الجمعة 19-04-2024 09:45:36 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الركائز الدينية والمنطلقات السياسية في الأيديولوجيا الإمامية .. الخمس عند الأئمة

الإثنين 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت- خاص

  

(الحلقة الرابعة)

في سلسلة حلقات عن الأيديولوجيا الحوثية الإمامية، نستعرض أهم الركائز التي قامت عليها هذه الأيديولوجيا من لدن بذرتها وحتى اليوم وأثرها على وحدة المجتمع وكيف نخرت المجتمع اليمني أو المجتمعات الأخرى التي وجدت فيها، وأثر ذلك مستقبلاً.

 

الخُمُس عند الأئمة

سنتحدث في هذه الحلقة عن ركيزة مهمة من ركائز الفكر الإمامي والحوثي والتي تعد إحدى ركائزهم في الإمامة ودعوتهم للحكم والتسلط ولا يستطيعون القيام بشيء من دونها، فما هذه الركيزة الهامة للفكر الإمامي؟ وما أهدافهم منها؟ وكيف طبقوها؟

هذه الركيزة الهامة هي "الخمس والفيء"؛ فمسألة الخمس والفيء عند الإمامة أهم ركيزة إن لم تكن بعد الحكم والولاية فهي قبل كل شيء عندهم، لأنها الوسيلة الاقتصادية الهامة التي تقوم عليها الدعوة الإمامية كونها تعطيهم التمويل لإنشاء الجيوش وإنشاء الطبقات الغنية عند الإمامة والثراء الفاحش الذي يجعل كل الناس بحاجة إليهم واتباعهم والتجييش معهم والتقرب منهم وطاعتهم والضرب بيد من حديد ضد خصومهم وإنهاء وتذليل كل العقبات أمامهم.

مسألة الخمس والفيء من النصوص القرآنية التي حرفها الأئمة، ووظفوا كثيرا من النصوص الدينية في سبيل دعوتهم وإمامتهم وإقامة سلطانهم وحكمهم.

فهم يعتمدون على آية الفيء في سورة الأنفال في قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الأنفال:41).

والآية الأخرى في سورة الحشر: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر:7).

والإماميون يشتطرون ويجتزئون هاتين الآيتين ويتوقفون عند (ولذي القربى) دون الأخذ في الاعتبار نص الآيتين ومفهومهما ومقصدهما ورسالتهما وسياقهما، ويعتبرون أن المقصود بذي القربى في الآيتين هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تحدثوا عنهم في مسألة الكساء والأهل والآل.

أنظروا كيف تترابط المسائل عندهم الآن في التوظيف الديني والنصوص الدينية لأيديولوجيتهم وفكرهم ومشروعهم الطائفي. أولاً مسألة الولاية وكيف فسروها، ثانياً مسألة الأهل والآل وكيف نظروا لها وفسروها كما يحلو لهم، ثم ثالثاً مسألة الفيء والخمس كيف ربطوها بالمسائل السابقة كحلقات متصلة بعضها ببعض وكيف سيصلون إلى النتيجة، وهي بناء إمبراطوريات مالية لبناء جيوش وأتباع والسيطرة على الناس والتسلط على رقابهم.

فسياق الآيتين واضح تماماً في أن تقسيم الغنيمة والفيء بين المسلمين يكون بالعدل بينهم للذين خاضوا المعارك من حقهم الحصول على الغنيمة التي تركها العدو في ساحة القتال وليس نهب أموالهم وبيوتهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصي الجيوش الإسلامية بعدم التعرض لأموال الناس ولا أعراضهم ولا لمن حبس نفسه في بيته أو راهباً في صومعته ولا يقطعون شجراً ولا يحرقون بيتا... إلخ.

هذا الفيء والغنيمة يقسمه الرسول صلى الله عليه وسلم كترجمان للقرآن ومطبق له وتعليم الناس أحكامه، إلى مصارف هذه الغنائم، أولاً، لله، ولها مصارف متعددة من بذل الخير والصدقة وإغاثة الملهوف وإعطاء السائل وما يدخل في مسائل الصدقات والزكاة وإلا فالله الغني.

ثانياً، للرسول صلى لله عليه وسلم، لأنه لا يأخذ الصدقة ولا الزكاة ولا يأكلها وليس له راتب ينفق منه على نفسه وأهله، وأنه هو المقصود الأول لكل ذي حاجة، فأول من يأتي إلى المدينة يذهب للرسول يسأله شيئاً ليعطيه، والناس الداخلون في الإسلام المنقطعون في المدينة المستوطنون لها يجبرهم الرسول بشيء من هذه الأموال والهبات والعطايا ويتألف قلوبهم حتى من الكفار المشركين.

ثالثاً، ذي القربى هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم على عهده وقرابة المؤمنين والجيش الذين حضروا المعارك ولهم أعمال مساندة للدين ودولة الإسلام غير الأعمال القتالية، ودائماً هناك وصايا للقرآن بذي القربى؛ أي قربى، وليس مقتصراً على فئة قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يعيش قرابته على العالة والسؤال والتسلط على المؤمنين بحجة الخمس والفيء وغيره، فمثلهم مثل بقية الناس يذهبون للتجارة والزراعة وكسب الأموال مما يكسب منه بقية الناس بقية أرزاقهم ولا فرق، وتنتهي بانتهاء عهد النبوة، وإلا لحكم على الإسلام بالعنصرية كونه يحابي أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه أن يكون كذلك.

والمقصد الأعظم كما بينته آية سورة الحشر {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}. فالله يوصي بالقربى في كل حدث مالي، ومن ذلك مثلاً قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة:83).

وقال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة:177).

وقال: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}(النساء:8). وقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } (النساء:36).

وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90).

وهكذا كل الآيات التي تحدثت عن المال وذي القربى، والمفهوم منها كلها أنها لا تخص أسرة النبي صلى الله عليه وسلم لوحده، ولو افترضنا جدلاً وتماشينا مع مفهوم الإمامة والحوثيين في ذلك، فإن قرابة النبي المعنية هنا تنتهي بانتهاء آخر شخص من جيله وعهده صلى الله عليه وسلم، ولا تعطي الحق لمن بعدهم في الخمس والفيء إلا أن يكونوا مثل غيرهم.

 

كيف طبق الأئمة هذا الأمر وكيف ساروا عليه تاريخياً وما النتائج التي ترتبت على هذا الأمر؟

بعد كل هذه التنظيرات للأئمة وقتالهم على الخمس ترتب على ذلك أمور كثيرة أدخلت المسلمين في حروب شتى لم تنقطع حتى اليوم، مما جعل الأمة الإسلامية متخلفة وضعيفة، بينما الأمم الأخرى سبقتها إلى ركب الحضارة.

أولا، كان للبلاد الإسلامية وخاصة اليمن دول وحكومات وممالك تحاول النهوض بالأمة اليمنية، ولما جاء الرسي مؤسس الإمامة دعا لنفسه بالإمامة، وهو شخص له بعض الأتباع هناك في أطراف صعدة من الطبريين أو ممن استقدموه للتحكيم في قضايا خلافية وبينية بين بعض القبائل وليس للتحكم والتسلط عليهم، واعتبر نفسه الحكومة والدولة والحاكم بأمر الله، وأول ما قام به التركيز على الخمس والزكاة والصدقات خارج إطار الدولة، وكانوا يسمونها الأعشار، وكان يحرم على المواطنين تسليمها للدولة كونه لا يعترف بالدولة وأنهم الأحق بقبض هذه الأعشار والزكوات، حتى قال إنه سيقاتل كل من يمتنع عن دفع الزكاة والخمس والأعشار، كما قال أبو بكر الصديق في أمر الردة.

وهكذا بدأ حروبه على اليمنيين من بوابة الخمس وقبض الأعشار وقتل أناساً كثيرين وأطلق يد أتباعه لتعيث في الأرض نهبا وسلباً بحجة قبض الأعشار، وكان يعاقب المواطنين الرافضين للدفع بالقتل والصلب بعد القتل وحرق مزارعهم ونخيلهم وهدم سدودهم وردم وتسميم آبارهم وهدم بيوتهم وتكفير من يمنع أداء الخمس إليه.

هذه الأشياء التي قام بها الهادي الرسي بعد ذلك أصبحت ديناً وتشريعاً لمن جاؤوا بعده يقومون بأقبح ما قام به حتى اليوم، حتى إن الإمام عبدالله بن حمزة استدل بكل صنيع قام به الرسي وثبته في فتاواه المختلفة واستحلوا بها دماء اليمنيين وأعراضهم وأموالهم، ثم ظهر عندهم الكفر بالتأويل والإلزام من بوابتي الولاء والخراج والأعشار، وكان ابن حمزة على رأس هذا الأمر.

لم يكن الأئمة يأخذون الأخماس فقط كما في الشرع ومقاصد الزكاة ومصارفها، بل كانوا يتعدون ذلك إلى أكثر من النصف، وأحياناً إلى المال كله، حتى فشت المجاعات في اليمن لهذا السبب.

وفي فترة الإمامين المهدي أحمد بن الحسن -خليفة المؤيد والمتوكل إسماعيل- وكذلك ابنه المهدي الثاني محمد بن أحمد، أكثروا من مصارف الزكاة واخترعوا أبواباً متعددة إلى جانب المصارف السابقة، ومن ذلك مثلاً أنهم فرضوا على المواطنين مصارف ومطالب تسمى مطالب الزكاة، منها: مطلب الرباح، ومطلب الضيفة (ضيفة الضيف)، ومطلب عيدية الإمام، ومطلب الصلاة لمن صلى ومن لم يصلِّ، ومطلب التتن لمن شربه أو لم يشربه، ومطلب البارود والرصاص، ومنها مطلب سفرة الوالي، ومنها مطلب دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة. وكانت هذه المطالب في اليمن الأسفل خاصة من قبل الأئمة حتى قامت ثورات مختلفة، وتم قمعها بالحديد والنار بلا رحمة من قبل الأئمة.

لماذا نسرد مثل هذه الوقائع؟ اليوم الحوثيون يمضون في هذا الطريق بعد أن نهبوا أموال الدولة والخزينة العامة والقطاع الخاص ونهبوا الرواتب والتأمينات والاحتياطات النقدية في البنك المركزي، ونهبوا المواطنين باسم المجهود الحربي والضرائب والزكوات والجمارك والخمس، واليوم استحدثوا قانون الزكاة لفرض الخمس على المواطنين في كل شيء بعد أن تسببوا بانتشار المجاعة في البلاد، ولم يكتفوا بهذا الأمر، وشرعوا قانون الخمس في رمضان الماضي لينهبوا ما لم يستطيعوا نهبه من المواطنين.

نهبوا كل شيء وعادوا اليوم يريدون فرض الخمس عبر مجلسي النواب والشورى، وما الذي بقي مع المواطنين ليعطوه للحوثيين أصلاً وقد انتشرت المجاعة في البلاد بسبب النهب وقطع الرواتب لدرجة أن بعض الأسر ماتت من الجوع في تهامة وتعز المحاصرة.

أين ذهبت كل الأموال التي نهبوها؟ هل أقاموا بها مصالح عامة للمواطنين؟ هل وفروا الاحتياجات الأساسية من مواد غذائية ومشتقات نفطية؟ هل وفروا الأدوية واعتنوا بالصحة العامة؟
لا لم يفعلوا أي شيء سوى النهب والسلب والقتل والتدمير بفتوى النصوص المحرفة، وبنوا العمارات من الأموال المنهوبة، حتى غني كل فقير ولص منهم، وأقاموا إمبراطوريات مالية ضخمة لقياداتهم وكبار لصوصهم، وأنشؤوا طبقات جديدة وطبقات غنية ذات ثراء فاحش لأشخاص كانوا في الأيام الأولى لا يجدون ريالا كمصروف شخصي، وبعد أيام من النهب يمتلكون المليارات والعقارات المختلفة الضخمة، كما فعل أئمتهم من قبل.

  

الخلاصة:
- استخدموا الفتاوى المضللة لـتأويل النصوص التي تبيح لهم السلب والنهب، وغالطوا فيها كما غالطوا في نصوص الولاية والقرابة والعترة والأهل والآل.
- دمروا اليمن وجعلوها في ذيل الأمم من التخلف والانهيار.
- قسموا الشعب إلى فئات وكونوا طبقية جديدة وإمبراطوريات مالية ضخمة لمشرفيهم وأسرهم العنصرية.
- أوجدوا الشحناء والبغضاء وأسسوا لثأرات لا تندثر مستقبلاً وأسسوا لحروب مستقبلية أخرى.
- على المواطنين أن يفهموا ألاعيب هذه الأفكار والجماعات الضالة.

كلمات دالّة

#الخُمس #الأئمة