السبت 20-04-2024 07:46:11 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تهديدات ومخاطر تحالف إيران الحوثيين على الأمن القومي الخليجي

الإثنين 22 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص / عبد السلام قائد
 

 


تولي إيران تحالفها مع جماعة الحوثي في اليمن اهتماما متزايدا منذ أن تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء، والانقلاب على السلطة الشرعية، بالتحالف مع الرئيس السابق علي صالح، حينها صرح أحد المسؤولين الإيرانيين بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران، في استفزاز واضح لليمنيين وللعالم العربي بشكل عام.

بدأ الاهتمام الإيراني باليمن منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما تحسنت علاقة إيران ببعض الدول العربية بعد انتهاء حربها مع العراق، فاتخذت من ذلك التحسن ستارا لمد نفوذها إلى اليمن وغيره بشكل تدريجي وغير ملفت للانتباه، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، حيث صارت جماعة الحوثي من أخطر أذرع إيران العسكرية في المنطقة، وأكثرها إخلاصا وولاءً لها.



- خطر متزايد

تتزايد خطورة التحالف الوثيق بين إيران والحوثيين بعد أن صارت جماعة الحوثي تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي اليمني والخليجي، وصارت من أخطر أذرع إيران في المنطقة، بما في ذلك ما يسمى بـ"حزب الله" اللبناني، كونها أصبحت تطلق الصواريخ البالستية التي حصلت عليها من إيران إلى عمق الأراضي السعودية، وهو عمل لم يسبق أن قامت به أي مليشيات شيعية في المنطقة، بما فيها مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، ومليشيات "حزب الله" في لبنان.

وتتزايد هذه الخطورة جراء تداخل مختلف الملفات الساخنة التي تعصف بمنطقة المشرق العربي، وتشكل تحالفات جديدة/قديمة على وقع الحروب والدماء التي اختلط فيها الطائفي بالقبلي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، في عام 2011، وحتى يومنا هذا.

استفادت إيران من عودة الصراعات الدولية وسباق الدول الكبرى على المصالح والنفوذ، كما استفادت من التحولات السياسية السلبية الجديدة، المتمثلة في ظهور تحالفات عابرة للدول، خاصة لدى الجماعات والطوائف الشيعية، التي تتمركز حول قيادة مركزية موحدة في طهران، مما صب في مصلحة إيران، التي وثقت تحالفها مع هذه الجماعات والطوائف.

ثم وثقت إيران تحالفها مع روسيا، خاصة بعد أن دخلت الأخيرة على خط الأزمة السورية، وتدخلت عسكريا لإنقاذ بشار الأسد ونظامه بعد أن لاحت هزيمته في الأفق، في ظل عجز مختلف المليشيات الشيعية التي قدمت إلى سوريا من بلدان عدة لإنقاذ وحماية نظام الأسد.

وعند التأمل في خريطة النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة العربية، سنجد أن النفوذ الإيراني امتد إلى جميع المناطق التي امتد إليها نفوذ الإمبراطورية الفارسية قبل أن تقضي عليها حركة الفتوحات الإسلامية، بما فيها اليمن التي كانت ولاية فارسية قبل ظهور الإسلام، كما أن النفوذ الروسي امتد إلى جميع المناطق التي امتد إليها المد الشيوعي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.

إن عودة سباق المصالح والنفوذ في منطقة المشرق العربي ينبئ بدورة جديدة من الصراع سيكون ضحيتها بشكل رئيسي العرب السنة، خاصة منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، كون الصراع يتخذ أبعادا طائفية عنيفة، بدأت منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مما وفر المناخ السياسي الملائم لإيران لتتمكن من مد نفوذها ونشر ثورتها الخمينية في المنطقة.

لقد تمكنت إيران من تحقيق الكثير من المكاسب خلال السنوات الأخيرة على حساب العرب السنة، وشكل الصعود السياسي والعسكري للطوائف الشيعية أبرز هذه المكاسب، كان آخرها تمكن جماعة الحوثي من السيطرة العاصمة اليمنية صنعاء وعدة محافظات من البلاد بعد الانقلاب على السلطة الشرعية بالتحالف مع الرئيس السابق علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر.

ولا يبدو أن إيران ستتنازل عن المكاسب التي حققتها خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن الحروب الطائفية العنيفة لا تكلفها الكثير من الأموال والمقاتلين، حيث تكتفي بإرسال عدد محدود من الخبراء والمقاتلين، وتزويد المليشيات الطائفية الموالية لها بالمال والسلاح، وتقف موقف المتفرج بعد أن تمكنت من الإيقاع بين العربي السني والعربي الشيعي حتى تحقق أهدافها التوسعية.

ويؤكد الواقع أن إيران ممتنة كثيرا لجماعة الحوثي، كونها استطاعت أن تقصف عمق الأراضي السعودية بالصواريخ البالستية المقدمة منها، وتدفع بمقاتليها للتقدم صوب الأراضي السعودية والاشتباك المباشر مع الجنود السعوديين المرابطين في حدود بلادهم مع اليمن، ومثل هذا التهديد المباشر للسعودية، التي تعد الخصم الرئيسي لإيران، لم يسبق أن قامت به جماعات شيعية أخرى، خاصة ذراع إيران القوي ما يسمى بـ"حزب الله" اللبناني، نظرا لبعد لبنان الجغرافي عن السعودية وعدم وجود حدود مشتركة معها.

ولذا، فإنه من غير المعقول أن تتخلى إيران عن جماعة الحوثي مهما كانت الخسائر والضغوط، ومن غير المعقول أيضا أن تقطع الدعم عنها بمختلف الوسائل، خاصة أن جماعة الحوثي أثبتت ولاءها لإيران أكثر من بقية الجماعات والطوائف الشيعية في بلدان أخرى.

- ملامح وخلفيات

هناك العديد من الدوافع العقائدية والتاريخية التي تجعل إيران تولي اهتماما خاصا بنفوذها في اليمن وتحالفها مع جماعة الحوثي، تتمثل الدوافع العقائدية في اعتقاد إيران باندلاع ما يسمى "الثورة السفيانية" في اليمن، والتي روج لها رجل الدين الشيعي علي الكوراني العاملي في كتابه المسمى "عصر الظهور"، وتتمحور فكرته الأساسية حول ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها "أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق".

وتحدد الروايات الشيعية وقتها بأنه "مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي بأربعة شهور"، وأن عاصمتها صنعاء، أما قائدها المعروف باسم "اليماني"، فتذكر إحدى الروايات أن اسمه "حسن" أو "حسين"، وأنه من ذرية زيد بن علي. 

أما الدوافع التاريخية فتتمثل في أن اليمن كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية في العصور التي سبقت ظهور الدعوة الإسلامية.

وبعد اندلاع الثورة الخمينية في إيران عام 1979، ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بعد الثورة بوقت قصير واستمرارها 8 سنوات، بدأت إيران خطواتها الأولى لمد نفوذها وتصدير الثورة الخمينية إلى البلدان العربية، مستغلة تحسن علاقتها ببعض البلدان العربية خلال تسعينيات القرن الماضي، وكانت البداية من اليمن، حيث تمكنت من اختراق المذهب الزيدي الشيعي، واستقطاب عدد من أتباعه الذين تحولوا إلى المذهب الرافضي الإثنى عشري، المذهب الرسمي للدولة الإيرانية، بعد حصولهم على بعثات دراسية إلى هناك تمت بموافقة السلطات اليمنية.

بدأت إيران بمد نفوذها إلى اليمن وعينها على السعودية، حيث مولت ما يمكنه وصفه بـ"الإحياء الزيدي" ومحاولة حرف أتباع هذا المذهب إلى المذهب الرافضي الاثنى عشري، وجعلت هذا الإحياء موجها بدرجة رئيسية ضد الفكر السلفي الوهابي الذي تدعمه وترعاه السعودية.

وأثناء حروب صعدة الست، خلال السنوات الأخيرة من حكم علي صالح، بدأ الدعم الإيراني للحوثيين يتزايد بشكل واضح، بعد أن كان خلال السنوات الماضية يتم تحت ستار التجارة والأعمال الخيرية والبعثات التعليمية.

وبعد أن بدأ الحوثيون تمردهم الثاني على السلطة الشرعية، بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وتسلم عبد ربه منصور هادي رئاسة البلاد، قدمت إيران دعما كبيرا لهم، خاصة تهريب السلاح، وتم خلال تلك الفترة القبض على عدة سفن وزوارق إيرانية كانت في طريقها لتهريب السلاح للحوثيين، كما تم إلقاء القبض على عدة خلايا تجسسية تعمل لصالح إيران في اليمن، بلغ عددها ست خلايا.

كما مولت إيران خلال هذه المدة إنشاء وتأسيس أحزاب طائفية ومذهبية موالية لها، مثل حزب الأمة والحزب اليمني الديمقراطي، ومولت إنشاء قنوات فضائية ناطقة باسم الحوثيين أو تروج لمشروعهم، كما أنشأت معسكرات تدريب للحوثيين في أرتيريا.

وكانت وسائل إعلامية غربية قد أفادت بأن إيران كانت تدعم ظاهرة القرصنة بالقرب من مضيق باب المندب، بغية الإضرار بصادرات النفط الخليجية. كما أنها كانت تمول بعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، خاصة الموالية لعلي سالم البيض، بالتوازي مع تقديم الدعم للحوثيين، وكل ذلك بغية الإضرار باليمن ودول الخليج وعلى رأسها السعودية.

وبعد الانقلاب وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء بالتحالف مع الرئيس السابق علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، أقدمت إيران على تقديم الدعم للحوثيين بشكل كبير، من خلال تسيير 14 رحلة طيران في الأسبوع بين طهران وصنعاء، ووجهت الحوثيين باستفزاز السعودية من خلال تصريحات عدائية والتهديد بغزوها ثم القيام بمناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن، رغم أنه لم يصدر من السعودية حينها أي سلوك عدائي ضد الحوثيين، وهو ما يعني أن الحوثيين تحركهم الأجندة الإيرانية في المنطقة، وأنهم ليسوا سوى مجرد أداة من أدواتها القذرة.

وفي الختام، يمكن القول بأن إيران تنظر إلى الحرب في اليمن بأنها معركة مصيرية بالنسبة لها، وعلى ضوء نتائجها ستتحدد ملامح الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة. فانتصار إيران في اليمن يعني تأمين مكاسبها في العراق وسوريا ولبنان، وسيكون الهدف القادم السعودية ذاتها.

أما انتصار السعودية والسلطة اليمنية الشرعية على عملاء إيران في اليمن فيعني ذلك الخطوة الأولى لتحجيم النفوذ الإيراني وتقليم أظافره في المنطقة، وسيلحق ذلك خطوات أخرى حتى تعود إيران والجماعات الطائفية والمذهبية الموالية لها إلى حجمهم الطبيعي، في حال تحالف العرب السنة ضد إيران ومشروعها التخريبي في المنطقة.