السبت 20-04-2024 04:12:41 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح والدولة..تشاركية سياسية ام استحواذ؟!

الأحد 13 مايو 2018 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت– خاص/ فهد سلطان

  



سبر أغوار أي تيار سياسي أو جماعة دينية, وسواء كان فرد أو جماعة, من المهم العودة بالذاكرة قليلاً الى التاريخ القريب والبعيد معاً, فرصد الوقائع والأحداث للحزب أو التيار طيلة فترة عطائه السياسي, وتفسير مواقفه حينها وربط الماضي بالحاضر من الممكن أن يشكل صورة اكثر وضوحاً للقارئ والمتابع, بما يجيب عن كثير من التساؤلات في هذه اللحظة, والتي تنثرها الأحداث بين وقت وآخر.
في اول انتخابات برلمانية جرت في البلاد بعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/ايار 1990م, أفرزت الانتخابات عن بروز ثلاث أحزاب ذات شعبية كبيرة, حصد حزب التجمع اليمني للإصلاح 379,987 صوتا بما يمثل 17% من اجمالي عدد الذي صوتوا في الانتخابات فعلياً, ليفوز بعدد 62 دائرة انتخابية.


لم يكن بداً أمام حزب المؤتمر الشعبي العام الفائز الأول في الانتخابات النيابية, سوى أن يقبل بتشكيل حكومة "ائتلافية" بين الثلاث الأحزاب الكبيرة (المؤتمر – الإصلاح – الاشتراكي) الى جانب عدد من المستقلين.
وبالنظر الى تلك الانتخابات، وما رافقها من ملاحظات محدودة إلا أنها بالنظر الى طبيعة الانتخابات اللاحقة عدت أهم استحقاقات المرحلة الديمقراطية الوليدة في البلاد. كما أن قيام الانتخابات في موعدها كانت بداية مشجعة, فقد سادها شيء من التنافس والحماس. وحسب شهادات دولية كانت على درجة عالية من الشفافية والنزاهة, إضافة الى التوازن الجديد الذي أفرزته الانتخابات للحياة السياسية الجديدة بشكل عام.



الاختبار الأول


أفرزت الانتخابات النيابية الأولى عام 93 تقدما كبيرا للمؤتمر, وتقدم في المستوى الثاني للتجمع اليمني للإصلاح، يقابله تقدم ثالث للحزب الاشتراكي اليمني في المرتبة الثالثة في عدد الأصوات, وقد رفض الحزب الاشتراكي حينها - القادم من الجنوب بإرث دولة - أن يتم مساواته بالإصلاح الحزب الذي ولد حديثاً, فتم الاتفاق على توزيع الحكومة وفق معادلة (2+1=2)وهذه المعادلة كانت الاختبار الاول للإصلاح والذي قبل بها وتنازل من أجل أن تمر العملية السياسية الوليدة في البلاد بدون منغصات, وهو ما يعني أن توزع الحقائب تم على النحو التالي: عدد (2) للمؤتمر و(2) للاشتراكي و(1) للإصلاح.


قبل الإصلاح نتائج الاتفاق الذي عقد بين الثلاثة الأحزاب بتاريخ 24مايو/ أيار 1993م, كان الإصلاح بالمقام الاول يهمه نجاح التجربة والسير نحن استكمال استحقاقات التعددية وتجذيرها في البلاد, وتفويت أية فرصة تضرب العملية السياسية الوليدة, وبعد الانتخابات مباشرة بدأت سعير الحرب السياسية وتبادل الاتهامات تدور رحاها بين المؤتمر، الذي يريد أن يلتهم كل شيء، وبين الاشتراكي، الذي يتذمر من الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات, وأنه بصدد فقدان كثير من القوة التي كان يملكها, وأنه هنا ايضاً ينتقل من حزب له إرث دولة الى حزب يعتمد على العمل السياسي المجرد من أية قوة، وهي قسمة كان يرفضها وتمثل له هاجسا وقلقا دائما وربما كان له بعض المبرر في ذلك أمام سوء النية التي بدا بها نظام صالح الذي لا يحترم الاتفاقات ويطوعها وفق مصالحها الشخصية البحتة.


استمر عمل الحكومة "الائتلافية" من مايو/ أيار 93م وحتى 7 يوليو/ تموز 94م أي لمدة عام كامل, وانتهى عملها باننتهاء الحرب وانتصار ما سمي حينها قوات الشرعية على الانفصال الذي أعلن 21 مايو/ ايار 94م من قبل نائب رئيس البلاد حينها علي سالم البيض, رغم أن الحرب بدأت قبل هذا التاريخ بأشهر على شكل تحركات ومناوشات بين الجيشين اللذين لم يتم اكتمال دمجهما, وانطلقت شرارة الحرب الفعلية من محافظة عمران، الذي يتمركز فيه كل من اللواء الثالث المدرع الجنوبي، واللواء الأول المدرع الشمالي، وكان ذلك بعد خطاب ناري لعلي عبدالله صالح شن فيه هجوما هو الاول من نوعه ضد الحزب الاشتراكي وقال فيه بخطاب يحمل نوعا من التحدي: "إن شعبنا اليمني سيضع حداً لأولئك، الذين يتسكعون على أبواب بعض العواصم، ليستلموا مالاً مدنساً من أجل إجهاض الوحدة".


ونتيجة للأزمة التي وقعت بين الحزبين الحاكمين منذ 31 ديسمبر 1991، بشأن الانتخابات والكثير من القضايا السياسية وتلك التي كانت متراكمة منذ ما قبل الوحدة، ومنها دمج القوات المسلحة، وعدم تطبيق قانون الأحزاب السياسية، الذي يحتم ابتعاد العسكريين عن الأحداث، وضرورة استقالة رئيس الوزراء، والوزراء الذين يرشحون أنفسهم، وهو الأمر الذي كان يجب حدوثه بشكل مبشر.


وهنا عمل الإصلاح بكل وسعه في تلك الفترة الحساسة والحرجة على شقين بتفانٍ كبير؛ الأول: من خلال الوزارات التي تسلمها واغلبها كانت خدمية مرتبطة بحياة الناس, وقدم الإصلاح تجربة فريدة مشهود لها, واتسم الخط الثاني سياسياً من خلال محاولة ردم الهواة بين طرفي الأزمة في البلاد في الحزبين الكبيرين (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني), رغم أن تسارع الأحداث وتفكك عرى التوافق قاد مباشرة نحو حرب صيف 94م, والتي أفرزت حماية أهم مكتسب للشعب اليمني وهي الوحدة اليمنية، ولكن الحرب تركت شروخا في الذاكرة وأعقبها سياسة رعناء من قبل النظام عمقت الأزمة اليمنية وأدخلتها في فضاءات مظلمة لا زالت تداعياتها حتى هذه اللحظة.


ويرجع بعض المراقبين تفجر الخلافات سريعاً والسير نحو الحرب يعود الى أن البلد لم تخضع لفترة انتقالية طويلة الامد, تعمل على إزالة الشكوك والخصومة المتبادلة بين السياسيين, خاصة أن مخاوف متبادلة بين الشمال والجنوب قبل تحقيق الوحدة كانت حاضرة، واستمرت آثارها حتى بعد قيام الوحدة.

 

وعي سياسي مبكر


صحيح أن قيام الوحدة اليمنية - مرافقة للتعددية الحزبية والديمقراطية - كانت مفاجئة للمجتمع اليمني كله!, بل وللإقليم أيضاً وللمجتمع الدولي, خاصة أن الأحزاب والكيانات السياسية والاجتماعية جميعها كانت على اشتباك مباشر قبل الوحدة تحت إطارات مختلفة وفي اكثر من موقع, بما يعرف بحروب المناطق الوسطى، وتركت تلك الحرب أثاراً عميقة في الحياة الاجتماعية والسياسية, إلا أن الإصلاح، ورغم التخوفات التي لازمت مسيرته السياسية عبر التصريحات والتراشق الإعلامي وعلى اكثر من منبر، حافظ على موقفه السياسي المتوازن, ولم ينجر نحو العنف والعنف المضاد, ويشهد المراقب المحايد أن الإصلاح كان يتطور – في مساره السياسي - يوماً بعد آخر, فرغم خلفيته الدينية والتي لم تدخل الحياة السياسية على مراجعات مكتوبة, وخاصة الموقف من الديمقراطية, إلا أن المواقف السياسية كانت تعكس حسا سياسيا عميقا ينم عن مراجعات سياسية مستمرة، جعلته على قدر كبير من المسؤولية واجتياز كثير من العقبات والسير نحو مشروع تجذير العملية السياسية الوليدة في البلاد.