الجمعة 29-03-2024 15:48:22 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح والوطن والخصوم.. من اطلاق الإشاعات الى سلوك الإجرام (الحلقة الأولى)

السبت 27 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت- خاص




محطات
نشأ التجمع اليمني للإصلاح من وسط الشعب اليمني. لم يأت بقرار سلطوي فوقي، يستخدم مال السلطة وقوتها للعضوية، ولا امتداد لسلطة من خارج البلد، تسنده مالا ومعلومة، ليكون امتدادا لها. لكنه جاء يمنيا وطنيا، يمثل النسيج المجتمعي أصدق تمثيل، ويبسط وجوده على امتداد الجغرافيا اليمنية، وعلى الرغم من أنه وطني بامتياز، وولاؤه للدولة اليمنية، إلا أنه لم يدع احتكار الوطنية، ولم يسلبها من الآخرين، إلا أن ذلك لم يعفه من خصومة قوى مختلفة، وقد يكون ذلك من ضرائب تمسكه بالدولة اليمنية ونظامها الجمهوري، ولن تجد خصما للإصلاح إلا وهو يضر بالوطن، وقضاياه المختلفة ويعبر الخصوم عن خصوماتهم ، من إطلاق الإشاعات والتهم المفتراه الى القتل.

  


الإستفتاء على الدستور 1992

لا يوجد في العالم استفتاء على مشروع دستور، الا لوجود مؤيدين ومعارضين، ولذلك يكون الاستفتاء للفصل بين الطرفين، ويكون الاستفتاء غالبا على الدستور ب "نعم" و "لا"، وحين يدعو حزب سياسي للرفض أي اختيار لا أو يدعو للمقاطعة فذلك حق من حقوقه وللأعضاء المنضوين فيه.
 الى هنا والمسألة طبيعية، غير أن خصوم الإصلاح من القوى المختلفة، قد خلطوا خلطا عجيبا بين الدستور، وبين الدولة الوليدة ( الجمهورية اليمنية ) وأن رفض مشروع الدستور بتلك الصيغ الموجودة فيه، رفض للوحدة ، ومن ثم رفض للدولة ، للجمهورية اليمنية!
 راجعوا تاريخ الدول والدساتير والاستفتاء عليها ، لن تجدوا في هذا العالم أن في دولة ما كان هناك استفتاء على دستور ليس فيه معارضين ، أو اعتبار رفض الدستور رفضا للدولة ، أو رفضا لوجود دستور ، كل ذلك قيل عن الإصلاح ، يرفض الوحدة ، مع أن الوحدة عنده من الواجبات الجماعية ، وكما يذهب البعض الى القول إن الوحدة والدولة اليمنية الواحدة فريضة شرعية وضرورة بشرية.
تلك المحطة الأُولى لاختبار التعددية التي رافقت قيام الجمهورية اليمنية ، والتي عبرت فيها أحزاب سياسية، عن قلة إدراك للتعددية السياسية والحزبية ، واطلقت أحكاما ، تحت تأثير ما يعرف ب "قوة العادة"، إذ كانت حتى وقت قريب إما نظاما شموليا (نظام الحزب الواحد)، بلا معارضة ، أو أحزابا خارج السلطة ، نشأت بعقلية الحزب الواحد، والإقصاء لكل من يختلف معها، أي أن طبيعتها إقصائية استئصالية ، لذلك كان من الصعب عليها تقبل تلك الحشود المعبرة عن رفضها لمضامين الدستور ، والدعوة للتصويت ب لا أو المقاطعة . فلم يكن أمام الإصلاح إلا الدعوة لمقاطعة الاستفتاء، لشكوك في اكتناف عملية التصويت خروقات تقلل أو تنفي المصداقية عن النتائج.
وقد يكون الإصلاح راجع هذا الموقف وقيمه، وربما وجد أن أخطاء ما رافقت حملته تلك في بعض تعبيراتها ، لكن ما هو مؤكد أنه لم يكن موقفا من الوحدة كما روجت الحملة الدعائية لخصومه وها هي الأيام تثبت أن خصومه لم يكونوا بمستوى ذلك الحماس، وانتهى بهم المطاف الى أن صاروا إما ضد الوحدة عمليا ودعاة تشطير وتجزأة أو هم صاروا اشتاتا ، وبقي الإصلاح الذي يمثل الجغرافيا اليمنية والمجتمع اليمني ، يمثل الوحدة اليمنية اصدق تمثيل ، حتى لكأنه غدا وحيدا من الناحية العملية ليبقى الكتلة الصلبة التي ترتكز عليها الدولة اليمنية ووحدتها الوطنية.

 


حرب 94 وإشاعة الفتوى

من المعروف أن الانتخابات النيابية العامة 1993 ، كانت من افضل الانتخابات التي جرت في اليمن، وكان من أهم أسباب الدقة في الإجراءات اللجنة العليا للانتخابات التي ضمت مجموعة من الشخصيات المتمتعة بثقل واسع ، وبرئاسة القاضي عبد الكريم العرشي، الذي كان يتمتع بشخصية قوية ، وقد سمعنا أن جار الله عمر – رحمه الله – قال: إذا وضع القاضي العمامة على الطاولة لا أحد يجرؤ على الكلام، وكانت هناك قوة أُخرى تقف وراء قوة اللجنة العليا للانتخابات تتمثل في توازن القوى بين صالح والمؤتمر من جهة والحزب الاشتراكي من جهة الأُخرى، وعلى الرغم من أن سطوة الحزب في المحافظات الجنوبية كانت وراء ذهاب مقاعدها لصالح الحزب ، مقابل خسارته في المحافظات الشمالية .
أسفرت الانتخابات عن حصول المؤتمر الشعبي على المركز الأول (أغلبية نسبية ) لا تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده ، وحصول الإصلاح على المركز الثاني والحزب الاشتراكي على المركز الثالث ، كانت النتيجة مخيبة لأمال الحزب الإشتراكي، وأفرزت نتائج شطرية، وقد كان ذلك من أخطاء المرحلة ، إذ كانت تحتاج الى قدر من التنسيق والتوافق المسبق ، الانتخابات انتجت أزمة ، وفي الوقت الذي كانت هناك عمليات خفية لإضعاف الاشتراكي يديرها صالح فقد نجح في دفع الحزب بقيادة علي سالم البيض الى اتباع سياسة حافة الهاوية ، لتنتهي الأزمة السياسية بحرب طاحنة اسقطت مساعي العودة للتشطير حينها.
لا يذكر خصوم الإصلاح قبوله بالمركز الثالث في المشاركة في السلطة ، والتنازل لصالح الاشتراكي من أجل الوطن ووحدته ، والسعي لرأب الصدع بين صالح والحزب ، وأن الحرب التي انفجرت كانت بين قوات تابعة لصالح وقوات تابعة لنائبه علي سالم البيض ، وانهما أبقيا الجيش مشطرا باستثناء تبادل مواقع رمزية بين وحدات محدودة، السبب الرئيس وراء ذلك أن الجيش لم يكن جيش دولة بل جيش شخص وجيش حزب ، والا لكان اندماجهما سهلا .
الإصلاح كان جزءا من الحكومة، فيما قيادة الجيش بيد الرئيس صالح ، لكن بفعل فاعل يحمل الإصلاح لاحقا أنه وراء الحرب!
لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها تحميل الإصلاح وزر تفجر الحرب، ففي حرب المناطق الوسطى ضد ما كان يعرف بالجبهة الوطنية منتصف الثمانينات وقف التيار الإسلامي إلى جانب الوطن والشعب في حربه ضد جماعات التخريب التي انحدرت بعدما كانت تهدد النظام السياسي كله، إلا أنه بمجرد اندحارها وعودة الاستقرار صرح الرئيس السابق علي صالح ان الدولة لم تكن طرفا في الحرب، وأن الحرب كانت بين الشيوعيين والإسلاميين !

 


الفتوى الإشاعة

ربما تدخل هذه الإشاعة موسوعة غينس ، من حيث قوتها واستمرارها ، وإذا علمنا أن وراءها تنظيم سري متفنن في خصومته للإصلاح وفي صنع الإشاعات يقل العجب.
إنه التنظيم السري للإمامة الجارودية وعبر صحفيين في تنظيم اتحاد القوى الشعبية، أحد الأذرع السياسية للتنظيم الإمامي السري بقيادة إبراهيم علي الوزير الذي كان مقيما في الولايات المتحدة.
 رئيس تحرير صحيفة الشورى الصادرة عن القوى الشعبية، الإعلامي المحترف عبد الله سعد محمد وأخوه عبد الجبار سعد محمد الذي صاغ الإشاعة ودبج المقالات حولها، ولاقت رواجا لدى قوى انفصالية لا تقل عن الإمامة في خصومتها للإصلاح ، فجعلت من الفتوى الإشاعة أعظم من الحرب، وصرفت الأنظار عن أطراف الأزمة والحرب الحقيقيين إلى الإشاعة والإصلاح والفتوى المختلقة.

ثمة حقيقة جرى عن قصد تجاهلها، وهي أن الإصلاح حزب سياسي وليس دارا للإفتاء، ولو صدر فرضا عن أحد أعضائه أو حتى مسئوليه رأيا فإنه يعبر عن رأي الشخص، إذ المعروف أن أي حديث أو موقف لا يعبر عن هيئة أو جهة أو حزب مالم يكن في بيان صادر عنه أو متحدث باسمه ، وهذه البدهية تم تجاوزها من قبل صانعي الإشاعة وتلقفها من قبل قوى أُخرى نكاية بالإصلاح.   
وثمة ملحوظات تتمثل في تساهل الإصلاح مع تلك الإشاعة ، والسكوت عنها أو التعليق عليها بطريقة توحي باللا مبالة بها.
وعلى الرغم من أن الإمامة ممثلة بالحوثيين ظلت تندد بما تسميه تكفير الجنوب واستباحة الدماء ، الا أنها بذاتها لم تتردد حين سنحت لها الفرصة بدعشنة الرئيس هادي لأنه (جنوبي) ودعشنة الجنوب واستباحته بحرب طاحنة ، لم تخرج منه الا بتحالف عربي .


على أن الإصلاح بحاجة الى بيان موقف يعبر عنه بهذا الشأن، وعن رؤيته للأزمة والحرب.
ربما كان الأسوأ تعامل سلطة صالح مع المحافظات الجنوبية، بعقلية المنتصر وكأنه بالفعل غزى شعبا آخر ، في حين الشعب في تلك المحافظات وقف مع الوحدة وكانت عدم قناعة الجيش التابع للحزب الإشتراكي بأهداف علىي سالم البيض وفريقه الإنفصالي حاسمة في المحافظة على الوحدة ، وحسم الحرب وإنهائها ، وبدلا من تقدير ذلك عمل نظام صالح على إظهار سلوك انفصالي بامتياز ، وأوجد البيئة الملائمة لظهور الدعوات الإنفصالية لاحقا.