الخميس 28-03-2024 16:57:22 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

اليمن ومسـيرة الإصـلاح في التاريخ الحديـث(3ــ 4)

الأحد 13 مايو 2018 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبدالعزيز العسالي

  



الـــفـــترة :1962ــــ 1978
تنويه:
لاشك أن القارئ يدرك اننا لانؤرخ وانما نستجلي الدور الذي قامت به مسيرة الإصلاح في اليمن الحديث، فنقول:
اذا اردنا الاقتراب من الدور الذي قدمته مسيرة الاصلاح، وكذا معرفة الهاجس الثقافي الفكري الاصلاحي المنشود، والذي سيقوم على انقاض السلالية العنصرية لا سيما بعد قيام ثورة 1962/9/26 م ـ فإنه من الصعب استقراء التاريخ والصحافة ـ غير انه من الممكن الاقتراب من الهاجس الفكري والثقافي الذي يحدو مسيرة الإصلاح نحو الثورة انقاذا للمجتمع اليمني الذي طالما اكتوى بنار السلالية البغيضة ونير العنصرية التي تدثرت بالمقدس.
نعم: لن يسعفنا هنا غير الخيال الشعري والذي جسد قيم الثورة كما في النصين التاليين: اديب اليمن عبدالله البردوني رحمه الله:
النص الاول:

افقنا على فجر يوم صبي فيا صحوات المنى اطربي
الى ان قال:
فولى زمان كعرض البغي وأشرق عهد كقلب النبي!

النص الثاني:

مات في انفسنا معنى الضياعِ وانتفت من بيننا روح الصراعِ
لم نعد صنفي سراة ورعاعِ او رعايا سخرت للانتــــفـــاعِ
ان مشى الحق على ساحاتنا ينصف الاكواخ من ظلم القلاعِ
الفضول -رحمه الله ـ
جزء من انشودة مغناة للفنان ايوب طارش

النص الاول:
ابدع هذا النص في الباس السلالية والعنصرية: صور ة مزرية لفترة الحكم الشاذ حيث اختار وصفا يليق بالسلالية العنصرية (فولى زمان كعرض البغي)؟؟ لقد ردد هذه العبارة آلاف من ابناء الشعب خلف الشاعر
الذي بعث روح التفاؤل لدي الشعب قائلا: "واشرق عهد كقلب النبي"!
وشتان بين الوصفين، وشتان بين الزمن الشاذ والزمن الذي سيولد من رحم الثورة المباركة ـ مهما قيل ان الثورة لم تقدم شيئا يذكر غير ان الذين عايشوا زمن السلالية يستغفرون الله اذا ما طلب منهم مقارنة؛ اذ لامقارنة ابدا في نظرهم!

كقلب النبي (ص) حامل شريعة المساواة، كقلب النبي سلما وسلاما وحبا فلا اجترار للماضي طالما وقد مات في نفوس رواد المسيرة معنى الضياع بل وانتفت روح الصراع التي طالما حركتها يد العنصرية المتلوثة! وأنى للصراع ان يسكن نفوسا تحررت ويا طالما هتفت لهذا اليوم, أنى للصراع ان ينبعث وقد تساوى ابناء الشعب في ظل دستور قادم من روح الاسلام الحنيف؟!
لقد انتفت اسباب الصراع وهنا رُسِم طريق الحق والعدل والذي طالما فقدهما الشعب قرونا طويلة؛ قرونا غاب فيها الدين الحق, وشوهت صورته, ومسخت مبادؤه, ونسفت معالمه، غير ان مسيرة الاصلاح هاهي اليوم تجسد مسيرة الحرية والعدل والمساواة; انصافا للمجتمع في ظل دستور يتمتع في ظله اليمنيون بالانتساب الى اليمن لاغير, فلا جهوية ولا مذهبية ولا طبقية. كيف لا والشاعران يرسمان لوحتيمها الرائعتين رغم اختلاف منطقتيهما؛ فالبردوني من محافظة ذمار ــ قلب التمذهب العنصري والفضول من تعز؟!

 

الــنظــام الـــجــمـــهـــوري
انــقـســام عــلى الــذات:

تقاطعت مصالح خارجية واختلط فيها حسابات شخصية فتولد عنها ثورة مضادة وجدت دعما قويا. وحسب رئيس الجمهورية الثانية ــ القاضي الارياني -رحمه الله- حيث قال في مذكراته:
عجزنا ونحن نقدم البراهين القاطعة ان نقنع السادات ان الحرب مع الجيران ــ عدمية ـ ولا جدوى منها سوى فتح جراحات اليمن في غنى عنها، وفوق ذلك نحن ندرك مدى تهافت القبائل امام براميل الذهب العابرة للحدود.
نعم فشل التيار الجمهوري المدني وترجحت كفة تيار العسكر بحكم تواجد الجيش العربي ـــ المصري.

 

مـــــــســـــيرة الإصــــلاح الـمــدنـــي بـــوســائــل مــعــاصــرة

لم يقف تيار مسيرة الإصلاح المدني أمام العصا الغليظة ـــ جمهورية العسكر.
لقد اتجه تيار مسيرة الاصلاح المتمثل في التيار الجمهوري المدني في خطين متوازيين؛ الخط الاول:
الدفاع عن النظام الجمهوري ورفض حكم الملكيين نظاما وأشخاصا علما ان التيار المدني هنا يلتقي مع تيار العسكر.
الخط الثاني:
اتجه تيار مسيرة الاصلاح ــ الجمهوري المدني ــ يقوده الارياني والنعمان والزبيري والوجهاء والمشايخ والتجار: الى الإصلاح السلمي من الداخل، غير ان التصرفات الفجة للعسكر ــ اعتقالات, اقصاء, بل وإعدامات, حملات إعلامية ظالمة ومبتذلة في آن ـ الى الحد الذي فاجأ الشعب اليمني بعودة النعرة العصبية, القبلية, الجهوية, المذهبية. انطلقت مسيرة الاصلاح ــ التيار المدني حاملة لواء النصح وحيث إن النصح لم يجدِ فقد اتجه التيار المدني بتحريك وسائل سلمية ابرزها:
تمثل في إقامة مؤتمرات(عمران -حرض ) انضوى فيها كل مؤيدي التوجه المدني وإقامة حكومة مدنية, انتهت بصياغة دستور مدني ــ تنبثق من نصوصه دولة مدنية ــ دولة مؤسسة منسجمة مع بدهيات النظام والدستور الجمهوري، كما أشرنا آنفا.

إن التيار المدني طالت رموزه الاعتقالات والإعدامات والاغتيالات والاعتقال والتهميش, وكان أول ضحية هو الشهيد الزبيري -رحمه الله-
رغم تصرفات العسكر ظل التيار المدني الإصلاحي مكافحا في وجه الثورة المضادة, وفي ذات الوقت رافضا كل مشاريع التعصب التي أثارها العسكر; ذلك أن تعصب العسكر الحق خسائر كبيرة بالنظام الجمهوري! أبرزها ان بعض الاسر الهاشمية المساندة للثورة وكثير من القبائل الي استخدام لغة أكثر عفونة وطبقية واستعلاء ــ رد ة فعل ــ لتعصب العسكر; حيث ان بعض الهاشميين برروا انسحابهم من مساندة الثورة واصفين العسكر والجمهوريين عموما انهم صعاليك سوق الملح!

باختصار:
نجحت الثورة المضادة، وانتهت الجمهورية الأولى بانقلاب ابيض شارك فيه القبيلة والبعث والشيوعيون بعد انسحاب الجيش العربي المصري من اليمن.
المهم أن التيار الإصلاحي المدني تسلم الحكم وتم تطبيق الدستور بتشكيل برلمان وحكومة مدنية.
غير أن انسحاب القوات المصرية فتح الشهية للثورة المضادة ذات الدعم اللا محدود، منتقصة تيار الحكومة المدنية وأنها اعجز عن المواجهة فضلا عن الصمود الطويل!
لقد اجتمعت جيوش تيار السلالية العنصرية ـــ الثورة المضادة وقام بحصار العاصمة صنعاء استمر70 يوما، غيران التفاف الشعب حول حكومته المدنية فوّت الفرصة وانزل هزيمة ساحقة بتيار السلالية،
وانتهى الأمر بتصالح الطرفين وكانت الحكومة المدنية قد رفعت شعار اليمن تتسع للجميع، وفعلا عادت كل جيوش الثورة المضادة باستثناء السلالة العنصرية ــ بيت حميد الدين.

 

خــــطـــوات إصـــلاحـــيـة مـــدنــيـة

استطاعت الحكومة المدنية اصلاح القانون اليمني, مستحضرة التوجه المعاكس للتعصب المذهبي فجاء القانون جامعا ليشمل ــ مبنيا علي الدليل او على المصلحة الراجحة.
إخراج قانون تعليمي بعيدا عن النزق المذهبي الضيق، واتجهت الحكومة لإنشاء اول جامعة ــ جامعة صنعاء ــ نواة كلية التربية والتي عكست مقرراتها ايضا منهجا خاليا من أي تعصب.

 

الــهـــاشــمـية الســياســية

استغلت الهاشمية السياسية روح التمدن المتسامح الى حد كبير لدى الحكومة المدنية فاخترقت الجيش, والدولة العميقة, والأمن, وكثير من مفاصل الدولة!
وحيث اليسار البعثي كان مشاركا في الحكومة المدنية وكان يتمتع بحماية ونفوذ قبليين, فقد مارس البعث انواع البطش والتنكيل بكثير من زملاء النضال السلمي المدني وظل الصراع تحت الطاولة وظاهرا أحيانا, الأمر الذي استدعى ان يتجه لفيف من التيار المدني الاصلاحي نحوالاستقلالية، متمثلا في عدد من الفقهاء والمعلمين والخطباء والمرشدين والوعاظ وبعض الوجاهات.
كان هذا اللفيف امام مشروعين؛ الاول: ان يتم العمل الاصلاحي في اطار الوعظ الديني فقط!
المشروع الثاني: يتمثل في قيام تنظيم له استراتيجته المر حلية وأولوياته الظرفية ـ واستقر الامر عند المشروع الاخير.

 

مـــسيـــرة الاصـــلاح فــي طــور جــديــد

استغل البعث قوة نفوذ القبيلة لينتهي الموقف بانقلاب ابيض على الحكم المدني والذي كان بمثابة بصيص امل للمجتمع، رغم اعترافنا بتعثره!
لكن القبيلة استطاعت ركل الكرة الى شبكة العسكر, وبدعم خارجي وصل العسكر بواسطة انقلاب ابيض الى سدة الحكم , فكان طبيعي ان العسكري يعلن عن جيناته الثقافية في الحكم, حيث حل البرلمان ــ مجلس الشورى, وعلق الدستور, وجعل القيادة بيد خمسة من العسكر!!
حركة الإصلاح ظلت في إطار استراتيجيتها الآنفة بل واستفادت الى حد ما من حكم العسكر في الجمهورية الثالثة في انشاء المعاهد العلمية!
ـــ استمرت حركة الاصلاح في خطها المرسوم ـــ اصلاح الوعي ــ فصبت اهتمامها بالمعلم والتعليم في اطار الدستور والقانون .

نحن امام سؤول يفرض نفسه قائلا:
ماذا عن الاعدامات والاعتقالات والمطاردات التي حصلت في ظل الحكومة المدنية ــ الجمهورية الثانية ــ التي طالت شخصيات?

الجواب
يمكننا القول التالي: اولا:
كان محسن الشرجبي في جنوب الوطن يشغل منصب رئيس محكمة امن الدولة ــ محكمة الأمن السياسي ــ في جنوب اليمن, وبشهادة جار الله عمر -رحمه الله- قائلا:
كان محسن الشرجبي يعدم بالظِّنَّة كل من يقال ان رائحته اسلامي, ناصري, شيخ!
بالمقابل: كان خميس بالشمال والقاضي غالب راجح أيضا يعدمان ويفعلان ما يريدان!
وعليه: نحن امام توجه دستوري في الشطرين يقتل ويقصي ويسجن ضد التعددية.
واذن: فإن مسيرة الإصلاح في الشمال كانت تعيش هذا الجو ــ في ظل توجه دولة، فلا غرابة ان تشارك في الخطاب وصناعة الرأي العام ضد الاشتراكية والسوفييت.
باختصار:
ان مسيرة الإصلاح كانت تسير في ظل دولة ودستور، فما وجه الغرابة اذا حاكمنا الأمر إلى سياقه التاريخي؟