السبت 20-04-2024 03:21:12 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجهل المقدس (الحلقة الثالثة)

الخميس 16 أغسطس-آب 2018 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد العزيز العسالي
 

  

تذييل ونتيجة:

ــ العلمانية العربية الفاشلة:
فشلت في صميم دعوتها التي ربطت -وبطريقة فجّة- بين القومية والعلمانية وبين الديمقراطية والعلمانية, جاعلة من هذا الازدواج قضية ثقافية وفكرية وفلسفية محل تسليم, ولا جدال حوله! وهذا اكبر عامل من عوامل فشل العلمانية العربية.

ــ فشل آخر فضح هذه الروشتة المستوردة; حيث تناحرت العلمانية العربية مع الذات منطلقا وغاية، والشاهد:
قومية ناصر في مصر ضد قومية البعث السوري الشيوعي، وضد قومية البعث العراقي، والبعث السوري ضد البعث العراقي، قومية الجزائر ضد قومية تونس!
شعار قومية ناصر: اشتراكية, وحدة, حرية.
قومية سوريا وقومية العراق شعارها: حرية, وحدة, اشتراكية!

النتيجة:

هذا الفشل العلماني الذريع دليل فقر ثقافي وفكري وحضاري وغياب هوية, وذوبان شخصية.
هذا الفشل تحول الى عقدة تعويض؛ اي تغول لدى السلطة الوطنية العلمانية فلم تترك مقدسا الا وهدمته واهانته!

قانون رد الفعل

وبما ان لكل فعل ردة فعل: فإن المجتمع العربي المسلم والذي تم اقصاؤه وعزله, واصبح العدد الاكبر في المجتمع البالغ 80% حسب المفكر منح الصلح معرضا عن الحكومة الوطنية مديرا لها ظهره, فازداد تغول الحكومة المستوردة، حسب برهان غليون, فأعملت سكينها في ذبح المجتمع, ومراقبة أنفاسه, حتى وصل طغيان الدولة الى هتك الخصوصيات الفردية! اي هتك القيم، أي التدخل في الشأن الأسري, فكانت النتيجة:

رد الفعل:
تمثل رد الفعل من الشعب بالتوجه نحو الماضي؛ اي تشبث بكل التراث ايا كان لاعتبارين اثنين:
الاعتبار الاول:
رد الفعل المعاكس للعلمنة فاتجه نحو الماضي; ذلك ان في الماضي ما يستهوي الأفئدة من مجد وحضارة وقيم واعتزاز بهوية.

الاعتبار الثاني:

كانت ردة الفعل تحمل دافعا ايجابيا ولاشك في هذا اذ تمثلت الايجابية في حماية الشخصية العربية المسلمة من الذوبان!
وكلما أمعنت السلطات في التنكيل والإقصاء والطغيان والفساد والاستبداد تجاه المجتمع، اتجه الشعب نحو الماضي متشبثا دون وعي !.
وعليه:
اذا قلنا ان العلمانية الفاشلة بحكومتها المستوردة بلاوعي قد تسببت في خلق ردة فعل من الشعب نحو التدين المغشوش; تحت دعوى الأصالة فإن هذا التشبث اللاواعي بالأصالة كان ولازال يحمل معوقات الحاضر، كما سنوضح لاحقا.

خلاصة ما سبق:

التقليد اللاواعي للوافد هو الداء الوبيل فكريا وثقافيا تولد عنه جهل مقدس تمثل في تقديس العلمانية على حساب قيم الأمة وعقيدتها وهويتها وحضارتها.
التقليد اللاواعي للماضي ترسخ اكثر فأثمر جهلا مقدسا في عبادة التراث الفكري الاسلامي، ويمكننا تقريب المحنة العربية في المعادلة التالية:
تقليد علماني +جهل مقدس + حكومة مستوردة: يساوي انتاج تخلف!

كانت تلك هي نتيجة الجهل المقدس علمانيا.

فماذا عن الجهل المقدس في الجانب المقابل؟ اعني النخبة المحافظة التي حملت راية المنافحة عن قيم الأمة محافظة عليها من الذوبان الحضاري?
سيتم تسليط الضوء قدر الإمكان حول موقف النخبة المحافظة, في السطور التالية:

 

الجهل المقدس

تدين بلا ثقافة

لا نريد الخوض والاستطراد اكثر, وإنما سنحاول تناول ابرز النقاطـ ذات الصلة المباشرة بالموضوع قائلين :
ما الثقافة? ما صلتها بالتدين? هل هناك آثار خطيرة ناجمة عن غياب الثقافة?
ما نوع هذه الآثار? ما هي الجوانب التي تأثرت بغياب الثقافة?
اخيرا وليس بآخرا ما هي الحلول?

اولا:

للثقافة قرابة 263 تعريفا, ونحن هنا سنختار التعريف او بالاصح مفهوم الثقافة المتصل بموضوعنا فنقول:
مفهوم الثقافة المتصل بالموضوع هو: الثقافة إدراك علاقات التأثير والتأثر بين القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية.
بمعنى آخر إن المثقف لديه ملكة واعية ناقدة لا تقف عند القضايا السطحية او الشكلية, وانما تدفعه ثقافته الى النظر في عمق اي عمل, مقاصدا, وتصرفا, وتأثيرا في القضايا المتصلة به, وصولا الى رؤية النتائج والمآلات مقدما, سواء كان هذا العمل او التصرف ديني عقدي او تشريعي او تربوي الخ. فلا بد من النظر في المقاصد والنتائج, وبدون هذا فإن اي عمل سيكون عبثيا ونتائجه غير مثمرة مخالفة لإرادة المشرع جلت حكمته!

وعليه:

يمكننا القول: أن الجهل المقدس الذي لحق بالنخبة المتدينة المنافحة عن قيم الأمة وعقيدتها وحضارتها: يتمثل في التدين بلا ثقافة.
لقد اندفعت النخبة وبحماس منافحة عن شخصية الأمة من التلاشي والضياع وسط واقع موار بالضلالات والأهواء والسياسات المختلفة والمتقلبة والمتشابكة, ونظرا لهذا التعقيد برزت إلى واقع الأمة اكراهات داخلية وخارجية لم تدع للنخبة المحافظة فرصة تلتقطـ فيها الأنفاس, فضلا عن اعادة النظر في مقاصد الدين وجوانب القصور التي لحقت فيه جراء التدين بلا ثقافة, وكذا وضع حد لعلل التدين التي شابت جوانب كثيرة من تدين الامة بدءاً بالتوحيد ومقاصده, مرورا بالعلاقة السببية بين مركزية التوحيد ومقاصده على مضامين الحياة وآفاقها المختلفة. هذه الآفاق هي التي نقصدها تحت مسمى الثقافة.
باختصار: النخبة المحافظة اغلبها لم يكن يمتلك العقل المثقف الناقد المتأمل في اهداف التوحيد وممارسة التدين والنتائج والمآلات المترتبة.

ما هي الآثار المترتبة عن غياب الثقافة, او بالاصح ما هي الجوانب التي تأثرت سلبا جراء غياب الثقافة عند النخبة المحافظة?

نستطيع القول جازمين : ان غياب الثقافة عند النخبة المحافظة قد طال اخطر المجالات واولها مجال التوحيد; ذلك انه تم حصر التوحيد في جانب افراد الله بالعبادة فقط, هذا الحصر لمفهوم التوحيد ليس هو كل مقاصد التوحيد, فللتوحيد مقاصد هي من لوازم التوحيد تتمثل هذه المقاصد في الحرية, المساواة, العدل, الكرامة, إنسانية الإنسان, التعاون الحب الرحمة القيم والاخلاق , قوة الامة , هيبتها, الولاء للامة , احترام ارادتها المتمثلة في الشورى; كون الامة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في اقامة الدولة وتوكيل الحاكم نيابة عنها. واذاً: فالشورى حق الامة عقيدة وشرعا وثقافة وسلوكا.
هذه المقاصد وغيرها: لا ننكر ان بعضها حاضرة ذهنيا وبعضها عمليا لكن الغائب هو جانب العلاقات بين مقاصد التو حيد ومضامين الفكر وآفاق الحياة, وبالتالي اصبحت الشورى هي مجرد اعلام من ولي الامر لمن حوله ان شاء بالتالي فليفعل مايشاء!
باختصار :
التأثير السلبي طال مقاصد التوحيد فتأثرت بطبيعة الحال قضايا الحياة, واصبحت المجاهرة بالنصح والاعتراض على الظلم والطغيان بدعة ضلالة! والدعوة الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المتمثل في الفجور السياسي والمطالبة بخلع الحاكم من فعل هذا فقد مات ميتة جاهلية! والصبر على الظلم والطغيان عقيدة من صميم التوحيد , وتاليه الطاغي وتقديسه دليل سلامة دين المسلم وعقيدته، والموضوع يطول بنا.

اثر غياب الثقافة على المجال التشريعي:
لقد وقعنا في هوة التحريف الذي نعاه الله ولعن بني اسرائيل بسببه! فاذا كان بنوا اسرائيل قد قاموا بتحريف الكلم عن مواضعه, فإن المسلمين قد وقعوا في هذه الهوة بعيدة القاع بكل ما يحمله كلمة بعدٍ من معنى ; ذلك انه تم ازاحة الشورى من مجالها المتمثل في سنن الاجتماع الى مجال لاصلة لها به انه مجال المضمضة والاستنشاق, فاصبح حكم الشورى مندوب!
وكما ان بني اسرائيل حرفوا الكلم من بعد مواضعه؛ اي حرفوا المعاني, فان هذا قد حصل في ثقافة المسلمين, حيث نجد القائلين بلزومية الشورى قد ادخلوا عليها تأويلات مختلفة كلها لصالح الطغيان وحرمان الامة من ممارسة حقها في اختيار وكيل عنها, وعلى سبيل المثال قالوا:
الشورى لاهل الحل والعقد , طيب ومن هم اهل الحل والعقد ?
الجواب مجموعة يعينهم الحاكم!
ومثال آخر: البيعة تتم برجلين قياسا على شهود عقد النكاح, ومثال آخر: تصح البيعة بنصف رجل! كيف نصف رجل? قالوا لو بايعت جارية شخصا داخل القصر لزم على الامة البيعة وما لم فكلها ماتت على الجاهلية! والقائمة تطوول.
نعم:
ان لم يكن هذا تحريف للكلم من بعد مواضعه فما هو التحريف?
الخلاصة:
التدين بلا ثقافة: كان له الاثر البالغ علي جانب التوحيد ومقاصده كما كان له تاثير على الجانب التشريعي.
النتيجة:
قصور ثقافي, فكري, حضاري معيب , انعكس على الجانب السلوكي على الفرد والمجتمع, تمثل التدين الشكلي في التسيب وكراهية النظام, والنتيجة:
التقاء التدين بلا ثقافة مع العلمانية الفاشلة في انتاج التخلف.

نعم: اصطرعت النخبة بشقيها العلماني والمحافظ طيلة 100 عام , فقد اختلف الفريقان منطلقا ووسيلة فالمنطلق الدين والوسيلة التشريع , واتفقا على الهدف والغاية المتمثل في تقديس الطغيان والظلم والاستبداد. ولسنا بحاجة لإيراد شواهد, فموقف الفريقين في الربيع العربي بارز للعيان, فالليبراليون العلمانيون الذين دبجوا المقالات وفذلكوا الكلمات وسودوا الصحف بحديثهم عن الحرية و وو , سجدوا للبيادة الانقلابية ورفعوها على الرؤوس واستباحوا قتل الشعب!
بالمقابل عباد الماضي بلا وعي قالوا في ميدان رابعة وغيرها: يحكمنا المتغلب ولو كان البابا شنودة!
ومما لاشك ولا ريب ان الجهل الذي يقدس الطغيان باسم الدين اخطر الف مرة من الجهل الذي يقدس الطغيان باسم العلمنة!

على اننا نجد انفسنا امام اسئلة في غاية الاهمية تدعونا ان نقدمها بين يدي الجهل المقدس المتمثل في التدين بلا ثقافة.
غير ان هذه الاسئلة وغيرها ستكون في الحلقة القادمة بعون الواحد الاحد.

كلمات دالّة

#العلمانية