الخميس 25-04-2024 13:28:36 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

صياغة الأفكار أم تكوين المفكرين؟

الأحد 24 يونيو-حزيران 2018 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد العـزيز العسالي
 

 

مــقــاربــة فــي طــريــق إصلاح الــوعــي الـمجـتـمــعــي

مــهــاد تـاريــخـي:

المتابع لما كتب حول اصلاح الوعي في اليمن خصوصا والمجتمع العربي عموما سيجد الكثير من الكتابات الصحفية ومجلات البحوث والكتب الفقهية والفكرية والأدبية والسياسية, ناهيك عن وسائل الاتصال الحديثة.
رغم كثرة الكتابة في هذا الصدد إلا أن الذي اقترب من التشخيص هو القليل أما الحلول العملية ففي حدود علم كاتب هذه السطور لاتصل نسبته إلى 1% مما كتب!
من جهة أخرى يمكننا القول إن ما كتب حول إصلاح الوعي ــ اجمالاــ انحصر في نتيجتين..
النتيجة الاولى:
تكرار ممل وصل به الحال انه بمثابة انطباعات لا غير!

 

النتيجة الثانية:

غلب عليها أسلوب جلد الذات أو الذهاب بعيدا (أفكار تجريدية وكأن الكاتب يحدث ذاته)!

وبما أن العقلاء قالوا: ان كل تصرف تظهر قيمته ومكانته من خلال ثماره ونتائجه وأثره في المجتمع؛ فان ثمار ما كتب حول اصلاح الوعي تعد قليلة جدا والقليل منها ثمار سطحية وهشة لا تصمد امام أعاصير المتغيرات وعواصف التناوش المختلفة فضلا عن البناء عليها!
اعني البناء عليها بناءً ثقافيا متينا نصل من خلاله الى صناعة افكار ومفاهيم في الثقافة السياسية والاجتماعية الخ.
ذلك أن امتنا بحاجة ماسة الي افكار ومفاهيم هادية في دروب الحياة الملتوية والتي تتضافر على صنعها دهاليز السياسة في الداخل والخارج.
ـــ هناك من الكتاب من قدم جهدا لا بأس به ــ مقترحات حلول إجرائية وعملية ــ خصوصا في مجال التعليم العالي ــ الجامعات.
ـ غيران هذا العمل لم ير النور ودفن في أقبية الأراشيف, علما أن أخصب مجال للتطبيق هو الجامعات والمعاهد العليا بل هو العمود الفقري لصناعة الوعي والنهوض بالمجتمعات، لكن هيهات.

 

الخلاصة:
اننا نعاني فقرا مدقعا يتمثل في غياب الأفكار والمفاهيم المتينة الصانعة للوعي, الأمر الذي يعني غياب المفكرين, وغياب المفكرين يعني انه لا وجود لبرامج ذات فاعليه هادفة، تستهدف صناعة المفكرين، رغم اننا قضينا عقودا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.

ــ تتعدد الأسباب التي أدت الي هذا العقم الفكري القاتل, غير انه من الممكن إجمال أسباب هذا العقم الى سببين؛ السبب الاول:
الاستبداد السياسي!


السبب الثاني:
الاستبداد الديني القادم من رحم الجمود الفقهي.
فالاستبداد السياسي اغتال العقل العربي وحشر فيه الثقافة الوافدة، بل احتضن الرؤوس القادمة من بعثاتنا التعليمية فصنع موجة من الإلحاد والعلمنة والليبرالية. باختصار: الأنظمة العربية -واليمن جزء منه ــ أخذت من كل فكروافد أسوأَه!
فكانت ردة الفعل الطبيعية من المجتمع ــ حفاظا علي الذات من الذوبان ـ
فتشبثت بالموروث اما جهلا واما عنادا، واصبح كل متحدث عن التجديد وصياغة الأفكار والمفاهيم داخل الفكر المحافظ ذاته محل نبز وسخرية في اقل الأحوال وهو فاسق وضال ومبتدع وزنديق وحداثي, فاستغل الاستبداد السياسي ردة الفعل هذه وأحسن توظيفها لأنها تستند الى قاعدة جماهيرية واسعة ــ فعزف عليها وهنا تولد نوع ثالث من الاستبداد وهو الاستبداد الاجتماعي، فاجتمع كما في المثل الشعبي
( غدر ـ مطر ـ سباع ).

 

الإســـهــام الــذي يــــمـــكننا تــقــديــمــه

يتمثل الإسهام في هذه المقاربة وبحسب المتاح في المحاور الأربعة التالية:
ــــ إطلالة تأصــيــلــيــة من القرآن العظيم.
ــــ نظرات تأصــيـليـة من الـسـيـرة الـعـمـلـية ـ مقاصد تصرفات الرسول ص ـ والنتائج المترتبة عليها.
ــ رؤيــة إجـرائــيـة (الطريق الي تكوين المفكرين).
ــ مدخلات التكوين (المواد التي سيتم التدريب عليها وصولا الى تكوين المفكرين ثم الى صياغة الأفكار وبلورة المفاهيم).

 

الـــمـــحـــور الاول:

مــكانـــة الــفـكــر فـي الــقــرآن
المتأمل في القران العظيم سيجد أن القرآن عموما والمكي منه خصوصا قدتضمن عناية فائقة بالفكر وإصلاح التصور, ومن خلال هذه العناية القرآنية بالفكر توصل الفقهاء الي ان اول مقصد من مقاصد القرآن هو إصلاح الفكر وحمايته,
بل جعل إصلاح الفكر الوسيلة المركزية والمحورية; لأن التوحيد سينعكس ايجابا على آفاق الحياة ومضامينها!

 

النتيجة الاولى:

ــ انطلاقا مما من هذه العناية القرآنية بالفكر توصل فقهاء الفكر المقاصدي الى تقعيد منهجي متين مستندا الى موقف القرآن من الفكر، مفاد هذا التقعيد المنهجي الرصين:
ان القرآن العظيم اذا تكرر فيه ذكر موضوع ما اربع مرات فما فوق فان هذا يعطينا ان هذا الموضوع مقصد قرآني؛ اي هدف قرآني!
ان على الأمة المسلمة ان تهتم بالقضايا بقدر اهتمام القرآن بها!
مكانة الفكر في القرآن ــ حكم التفكير ــ فريضة شرعية! أي كالصلاة والصوم والحج والزكاة!
جمع الاستاذ العقاد آيات القرآن حول الفكر ومشتقاته (الأبصار, الألباب.. الخ)
باللفظ والمعنى فوصلت 360 آية وسماه: التفكير فريضة شرعية!

 

النتيجة الثانية:
بلور فقهاء الفكر المقاصدي قاعدة كلية -كهدف قرآني وتشريعي ــ يتمثل في أن حماية العقل: يعتبر إحدى الضرورات الخمس الكبرى!
ــ ان حماية العقل تأخذ أبعادا مختلفة أبرزها:
ــ تحرير العقل وذلك في إعمال التفكير في كل شيء يعود الي الانسان بما يصلحه دنيا واخرى، وان يرسم طريق حياته دنيا واخرى بمحض اختياره دون وصاية او إكراه.
ــ تغذية العقل بما يصلحه من العلوم النافعة.
ــ حماية العقل والفكر مما يفسده من المدخلات الفكرية الخاطئة ـ كالخرافة والظنون التي لا تقوم على برهان علمي, والجهل والهوى, والفلسفة ــ الميتافيزيقيا ــ ما وراء العقل كعلم الغيب والبحث عن ذات الخالق والتنجيم والسحر والشعودة.
ـــ رفض الإكراه والاستبداد تحت اي شعار كان , ويدخل تحته التظليل الاعلامي ومصادرة الإرادة وتزويرها.
ــ حمايته العقل من المفسدات الحسيه كالخمر والمخدرات.
ــ ابطل التشريع الاسلامي كل تصرف شابهُ نوع إكراه في العقائد والمعاملات.
ـــ اعتمد القرآن في جانب المعتقدات والفرائض والحدود: الأدلة القطعية لفظا ودلالة ولا مكان للظن في مجال العقائد والفرائض والحدود والقيم العليا.
ـــ اعتبر فقهاء الفكر المقاصدي ما سبق من الضرورات انها قواعد كلية حاكمة على غيرها، وأنها مقدمة على كل دليل جزئي; ذلك ان هذه القضايا اجتمع فيها العقل والنقل؛ فالعقل هنا يعتبر مؤيدا بكثرة ادلة القرآن حولها , وبحسب د عمارة العقلانية المؤمنة.
ــ لم يقف فقهاء الفكر المقاصدي عند ما سبق ذكره بل اعتبروا أن القرآن حمل للعقل منهجا يعتبر سؤل الأسئلة، (ارني كيف تحيي الموتى) وبالتالي لم يتلق الخليل إبراهيم -عليه السلام- أي تأنيب او توبيخ او تقريع من الله جل جلاله!
ــ كما أن القرآن رسخ هذا بصيغ مختلفة الي جانب ما سبق، وهو تكرار حملته الشعواء على الظن ولم يكتف بهذا بل طالب ب(هاتوا برهانكم).
ـــ أيضا: أمر القرآن بالسير في الأرض في كثير من الآيات واقرب مثال:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20
الخلاصة لتلك هي مكانة الفكر والتفكير في القرآن ـ
فماذا عن العناية النبوية العملية بالفكر والتفكير?
هذا هو موضوع الحلقة الثانية - ان شاء الله ـ