السبت 20-04-2024 07:58:43 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

جريمة جمعة الكرامة ..الدماء التي أغرقت صالح

السبت 18 مارس - آذار 2017 الساعة 07 مساءً / التجمع اليمني للإصلاح - خاص - توفيق السامعي

  

يصادف اليوم الذكرى السادسة لحادثة مجزرة جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس عام 2011، والتي ظلت أهم المفاصل الثورية للثورة الشعبية السلمية، بحسب مراقبين سياسيين؛ حيث شهدت اليمن لأول مرة في تاريخه الحديث مجزرة بشعة ومروعة بحق شباب الثورة العزل، وهم يؤدون صلاة الجمعة.

يتفق كثير من المحللين والمراقبين أن جمعة الكرامة هي التي أسقطت صالح من الحكم، فقد تهاوى نظامه بعد تلك الحادثة بشكل مباشر.

أراد صالح من خلال قيامه بتلك المجزرة أن يرهب الثوار ويثنيهم عن الاستمرار في طريقها، ويجرب إرهاب القوة مع الثوار غير أن الذي حدث هو العكس تماماً؛ حيث كانت تلك المجزرة مستفزة للشعب اليمني أكثر فأكثر فكانت كمن صب الزيت على النار.

أدرك صالح فداحة ما أقدم عليه فحاول لملمة الموضوع باتخاذه إجراءات مختلفة؛ حيث رمى التهمة على أصحاب الأحياء السكنية المجاورة لساحة التغيير من ناحية، ومن ناحية أخرى أعلن الحداد، ثم كانت الخطوة التالية الكبيرة من قبله هي إعلانه إقالة الحكومة، وجعلها حكومة تصريف أعمال. غير أن كل تلك الإجراءات لم تكف لتغطية جريمته أو تهدئة الشعب فالتجأ بشكل عاجل إلى دول الخليج طلباً لمبادرة تخرجه من مأزقه.

عمل صالح على تقديم كبش فداء للثورة متخفياً خلف عصاباته في تلك الحارات، بينما ظل المجرمون الأساسيون بعيدين عن المساءلة والصورة؛ فقد فات صالح أنه في عصر الفضاء المفتوح وأن كل الشعب بات معه كاميرات مراقبة ترصد كل التحركات ، فاته أن الطائرة المروحية التي حلقت في سماء المنطقة مشرفة على تلك المجزرة لم تكن تتبع عصابات الحارات المحيطة بساحة التغيير ولا تملكها إلا الدولة التي يديرها، ولو كانت هناك مروحيات تتبع المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع لكان من السهل عليه رمي التهمة على الفرقة.

عمل صالح على تعبئة وتحريض أبناء الحارات المجاورة والمحلات التجارية بطريقة ممنهجة عبر عناصر أمنية وقيادات في الدولة بعضها من سكان تلك الحارات، فتم استدعاؤهم أكثر من مرة لاجتماعات أكدت على ضرورة أن يقف أهالي الحارات صفاً واحداً ضد توسع الثوار وحماية الشوارع والأزقة منهم.

 

انهيار نظام صالح:

 عقب المجزرة مباشرة بدأت الاستقالات تتوالى من نظامهمن كل مؤسسات الدولة، وصار الأمر من حوله متناثراً كحبات المسبحة، وكانت أهم خطوة عقب المجزرة هي إعلان المنطقة الشمالية الغربية بقيادة اللواء علي محسن انضمامها وتأييدها للثورة، وهي الخطوة التي لم يكن صالح يحسب لها حساباً، ولذلك ظل ناقماً عليها وعلى بعض ضباطها، وتحديداً العميد حميد القشيبي -رحمه الله- حتى عمل على قتله أثناء خطوات الانقلاب الأخيرة.

وروت مصادر مطلعة أن صالح لم توجعه خطوة كما أوجعته خطوة انضمام اللواء علي محسن للثورة، ذلك الانضمام الذي أفقد صالح ومن بقي معه توازنه، مما جعله شبه مستسلم يومها، فعمل على إخراج عائلته خارج الوطن تحسباً لنجاح الثورة وسقوط نظامه.

فقدان صالح ونظامه لاتزانه بعد تلك المجزرة، كانت تنقصه فقط الضربة القاضية التي تهزمه لكن مسدد الضربة تلك خانه تردده وفي لحظة من الإشفاق أودت بكل آمال الثورة وفرص حسمها في وقتها.

كان المراقبون والمحللون يرون أنه أنسب وقت للزحف إلى القصر وإسقاط صالح، حيث كانت كل الظروف مواتية ومهيأة لذلك من ناحية الفعل الثوري وزخمه، والدافع المسبب وهو مجزرة جمعة الكرامة التي أعطت الثوار الشرعية الكاملة والدافع الأساس للمضي بالثورة نحو الحسم، وكذلك ترهل نظام صالح وخلخلته بانشقاق نصف الجيش ونصف المؤسسات المدنية الأخرى، والغضب الشعبي العارم.

فعلى الرغم من تلك المجزرة البشعة بحق مدنيين سلميين عزلاً قتلوا بدم بارد وسبق إصرار وهم يصلون الجمعة، وعلى الرغم من العصابات وحجم التحشيدات ضد الثوار ومحاصرتهم في ساحة التغيير بجدران عازلة، إلا أن تلك الحادثة دفعت الثوار والمواطنين إلى مضاعفة حجم ساحة التغيير ووصولها إلى جوار الجامعة القديمة، ولم تكن عامل إرهاب وإضعاف للثورة بقدر ما كانت عامل قوة وتمدد وإصرار على مواصلة المشوار حتى الحسم.

 

المبادرة الخليجية طوق نجاة صالح:

حينما سدت كل الخطوات والآمال وسد الأفق أمام صالح، لجأ إلى المملكة العربية السعودية طلباً تدخلها بمبادرة لحل الأزمة اليمنية، ومع استجابة الأشقاء في المملكة لذلك، وموافقة القوى السياسية على تلك المبادرة، تنفس صالح الصعداء، واستعاد أنفاسه الأخيرة في اللحظات الحرجة، فكانت المبادرة تمثل له طوق نجاة لترتيب أوراقه ولملمة صفوفه، اتضح ذلك فيما بعد، حيث ظل يراوغ يماطل على توقيع المبادرة الخليجية منذ أول وهلة لإعلانها في العاشر من أبريل وحتى توقيعها النهائي في 23 نوفمبر من نفس العام.

ظلت الأحداث تتصاعد وتكبر ككرة ثلج متدحرجة، وبدل أن تتوقف الأزمة عند حد قريب بأقل الخسائر إلا أن صالح اتخذ من المبادرة الخليجية مدخلاً للمراوغة وتنفيذ العديد من الأجندة وكانت نيته عدم التوقيع نهائياً على المبادرة لولا الضغوط المختلفة التي مورست بحقه خليجياً ودولياً حينما وصل المجتمع الدولي إلى قناعة بإزاحة صالح من الحكم وآن الأوان للشعب اليمني أن يتنفس حريته ويعمل على بناء دولة حقيقية تلبي آمال وتطلعات الشعب.

ظهرت نية صالح في عدم المصالحة باكراً وأثبت ذلك عند التوقيع على المبادرة في الرياض بنبرة التحدي وهو يردد: "ليس المهم توقيع المبادرة، لكن الأهم التنفيذ، وحنرويهم كيف تكون المعارضة"، المرض الذي ظل يعمل فيه حتى نفذ تهديده بالانقلاب والتمرد على نظام الرئيس هادي، وإعلانه الحرب على اليمنيين بعد ذلك، ما اضطر التحالف العربي إلى التدخل لحماية وتنفيذ تلك المبادرة التي غدر بها المخلوع صالح.

 

إطلاق مجرمي جمعة الكرامة:

لم تكن الخطوات السابقة من محطات الغدر والكيد السياسي من قبل صالح بالشعب اليمني كافية لمراجعة حساباته وإبداء حسن نواياه، فمنذ اللحظة الأولى لتنفيذ مجزرة جمعة الكرامة عمل صالح على محاولة طمس كل معالم الجريمة، حيث رفض التعاون مع لجان التحقيق في الحادثة، وقام بإقالة النائب العام عبدالله العلفي، كما هرب وأخفى العديد من منفذي الجريمة، وعقب الانقلاب أطلق بقية المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم متلبسين والزج بهم في جبهات القتال المختلفة.

بعد أن أطلق المخلوع والمليشيات الحوثية آخر دفعة من مجرمي جمعة الكرام في الذكرى الخامسة للمجزرة في العام الماضي تم الزج بهم في الجبهات لمواصلة إجرامهم هناك وإكمال ما أنقصوه في جمعة الكرامة.

وكان المخلوع صالح استقبل متزعمي تلك الجريمة في دار الرئاسة قبل التوقيع على المبادرة الخليجية وتنحيه عن الرئاسة وقام بتكريمهم على جريمتهم تلك، في عملية تحدٍ واستفزاز كبيرة للثوار يومها.

 

جمعة كرامة جديدة:

كثيرة هي المجازر والأحداث في يوم الجمع التي قام بها الرئيس المخلوع صالح، وأضاف إليها جريمة جديدة بالأمس هو والمليشيات الحوثية، حيث استهدفوا مسجد كوفل بالصواريخ أثناء أداء المصلين صلاة الجمعة، في عملية تكرار متعمدة لجمعة كرامة أخرى.

بالأمس أعاد صالح للأذهان عقليته الإجرامية الدموية التي لن ينسلخ منها فهو طبعه الذي غلب التطبع في استهداف المصلين من في صلاة الفجر يوم 10 مارس 2011 في ساحة التغيير بصنعاء إلى جمعة الكرامة، إلى قصف مصلى النساء بتعز يوم 11 نوفمبر 2011، إلى مساجد عدن وتعز واليوم كوفل بمارب.

وكما ابتهج أتباعه في مجزرة جمعة الكرامة وقصف مصلى النساء بتعز هاهم اليوم يبتهجون بقصف مسجد كوفل في مارب لدليل كافٍ أن عقليات الإجرامة واحدة، وأن الغربان على أشكالها تقع.