الخميس 28-03-2024 13:47:34 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تدمير إنسانية الإنسان..التاريخ النقدي للثقافة الدخيلة على الاسلام

الأربعاء 17 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 08 صباحاً / الإصلاح نت- خاص/ عبدالعزيز العسالي



الاسباب.. المظاهر.. النتائج.


مدخل:
 1ــ المتأمل في مخرجات التربية النبوية -على صاحبها ازكى الصلوات والتسليم-
سيجد أن الجيل الاول المتمثل في الصحابة وفي طليعتهم الخلفاء الاربعة, كان جيلاً متوازنا في تزكيته, كونه تشرب التزكية النفسية والقلبية عن افضل مرب (ص) الذي قال الله عنه: ( وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فكانت النتيجة انهم اخذوا الدنيا بأيديهم وظلت قلوبهم على صلة متينة متعلقة بصاحب الملكوت الأعلى، جمعوا بين المثالية والواقعية!
ــ كانت هذه حالة اغلب الصحابة, وكان يوجد القليل منهم اقرب الى العزلة، لكن عزلتهم ظلت في الحدود المقبولة; نظرا لقربهم من ينبوع التربية الذي رسخ فيهم التوازن بين الروح والعقل, والدنيا والآخرة؛ التدين الشخصي والوعي المجتمعي, فلا تجد لديهم تناقضا بين الثنائيات، وما نسب اليهم من ذم الدنيا وحب العزلة كان اغلبه منتحلا، وأقلهُ كان صحيحا، لكن المتأخرين فُهِموه خطأً ووظفوه خطأ ايضا.
وافضل مثال على التربية المتوازنة أن الشرعية السياسية ــ طريقة تنصيب الحاكم- ظلت تؤتي ثمارها بصور متجددة, مع تأكيدنا ان هذا التجدد النسبي كان متقدما في تلك الظروف.
2 ــ اغتيال عثمان -رضي الله عنه- وما تبعها من اختلاف وحرب كان محورها دم عثمان, بغض النظر عن المبالغات التي كتبها ادعياء يلبسون عباءة الاسلام تمويهاً, وهم خصوم الداء للاسلام!
 أقول: ان نتيجة هذا الاختلاف اثَّر سلبا في نفوس بعض المسلمين الذين كانت عقولهم اقرب الى الفطرة السليمة، اي غير قادرة على الالمام بتناقضات الواقع, وقراءة الابعاد والمآلات, وهذه الشريحة موجودة في واقعنا المعيش.
هذه الشريحة اتسعت اكثر قياسا بالعهد الراشدي, وكان مقصدها ايجابي100%، بالمقابل هذه الشريحة واجهت جيلا جديدا من الابناء يفتقرون للصَّبغة التربوية النبوية، فاتجهت العامة بشكلٍ اكبر مع هذه الشريحة المنعزلة عن الدنيا وابهة السلطان والصراع السياسي; ذلك ان خطابها كان اقرب الى نفسية العامة, وكان الانشغال الأبرز والهم الاقوى هو السعي الى الخلاص الفردي!
ــ قطاع كبير من المجتمع انقاد لهذا الخطاب, وهذا التأثير سيتحول الى سلبية كان احد العوامل التي اسهمت في اهدار انسانية الانسان كما سيتضح لاحقا.

ــ وبما أن الموضوع محوره "تدمير انسانية الانسان"، فإننا سنستعرض اهم الاسباب التي كان لها دور غير عادي في استلاب انسانية الانسان.

 السبب الاول: التضحية بالشرعية السياسية

ــ لاشك ان القرار السياسي اتجه في خط مغاير للشرعية السياسية التي رسم معالمها القرآن الكريم ورسخ قواعدها الرسول الكريم والخلفاء من بعده.
ــ في نظري ما كان للقرار السياسي ان يحالفه النجاح لو كان وُجِد التدين الواعي الذي كان يتمتع به الصحابة ايام الخلفاء الأربعة، فكان أول موقف ضحى بالشرعية السياسية هو تنازل الحسن ابن علي, بغض النظر عن اكراهات الواقع التي دعت الحسن لها التنازل!
هذا التنازل كان بمثابة تِكأةٍ وظفها فريق التدين المنسحب من الحياة مضفيا عليها مسحة تدين بل ستكون تشريعا مقدسا لازما لدى الاجيال اللاحقة!

 السبب الثاني: الحفاظ على وحدة الأمة

هذا كان مبررا قويا ولكن ليس عند شريحة التدين المنسحب فحسب, وانما انتقل الى العقل التشريعي، العقل الفقهي, وهنا تحقق المثل العربي القائل: "ضربتان بالرأس توجع"، نعم ضربة التدين السلوكي؛ اي الممارسة اليومية, تحت شعار التزكية الفردية, وضربة اخرى هي التشريع الفقهي, مثلتا حصارا وتضييقا تجاه الشرعية السياسية عقلا وروحا وسلوكا!
والسؤال: اذا كانت التضحية بالشرعية السياسية الهدف منها الحفاظـ على وحدة الامة فهل تحقق هذا الهدف؟
لن نكشف سرا اذا قلنا ان الشرعية السياسية ذهبت, فذهبت معها وحدة الأمة!

السبب الثالث: الثقافة الفارسية

من المعلوم ان العباسيين وصلوا الى الحكم على اكتاف الفرس, والذي يهمنا هو:
جانب الثقافة السياسية الفارسية المختلطة بالتصوف الفلسفي الفارسي, ثقافة الطاعة وتقديس الحاكم الى حد التأليه، كان قد بدأ تدوين هذه الثقافة حسب اقوال المؤرخين في عام114 هـ، ولكن عائقين اثنين حالا دون ظهور الثقافة الفارسية بشكل واضح ابّان تدوينها العائق الاول جانب الحذر لدى السياسة الاموية!
العائق الثاني الصراع داخل البيت الاموي فتم الاقتصار على شيء واحد هو الطاعة للحاكم!
ــ اما في العصر العباسي فقد دخلت الثقافة الفارسية على العقل المسلم من كل اتجاه!
 والملاحظ ان شريحة التدين المنسحب من الحياة كانت تتسع وتنكمش حسب الظروف حتى نهاية العصر العباسي الاول الذي انتهى بموت الواثق.
ــ بدأ العصر العباسي الثاني مع تولي المتوكل، فتعزز تهميش الشرعية السياسية لدى الشريحة المنسحبة من الحياة, بل تناستها وظلت تعطي أُكُلَها في مجال التزكية الروحية, موليةً اهتمامها مجال العناية بحقوق الله وعلى المستوى الفردي, اعني لا حديث عن الشأن العام، وكأن القرآن لم يقل إن حقوق الانسان هي حقوق الله وأن المساس بها يعد أكبر الكبائر، وكان رواد العصر العباسي الاول
الحسن البصري, وسفيان الثوري, وسفيان بن عيينة, وابن المبارك, وبشر الحافي, وغيرهم وصولا الى فارس النظرية التزكوية (الحارث بن اسد المحاسبي) -رحمه الله.
كان حديثهم التزكوي والتنظيري ايجابيا قياسا بمن سيأتي بعدهم!
ونؤكد القول ان هذه القيادات التزكوية اسهمت في تهميش الشرعية السياسية!

 السبب الرابع: التصوف الفلسفي:

اشتهر في مدرسة الحديث والى اليوم, ان القرن الثالث الهجري هو قرن ربيع السنة، والدليل ان الامهات الست ـ البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابو داود وابن ماجه: كلها دُوِّنت بين عام232هــ وعام304 هــ، وخصوصا من نهاية الثلث الاول من القرن الرابع الهجري, حيث تم تدوين الفلسفة الفارسية والثقافة الدينية الخليطة من فلسفات الفرس والهند والاغريق والغنوصية والمسيحية واليهودية والبوذية والمجوسية وغيرها من الخرافات الشعبية والثقافة السياسية!
ــ كان ذلك يعد انقلاب البويهيين الشيعة على الحكومة؛ أي رئاسة الوزراء، تاركين هامشا للخليفة العباسي كرمز باهت, وفتحت الباب على مصراعيه للتدوين تحت شعار حرية الرأي، وهنا تم تدوين اول مرجع شيعي هو (الكافي للكليني)، ثم لحقت به بقية مدونات الشيعة في مجالات الحياة المختلفة!
   
النتيجة: من التزكية الروحية الى التصوف الفلسفي

يمكننا القول ان التزكية الروحية حتى نهاية العصر العباسي الاول: تبلور اسمها على انها التصوف والتزكية، علما بأنها أقرب الى الكتاب والسنة.. مع تحفظنا الكبير على تضحيته بالشرعية السياسية!

 وماذا عن التصوف الفلسفي؟

 اولا: لابد من التفريق بين التصوف العادي فهو التزكية .. اما التصوف الفلسفي, فهو الكارثة بكل المقاييس!

ثانيا: لا ابالغ ان قلت ان التصوف الفلسفي القادم من الفرس كان القاصمة الكبرى التي هدّتْ العمود الفقري للثقافة الاسلامية في كل مجال!
فإذا كانت مدرسة التزكية قد أغفلت الشرعية السياسية إما هروبا من الواقع او رضوخا له!
فماذا عن التصوف الفلسفي؟
 نجده قد اتجه الى افساد العقيدة الاسلامية ــ تنظيرا, وممارسة وإدخال الاكاذيب على السنة وتفسير القرآن, وشرعن بطريقة غثة ومقرفة لكل الانحرافات العقدية والتشريعية والتزكوية, فغابت حكمة التصوف التزكوي, وحل محلها التصوف الفلسفي, فسقط العقل المسلم في هوةٍ بعيدة الغور، وبنسب متفاوتة, كل حسب مجاله الفكري!

ــ ظل الحكم البويهي طيلة110 سنين تقريباــ 334 ــ 444هــ.
 وكانت الثقافة الفارسية تعيش ربيعها الزاهي!

 نظام الملك السلجوقي:
 
انقضّ الوزير نظام الملك على البويهيين واقام دولة السنة واعاد لمنصب الخلافة هيبته, وكان فقيه هذه الوزارة الجديدة إمام الحرمين أبو المعالي الجويني -رحمه الله.
وبعد اربع سنوات خلفه تلميذه أبو حامد الغزالي -رحمه الله.
واقام المدرسة المستظهرية, فكتب الكثير في الجانب الفقهي وهاجم الفلسفة الباطنية البويهية بقوة!
 
   تحوير النظرية:
لاشك ان ابا حامد الغزالي -رحمه الله- ادى دورا عظيما في تدمير ثقافة البويهيين, لكنه وبتصرف غريب قام بإسقاط نظرية التصوف الفلسفي الشيعي الفارسي وتحويلها الى نظرية للتصوف السني، اسقطها كلية مع تغيير المصطلحات والمفاهيم الشيعية. فمثلا مصطلح العرفان الشيعي والذي يعني عندهم ان روح الفقيه الشيعي تصعد الى العرش وتطلع على ما هو مكتوب وتعود اليه فيخبرها بما هو مكتوب في الغيب المكنون!
فالغزالي فقط غيّر المصطلح من العرفان الى (المكاشفة) وأعطاه نفس التفسير وهكذا مع بقية المصطلحات.

 ترسيم الجنون:
القرار السياسي جعل من تصوف الغزالي منهجا مقررا في المدارس الفقهية، يعني ترسيم الجنون المتمثل في التصوف الفلسفي - حسب د الجابري -رحمه الله.

المظاهر

أشرنا آنفا إلى أن اول مظهر للتضحية بالشرعية السياسية كان التوريث وولاية العهد.
اما عن مظاهر ثقافة التصوف الفلسفي فهي كالتالي:

1ــ انكار الاسباب, فالغزالي اراد ان يهدم العقل الفلسفي فانكر الأسباب، وهنا كان قد هدم العقل السني100%
2ــ التسليم للجبرية, هو مظهر من مظاهر انكار الأسباب، وهنا كانت الضربة القاضية على العقل الإبداعي في المجال الحضاري عموما!

3ــ تدمير انسانية الانسان:
ــ ترسيخ عقيدة فاجرة في الجانب السياسي بواسطة التلقين والتدوين, تقديساً بل تأليهاً للحاكم وأن فعله عين فعل الله ــ استغفر الله ـ فبعد موت الغزالي انتفش التصوف الفلسفي, ودخل كل المدارس, وكانت اولى تجلياته القاتلة انه عقد مقارنة مقرفة والعياذ بالله قال فيها:
ــ الطبيعة ميدان كوارث الله, أمطار, صواعق, اعاصير, جوائح, جراد, قحط.. الخ.
ــ الانسان ميدان كوراث السلطان قتلا, نفيا, سجنا, انتهاكا, مصادرة, هتكا, الخ.
وبما انه لا اعتراض على الخالق في ميدان الطبيعة فكذلك لا اعتراض على السلطان المعربد المجرم الطاغي في ميدان الإنسانية!
ــ انتقلت العدوى الى الميدان الفقهي فقال بعض المتفقهة: يجوز للحاكم ان يقتل ثلث الشعب لصالح البقية!
ــ لم يقف الامر هاهنا بل وصل الى الارهاب العقدي والفكري والنفسي قائلا:
التلميذ الذي له اكثر من شيخ هو كالمشرك بالله؛ لا يجوز له الا شيخ واحد في التزكية!
ــ تعال بنا الى ميدان التربية وما ادراك ما التربية؟
كانت صناعة الشخصية في هذا الميدان تعيش وسط بؤرة او مستنقع نفايات الفرس ولكن باسم التزكية وكسر لشهوات النفس وقتل الكبر وما قُتِل الكبرٌ وانما قتلت العزة!
اذا أخطأ الطالب على زميله فيحكم عليه الشيخ ان يحمل نعالات زملائه بخيط واحد على عاتقه 21 يوما ينام ويصلي ويقابل المجتمع ويأكل وهو حامل هذه الشهادة؟
ــ سيد التصوف الفلسفي اسمه الغوث يلتقي بالله راس الشهرين او حسب الطلب فيناقشان وضع الناس!!
 هذا الهراء يقابل التخريف الشيعي القائل ان الله فوض لعلي واولاده تدبير امور الخلق!
ــ النبي يدخل من يشاء الى الجنة واما قوله لفاطمة "اما الجنة فاعملي لها"
 فهو من باب التواضع ليس الا!
ــ المتصوف الفلسفي فلان اعترض ملك الموت واراد استعادة روح طفل وحيد امه فرفض ملك الموت; لأنه مأمور فلطم الصوفي الزنبيل من يد ملك الموت فتبعثرت ارواح كل من مات ذلك اليوم وعادت لأجسادها وخر جوا من قبورهم الى بيوتهم!
ومن ينكر ذلك فقد انكر قدرة الله!
ــ الخطيب فلان كان يخطب بعرفة ويشاهده الناس من انحاء العالم!
ــ الزاهد من تحمل الجوع حتى يموت ولا يقل لاحد انا جائع حتى لا يذهب توكله على الله فيخسر كل شيء! والسؤال هل هذه التربية ستبني امة؟

هذه لقطات سريعة من آلاف الاقوال وبعضها فيه سقوط اخلاقي مشين لا ينبغي كتابته هنا! للمزيد انظر الطبقات الكبرى للشعراني.

السؤال للقارئ: هل تحقق تدمير انسانية الانسان؟
النتيجة:
ــ التقدم والتخلف قدر من الله لا مفر منه! ولا فاعل في الحقيقة الا الله؛ اي القاتل للإنسان والعياذ بالله هو الله..وهكذا الى نهاية الجرائم ــ استغفر الله من هذا الفجور المتردي في مهاوي الضلال, العجيب. انه فجور دخيل على المعتقدات والشريعة ويدعي تعظيم الله وتوحيده!
ـــ تم تعطيل الطاقات من خلال انكار السنن في الكون والنفس والاجتماع, وهذا يعني تعطيل العقل الذي هو أعظم نعم الله على الانسان!
ــ تم اصطناع معارك وهمية بين العقل والشرع لا اساس لها، والسبب هو حصر الامامة في البطنين وفي قريش.
وعليه: فلا داعي لإعمال العقل هنا ابدا; لأنه تدخل في القدر الالهي!
ــ استطاع القرار السياسي بتضافره مع التصوف المتفلسف ان يزج بالفلسفة الى الميدان الممنوع; كون ميدان العقيدة مستغنٍ عن الفلسفة!
في حين تم تحريم الفلسفة في المجال الحيوي والهام وهو جانب حياتنا السياسة والمعاملات!
ــ ما يلفت النظر ان المستشرقين يحتفلون بالتصوف الفلسفي فقط دون سواه، فهل مثقفونا يدركون السبب؟

ــ الخلاصة:
 التصوف الفلسفي دوخ امتنا ودمرها واقام بنيانه الفاجر تحت مسمى التصوف التزكوي !

 التزكية المنشودة:
ــ العودة الى التزكية القلبية من واقع القرآن والسنة الصحيحة.
- اقتران الفقه بالتزكية وتكون انسانية الانسان هي محور التزكية والفقه.
- رفض واستبعاد كل مسوغات الظلم والاستبداد مهما كانت منزلة قائله او مجاله سياسي او ديني او اجتماعي, موروث او معاصر!
ــ اعادة تعريف التزكية في ضوء مقاصد القرآن وتصرفات الرسول (ص) بانها واجب الوقت.
ــ الكفر بالتصوف الفلسفي واستبعاده تماما من ميدان الثقافة والتزكية الاسلامية.
ــ دفن التصوف الفلسفي جنبا الى جنب مع دفن العقل السياسي العربي كونهما حفيدي اردشير الفارسي.

 الحلقة القادمة!
 الثورة المضادة للربيع العربي ودورها في تدمير الانسانية!

كلمات دالّة

#تدمير_الانسانية