الجمعة 19-04-2024 18:35:19 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الاحتفاء بذكرى المولد النبوي وسؤال الحقيقة

السبت 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ أ. عبد العزيز العسالي
 

 

مقدمة

اعترف بأني غير قادر على إشباع الموضوع بالأمثلة الكافية لسببين: الأول، كثافة الحمولة الثقافية المتراكمة المتجذرة في الوجدان، أي العقل اللاواعي عبر القرون، الأمر الذي يعني أن العلاج الثقافي والتربوي... إلخ لن يكون بسهولة.

والسبب الثاني، غزارة الأمثلة ذات الصلة بمكونات الحمولة الثقافية التي ترسخت في عاطفة الأمة عبر القرون، وأصبح الحب العاطفي طاغٍ بل ومحاربا للحب العقلي، ثم انعكست العواطف بحمولتها على المظاهر وصولا إلى النتائج.

وعليه، فإني ألتمس العذر من القارئ، وحسبي أني فتحت شاقوصا يمكِّن القارئ من إضافة الكثير مما سيراه من المظاهر والطقوس العدمية التي شوهت قيم الإسلام الحضارية بشكل عام.

 

تحديد المفاهيم

أولا: الحب العاطفي

بعيدا عن اللغة والاصطلاح سأضرب مثالا للحب العاطفي قائلا: الإنسان يحب ولده هكذا حبا عاطفيا، حبا وجدانيا طاغيا، بغض النظر عن كونه أسود، أبيض، جميل، والعكس، طويلا أو قصيرا، غبيا أو ذكيا... إلخ. فإذا سألنا الوالد عن سبب حبه لولده فلن نجد لديه تفسيرا، لأن التفسير إفساد للمعنى الفطري الواضح.

 

ثانيا: الحب العقلي

الحب العقلي يمكن تفسيره وتعليله، فإذا قيل لك لم تحب ابن فلان، جارك، أو صديقك، أو تلميذك، أو طفل آخر شاهدته بالتلفاز، سيكون الجواب واضحاً، لأنه ذكي ويمكنه إذا لاقى عناية وصقلا لموهبته فلربما تسعد به أسرته أو مجتمعه أو وطنه، ولهذا أحبه.

 

ثالثا: الطقوس

هذا مصطلح فلسفي ارتبط بحركات وأفعال عفوية يؤديها العقل الجمعي مجتمعا أو جماعة على أنها عمل ديني، دون أن يوجد لها تعليل عقلاني مقبول، سواء عند الفاعل أو المشاهد بل ولدى الذي يحث عليها اللهم سوى هذيان أقرب إلى السخافة.

 

رابعا: الحمولة الثقافية

الثقافة من أعقد المصطلحات تعريفا، فهي تتصل بكل حياة الفرد والمجتمع، يجتمع فيها الموروث والحاضر بكل إيجابياته وسلبياته. باختصار، الثقافة هي النسيج المعقد من العقائد والأفكار والنظم والاقتصاد والتربية والعادات.

 

خامسا: مكوّناتْ الحب العاطفي

يتكون الحب العاطفي والطقوس المصاحبة للعبادات المناسباتية، من مكونات وحمولات ثقافية مختلفة، وأبرزها الرمزية الثقافية، هذه الرمزية قد تكون دينية، أو شخصية، أو اجتماعية، أو خرافية، أو سياسية، كما أشرنا أعلاه.

وفي ظل الاستبداد وإكراهات الواقع الديني المصنوع سياسيا، تتحول إلى شحنة وجدانية تهرع صاحبها لأداء تلك الطقوس العدمية.

فالمولد النبوي فيه رمزيتان الدينية والشخصية، ومثلها كربلاء عاشوراء والغدير... إلخ. علما بأن الاحتفال بالمولد النبوي عند الدخلاء على التصوف أصبح متعلقا بشخص النبي فقط، وليس بقيم الدين ومبادئه الإنسانية السامية الخالدة.

كذلك الاحتفال بذكرى المولد النبوي عند سلالية البطنين، لا علاقة له بمبادئ الدين ونظام الشريعة الاسلامية السمحاء، وإنما هو ترسيخ لكذبة دعوى الحق الإلهي في الحكم والسياسة والتسيد الإبليسي العنصري.

كما أن احتفال الدخلاء على التصوف متعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف ولد مختونا وأمه لم تعانِ مشاق الحمل، وتساقط إيوان كسرى، وخمدت نار فارس، وخرج نور من رحم أم النبي أضاءت له قصور الشام، والرسول صلى الله عليه وسلم ما بكي أيام رضاعه قط، إلا إذا وجد نفسه عريانا، وكيف امتلأت ضروع شياه حليمة باللبن ببركة الرضيع، وإلى هنا ينتهي المشهد.

فإذا حصل تجاوز لما سبق، فليكن مصحوبا بالمسطرة التي تصف جبين الرسول صلى الله عليه وسلم، ولون عينه، وعدد شعر شيبته، وعمامته، وجبته، وشيء من المعجزات التي لا وجود لها إلا في الحمولة الثقافية الموروثة، مثل أنه إذا مشي في الشمس لا يكون له ظل، وإذا داس بقدمه الصخر أثر فيه، وإذا وطأ الرمل لم تنطبع قدمه على الرمل.

لا ندري ما قيمة هذا في حياتنا اليوم وإن صح أنه كان كذلك. أما إذا سألت المحتفلين لم لا تحتفلوا بمناسبة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا جواب، لأنهم يؤدون طقوسا عدمية عمياء.

والحقيقة التي لا جدال فيها حول الطقوس، مفادها مغالطة الذات الجمعية هروبا من مواجهة سؤال الحقيقة كما سنوضحه قريبا.

لقد حدثنى د. فؤاد البناء إنه أيام دراسته العليا في السودان حضر طقوس المولد النبوي، فوجد رقصا مختلطا ليلا في الساحات، فترك المشهد عائدا إلى سكنه، فرأى صاحب أُجرة فطلع معه فقال له: يا زول انتظر أنا مرهق بعد الرقص. قال: فسألته لو جاء الرسول أيش سيكون موقفه؟ أجاب بعد أن صمت قليلا: الرسول لو جاء حيرقص معنا.

الأكثر غرابة أن السلالية العنصرية عبر تاريخها تمقت الصوفية وتتأفف من فعل المولد حسب أصول السلالية، كون الصوفية يمثلون مدرسة التزكية السنية الأشعرية، وهذا يعني أن العداء أيديولوجي أي عقدي طائفي مذهبي قديم.

فما الذي جدّ لدى السلالية حتى تهرق المليارات من الحلال أو من الحرام لطلاء الجدران واللوحات؟ بل كيف تناسوا الخصومات التاريخية المحملة بفتاوى التكفير والتفسيق؟

يأتي الجواب بلغة متخشبة باردة في غاية البرودة: هذا يعني ممارسة التسامح والتعايش والأخوة الدينية.

قلت والله هذا غير ما في القلوب، وهو لا يحتاج إلى برهان، إنه الجواب الهارب
من مواجهة سؤال الحقيقة.

 

سادسا: الهدف

لا شك أن القارئ قد استنتج الهدف من خلال حديثي الآنف، فالهدف هو: الهروب من مواجهة سؤال الحقيقة، فما هي الحقيقة؟

هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان داعية سلاليا وعنصريه وطبقيا؟ كيف تحولت مبادئ الشريعة الداعية إلى رفض الظلم والقهر والتسلط والطغيان والعنصرية والسلالية ومحاربة العبث بإنسانية الإنسان ومصادرة حريته وكرامته وتزوير إردته إلى هذا المسخ والتشويه والعدمية في أقل الأحوال؟

سؤال الحقيقة هو: هل مقاصد التوحيد الرافضة لتقديس الأشخاص حولت الحكام إلى أنصاف آلهة؟

 

سابعا: الشعار

أصحاب كربلاء مكربَلون بدعوى حب الحسين والعجز إزاء قتلة الحسين الذي هو عيسى بن مريم رقم 2، لقد فدى الأمة بنفسه، فهذه الطقوس ليس لها أي تعليل سوى كذبة شفاعة الحسين.

الدخلاء على التصوف دعواهم نفس الدعوى (حب النبي) يعني حضوة بلحظة شفاعة لا شقاء بعدها أبدا
والدليل جاهز "ولسوف يعطيك ربك فترضى".

أصول الدين عند السلالية: صلاة، زكاة، خمس، صوم، حج، إمامة، ولاء وبراء لآل البيت. حسنا، وأين الشهادتان؟

الجواب بسيط: إذا عرفت سيداً من الآل فتعلق به، وسيوصلك إلى الجنة أولاً، ثم إلى الله والنبي ثانيا إن شئت.

كيف؟ بدون كيف، الكل يعلم أن النبوة ممتدة فينا، وبنا أنقذ الله الأمة، فهل ستكفرون بالنبوة؟ وبعقائد الإسلام؟ يا إلهي ماذا أسمع؟ أنبوة ممتدة؟ وبكم أنقذنا الله؟

نعم، اسألوا كبار فقهائكم يا سنة؟ طبعا كاتب هذه السطور قد سمع حرفيا من فقهاء سنة شافعية يشار إليهم بالأصابع سمعهم يقولون لأناس من السلاليين:
أنقذنا الله بكم يا سيد!

 

ثامنا: الآثار المدمرة للحياة

- قمع العقل.
- رفض سنن الله في النفس والاجتماع والعدل.
- انتظار معجزة أو كرامة أو المهدي.
- الحضارة والتقدم والتخلف بيد الله.
- قمع الأسئلة بل رفض أي علامة استفهام، كون دين الله ليس محلا للنظر.
- التسليم بكل ما يقال وإن كان خرافة.
- رفض الضمانات الحامية لحقوق الشعب (دستور، قانون، منظمات مجتمع، فصل السلطات)، والبديل هو التسليم لله فقط، والعناية بالإيمان القلبي وترك كل شيء لله.
- لم يكن هذا صادرا عن السلالية والدخلاء على التصوف، وإنما صادر عن فيلسوفين كبيرين منظرين للفلسفة الإسلامية والمقاصد الشرعية، دفعتهم إكراهات الواقع وسطوته إلى اجترار ثقافة التصوف الهندي الفارسي التي غزت ثقافتنا في القرن الخامس الهجري.

 

تاسعا: الحل

إن أردنا سرعة الخروج من هذه العدمية، فعلينا تنفيذ الواجبات التالية:
-يجب أن يتجه السير عكس الحب العاطفي والطقوس العدمية.
- إذا فعلنا هذا سنجد أنفسنا في الطريق الصحيح كما قال أحد فلاسفة النهضة الأوروبية.
- يجب الانتقال من حب النبي حبا عاطفيا عدميا طقوسيا أحمقا إلى حب النبي حبا عقليا سننيا تعليلياً، فهو الأقوى وهو كفيل بأن يجمع بين العاطفة والعقل.
- يجب رفض الوصاية على العقل المسدد بالمقاصد الشرعية.
- يجب إغفال القصائد العاطفية الإنشائية تماما، والتي جعلت التعبد مرتكسا في جانب التغزل بجسم النبي المبني على حساب الهدف والمعنى.
- يجب تحريك القصائد وإعمالها في التعليم بجميع مستوياته، وأعني القصائد المتضمنة لمبادئ الشريعة اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا، وتحويلها إلى مجالس الموالد، ومع تسليمنا بضآلة عدد هذه القصائد لكنها قوية متجددة المعاني بل إنها أخّاذة للعقل والوجدان.

 

من هذه القصائد:

- بشرى النبوة للبردوني.
- فجران للبردوني أيضا.
- فجر النبوة للبردوني.
- الهمزية لأمير الشعراء.
- ولد الهدى له أيضا وهي في قافية الباء.
- قصيدة لنزار قباني، وقد جمعت بين السلاسة والعاطفة والقيم العقلية والحضارية وهي موجودة في الإنترنت.

شواهد سريعة

الأول، من قصيدة البردوني:
والوعي يخزي الظالمين كما
يخزي لصوص الدجى إشراق أقمارِ

وهناك أبيات تحمل قيما بلغة غاية في التصوير.

الشاهد الثاني، لشوقي، فقد جمع الشريعة كلها في بيت قائلا:

الدين يسر والشريعة سمحة
والحكم شورى والحقوق قضاء

الشاهد الثالث، لشوقي أيضا:
فعلم ما استطعت لعل جيلا
سيأتي يحدث العجب العجابا
فرب صغير قوم علموه
أتى فحمى المسومة العُرابا
ولو تركوه كان أسىً وذلاً
بل وكان أذىً وعابا.

بكلمة، نعم للحب العقلي تجاه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، لا للحب العاطفي والطقوس العدمية.

كلمات دالّة

#المولد_النبوي