الجمعة 29-03-2024 16:40:17 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الركائز الدينية والمنطلقات السياسية في الأيديولوجيا الإمامية (الحلقة الثانية) تأويل النصوص

الثلاثاء 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

 

في سلسلة حلقات عن الأيديولوجيا الحوثية الإمامية نستعرض أهم الركائز التي قامت عليها هذه الأيديولوجيا من لدن بذرتها وحتى اليوم وأثرها على وحدة المجتمع وكيف نخرت المجتمع اليمني أو المجتمعات الأخرى التي وجدت فيها، وأثر ذلك مستقبلاً.

وفي هذه الحلقة سنتحدث عن تأويل الإمامة والحوثية للنصوص واعتسافها لصالح أيديولوجيتها بعيداً عن محذورات التحريف والكذب على الله ورسوله والمؤمنين.

فالشعب اليمني طيب ومتدين بطبعه، ولذلك فإن النصوص الدينية عند الشعب اليمني لها تأثير كبير في السيطرة على عقولهم وسلوكهم على اعتبار أنها طاعة لله ورسوله. من هذا المدخل تسللت الإمامة إلى الشعب عبر مراحله المختلفة وزورت النصوص وأولتها وحرفتها لكسب تعاطف هذا الشعب العظيم الطيب المتدين.

فمثلاً عملت الإمامة على تفسير بعض آي القرآن أنها هي المقصودة بها، ومن تلك الآيات والنصوص قول الله تعالى في سورة الأحزاب:

{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. يقولون إنهم هم المقصودون بهذه الآية والتطهير! مع أن الآية واضحة وضوح الشمس المقصود بها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والآيات والسياق كلها هنا تتحدث عن نساء النبي، والآيات بتمامها قال تعالى:

{يا أيها النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ... وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ...}(الأحزاب/۲۸ ـ ۳٤).

 فأين الإشارة إليهم هنا؟!

ولو تتبعنا آيات القرآن التي ذكر فيها مصطلح "أهل البيت" في القرآن، كما هو الحال في سياق الحديث عن بيت إبراهيم الخليل، في قوله تعالى: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} فإن استعمال المصطلح خصت به زوجه سارة في سياق تبشيرها بالإنجاب بعد عمر طويل من العقر وعدم الإنجاب.

وفي هذه الآيات أيضاً أولها السفاح عبدالله بن حمزة على أنها تفسير وسند للآية في سورة الحج قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}الحج(78).

قال ابن حمزة: "المقصود بهذه الآية الحسن والحسين -رضي الله عنهما- والمقصود بها إمامتهما دون غيرهما لأنه لا جهاد إلا بإمام والإمامان هنا الحسن والحسين".

ثم قال: "فإن قيل: ومن أين أن المراد بالآية من ذكرتم من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلنا: الآية فيها ذكر ولد إبراهيم، ولا أحد ذكرها دليلاً على غير العترة الطيبة من ولد الحسن والحسين -عليهم السلام- فلو صرفها بعض القائلين إلى قريش أو بعض ولد علي -عليه السلام- لكان قد قال يقول خارج عن قول الأمة، وذلك لا يجوز".

المهم أن عبدالله بن حمزة، ذلك السفاح المعروف، جلس يجهد نفسه كثيراً لتأويل هذا النص واعتسافه لصالحهم فلاك الأمر كثيراً وردده في كثير من مؤلفاته ودعوته للإمامة، فقال في كتابه العقد الثمين: "أما الدليل على ثبوتها فيهم دون من سواهم فأدلة كثيرة نقتصر منها على الآية قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}الحج(78). ووجه الاستدلال بهذه الآية أن هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، فإذا تقرر وجوب الجهاد في الله تعالى حق جهاده ولا يكون ذلك إلا بتجييش الجيوش، وحفض البيضة، ونكاية العدو، وفتح بلاده، وتذليل أجناده، وإنفاذ الأحكام بالقتل والسبي، والقطع والجلد".

وكيف يستدل بهذه الآية على تلك وعلى أن المقصود الحسن والحسين، قال:

الوجه الأول من الاستدلال: هو أنهم المرادون بالآية دون غيرهم فالدليل على ذلك أن البيت المذكور في الآية هو بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد علمنا أنه من يختص ببيت الرسول حقيقة فهم أولاده وأولاد أولاده. وأخرج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية، ثم زاد من تفسير ذلك ما يسمونه بحديث الكساء وهم المقصودون بالآية، فهم يرفعون حديثاً ينسبونه إلى أم سلمة -رضي الله عنها- تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في بيتها فأتت فاطمة -رضي الله عنها- ببرمة فيها خزيرة (اللحم) فدخلت بها عليه، فقال: ادعِ لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو وهم على منام له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم أخرج يده، فألوى بها إلى السماء، وقال: "هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"، قالت: فأدخلت رأسي البيت، وقلت: وأنا معكم يارسول الله، قال: "إنك إلى خير إنك إلى خير"، وفي رواية أخرج رأسها من تحت الكساء ومن بينهم وقال لها "إنك إلى خير".

الآية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أن المقصود بالآيات زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بأدلة متنوعة من القرآن، فالخطاب موجه لهن منذ البداية {يا أيها النبي قل لأزواجك...}، وفي آية أخرى تفسيرية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً}الأحزاب53.

وكذلك قال عن أهل إبراهيم وزوجته أم إسحاق وهما يبشران بالولد أنها أهل بيته قال تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}هود73. فلماذا تؤولونها على غير ما أنزل الله وتعتسفونها لصالحكم؟!

نقول هذا الكلام لكي تفهم يا شعبنا العزيز والعظيم كيف يتم التزوير والكذب عليك وتضليل الأئمة لكم والتلاعب بمشاعركم ودينكم وعقولكم.

تعلمون كيف رفع الحوثيون شعار "فاتبعوني يحببكم الله" وهي آية تنطق على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}آل عمران31.

وهم يشيرون بها إلى اتباع الحوثي والتجييش ضد الدولة وضد الشعب اليمني.

أيضاً نجد أن الأئمة يقولون إن المقصود بالآية {اليوم أكملت لكم دينكم..} هو الإمام علي وخاصته وأتباعه. قال ابن حمزة في كتابه العقد الثمين: "إن الإمام علي قال إن الآية نزلت فيه وفي أوليائه خاصة وفي أوصيائه إلى آخر الزمان.."، وأورد نصاً على أنه حديث نبوي لا يستحون من الكذب على الله ورسوله والرسول يقول: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".. قال ابن حمزة: قال سلمان (يقصد الفارسي): يا رسول الله فسمهم لنا (يقصد الذين تنزلت عليهم الآية) قال الرسول: "علي أخي {وزاد الأئمة: ووصيي ووزيري] ووارثي وخليفتي في أمتي ومولى كل مؤمن بعدي وأحد عشرة إماماً من ولدي أولهم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونهم حتى يردوا علي الحوض!".

وهكذا نجدهم لا يرعوون عن التزوير لا في الدين ولا في سائر أعمالهم للوصول إلى التسلط على الأمة والشعوب.

وكثيرة هي النصوص التي يؤولونها لصالحهم سواء كانت النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية والتي هي الأخرى لم تسلم من التحريف والتزوير، ولو استطاعوا أن يزوروا نصوص القرآن لما ترددوا لحظة واحدة وقد عمدوا إلى تزوير التأويل.

وفي ما سمي عندهم بالأحاديث النبوية يأتون بنص في موضع وينقضونه في مواضع أخرى، ويختلقون الكثير من النصوص التي ينسبونها زورأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن الأئمة المتأخرين طبعوا نصوص الإمام الرسي كأحاديث ونصوص وتشريع يدينون بها ويقدسونها.

ثم بعد ذلك الكذب والادعاء بالقول والتلقب بلقب ابن رسول الله، والله يقول: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}، والله يقول: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}، وهم يدعون وينسبون أنفسهم إلى امرأة، والعرب لا تنسب للنساء بل للرجال، وجاؤوا بحديث الكساء ليخرجوا بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم كبني العباس وبني عقيل وغيرهم في إطار صراع السلطة والأسرية بينهم لتبقى فيهم، حتى إنهم بعد ذلك أخرجوا بقية أبناء علي من صفة الآل ومن الاستحقاق السياسي للسلطة.

 ونجدهم في مواضع أخرى وأزمنة متعددة حينما تؤول إليهم السلطة يتصارعون بينهم صراعاً مريراً حتى إن الأخ يقتل أخاه والابن يحارب أباه والأب يقتل ابنه في سبيل السلطة.

تعالوا أيضاً لتعرفوا ما يقول الرسي الهادي باذر بذرة الإمامة في اليمن لأتباعه، ولم يكتف الهادي بأيديولوجيته ضد الآخرين بالتشويه والتضليل وتأويل النصوص على غير طبيعتها وإنما تأله حتى في منح صكوك الغفران للأتباع ودفعهم للقتال دونه وفي سبيل دعوته، ومن ذلك مثلاً ما أورده كاتب سيرته ابن العلوي: "وسمعته يوماً يقول للناس: اضمنوا لي أن تصلحوا لي سرائركم، وإذا أمرتكم بشيء ائتمرتم، إذن والله أوقفكم على المحجة البيضاء، وأضمن لكم الجنة!".

ولذلك نجد هذا الرسي يكفر غيره ممن يرفض اتباعه من خلال بعض النصوص التي يزورها ويختلقها ثم يأتي من بعده أحفاده ويقسمون الناس إلى فئات وطبقات كفرية لتكون دافعاً لهم لاستحلال دمائهم وقتالهم والاستفراد بحكم ما استطاعوا الوصول إليه من أقاليم اليمن.

كلمات دالّة

#الاصلاح_نت