الجمعة 29-03-2024 18:52:50 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

كيف تستفيد جماعة الحوثي من تأخر الحسم العسكري في اليمن !

الأحد 28 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد السلام قائد


بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف منذ بدء الحرب على الانقلاب في اليمن، وسط مؤشرات بأن الحسم العسكري ضد الانقلابيين ما زال متأخرا، تبدو جماعة الحوثي أكثر الأطراف استفادة من تأخر الحسم العسكري، خاصة أن الاضطرابات المحلية والإقليمية تصب جميعها في مصلحة الحوثيين والمشروع الإيراني في منطقة المشرق العربي.

ورغم أن مبررات عدم التسريع بالحسم العسكري -بحسب تصريحات مسؤولين في السلطة اليمنية الشرعية والتحالف العربي- تتمحور حول الادعاء بأن ضغوطا غربية تحول دون ذلك، وأن هذه الضغوط تدفع باتجاه الحل السياسي والسلمي للأزمة، إلا أنه لا توجد مؤشرات بأن جماعة الحوثي ستقبل بالحل السلمي للأزمة، مهما تكبدت من خسائر مادية وبشرية في بعض الجبهات. ومع ذلك، فما تزال الجماعة هي المستفيد الأكبر من تأخر الحسم العسكري ضدها.

وعند الحديث عن استفادة الحوثيين من تأخر الحسم العسكري ضدهم، فإن ذلك لا يعني بأن الطرف الآخر يخسر خسائر موازية، ولكن يمكن القول بأنه كلما تأخر الحسم العسكري فإن كلفته مستقبلا ستكون باهظة. أما التجاوب المشروط أحيانا وغير المشروط أحيانا أخرى الذي تبديه جماعة الحوثي مع المساعي الأممية للحل السلمي للأزمة، فلا يعدو كونه مجرد استهلاك للوقت، واستهتار واضح بمختلف الأطراف، بما فيها الأمم المتحدة ذاتها.


أما كيف يستفيد الحوثيون من تأخر الحسم العسكري، فإن ذلك يتم كما يلي:

- تأخر الحسم العسكري يمنح الحوثيين فرصا ثمينة لتعويض خسائرهم البشرية في الجبهات، من خلال كثافة التجنيد وتدريب المقاتلين، خاصة أنهم يسيطرون تماما على المحافظات والمناطق التي تمثل حاضنة اجتماعية لهم، ويستغلون حالة الفقر المدقع التي تعصف بالمواطنين جراء انهيار العملة المحلية وارتفاع الأسعار، مما يجعل الكثير من المواطنين يلجؤون للقتال إلى جانب الحوثيين طمعا في القليل من المال الذين يحصلون عليه مقابل ذلك، لإنقاذ أسرهم من الموت جوعا.

- يستفيد الحوثيون من تأخر الحسم العسكري في تهريب السلاح من إيران، وصناعة وزرع الألغام في الخطوط الأمامية في الجبهات الساخنة، مما يعيق تقدم قوات الجيش الوطني والتحالف العربي، ويجعل كلفة التقدم باهظة ماديا وبشريا. كما أن تراكم تهريب الأسلحة من إيران، وأيضا تراكم إرسال إيران خبراء عسكريين إلى صنعاء لمساعدة الحوثيين، وزيادة تغول النفوذ السياسي والعسكري لإيران في اليمن، كل ذلك قد يجعل اليمن قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة تهدد المنطقة والمحيط الإقليمي.

- يستفيد الحوثيون من الخلافات والمعارك الجانبية التي تنشب بين بعض الأطراف المناهضة لهم، كون هذه الخلافات تصرف خصومهم عن معركتهم الرئيسية ضد الانقلاب، وتجعلهم أسرى خلافاتهم البينية التي تستنزف قدراتهم، يقابل ذلك حرص الانقلابيين على تعزيز جبهتهم الداخلية وحسم أي خلافات قد تنشب بينهم بأي طريقة.

- يراهن الحوثيون على المتغيرات والاضطرابات الإقليمية والدولية، كلما تأخر الحسم العسكري ضدهم، أملا في أن تصب هذه المتغيرات في خدمة مشروعهم ومشروع حليفتهم إيران. فاضطراب العلاقات الدولية يجعل مستقبل المنطقة مجهولا، في وقت تتعزز فيه العلاقات العابرة للدول بين التنظيمات والجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومات العربية على التنبؤ بما تحيكه أجهزة المخابرات والحكومات الغربية من مؤامرات قد تدخل المنطقة العربية في نفق مظلم.

- إطالة أمد الحرب يمنح الحوثيين الفرصة الكاملة لتغيير المناهج الدراسية بشكل تدريجي حتى تصبح مناهج طائفية ومذهبية بشكل كامل، الأمر الذي من شأنه سلخ قطاع كبير من الجيل اليمني الجديد عن معتقده الديني وهويته القومية العربية، وبالتالي تفخيخ مستقبل اليمن ودول الجوار من خلال ظهور جيل جديد من المقاتلين الذين يدينون بالولاء لإيران، ويشكلون قنابل موقوتة تستهدف زعزعة أمن واستقرار اليمن والمنطقة ككل.

- يستغل الحوثيون إطالة أمد الحرب لنشر التشيع في المجتمع اليمني، من خلال العديد من الإجراءات التي اتخذوها منذ بدء الانقلاب والسيطرة على العاصمة صنعاء وعدة محافظات، مثل تفجير العديد من المساجد ومدراس تحفيظ القرآن الكريم التابعة لأتباع المذهب السني، واستبدال جميع خطباء المساجد بآخرين من جماعتهم.

كما منعوا الكثير من مدارس تحفيظ القرآن الكريم من العمل، ومنعوا الدعاة والمرشدين من المحاضرات والوعظ بعد الصلوات في المساجد، وفرضوا رقابة شديدة على ما تبقى من خطباء ودعاة ممن سمحوا لهم بالخطابة يوم الجمعة فقط، ويعملون على تدريب وإعداد خطباء جدد من المنتمين لجماعتهم لاستكمال السيطرة على ما تبقى من مساجد يخطب فيها وعاظ ودعاة من المذهب السني، بعد أن أفرغوا المحافظات التي يسيطرون عليها من العلماء وكبار الدعاة السنيين الذين اضطروا لمغادرة البلاد خوفا من السجن أو الاغتيال.

- كلما طال أمد الحرب يزداد قادة جماعة الحوثي وما يسمى بـ"المشرفين" غنىً وثراءً، جراء ما ينهبونه من أموال طائلة، مثل عائدات الجمارك والضرائب، والإتاوات التي يفرضونها على القطاع الخاص والمزارعين وصغار التجار وغيرهم، بذريعة دعم المجهود الحربي، بالإضافة إلى ما يسمونه "زكاة الخمس".

- يستغل الحوثيون تدهور سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار، كلما طال أمد الحرب، لاتهام السلطة الشرعية بالعجز عن عمل أي شيء للتخفيف من معاناة المواطنين، وذلك بغية إحراقها أمام الشعب، والتنصل من تحملهم المسؤولية الكبرى عن تدهور الاقتصاد الوطني والوضع المعيشي للمواطنين، بل ويظهرون بمظهر الضحية.

- ربما أن إطالة أمد الحرب، وعدم التسريع بالحسم العسكري ضد الحوثيين، يمنحهم الفرصة الكافية لمراكمة النفوذ والمكاسب التي يحققونها، حتى يتحولوا إلى قوة كبيرة قادرة على فرض نفسها بقوة في المشهد السياسي اليمني، ووضع شروط الحل السياسي بما يخدم مصالحهم بعد أن تكون كلفة الحسم العسكري باهظة للغاية أو مستحيلة، مما يمكنهم من جعل نظام الحكم في اليمن نسخة مشوهة من النظام الطائفي في لبنان، يكون الحوثيون هم القوة الأكبر المتحكمة فيه، هذا إن لم ينفصل جنوب اليمن وتتعقد الأوضاع بشكل غير متوقع، وبالتالي إحداث بؤرة توتر مزمنة في جنوب السعودية تستنزف قدراتها وتشكل خطرا على أمنها واستقرارها، وإنهاك اليمن بأزمات سياسية واقتصادية إلى أجل غير مسمى.

وبناءً على ما سبق، فإن الضرورة الوطنية، ومصالح دول الجوار، والأمن القومي العربي ككل، جميعها تقتضي التسريع بالحسم العسكري في اليمن ضد جماعة الحوثي، قبل أن يقوى عودها وتصبح عصية على الانكسار. فالمشروع التخريبي الإيراني لن يقف عند حد، وكلما سقطت دولة بيد إيران وعملائها فإن الهدف التالي سيكون الدولة التي بجوارها، ومؤشرات ذلك أن إيران بدأت منذ مدة زمنية طويلة تعمل على نشر التشيع في البلدان العربية والإسلامية التي لا يوجد فيها أقليات شيعية، بما فيها بعض بلدان القارة الإفريقية البعيدة جغرافيا عن إيران، والهدف من ذلك نخر هذه البلدان من الداخل، حتى تصبح فريسة سهلة لدى الفُرس.