الجمعة 29-03-2024 13:04:51 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مؤشرات السقوط.. هل تعجل النزعة الطائفية السلالية بانهيار جماعة الحوثيين؟

الأربعاء 09 مايو 2018 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت- خاص

     

تؤكد كل المؤشرات بأن جماعة الحوثيين تحمل أسباب فنائها داخل صفوفها، ذلك أن تكريسها للبعد السلالي والطائفي والمناطقي سيتسبب في نشوب نزاعات داخل صفوفها من جهة، وتخلي الكثير من مناصريها عنها من جهة أخرى، حنقا وغيظا بسبب عنصريتها وسوء سلوكها.

 

كما أن فشل الجماعة في توفير أي خدمة للمواطنين، ومواصلتها لمسلسل النهب الذي طال كل الفئات وكل القطاعات في مناطق سيطرتها، بذريعة دعم المجهود الحربي، وتزايد حالة السخط الشعبي ضدها، كل ذلك من شأنه زعزعة ثقة الجماعة بنفسها وبشعبيتها في حاضنتها الاجتماعية، الأمر الذي سيسهم في تزايد الفجوة بين أجنحتها المتصارعة، بين دعاة للتشدد ضد المواطنين والخصوم، ودعاة للتخفيف من حدة القمع والبلطجة التي تمارسها الجماعة ضد المجتمع، وسيتم اتخاذ ذلك وسيلة لتغليف الصراعات البينية من أجل المال والنفوذ.

 

- فشل التقية السياسية

 

ورغم أن الجماعة حاولت في البداية التنكر والتغطية على توجهاتها الطائفية والسلالية فيما يتعلق بمسألة الحكم والولاية، إلا أنها لم تستطع مواصلة "التقية السياسية" طويلا، ذلك أنه سرعان ما بدأت الجماعة في الكشف عن وجهها العنصري والسلالي، والذي بدأ بالتعيينات والتوظيف في المحافظات التي تسيطر عليها، ثم الحديث عن قضية "الولاية" أو الحكم في الإسلام، والادعاء بأنها حق إلهي للجماعة لا يمكن التنازل عنه.

 

بالإضافة إلى إغراق جدران وأزقة وشوارع العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات التي تسيطر عليها بالشعارات واللافتات الطائفية والسلالية، وقتل بعض الحلفاء للجماعة سواء كانوا من بين صفوفها أو من خارجها بسبب الخشية من تنامي نفوذهم كونهم ليسوا من السلالة التي تدعي النسب الهاشمي.

 

- خلافات الأجنحة الصاعدة

 

رغم أن الصراعات والخلافات بين الأجنحة الصاعدة داخل جماعة الحوثيين بدأت بعد أن رسخت سيطرتها على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات المجاورة لها، إلا أن هذا الصراع ظل محدودا وطي الكتمان خلال المرحلة الماضية، لأن أجنحة الجماعة كانت مشغولة بالصراع والخلافات مع حليفها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وجناحه في حزب المؤتمر.

 

غير أنه بعد قتل الجماعة لحليفها علي صالح، خلال أحداث صنعاء في ديسمبر الماضي، بدأت الخلافات بين أجنحة الجماعة تتزايد، وهي أجنحة ثنائية متداخلة ومعقدة، مما يزيد من تعقيد الصراعات والخلافات البينية، فهناك الجناح العقائدي والجناح السياسي، وهناك جناح "القناديل" وجناح "الزنابيل"، وهناك جناح صعدة وجناح المحافظات الأخرى خارج صعدة، وهناك الجناح القبلي والجناح العسكري، وربما تظهر أجنحة أخرى صغيرة أو منافسة للأجنحة المذكورة.

 

- خلافات مكررة

 

تتشابه الصراعات والخلافات داخل الجماعة مع صراعاتها وخلافاتها السابقة التي كانت مع حليفها علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، حيث يظهر البعد الطائفي والنزعة المناطقية والقبلية والطموح الشخصي كهويات صغيرة متصارعة داخل الجماعة. وتشكل الوظائف الرسمية والتعيينات المدنية والعسكرية والصلاحيات الإدارية والنفوذ الشخصي، أبرز محاور الخلافات المتزايدة بين أجنحة الجماعة.

 

ويزيد من خطورة ذلك، أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي لم يعد مؤهلا للسيطرة على جماعته وليس بقدرته ذلك، بسبب تزايد المنضمين للجماعة ممن يبحثون عن مصالح شخصية في مناطقهم، واتخذوا من انضمامهم للجماعة وسيلة للنهب وجمع الأموال.

 

وكانت النتيجة أنه تزايد أعداد من يسمونهم "المشرفين" حتى في القرى النائية التي يفرضون فيها على المواطنين مبالغ مالية بشكل دوري بذريعة دعم المجهود الحربي وتذهب إلى جيوبهم، بالإضافة إلى الإتاوات التي يفرضونها على ملاك المحال التجارية والمزارعين وأصحاب "بسطات الخضار" وغيرهم.

 

- صراع القيادات العليا

 

لم تقتصر الخلافات والصراعات داخل جماعة الحوثيين على الأجنحة المذكورة سابقا، وإنما تتعداها إلى القيادات العليا للجماعة، وإلى أفراد عائلة الحوثي أنفسهم. فمثلا، يحرص عبد الملك الحوثي على أن يظل هو الممسك الوحيد بالجماعة واحتكار قيادتها، بدون أن يصعد نجم منافس له ولو كان من إخوانه أو أبناء أعمامه.

 

ومن أجل ذلك، بدأ بتلميع وتأهيل نجله "جبريل" ليكون زعيما للجماعة في حال وفاته أو قتله، وهو ما أثار غيض أخيه يحيى الحوثي الأكبر منه سنا، الذي تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم، وهي وظيفة -رغم أهميتها- إلا أنها لن تمكنه من بناء نفوذ شخصي في أوساط القبائل والمليشيات التابعة للجماعة.

 

ورغم أنه تم تعيين محمد علي الحوثي في بداية الانقلاب ليكون رئيسا لما تسمى "اللجنة الثورية العليا"، إلا أن الخشية من تصاعد نفوذه دفعت بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إلى الاتفاق مع حليفه علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، قبل فض التحالف بينهما، إلى تشكيل ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" لتؤول إليه صلاحيات ما تسمى "اللجنة الثورية العليا".

 

والهدف من ذلك هو تهميش محمد علي الحوثي وتحجيم نفوذه من خلال ما يسمى "المجلس السياسي"، وكانت النتيجة أن ظهرت خلافات بين محمد علي الحوثي وصالح الصماد، وهي الخلافات التي ربما استغلها التحالف العربي ليحقق من خلالها اختراقا استخباراتيا أفضى إلى اغتيال صالح الصماد، وربما يفضي هذا الاختراق إلى قتل بعض قيادات الصف الأول في الجماعة.

 

- خلافات داخل الجناح العسكري

 

كما أن الخلافات طالت أيضا الجناح العسكري للجماعة، وهو الجناح الذي ظهرت فيه ثلاثة أجنحة تتنازع الصلاحيات فيما بينها.

 

فبالرغم من أنه تم إسناد الملف العسكري للقيادي في الجماعة عبد الخالق الحوثي، إلا أن الخشية من تزايد نفوذه دفعت بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إلى تصعيد كل من يحيى الشامي وأبو علي الحاكم ليكونا منافسيْن له، حتى لا ينفرد بالملف العسكري للجماعة وينقلب على زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

 

ويُلاحظ من خلال الإجراءات التي اتخذها زعيم الجماعة، في مساعيه لتحجيم نفوذ كل من محمد علي الحوثي وعبد الخالق الحوثي وأخيه يحيى الحوثي، أنه يخشى من المنتمين لعائلة الحوثي أولا، ثم المنتمين للسلالة التي تدعي النسب الهاشمي ثانيا.

 

ولأجل ذلك، فقد عيّن قيادات في الجماعة من خارج ما تسمى "السلالة الهاشمية" ليكونوا منافسين لمن يخشى منهم، حيث عين في البداية صالح الصماد ليكون رئيسا لما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، وبعد قتله من قبل التحالف العربي، عين المدعو مهدي المشاط رئيسا لمجلس الجماعة السياسي، وهو أيضا من خارج السلالة التي تدعي النسب الهاشمي، علما أن هذا التعيين أثار حنق كثير ممن يدعون النسب الهاشمي في الجماعة باعتباره من فئة "الزنابيل" بحسب توصيفاتهم العنصرية.

 

وقد دفعت هذه المخاوف بالكثير من كبار المنتمين لما تسمى "السلالة الهاشمية" إلى مغادرة البلاد خشية اغتيالهم من قبل الجماعة، كما حدث لكل من محمد عبد الملك المتوكل وأحمد شرف الدين وغيرهم ممن اغتالتهم الجماعة ولهم شعبية في أوساط السلالة، ليكون عبد الملك الحوثي فقط صاحب النفوذ والشعبية في أوساط السلالة بلا منافس.

 

- جذور البعد السلالي

 

تعود جذور البعد السلالي والطائفي لجماعة الحوثيين إلى البدايات الأولى لحكم الأئمة الزيديين الهادويين لليمن، في القرن الثالث الهجري، وهو الحكم الذي استمر أكثر من ألف ومئة عام خلال مراحل زمنية متقطعة، وشمل بعض المناطق اليمنية توسعا تارة وانحسارا وتقلصا تارة أخرى، وتم توظيف الدين، من خلال المذهب الزيدي الهادوي، لادعاء احتكار السلطة كحق إلهي في أوساط الفئة التي تدعي الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم. كما تم اتخاذ الانتماء إلى المذهب وسيلة للتوظيف في الجيش وجني الزكاة والإتاوات، بهدف استقطاب أبناء القبائل لاعتناق المذهب من أجل الامتيازات التي سيحصلون عليها مقابل ذلك.

 

وتمثل جماعة الحوثيين الامتداد السلالي والوجه البشع لحكم الأئمة الزيديين الهادويين لليمن، الذين كانت سنوات حكمهم للبلاد بمثابة انتكاسة كبرى في تاريخ اليمن الحضاري الضارب في القدم، فتوقف في عهدهم التراكم الحضاري لليمنيين، بل وشهدت البلاد انتكاسة كبيرة للوراء، وتم هدم معظم معالم التراث الحضاري اليمني، من تدمير للآثار وسرقتها، وإحراق المخطوطات، وإثقال كاهل المواطنين بالزكاة والإتاوات بدون تقديم أي خدمة عامة لهم، وشاع في عهدهم الفقر والجوع والجهل والمرض وانتشار الخرافات والخزعبلات والشعوذة والدجل، حتى اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962 لتطوي أسوأ حقبة في تاريخ اليمن.

 

غير أن جماعة الحوثيين ظهرت من بين ركام التاريخ وكهوف الجغرافيا لتعيد للشعب سنوات البؤس والظلام، متخذة من النزعة السلالية والطائفية وادعاء الحق الإلهي في السلطة كبضاعة وحيدة تقدمها لليمنيين من أجل نهب ثرواتهم والتحكم بمصائرهم، ومنحهم مقابل ذلك الفقر والجهل والتخلف والشعوذة والتمييز العنصري السلالي والطبقي، وإعادة بعث ظاهرة "تقبيل الركب" من جديد.

 

- عدم القبول بالآخر

 

ولعل أخطر ما يثير المخاوف من جماعة الحوثيين، هو عدم قبولها بالآخر، سواء كان حليفا لها أو عدوا، وهذا الأمر يدحض ادعاءات الجماعة بقبولها بالحوار، ويقنع مختلف الأطراف الأخرى بأن اللغة الوحيدة التي تعرفها الجماعة هي لغة السلاح، وما عدا ذلك فليس سوى استهلاك للوقت ومضيعة له، ولا خيار سوى إما الرضوخ للجماعة والاقتناع بتقسيمها المجتمع إلى سادة وعبيد كما تريد هي، أو استمرار النضال الوطني ضدها حتى القضاء عليها والبدء في بناء اليمن الجديد على أسس الحرية والمساواة والديمقراطية وتكافؤ الفرص.

 

وعدم القبول بالآخر ليس نهجا موجها من قبل الجماعة ضد الآخرين فقط، لعوامل سلالية وطائفية، بل فالأمر يعد تكرارا لما كان عليه عهد الأئمة الزيديين الهادويين، ذلك أن الأمر لا يقتصر على عدم القبول بالآخر من خارج الطائفة أو المذهب أو السلالة فقط، وإنما يتعداه إلى عدم القبول بالآخر داخل الطائفة أو السلالة ذاتها، بسبب صراع المصالح والنفوذ داخل السلالة والطائفة بين أجنحتها المختلفة.

 

ويتجلى ذلك في الصراعات والخلافات داخل جماعة الحوثيين ذاتها، وأيضا الخلافات والصراعات بين الأئمة الزيديين الهادويين أنفسهم خلال مراحل حكمهم لليمن، حيث كانت الصراعات والحروب العنيفة تنشب من حين لآخر بين الأئمة أنفسهم، بسبب ادعاء كل منهم أحقيته في الإمامة وحكم البلاد، وهذا الأمر مسنود ومكرس بتأصيل فقهي وفقا للمذهب الزيدي، حيث يتيح المذهب لمن رأى في نفسه القدرة والأحقية بالإمامة والسلطة بأن يخرج شاهرا سيفه وداعيا المواطنين إلى مبايعته إماما، وليقاتل كل من يعترضه حتى وإن كان الإمام أو الحاكم الذي يرى بأنه ضعيفا ولا تتوفر فيه شروط الإمامة.

 

كما أن المذهب الزيدي الهادوي يجيز تولي إمامين للسلطة بشكل متزامن في البلاد إذا توفرت في كل منهما شروط تولي الإمامة التي حددها لذلك، وهذا التأصيل الفقهي هو الذي فتح الباب على مصراعيه للأئمة وأتباعهم للاقتتال فيما بينهم من أجل السلطة، متخذين من أبناء القبائل الجهلة والبسطاء وقودا لحروبهم التي دمرت اليمن أرضا وإنسانا خلال حقبة زمنية طويلة.

 

واليوم يكرر التاريخ نفسه، حيث ظهرت جماعة الحوثيين كامتداد لحقبة الأئمة السوداء في تاريخ اليمن، مع فارق كبير، يتمثل في أن الصراع الطائفي اليوم صار يشعل منطقة المشرق العربي، بدعم إيراني وتواطؤ غربي، وسط تخاذل وانقسام السنة العرب تجاه الأطماع الفارسية والمشاريع الطائفية العنيفة.