة أبيها لأن رجلاً منها اسمه ابن أبي الدغيش لم يصل إلى عبدالله بن الحسين بالطاعة.

وفي قرية شوكان من نجران حط بها الإمام الهادي وهاجم أرضاً ومزارع لرجل اسمه حنيش، "فأمر الهادي إلى الحق بقطع نخله وأعنابه، فقطع له أربعمئة نخلة تنقص نخلات وكرمين، وهدم له منزلاً".

 

وقد كانت من أعظم صور مجازر الهادي وصور بطشه وإجرامه أنه أحدث مجزرة بحق بني الحارث في بعض قرى نجران "فأمر بالقتلى فجمعت، ثم أمر بتعليقها في الشجر، فعلقت منكسة في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشِّمال، وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتنا شديداً حتى لم يقدر أحد على أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث إلى الهادي إلى الحق فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه أن يهب لهم جيف إخوانهم، فيدفنوها في البئار والحفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجابهم وذكرهم بما كان قال لهم، فطرحت الجيف في بئار خراب وحفر كانت خارجاً من القرية".

وتوالت مجازر الهادي وتدمير ونهب القرى ومنازل القبائل التي لم تخضع لحكمه، حتى أتى بعسكره قرية أملح للوادعيين من صعدة "ونهبوا ما وجدوا فيها، وأقاموا أياماً يخربون المنازل والآبار، ويقطعون النخيل والأعناب، والقوم في ذلك يطلبون الأمان وهو كاره لذلك بما يعلم من شرارتهم وقلة وفائهم، وهو ينتقل في قراها ويخربها قرية قرية حتى طرحوا عليه بأنفسهم، فآمنهم ورجع إلى صعدة بعد مكابدة شديدة لهم".

وهكذا مضى الهادي يدمر القرى ويخربها ويحرقها قرية قرية ويقطع زروعها وثمارها كما فعل بميناس وسوحان من نجران وحصن ثلا وقرية الهجر بنجران للياميين من بني عمرو.

 

وتمثل الأئمة من بعد الهادي لهذه الجرائم وهذا النهج فصار عندهم تشريعاً يقتدون به ويتأسون به في سيرهم وبرروا لذلك، كما فعل الإمام عبد الله بن حمزة بالمطرفية أو غيرهم من المنافسين الذين لم يخضعوا لحكمهم أو حتى اختلفوا معهم في مسائل فكرية وعقائدية.

ويعزز هذا الأمر الإمام عبدالله بن حمزة الذي يستشهد بأفعال الإمام الهادي، بالقول: "والهادي إلى الحق -عليه السلام- قد فعل ذلك [النهب والسلب والخراب] في نجران وعلاف، فإنه هدم المنازل، وقطع النخيل والأعناب، (وأباح الأملاك للعشائر)، وأخذ أموال المهاذر وقسمها أخماساً، وأخذ من حصن النميص أثاثاً عظيماً، وسلاحاً، ومتاعاً، وكذلك ولده الناصر، هدم مدينة بارى وهي مدينة كبيرة، ومدينة الكلائج وقطابه، وأخذ أموال قُدمْ جملة، ولم يميز مال اليتامى والأرامل، وكذلك فعل عبد الله بن الحسين -عليه السلام- مع بني الحرث، أخذ أموالهم وقسمها بين الغانمين، وخرب إبراهيم بن موسى بن جعفر -عليهم السلام- سد الخانق بصعدة، وكان عليه بساتين عظيمة فخربت إلى وقتنا هذا".

 

الإمام المنصور القاسم بن علي العياني:
حينما ضعفت الدولة الهادوية الأولى، وكان آخر أئمتهم يوسف بن الإمام الناصر أحمد، ظهر إمام جديد منافس لأبناء الهادي وهو الإمام المنصور القاسم بن علي العياني عام 389هـ، وقضى على الدولة الهادوية، رغم أنه رسّي لكنه لم يكن من ذرية وأبناء الهادي؛ فقد جاء أيضاً من بلاد الرس في المدينة المنورة ثم من بلدة عيان في عسير وينسب إليها.

 

وكانت سياسته مثل سياسة الهادي في البطش والتنكيل والتخريب والهدم والحرق وقطع الأشجار والثمار وهدم المدن.

حيث قام هذا الإمام أيضاً بهدم مدينة صعدة ونكل بمعارضيه وهدم بعض قرى حجة وقطع أشجارها وأعنابها وانتهب أموال ساكنيها، مما يدل على أن سياسة التنكيل عقيدة شيعية بامتياز لا يفرضها الواقع ولا يتخذ في الحروب وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يدعون انتساباً إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه"، هذا مع الكفار فكيف بمسلمين مسالمين؟!

وكذلك فعل أحمد بن الحسن بن القاسم أحد قادة المتوكل إسماعيل بأهالي خولان صنعاء "فأخرب فيها بعضها وقطع شيئاً من عنبها، وذلك بسبب تسليم الزكاة إلى الإمام ورفعها إلى ولاته، وكانوا من قبل ذلك يسلمونها إلى فقهاء جهتهم على سبيل المصالحة".

 

الإمام القاسم بن حسين الزيدي:
وجاء هذا مع الإمام القاسم العياني من بلاد الطائف وكان أعظم قواد الإمام المنصور القاسم بن علي العياني، وخاض حروبه المتعددة ضد معارضي العياني، وكان له نصيب من طريقة الأئمة في الهدم والتنكيل وإخراب الثمار والزروع.

وخرج الزيدي على الإمام العياني وقام بأسر عامل الإمام العياني على صنعاء هو وأبناء الإمام العياني وأودعهم السجون وتحالف مع الداعي الإمام يوسف بن الإمام الناصر، مما اضطر الإمام العياني إلى التنازل عن الإمامة للقاسم الزيدي عام 393هـ.

وكان هذا الإمام خاض عدة صراعات مع أعيان صنعاء وعلى رأسهم الضحاك الحاشدي وبنو العياني وبني الناصر بني الهادي.



مجازر عبدالله بن حمزة:
اشتُهر عن عبد الله بن حمزة بطشه وقيامه بمجازر مروعة ضد مخالفيه، ولم يعرف إمام قبل المطهر بن شرف الدين كان بمثل إجرامه كالإمام عبدالله بن حمزة الذي أباد فرقة المطرفية عن بكرة أبيها على الرغم من نسبهم الواحد وفكرهم الواحد إلا من بعض المراجعات والآراء من المطرفية التي صارت تهدد الفكر الإمامي والأيديولوجيا الإمامية برمتها عبر التاريخ، لذلك لم يتساهل عبد الله بن حمزة بحقهم حتى قيل إنه قتل حوالي مئة ألف منهم وتتبعهم في كل البلاد اليمانية يستأصل شأفتهم بعد تكفيرهم وتفسيقهم وتبديعهم.

فلا تذكر جريمة من جرائم اليمن إلا كان عبد الله بن حمزة على رأس مجرميها وسفاحيها.

 

ففي بداية القرن السادس الهجري، إبان ضعف الدولة الأيوبية في اليمن، جاءت أشهر أعمال القتل والاجتثاث للمخالفين، حتى ولو كانوا من الهادوية أنفسهم، وحكم عليهم بالكفر والقتل، وبلادهم دار حرب "يقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، ويُقْتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحدهم".

وقد كان عبد الله بن حمزة صاحب الفتوى الشهيرة بقتل الرجال والنساء والأطفال الذين يتم التحصن بهم في المعارك وهي من الفتاوى التي دست فيها الإمامة ودلست على الشعب اليمني حديثاً ورمت بها التجمع اليمني للإصلاح عام 1994، ولأن الشعب لم يقرأ ولم يبحث أو يقارن ذهب وراء تلك التدليسات المختلقة في وسائل الإعلام لتشويه الإصلاح بها.

 

الإمام إبراهيم بن أحمد تاج الدين الشريف:
في جمادى الأولى من سنة 671هـ نقضت الزيدية العهد بينها وبين الملك المظفر الرسولي على الرغم من أن الملك المظفر كان أقطعهم جهران ونواحي ذمار و"قام معهم علماء الزيدية في تلك الناحية فساروا في جموع عظيمة إلى ذمار فدخلوها قهراً وقتلوا جماعة من الرتبة الذين كانوا فيها وخفروا الباقين وأخربوها خراباً كلياً".

 

مجازر المطهر:
وأما المطهر فقد كان متمثلاً قبح كل من سبقه من الأئمة من خلال الإرهاب والبطش، ففي سنة 934هـ "قامت بعض الاضطرابات في خولان ضد حكم الإمام شرف الدين، فقام المطهر بالتمثيل برهائنهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وأدى هذا العنف إلى ازدياد ثورة "خولان". ولكن المطهر تمكن من إخماد هذه الثورة بعد أن استعمل كل ألوان القسوة في حروبه مع هذه القبائل، فقد تعمد أن يخرب قراهم وحقولهم، كما أمر بأن تقطع أيديهم وأرجل أسراهم، وكانوا حوالي ثلاثمئة أسير".

وفي نفس العام 934هـ "فتح المطهر بن الإمام بلاد اليمانية واسترجع كنن والكميم، وقد كان غاب فيها أهل تلك البلاد عقيب الطاعون المذكور، ثم انتقل إلى جهران قاصداً للبلاد الظاهرية، فحط في معبر وغزا بلاد هداد ونهبها وبسط على صوافيها ونهب أغنام البدو بني ضبيان الأسناف وقرى هداد وهي لا تدخل تحت الحصر، وأسر شياطين الأسناف خمسة عشر رجلاً، ولما عاد إلى محطته أمر بقطع أيديهم وأرجلهم".

 

لم يكتفِ المطهر بالبطش والتنكيل والتدمير بالقرى والمدن التي غزاها، بل إنه قتل الرهائن المستضعفين الذين كان يأخذهم على القبائل لضمان الطاعة. وقد ذكر حفيده عيسى بن لطف الله أن المطهر كتب كتاباً إلى قبائل خولان يقول فيه: "إن رهائنكم الذين في القصر على شفير التلاف، مقرونين بتمام ذلك الخلاف، فإن أصررتم على العصيان، وصممتم في الطغيان أجرينا فيهم حكم الله [حاش لله أن يكون حكمه أخذ النفس البريئة من الأطفال]، وإن عدتم عن ما نهيتم عنه، ودخلتم في طاعة إمامكم، ومنفذ أحكامكم، عفونا عن سيئاتكم، واغتفرنا خطيئاتكم، فلما أبلغهم الرسول الكتاب، أجابوه بغير الصواب، فعند ذلك أمر المطهر برهائنهم وكانوا زهاء ثمانين نفراً في سن التكليف، فقطعت أيديهم وأرجلهم".

ساء الخولانيين ما فعله المطهر بالرهائن فانتفضوا لقتاله، ولكنه هزمهم، "فأخذ بلادهم وفتح أغوارهم وأنجادهم، ودمر ديارهم، وقطع أعنابهم وأشجارهم، وتركها خاوية على عروشها، كاسفة بقطع غروسها، ولما استأصل بالمغروس والمعمور، تركها خاوية بما ظلموا (هل نجازي إلا الكفور)، ولما تيقنوا ألا مانع، ولا رادع ولا دافع، ولما مناصر ولا مدافع، سلموا الأمر إليه، ودخلوا فيما حكم به لديه، فقبض من شياطينهم ثلاثمئة نفر أو يزيدون وأودعهم السجون، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف".

 

أما داهية الدواهي من إرهاب المطهر وبطشه وتنكيله، حينما حارب بقية من الطاهريين في منطقة موكل من عنس بقيادة الشريف السراجي، حيث انتصر المطهر في هذه المعركة، وقد أظهر المطهر في هذه الحرب قسوة بالغة، فأعمل القتل والسفك بين الجيش الطاهري، فقطع رؤوس ثلاثمئة منهم في المعركة، ثم جاء بالأسرى "وكان الأسرى ألفين وثلاثمئة والرؤوس التي قطعت حال أن دخل عليهم المطهر ثلاثمئة، فأمر المطهر، وهو راكب، بضرب أعناق ألف من الأسرى واستبقى ألفاً وثلاثمئة. ولقد حدثني من شهد ذلك الموقف أنه لما أمر المطهر بضرب أعناق الأسرى وهو راكب على بغلته وهم يأتون بالأسارى أفواجاً فقتل كل زمرة وحدها حتى غطى الدم حوافر بغلته، ثم حمل كل أسير رأساً ووجه بهم إلى والده إلى محروس صنعاء، فدخلوا بالأسرى والرؤوس إلى صنعاء في العشر الوسطى من جمادى الأولى، وكان لوصولهم على هذه الصفة إلى صنعاء موقع عظيم وبأس جسيم، ثم إنهم وجهوا بالرؤوس والأسارى إلى مدينة صعدة إلى عند الفقيه عماد الدين يحيى بن إبراهيم النصيري".

 

ولما وصل الأسرى ورؤوس الأسرى السابقين في أيديهم هناك أمر المطهر بضرب أعناق الأسرى في حصن صعدة فكان يتدحرج رأسان مع بعضهما حتى تدحرج ألفان وثلاثمئة رأس، كما ذكر بعض المؤرخين.

 

وفي ذلك يقول شاعرهم المطهر بن تاج الدين الحمزي قصيدة طويلة اخترنا منها هاتين البيتين:
حتى أعان الله أعداء الهدى
يحنون بين مجدل ومكبل
متحملين رؤوس قتلاهم فيا
لشقاوة المحمول والمتحمل

ولما دخل الإمام شرف الدين وابنه المطهر صعدة محاربين لأشرافها أولاد الإمام المؤيد المنصور نزح آل المنصور عن صعدة وتقدموا إلى محل يقال له الحسينيات فدارت معركة انهزم فيها الأشراف وقتل منهم ألف قتيل، وأسر ستمئة، فأمر المطهر بضرب أعناقهم جميعاً وعرفت هذه الواقعة بموقعة المخلاف حتى صارت تاريخاً في الزمن بعد ذلك.

 

لقد فاخر شعراء الأئمة بتلك الأعمال الشنيعة أيما مفاخرة، وتباروا في قول الشعر في ذلك، وقالوا إنها أعظم من يوم النهروان وصفين ويوم الحسين، وإن القتلى ومن واجههم من الطرف الآخر "أعداء الهدى"، ومما قيل من بعض شعرائهم:
ما إن مضى وشل الردينيات
يوم كيوم في الحسينيات
هيهات ما أيام صفين ولا
ذو النهروان يفوقه هيهات
يوم كيوم الحشر قيل لشمسه
في برجها لا تجنحي لبيات
حتى يذل الله أعداء الهدى
ويبيدهم بالهندوانيات
ألف من القتلى ظلت خيلنا
ترعى السنابك منهم اللمات
موتاهم قد عاينوا مثواهم
في النار والأحياء كالأموات

 

بل اعتبروا المطهر في عمله ذاك أنه يدافع عن دين الله، كما يقول الحوثيون اليوم بالضبط، ومن تمام الأبيات السابقة:
فاجزِ المطهر يا إله الخلق عن
دين حماه بأجزل الحسنات.

وكان المطهر في طريقه قد ظفر ببعض القبائل هناك "فأمر المطهر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف".

 

كما كان من بطش المطهر سياسة التدمير للقرى، كما حال الأئمة في كل وقت وعصر، فقد أخرب المطهر مدينة عمران عند خروجه من صنعاء فاراً من الأتراك، ولم يترك فيها لا مغناً ولا ربعاً، فأمر ببنائها مجدداً الوالي العثماني الكخيا سنان.

ومن جرائم المطهر بن شرف الدين قيامه بربط أصحاب وأعوان الشريف صلاح بن أحمد بعد استسلامهم له فربطت أرجلهم إلى الجمال فسحبتهم على وجوههم حتى تمزقت وتناثرت أجسامهم في الطرقات، وكان ذلك أمام قائدهم صلاح بن أحمد الذي أمر المطهر بضرب عنقه وأن لا يقبر ولا يدفن ويظل في العراء.

وعلى الرغم من المظلمة التاريخية التي يسوقها الإماميون والشيعة عموماً في حق "آل البيت" إلا أنهم في حال قيام لهم دولة يكونوا أكثر بطشاً بآل البيت من غيرهم، والحادثة أعلاه خير دليل على ذلك.

 

المتوكل إسماعيل:
عمل الإمام المتوكل إسماعيل على نشر مذهبه وفكره بقوة الحديد والنار، وكان له نصيب وتأسٍ في أسلافه في خراب قرى مناوئيه وهدمها، ومن ذلك مثلاً في سنة 1059هـ أن "جهز ابن أخيه شرف الإسلام الحسين بن الإمام المؤيد بالله إلى قبة خيار، وأمره بخراب بيوتها وإزالة ما فيها لأجل ما وقع بينهم من الحرب والفتنة والعصبية القبلية، فأخرب منها بيوتاً وعروشاً وتركها خاوية وعاد إلى شهارة".

 

المهدي أحمد بن الحسن:
لم يكن الإمام المهدي أحمد بن الحسن إلا رجلاً من قومه كأسلافه الذين سبقوه انتهج نهجهم في الخراب والدمار والتنكيل بالرعية. في سنة 1089هـ "طلع أحمد بن الحسن الأهنوم وتسور تلك البلاد بجيوشه، فرمى عليهم من بعض قراه وبيوته فأمر أحمد بن الحسن بإخراب تلك البيوت التي وقع منها الرمي بعد الحملة عليهم والقهر فخربها وحرق بعضها".



ثم "لما تقدم أحمد بن الحسن من سوق الثلوث طالعاً إلى الأهنوم عاطفاً رموا عليه من القرى فوق الطريق، فأمر بخرابها وانتهابها، وخربت قرى في سيران ونحوها وحرقوها بالنار، وأنها حصلت معركة عظيمة في الأهنوم ومن النساء من هرب حاجاً خارجاً ومنهن من راح في الحيود، وانتهب مع ذلك ما في تلك البيوت وكذلك سلاح المحاربين الحاضرين".

 

ابنه المهدي صاحب المواهب:
كان هذا الإمام سفاحاً بطاشاً حتى في حق أقرب المقربين منه ولم يسلم ولده حتى من بطشه، كما لم يسلم الأسرى من إجرامه حيث حبس كثيراً من أسرى الحجرية وبعض الأسرى من الجهات الشمالية الذين حاربوه في الدملؤة، وجعلهم في مخزن البارود في قلعة الدملؤة حتى انفجر بهم المخزن وأحرق كل من كان فيه بالإضافة إلى بعض عبيده وجواريه.

ويذكر بعض المؤرخين أنه كان من شدة بطشه وإرهابه يقال عنه إن راءٍ يأتيه في الليل فيقول له اقتل فلان فلا يتردد في قتله ويصبح كمن ينفذ الأوامر دون أن يرف له جفن، وحتى قتل بعض العلماء والمصلحين وخرب كثيراً من القرى وهدمها وهجر أهلها.

 

ولما تحرك من تعز إلى اليمن الأعلى وصل إلى المحرس (قريب من ذمار) ضرب أعناق جماعة غير قليلة ثم ادعى أنهم لصوص، ولما وصل إلى ذمار ضرب عنق الفقيه زيد الجملولي متهما إياه بأنه دس السم للمؤيد وأنه سبق أن شاطر أهل صنعاء أموالهم وأنه كان يتعاطى التنجيم، ثم يضرب عنق ابن خليل من رؤساء القبائل وجماعة غير قليلة من أتباعه.

وكان له قائد من أتباعه عرف عنه الإجرام والبطش دون رادع من أخلاق أو وازع من دين واسمه صالح بن هادي حبيش يرسله لخراب البلاد وقتل العباد، نستطيع أن نشبهه بأبي علي الحاكم اليوم للحوثيين، لكنه في نهاية المطاف خاف منه المهدي ودبر اغتياله وأمر عبيده بتدبير اغتياله، فكان جزاؤه جزاء أبي مسلم الخراساني مع المنصور.

 

ذات مرة أمره بتخريب حوث كلها فخربها، وكان يعطيه العدد الكثير من الحوالات لا تدخل تحت مقدور على الضعفاء والمساكين ببلاد المغرب يحملها الرجل ويتقاضاها من الشعب أضعافا مضاعفة.

 

ولقد وصفه ابن الأمير ببعض أبياته فقال:
سفاك كل دم عاداه صاحبه
مفرق منه بين الرأس والبدن
هناك كل حمى إن لم يطاوعه
كم من معاقل أخلاها ومن مدن
وحين أدبرت الأقدار عنه أتت
له المقادير بالآفات والمحن
وعاد أعوانه عوناً عليه ولم
ينفعه أهل ولا مال مع المنن