الخميس 25-04-2024 07:12:14 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التحرر الثقافي بين مقاصد التوحيد والصنمية الثقافية

الخميس 12 يوليو-تموز 2018 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد العزيز العسالي
 

 

خــطــوة مــقــاصــديــة نــحـو بـنـاء الأهداف الــكــبــرى لــلأمــة

1 ــــ 3
تــمــهــيــد
ـــ القرآن هو كتاب الشريعة المحمدية الخاتمة.
ـــ القرآن الدستور الإلهي الخالد المتجدد: له مقاصد وغايات وأهداف، بعبارة أكثر وضوحا: مقاصد القرآن ــ مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة.
ـــ وحتى تكون مصلحة الإنسان أكثر ضمانا, فلابد أن تكون متكئة على مُثُلٍ عليا وتشريعات ذات قدسية; لأن الإنسان مكرم ومقدس!

أول مــقــاصــد الــقــرآن
ـــ اول مقاصد القرآن : الــتــوحــيــد
ـــ مفهوم التوحيد يعني إفراد الله بالعبادة؛ أي أن الله وحده هو المعبود، وأن الخضوع المطلق ـ قلبا وقالبا ــ لا يكون لأحد غيره, فلا يجوز بحال صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله.

ـــ إذن التوحيد هو تـــحــريــر لــلأرواح من أي سلطان كان ــ سواء في جانب الشهوات, أو جانب السلطات الحاكمة أيا كانت على المستوى التصوري والوجداني, وعلى المستوى السلوكي العملي؛ فهناك شعائر تعبدية تجسد الخضوع لله, وهي المتمثلة في الصلاة والصيام والزكاة والحج والتزكية الخ.

مـــقــاصــد الــتـــوحــيــد

ــ عرفنا مفهوم التوحيد ودلالته بأنه الخضوع المطلق لله, وانه لا يجوز الخضوع لأي كان غير الله ، وعليه:
فإن إفراد الله بالعبادة والخضوع هو أول مقصد من مقاصد التوحيد.
وإن شئت قل:
1ــ الــتــوحــيــد:
ــ إفراد الله بالعبادة هو المقصد المركزي, المتصل بمصلحة الإنسان أخرويا.
ـــ يتفرع عن التوحيد مقاصد أخرى ـ لازمة للتوحيد – لإضفاء المثل العليا وترسيخ قدسية هذه المقاصد المتصلة بمصلحة الإنسان في دنياه!
ــ هذه المصلحة الدنيوية مكفولة لكل إنسان ــ بغض النظر عن كونه التزم المقصد الأول ام لا؛ فالمقصد الأول تكليفي ــ جعله الله على سبيل الاختيار.

(انا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا)
والآيات في مجال حرية الاعتقاد كثيرة جدا.
2ـــ الــحــريــة:
ستكون حرية الاعتقاد هي المقصد الثاني للتوحيد من حيث التصور الفكري والعقدي; كون المقصد الأول هو المتكأ الديني لبقية المقاصد المتصلة بمضامين الفكر والحياة من حيث الجانب الإجرائي التطبيقي!
ـــ وستكون حـــريـــة الاعتقاد هي أول المقاصد; كونها الحامل لبقية المقاصد, ومنها المقصد الأول (لا إكــراه فــي الــديــن)، وكذلك كل المعاملات لا تصح الا من عاقل مختار!
3ــــ المساواة:
ــ عرفنا أن إفراد الله بالعبادة هو المقصد الأول وانه لا يجوز الخضوع لغيره, وهنا فإن مقصد ــ الــمــســاواة ــ لازم من لوازم التوحيد, فلا خضوع لغير الله والخلق، كلهم متساوون!
ومع هذا الوضوح نجد أن القرآن قد جاء بنصوص خاصة في غاية الوضوح،
أبرزها النص التالي:

(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)..

4ـ ــ الــكــرامــة:
ـــ الإنسان مكرم, والكرامة هي الأرضية الأولى للحرية، والحرية هي ترجمة عملية ممارسة وأخلاقا! (ولقد كرمنا بني آدم .....)

مــقــاصـــد الـــتـوحــيــد الــمــتــصــلــة بــمــضــامـيــن الــحيـاة:

لا يتسع المقام لاستعراض النصوص الواردة حول تنظيم الحياة, غير أننا سنشير الى مقطع قرآني تضمن أهم المضامين المحورية ذات الصلة بالفرد والمجتمع, على أننا لن نورد المقطع, وإنما تلافيا للإطالة سنشير الى المفاهيم التي تضمنها
هذا المقطع ــ مكي ــ في سورة الإسراء تضمن 17 آية,

ــ ابتدأ مطلع النص من الآية 22

(لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا)

ـــ انتهى المقطع بالآية 39
(ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا).

ـــ تأمل أيها القارئ الكريم كيف ابتدأ المقطع بالتوحيد وانتهى بالتوحيد, وكيف أورد ذكر القيم المتعلقة بالحياة ــ رابطا إياها بمقاصد التوحيد ــ قبل وبعد- ليقول للعقل:
هذه قيم قادمة من مثل عليا , ليست هبة من احد ولا منحة وإنما هي تكريم رباني من خالق الإنسان; ليتخذها الإنسان منهجا لحياته حتى لا تتحول حياة الإنسان حقلا للتجارب والعيش في تخبط!
ـــ القرآن حول هذه القيم الى حياة وعي يعيشه الإنسان ثقافة مترسخة على مستوى الوعي المجتمعي.
ـــ القرآن سمى هذه القيم "حــكــمــة"..(ذلك مما أوحى اليك ربك من الحكمة ....) الخ ـ والحكمة هنا معناها سنن الله في الآفاق والنفس والاجتماع ــ مبادئ وسنن ناظمة للاجتماع, وفي ذات الوقت هي أرضية دينية ثقافية ــ يمكن البناء عليها أسس الاجتماع السياسي والقانوني الخادمة لمصالح الإنسان في الحياة!
ــ تضمن المقطع : التوحيد, حق الوالدين, إعطاء حقوق ذوي القربى, واليتامى, والمساكين, وابن السبيل, النهي عن التبذير, وان المبذرين هم إخوان الشياطين وكفى بها وصمة; تنبيها للمجتمع أن لا يسلم قياده لإخوان الشياطين, قتل الأولاد فهو خطأ كبير, الزنى, واصفا إياه بالفاحشة وسوء السبيل, تعظيم قتل النفس المعصومة, واضعا القرار بيد ولي الدم، ناهيا ولي الدم بأن لا يسرف ــ يتجاوز في الانتقام- فهذا يتنافى وقيمة التو حيد, الوفاء بالعهد, عدم بخس الكيل والوزن, هنا أساس التموين والتجارة! فقد هلك قوم شعيب بسبب الفوضى الاقتصادية, عدم الكبر والغرور.
كل هذه أمور سيئة مكروهة عند الله لا لأنها تمس الذات الإلهية, وإنما رحمة بالإنسان والاجتماع البشري!
ــ تكررت هذه القيم بتفصيل وإجمال في آي القرآن ـ غير أنها جاءت في هذا المقطع بمثابة دستور شامل.
مــقــصــد الــتـو حــيــد في الشــرعــيــة الـســياســية

ـــ (وأمرهم شورى بينهم)، نص مكي نزل قبل أن تشرع أركان الإسلام عمليا.

ـــ (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم؛ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول).... الخ ـ

ــ النص يقول: إن التنازع وارد بين وكلاء الأمة ــ الحكام ــ وبين المجتمع, والحل هو الرد الي الله والرسول .. كيف?!
الجواب: الله جعل الشرعية السياسية بيد صاحب المصلحة ـ المجتمع- وعليه فالرجوع هنا هو الامتثال لأمر الله , بالعودة الي مصدر الشرعية ــ المجتمع-, بدليل أن الله أمر الرسول (ص) وهو المعصوم بالوحي قائلا له: (وشـــاورهــم في الأمــر)..
وعليه : فمن الأولى بالمشورة؟ بعد المعصوم?
ـــ أكرر القول أن الرد إلي الله يعني التزام أمره بأن الأمر حق الأمة فهي صاحبة القرار والخيار; كونها صاحبة المصلحة من تصعيد وكلاء ينوبون عنها في خدمة الأمة!
ـــ فالنص هنا شمل الشورى ــ الشرعية السياسية ــ تنصيب الوكيل الحاكم ـ
وتضمن الشورى التنفيذية؛ أي لابد أن تكون الأمة صاحبة المصلحة مشاركة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق البرلمان في صناعة القوانين القادمة من عقيدة الأمة وهويتها الحضارية.

ــ النص الثالث:
مجلس استشاري:

(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم....).

هذا مجلس يخطط استراتيجيا للتنمية المستدامة والحيلولة دون حصول الأزمات بأنواعها، ولنا بعون الله عودة إلي هذه النقطة عمليا.
وختاما:

صـــمـــام أمـــان الــمــجـتمع

الرقابة الشعبية التي توصل اليها الغرب الحديث بعد حروب طاحنة ها هو القرآن
يشرع هذا المبدأ رابطا إياه بالمثل والقيم العليا فما هو صمام أمان المجتمع?
انه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ولأن الله عليم حكيم فقد شرع للحياة قيما جعلها دينا مقدسا.

ـــ لم يكتف بذلك, وإنما وضع القرار السيادي ــ مصدر الشرعية بيد الأمة!
ــ لم يكتف، وإنما جعل الرقابة الشعبية الفردية الجماعية أمام تغول السلطات.
ــ لم يكتف، وإنما قال هذا المبدأ صمام أمان المجتمع:
على المستوى الشعبي (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

هذه هي مقاصد التوحيد نظريا، فماذا عن تجسيدها عمليا؟!
هذا بعونه –سبحانه- موضوع الحلقة الثانية.